آليات معالجة مشكلة المديونية الخارجية في العراق
آليات معالجة مشكلة المديونية الخارجية في العراق
د. نبيل جعفر عبد الرضا
2018 / 10 / 21
آليات معالجة مشكلة المديونية الخارجية في العراق
ان اللجوء الى الاقتراض الخارجي والبحث عن مصادر تمويل خارجية ينبغي ان يكون لتغطية فجوة الموارد ( الاستثمار – الادخار ) واضافتها الى الموارد المتاحة للاقتصاد ، فإذا استخدمت هذه الموارد بشكل جيد من خلال توجيهها نحو الاستثمارات المدرة للدخل التي تسهم في تنويع الاقتصاد فإنها تفيد البلد وتساهم في عملية التنمية والنمو ، اما اذا كانت الديون موزعة بشكل غير ملائم من خلال توجيهها نحو الانفاق التشغيلي كما هو الحال في العراق فإن تكاليف الاستدانة تساهم في تعقيد المشاكل الاقتصادية الكلية في شكل مستويات غير مستدامة من خدمة المديونية .
ويلاحظ ان الجانب الاكبر من هذه القروض تذهب لدعم الموازنة وللاغراض التشغيلية مما ستشكل مستقبلا قيدا كبيرا على امكانية الاقتصاد العراقي في التنمية والتطور بسبب الاستحقاقات الكبيرة مستقبلا لأقساط خدمة الدين التي ينبغي على العراق دفعها على حساب تنمية الاقتصاد العراقي . علما ان الدين العام في العراق قد بلغ (حسب التقارير الفصلية التي تنشرها وزارة المالية على موقعها الالكتروني ) في عام 2015 نحو 99.6 مليار دولار وبنسبة 66.1% من الناتج المحلي الاجمالي ، اما الدين الخارجي فقد وصل الى 66 مليار دولار وبنسبة 7و41% من الناتج المحلي الاجمالي وبنسبة 118% من اجمالي الصادرات. وقد ارتفت ديون العراق الاجمالية الى 117 مليار دولار في عام 2017منها 70 مليار دولار ديون خارجية و 47 مليار دولار ديون داخلية .
ان مصدر الخطورة الحقيقية, كقاعدة عامة, يأتى من الربط الوثيق بين نمو عجز الموازنة ونمو المديونية الداخلية والخارجية . وهذا الامر قد يدخل الاقتصاد والموازنات اللاحقة في حلقة مفرغة ذات اثار مدمرة للاقتصاد يفرض على العراق بشكل رئيسي الاقتراض الداخلي والاقتراض الخارجي لتغطية العجز الكبير في الموازنة ، ففي موازنة عام 2018 اعتمد العراق على الاقتراض الداخلي الذي بلغ 2 ترليون دينار لتغطية 15% من العجز المخطط . غير ان الخطر الكبير يتمثل بالاعتماد الكبير على الاقتراض الخارجي (من جهات متعددة ). لتمويل عجز الموازنة والذي يبلغ 13.015 ترليون دينار وبنسبة 77% من الفجوة المالية ( العجز ) . وهذا يعني ان الاقتراض الداخلي والخارجي يمول 92% من عجز الموازنة الاتحادية في العراق لعام 2018 . فيما يسهم الفائض من عام 2017 والذي يبلغ 992.835 مليار دينار في تمويل 8% من عجز الموازنة العراقية لعام 2018 .
ان اللجوء الى المصادر الخارجية للتمويل وبالذات الاقتراض الخارجي سيحمل العراق اقساط سنوية لخدمة الدين الداخلي والخارجي البالغة (8.246 ترليون دينار) في الموازنة وبنسبة (8%) من الانفاق العام للعام (2018) وهو مبلغ ليس بالقليل كان بالإمكان اضافته الى الانفاق الاستثماري وبمشاريع تخص القطاع السلعية من اجل دفع عملية النمو في الاقتصاد العراقي وهذا خطأ من اخطاء الماضي في تجربة التمويل بالاقتراض الخارجي والداخلي غير المبرر
وبما ان معالجة المديونية الخارجية من خلال المؤسسات الدولية يعد أحد أشكال إدارة الدين الخارجي التي ترتبط ببرامج التكييف الإقتصادي.
اولا : معالجة ديون السعودية والكويت
إن أصل هذه الديون كان بنحو 18 مليار دولار وهي 12 مليار دولار للسعودية و 6 مليارات دولار للكويت وهذا ما يمكن عدّه ديناً من الوثائق ألمقدمة أما بقية المطالبات فهي لا يمكن عدّها ديناً. لانها عبارة عن خليط من عدة مكونات منها:
1- تصدير نفط لصالح العراق في المنطقة المحايدة بين ألدولتين إذ اتفقت السعودية مع الكويت لإنتاج ما يعادل 1.3 مليون برميل من النفط يومياً وتسويقها لصالح العراق.
2- تسديد الديون التي على العراق للآخرين أو ضمان العراق اتجاههم، إذ تعهدت السعودية بتعزيز الجدارة الإئتمانية لحكومة العراق السابقة وإسناد محاولاتها للحصول على قروض من الأسواق المالية العالمية.
3- تجهيز العراق بوسائل مدنية تخدم المجهود الحربي من آليات وناقلات وحديد للمواضع العسكرية وأسلاك شائكة. وأن هذه كانت تعد بالذات تبرعات ودعماً للمجهود الحربي.
4- تقديم تسهيلات في الموانئ السعودية والكويتية وإعفاءات من رسوم الترانسيت والتخليص الكمركي إذ سمحت السعودية بمد انبوب لتصدير النفط العراقي عبر أراضيها لذا فإن العراقيين لا يرون إن كل ذلك قروض لعدم وجود ما يثبت ذلك اذ من المحتمل ان تكون هبات أو مساعدات خصوصاً إن الدافع السياسي كان وراء تلك المساعدات.وكل ذلك اوصل ديون الكويت والسعودية على العراق الى 41 مليار
لم يتخذ اي اجراء بها لعدم موافقة الكويت على التخفيض وقد اتخذ مجلس محافظي صندوق النقد العربي في الاجتماع السابع والعشرين المنعقد في الكويت في نيسان 2004 بعض التدابير منها منح العراق مدة سماح ممتدة لتسوية ديونه مع الدائنين العرب. لهذا بقيت تحت عنوان ديون غير معالجة علما ” ان مجلس الامة الكويتي طالب في حينها الحكومة الكويتية الى مبادلة الديون بالاستثمارات ز
وهناك إشارات على أن هذه الدول رتبت لتسوية الدين في صيغ مماثلة في اتفاقية نادي باريس إلا أنه لا يوجد على أرض الواقع إلى الآن ما يؤيد ذلك.ويبدوا ان الاعفاء منها يحتاج الى اتفاقات سياسية اكثر من أي شي اخر علما ان العراق ملتزم بمبدا المعاملة بالمثل ضمن اتفاقية نادي باريس ( اي لايجوز للعراق ان يعقد اتفاقية مع اي دائن بتخفيض الدين باقل من 80 %) وهي من اشترطات صندوق النقد الدولي لاجراء التخفيض والتي شكلت فيما بعد الاطار العام للسياسات الاقتصادية للدولة بعد 2003 .
أن الجانب الاكبر من الديون العراقية كانت لدول خليجية وبالذات السعودية والكويت ، في الوقت الذي كان فيه جانب كبير من هذه الديون قد منحت تحت باب المساعدات وحولت من جانب واحد الى ديون ، ومع ان الكويت تؤكد بانها تمتلك وثائق رسمية تبين تحويل تلك الاموال الى العراق ولكن من وجهة النظر القانونية ان واقع التحويل الذي تحقق لايكفي للبرهان على ان العراق يتحمل أي مطالبة لاعادة دفع أي مبلغ مالم تكن شروط التحويل محددة وملزمة 0 واذا اصرت الدول الدائنة على مواقفها المتصلبة وتفسيراتها القانونية بشأن عدم قبولها تطبيق مبدأ الدين البغيض على ديون العراق عندئذ على العراق الا يتردد بالدفاع عن كون هذه التحويلات لاتشكل قروضا دون عقد مكتوب يبرهن عليها 0 ان مبدأ الديون البغيضة التي تقول بأن الدين الذي لايستخدم في منفعة الشعب وانما في دعم فساد وقهر الديكتاتورية هو دين فاقد الشرعية القانوتية ، ان الحل الامثل لديون السعودية والكويت يتمثل في ضرورة قيام جهد وطني كبير للدعوة الى انشاء محكمة تحكيم تنظر في الديون البغيضة ولها ان تقرر اي من هذه الديون هي ديون بغيضة واي منها ديون قانونية شرعية ، وبالتالي سوف تسقط الاولى التي تشكل معظم الدين العراقي وسيدفع العراق الديون القانونية وهي الادنى ولاتزيد عن 10% ، وهو ماسيؤدي بالتالي الى تحرير العراق من ديونه الخارجية 0
ثانيا : الالتزام بتسديد أقساط خدمة الدين في مواعيدها المحددة
على العراق ان يلتزم بتسديد أقساط خدمة الدين في مواعيدها المحددة ضمن الاتفاقية التي وقعها العراق في اتفاقية نادي باريس ومع المنظمات المالية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات المالية الاخرى التي اقترض منها العراق بعد عام 2003 ، وعدم اللجوء الى اعادة جدولة هذه الديون نظرا لما يترتب عليها من فوائد اضافية ترهق كاهل العراق .وهذا الامر من شأنه ان يسهم في تخفيض حجم المديونية الخارجية العراقية على المدى البعيد .
علما ان نادي باريس قد وافق على الغاء 80% من ديون العراق لنادي باريس والبالغة 40 مليار دولار على ثلاث مراحل هي ؛ المرحلة الاولى وفيها يتم الغاء 30% الاولى وتعادل 6و11 مليار دولار بدون شروط وفي المرحلة الثانية يتم الغاء 30% الثانية حال مصادقة العراق على البرنامج المعياري لصندوق النقد الدولي اما المرحلة الثالثة فيتم فيها التخفيض بنسبة 20%بعد ان يقر الصندوق بعد ثلاث سنوات التزام العراق بتطبيق برنامج الصندوق .
ثالثا : ضرورة الابتعاد عن الاقتراض الخارجي
ان يبتعد العراق قدر الامكان عن اللجوء الى الاقتراض الخارجي لمعالجة عجز الموازنة الاتحادية وتمويل النفقات التشغيلية . وعلى العراق أن يطبق مبدأ القاعدة الذهبية في الاقتراض الخارجي أي الاقتراض فقط في حالة الحاجة الماسة الى تمويل المشاريع الاستراتيجية التي يترتب عليها زيادة الطاقة الانتاجية للبلد( كمصافي النفط والبتركيمياويات ) او خلق موارد دخل جديدة في المستقبل( كميناء الفاو الكبير مثلا ) تكون كافية لتسديد اقساط خدمة الدين الخارجي عند استحقاقها مستقبلا . وعلى العراق ان يتجنب الاقتراض من صندوق النقد الدولي لأنها مشروطة بحزمة من الاجراءات التي ينبغي على البلد المدين الالتزام بها والتي تتمثل في :
1.تحرير الاسعار وتحرير ترتيبات التسويق والتوزيع وتحرير الاستثمار
2.تحرير التجارة وازالة القيود الكمية على الاستيراد
3.اعتماد سياسة واقعية لسعر الصرف
4.خفض الانفاق العام وخفض الاجور
5.رفع اسعار الفائدة
6.اعادة هيكلة المؤسسات العامة واخضاعها للمحاسبة والشروع في خصخصتها ونادرا ماتكون لصالح الشعوب التي تطبقها .
ويرى العديد من الاقتصاديين العراقيين بأن شروط الصندوق تتجاهل كلفة هذه السياسات ، والعراقيون لايستطيعون تحمل الكلفة الاجتماعية نظرا لاوضاعهم المأساوية 0 ان برنامج الصندوق للاصلاح الهيكلي سيخلق المزيد من التوتر الاجتماعي في العراق مما قد يدمر التحول نحو الديمقراطية .
رابعا : تقييد الاقتراض الخارجي
وهو يعني عدم السماح للسلطة التنفيذية بالاقتراض الخارجي إلا بموجب قانون خاص يحظى بموافقة مجلس النواب العراقي للحد من اللجوء الى هذا المصدر الخطير للتمويل نظرا لاثارها السلبية الكبيرة على الاقتصاد العراقي وعلى مستقبل الاجيال القادمة من خلال اخضاع الموارد المالية واستنزافها لتسديد اقساط خدة الدن ولآجال طويلة مما يضع قيدا كبيرا على التطور اللاحق للاقتصاد العراقي وامكانات تحقيق تنمية اقتصادية مستقلة تسهم في بناء مصادر القوة الاقتصادية وتنهض بالمستوى المعاشي وبنوعية حياة المواطنين العراقيين .
خامسا : تأسيس صندوق استقرار العائدات النفطية
العراق هو الدولة الوحيدة ضمن اوبك التي لاتمتلك صندوقا لاستقرار العائدات النفطية . إذ ان العراق يعتمد على العائدات النفطية التي تشكل 85% من الايرادات العامة . وهذا يعني ان تقديرات الايرادات العامة مرتبطة بتقديرات الكميات المتوقع تصديرها من النفط الخام اضافة الى تقديرات اسعار النفط العالمية المتوقعة وهي عوامل تتميز بالتقلبات واحيانا الشديدة ، مما يوجب الحذر عند تقدير كل من النفقات العامة ( وخاصة النفقات التشغيلية الجارية) والايرادات العامة . وتعكس هيمنة الايرادات النفطية على الايرادات العامة وتدني مساهمة الانشطة غير النفطية طبيعة الاختلال الكبير والمستديم الذي تعاني منه الموازنات العراقية منذ عدة عقود والتي تؤشر بدورها مدى هشاشة الاقتصاد العراقي وتبعيته المتزايدة لسلعة النفط . ولذلك ينبغي على العراق ان يؤسس صندوقا لاستقرار العائدات النفطية يوظف فيه جزءا من عائداته النفطية عندما ترتفع اسعار النفط وتزداد عائداته النفطية للاستفادة منها مستقبلا في حالة انخفاض اسعار النفط وتدني العائدات النفطية وهو ما يبعد عن البلد اللجوء الى الاقتراض الخارجي .
سادسا : ترشيد الموازنة العامة
بقيت النفقات التشغيلية المسيطرة على حجم الانفاق العام وبنسبة لاتقل عن 75%من اجمالي النفقات العامة في في كل الموازنات العراقية بما فيها موازنة عام 2018 وهي نسبة مرتفعة جدا وهذا ان دل على شي انما يدل على ان ليس للحكومة من برامج انمائي واضحة المعالم من اجل دفع عملية النمو في الاقتصاد العراقي لابقاء على احادية الاعتماد على النفط. ان الارتفاع الكبير في الانفاق العام انصب على الانفاق التشغيلي الجاري بشكل اساس وهو ما يشكل مؤشرا خطيرا في دولة نامية كالعراق تحتاج الى موارد كبيرة وهائلة لاعادة اعماره في كل المجالات ابتداء من البنى التحتية بما فيها التعليم والصحة والاسكان والطرق الى قطاعات النفط والصناعة والزراعة بالاضافة الى توفير الحد الادنى لمستويات معيشة تليق بانسان في بلد متخم بالموارد. فضلا عن ذلك فإن جزء غير قليل من النفقات التشغلية يتم تمويها من خلال الاقتراض الخارجي .ولذلك تقتضي الضرورة ضغط النفقات التشغلية الى ادنى حد مكمن وخاصة فقرة الرواتب التي تشكل جانيا مهما من النفقات التشغلية من خلال الغاء القوانين التي تسمح للمواطن العراقي ان يتقاضلا اكثر من راتب واحد والغاء الرواتب التقاعدية للذين ليس لهم خدمة وظيفية لا تقل عن 15 عاما وكما هو ساري المفعول على الموظفين الاخرين . اما النفقات الاستثمارية فهي لا تزيد عن 25% من النفقات العامة في الموازنات العراقية يمول بعضها عن طريق الاقتراض الاجنبي . غير أن الانفاق الاستثماري في العراق غير فاعل اي انه غير موجه نحو الاستثمار في البنى التحتية والمشاريع الاستثمارية التي تزيد من الطاقة الانتاجية للبلد وتحسن من بيئته الاستثمارية .ولذك ينبغي الاعتناء بطبيعة الانفاق الاستثماري وتحديد اولويات الاستثمار بدقة من أجل توفير المقومات اللازمة للنهوض الاقتصادي وتعزيز الانتاج المحلي وتوفير الموارد المالية اللازمة لتسديد اقساط خدمة الدين الخارجي ….. @
@ عن الحوار المتمدن…