العنوان:أبحاث في القانون الدستوري
المؤلف:عمار كوسة
يعرف القانون الدستوري بأنه مجموعة القواعد القانونية الواردة في الوثيقة الدستورية والتي تحدد السلطات العامة وحقوق وحريات الأفراد. كما يعرف القانون الدستوري، وفق المعيار التاريخي، بأنه مجموعة القواعد القانونية الواردة في الوثيقة الدستورية والتي تحدد السلطات العامة في ظل نظام نيابي حر يكفل للأفراد حقوقهم وحرياتهم. أما وفق المعيار الشكلي فيعرف القانون الدستوري بأنه مجموعة القواعد القانونية الواردة في الوثيقة الدستورية. أما من منطلق المعيار الموضوعي فإنه لا ينظر إلى الدستور كوثيقة، بل ينظر إلى ما هو دستوري من حيث الجوهر، سواء ورد في الوثيقة الدستورية أم لم يرد. فالموضوعات المتعلقة بنظام الحكم تعتبر دستورية ومن اختصاص القانون الدستوري سواء وردت في الوثيقة أم لم ترد.
ويمكن إبداء تعريفنا الخاص للقانون الدستوري بأنه مجموعة القواعد القانونية المتضمنة في وثيقة تسمى الدستور (في الدول ذات الدساتير المكتوبة) والتي تدرس الدولة وأشكالها وأنواعها وخصائصها، ثم نظام الحكم الموجود فيها والنظام السياسي المتبع، وهي أيضا القواعد القانونية التي توضح السلطات الموجودة في الدولة والعلاقة الوظيفية بينها، ومجموعة الحقوق والحريات الممنوحة للفرد داخلها.
أما علاقة القانون الدستوري بالنظم السياسية، فقد تقررت دراسة القانون الدستوري لأول مرة في كلية الحقوق بباريس سنة 1834 بهذه التسمية فقط، أي “القانون الدستوري“، لكن تغيرت بعد ذلك هذه التسمية إلى “القانون الدستوري والنظم السياسية “Droit Constitutionnel et institution politiques” منذ 1954. ولم يكن التغيير في الاسم فقط، بل في المضمون أيضا. ورغم هذا الارتباط، إلا أن الفقه اختلف حول مدلول كل منهما، وهل هما تعبير واحد أو تعبير مختلف؟ فهناك اتجاه رادف بين المفهومين واعتبر أن النظام السياسي في أي دولة ما هو إلا نظام الحكم فيها وهو الذي يتناوله القانون الدستوري. أما الجانب الآخر من الفقه فقد لاحظ عدم التطابق بين المصطلحين، فالنظام السياسي أوسع مدلولا من القانون الدستوري.
وإذا كان القانون الدستوري هو مجموعة من القواعد القانونية التي تبين نظام الحكم في الدولة من خلال تحديدها للسلطات العامة وعلاقاتها فيما بينها وما يترتب للأفراد من حقوق وحريات في مواجهتها، ليس من الناحية القانونية فحسب، بل من الناحية الواقعية التي تبين كل المؤثرات الموجهة لهذه السلطات، سواء كان قانونية أو فعلية، فإن القانون الدستوري ينطبق على النظم السياسية ويصبح المصطلحين مترادفين. لكن الدراسة الدقيقة للقانون الدستوري تبين أنه يدرس ما يجب أن يكون عليه نظام الحكم في الدولة والنظام السياسي والحريات والحقوق الممنوحة للأفراد، وليس ما هو قائم فعلا على أرض الواقع. ومن هذا المنطلق فإن القانون الدستوري والأنظمة السياسية مصطلحين غير مترادفين. ولم تكن تغيير التسمية سنة 1954، بداية في فرنسا، إلا تعبيرا صريحا على أن المصطلحين مختلفين. فعدم الاكتفاء بدارسة القواعد القانونية المجردة وتجاوزها إلى الواقع الفعلي لفرض الاختلاف في المصطلح وبالتالي ضرورة الجمع بين المصطلحين وعدم الاكتفاء بأحدهما.
وانطلاقا من هذا التحليل، فإن القانون الدستوري يعني دراسة القواعد القانونية لنظام الحكم، بينما تعني الأنظمة السياسية بمختلف الظروف الاقتصادية والاجتماعية والواقعية التي تؤثر في هذه القواعد. فتحليل أي نظام سياسي في دولة ما يتطلب اليوم تحديد تلك القوى المختلفة التي تشارك في ممارسته للسلطة بطريق مباشر أو غير مباشر، أي سواء كانت قوى رسمية أقامها الدستور، أو قوى فعلية توجه السلطة بطريق غير مباشر. ومن هذه التفرقة بين المصطلحين، تجاوز القانون الدستوري أزمته التي عرفها خلال منتصف القرن العشرين في أوروبا، والتي تمثلت خاصة في أن الدساتير المكتوبة كانت ضعيفة وعديمة الارتباط بالواقع العملي للحياة السياسية، مما جعل دراسة المؤسسات السياسية وربطها بالقانوني الدستوري والواقع الاجتماعي ومظاهره كالأحزاب والنقابات والجمعيات أمرا لا مفر منه.
يحاول هذا الكتاب تفصيل بعض المواضيع التي يهتم بها القانون الدستوري بوجه عام وتخص كل المهتمين بهذا الفرع من الدراسات القانونية، طلبة وباحثين، بدءا بموضوع النظرية العامة للدولة والنظرية العامة للدساتير. كما أن دراسة القضاء الدستوري في كل مراحل الدراسات القانونية المعمقة أصبحت ضرورة ملحة تقتضي التطرق إلى تفاصيل هذا الجزء الهام من الدراسات الدستورية من خلال معرفة مفهومه وأسسه وارتباطه بمبدأ سمو الدستور وضمانات الحفاظ على هذا السمو بواسطة الرقابة على دستورية القوانين بمختلف صيغها وأساليبها وممارستها عن طريق الدعوى الدستورية. ثم يجدر دراسة النظام الانتخابي والمنازعات الانتخابية بتحليل طرق وأساليب ممارسة العملية الانتخابية ومختلف المنازعات الانتخابية التي تطرها هذه الممارسة على كل المستويات الانتخابات في المجال السياسي، الرئاسية والتشريعية والمحلية، ليتم التفصيل أخيرا في منازعات الأحزاب السياسية مع الاسقاط على النظام القانوني الجزائري في كل هذه الدراسات.