أثر التجارة الدولية على البيئة
أثر التجارة الدولية على البيئة
غير أن المقارنة بين وضع التجارة الحرة “مع” التجارة الدولية والوضع الافتراضي “دونها” ليست واضحة.
فإذا اتفق الاقتصاديون بصفة عامة على الطابع النفعي للتجارة الحرة، الذي يزيد من حجم التجارة الدولية، وبالتالي من حجم إنتاج الثروات، فإن صافي آثار التجارة الدولية على البيئة يظل غير محدد بشكل واضح. إلى جانب الآثار السلبية، كالتلوث المباشر الناتج عن وسائل المواصلات، وتزايد المنتجات المُلَوثِة والتي تولد عناصر تؤدي إلى استغلال الطبيعة ، ومشاكل التقنين الدولي للملوثات، هناك بعض الآثار الإيجابية مثل نقل التكنولوجيا النظيفة أو التوزيع الأفضل للموارد الطبيعية (وبالتالي الحفاظ عليها).
الآثار المترتبة على تحرير تدفق السلع
وعلى سبيل المثال، في عام 1993، نشر جين جروسمان والان كروجر [2] دراسة حول نتائج تحرير التجارة في أمريكا الشمالية في إطار اتفاقية التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية المستقبلية (النافتا)، والتي تنص على إنشاء منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة ، وكندا ، والمكسيك في 1994. وقد أوضحا في هذه الدراسة ثلاثة آثار أساسية لتحرير التبادل الاقتصادي:
- أثر يعرف بـاسم “أثر التكوين” : بموجبه تتخصص الدول في المنتجات التي تمتلك بها ميزة نسبية، مما يؤدى ليس إلى الاستخدام الأمثل للموارد البشرية (العمل ورأس المال) فحسب، بل أيضا للموارد الطبيعية، وفقا لنظرية التجارة الدولية. ويكون أثر التكوين الناجم عن تحرير التبادل لصالح البيئة، وفقا لما ذكره أصحاب هذه النظرية.
- أثر آخر يُطلق عليه أثر “الحجم” : وفقا لنظرية التجارة الدولية، تتيح اتفاقية التجارة الحرة تزايد مطلق في الإنتاج ( وهو ما يشكل بالنسبة لأنصار هذه الاتفاقية فائدتها الكلية). غير أنه على الصعيد البيئى، تؤدي زيادة الإنتاج بناء على تخصص كل دولة في الإنتاج الذي يرى أداءه فيه الأفضل، إلى تداعيات سلبية على البيئة.
- بيد أن أثر الحجم يقابله أثر “تقني” : حيث أن التجارة الحرة تتيح تعميم التقنيات الأكثر تقدما والتي تكون عادةً مسببة للتلوث بشكل أقل للبيئة على الصعيد العالمي. كما أن ارتفاع الإيرادات الناجم عن زيادة الإنتاج يترتب عليه توعية السكان بأهمية المحافظة على البيئة.
أثار النموالمتعلق بالتجارة الحرة
- تحقيق الثراء للمواطنين والشركات التي يزداد اهتمامها بالبيئة التي تعد، وفقا لمنظورهم، ثروة عليا.[3] ففى الواقع، نجد أن تنظيم استغلال البيئة أكثر إلزاماً في البلاد التي تتمتع بالديمقراطية;
- استخلاص فائض عائد يسمح بتخصيصه لحماية البيئة;
- اكتشاف تقنيات جديدة تتيح الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية ؛ مما يؤدى إلى الحد من ارتفاع التلوث بل وتقليله ;
و بناء على هذه الافتراضات، يقول بعض علماء الاقتصاد مثل جروسمان وكروجر[4] وكذلك بعض رجال السياسة أن، النمو يضر بالبيئة إلى ى أن يتم التوصل إلى مستوى معين للدخل للفرد وعندها تصبح الآثار الإيجابية على البيئة هي السائدة . يُلخص منحنى كوزنتس البيئى هذا التطور . فعلى سبيل المثال، نجد أن التلوث الناجم عن عوادم السيارات بشكل عام أقل في المدن الكبرى للدول الغنية عنه في دول العالم الثالث.
على الرغم من ذلك كانت هذه الرؤية محل نقد على المستوى النظري حيث أن هذا المنحنى لا يوضح إلا ما حدث من تطور في الماضي وكما أن جميع هذه التطورات حدثت على المستوى المحلي، وأما المشكلات المستقبلية، لاسيما مشكلة الاحتباس الحرارى , فقد أضحت من بين المشاكل السائدة .و إذا كان التلوث في وسط المدن قد انخفض بشكل ملحوظ وكذلك أنواعاً أخرى من الملوثات الثقيلة في الدول المتقدمة، فإن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى لتلك الدول لم تنخفض قط بل هي في تزايدٍ مستمر. . .(ملحوظة : هناك بعض الأنواع من الملوثات قد تم نقلها لدول العالم الثالث مثل بعض الصناعات شديدة التلوث)
إلا أن الدراسات التي أجريت في المكسيك والتي نشرها كيفن جالغير[5] قد أبطلت هذه النظرية أيضا : حيث يقدر الحد الأدنى للدخل الذي يميل التلوث بعده إلى الانخفاض بحوالى 5٬000 دولار ؛ وقد وصلت المكسيك بالفعل إلى هذا الحد الأدنى في عام 1985. بيد أنه وفقا لما قرره المعهد القومي للدراسات الإحصائية في المكسيك، فإن تحرير التجارة في عام 1990 صاحبه زيادة طفيفة في متوسط الدخل بينما ما حدث من تدهور بيئي ارتفع بشكل مفاجئ، وهكذا ففي عام 1999,كانت زيادة الدخل تمثل 14 مليار دولار، بينما التدهور ب 47 مليار دولار .وبالتالي، يبدو أن النمو الناتج عن التجارة الحرة لا يتيح وحده لا تخفيف ولا خفض نسبة التلوث .
آثار تدهور معدلات التبادل التجاري
و قد كان هذا المنطق مثارا للجدل أحيانًا : حيث يعتمد حجم تصدير المواد الخام بصورة أساسية على الطلب في الدول الصناعية وليس على الاحتياجات المتزايدة للتصدير في الدول الفقيرة. ومن ناحية أخرى، وبعيدا عن آثار التجارة الحرة المحتملة، فقد أصبح التدهور في معدلات التبادل التجاري مثاراً للجدل. ومثال ذلك، تعارض هذه الفرضية مع الارتفاع الحتمي في أسعار المواد الخام التي سبق وحددها نادي روما.
أمثلة على الأثر البيئى لتدفق السلع
تلوث الهواء
تلوث البحار
التنوع الحيوي
التقسيم الدولي للعمل والبيئة
وقد اتخذت منظمة من أجل تحصيل الضرائب على التعاملات المالية العابرة للحدود بغرض منفعة المواطن “اتاك“(ATTAC) مثال إنتاج الجمبرى لتسليط الضوء على ظاهرة هدر الطاقة. “إن الجمبرى الذي نستهلكه يمر بطريق طويل قبل الوصول إلى صحوننا: فبعد أن يتم صيده في بحر الشمال يسافر من الشمال إلى الجنوب في شاحنات مزودة بمبردات حتى يتم تقشيره بواسطة الأيدى العاملة النسائية منخفضة التكلفة في المغرب، ثم يعود بعد ذلك في تلك الشاحنات ليتم بيعه في أسواق أوروبا.”[10]
الإغراق البيئي
نظريتين منافستين
بعض أمثلة للإغراق البيئىَ
ظاهرة محدودة
تقر هذه الدراسة أن الدول النامية، في عام 1986، كانت بالفعل ضمن الدول المستوردة الصريحة لسلع ينتج عن مراحل إنتاجها تلوثا شديدا للبيئة، وأن البلاد الأكثر فقرا كانت نسبيا الأضعف من حيث تصدير المنتجات الملوثة.
وفي عام 1995، أضحى هذا الاتجاه أكثر بروزا : فبعيدا عن الإغراق البيئي، يلاحظ وجود تركيز عالي على المنتجات الملوثة المصدرة للدول الأكثر ثراء. فإذا كان الإغراق البيئي موجود على أرض الواقع في أماكن محددة، إلا أنه غير منتشر على نطاق واسع.
وهكذا تم دحض نظرية “بؤر التلوث” بالنسبة للمكسيك : فبعد تمرير اتفاقية التجارة الحرة لدول شمال أمريكا، لوحظ وجود انخفاض كبير في تصنيع المنتجات الملوثة في المكسيك، مقارنة بالولايات المتحدة. ويعود سبب عدم ظهور “بؤر التلوث”، على الأرجح، إلى تكلفة اللوائح البيئية مقارنة بالتكلفة الإجمالية للإنتاج، بما في ذلك التكاليف الهامشية.
هذه النتيجة حول التدفقات التجارية، تم تأكيدها، من خلال بعض الدراسات حول تدفق الاستثمار. ففي عام 1992، كان 45% من الاستثمارات الأمريكية في الخارج تتم في دول نامية. في حين أن 5% فقط من الاستثمارات التي تتدفق على الدول النامية (أي 22,5% من الاستثمارات الأمريكية) ترتبط بالصناعات الملوثة (النفط، والغاز، والمنتجات الكيميائية، والصناعات المرتبطة بها، والتعدين) في مقابل 24% تنتج في الدول الصناعية.
سباق الأسعار في طرح المناقصات
وهذا ما أدي إلى رفض الولايات المتحدة التصديق على بروتوكول كيوتو، نظرا لمعارضة مجلس الشيوخ لكل الاتفاقيات التي تنطوي على أهداف لصالح الدول الصناعية فقط دون الدول النامية .
آثار الحواجز التجارية على البيئة
ووفقا لما ذكره روبرت فينسترا، فإن القيود المفروضة على تصدير السيارات اليابانية للولايات المتحدة تعد مثالا حيا للتاثير السلبى لاجراءات حماية الصناعة على البيئة.
ومن أجل التصدى لهذه القيود، قام اليابانيون بتعديل هيكل صادرتهم من السيارات عن طريق تحسين جودتها : بمعنى أنها أعطت الأولوية لتصدير السيارات الفاخرة وعالية الثمن، والتي تستخدم كميات كبيرة من الوقود، حتى أماكن انتظار السيارات الأمريكية أصبحت أكثر ضررا على البيئة .
وقد استخلص جاجديش باجواتى مما سبق ذكره ما يلي : “قد ينتج عن تقييد التجارة أضرارا بالبيئة : انخفاض مبيعات السيارات الأقل تلويثا للبيئة، في مقابل ارتفاع مبيعات السيارات الأكثر استهلاكا للوقود.
كما قام الخبير الاقتصادي كم اندرسون بتحليل السياسة الزراعية للاتحاد الأوروبي، واستنتج من هذا التحليل، أن تحرير التبادل التجاري يؤدي لانتقال المنتجات في اتجاه البلاد النامية الأقل استخداما للمبيدات الحشرية. وهنا أيضًا تظهر عراقيل العولمة التي تعتبر، بالنسبة للبعض، ضارة بالبيئة.
وهناك، دون شك، نماذج أخرى ساهمت التجارة الحرة في ظهور العديد من المشاكل البيئية بها. فالتنمية الاقتصادية في حد ذاتها تسبب مشاكل بيئية، مما يجعل هناك تناقضا بين متطلبات التنمية ومتطلبات حماية البيئة. وقد تم إضفاء طابعا رسميا على هذا التعارض بواسطة وثيقة “مبدأ المسؤولية المشتركة المتفاوتة” الذي طبقته الأمم المتحدة منذ انعقاد مؤتمر ري ودي جانيرو عام 1992.
وقد اتخذ الخبير الاقتصادي جاجديش باجواتي مثالا على الجدل الدائر حول زراعة الجمبري في جنوب شرق آسيا، نموذجا على أثر تحرير التجارة، وما له من عواقب وخيمة على المناطق التي تطبق فيها هذه الزراعات .وأوضح هذا الأثر قائلا : ” العديد من المنظمات غير الحكومية أثارت جدلا للتنديد بهذه التجارة والمطالبة بتقييدها . إلا أن هذا ربما يؤدي إلى أن ” نخسر الغالي والنفيس”، لأن التجارة أداه قوية لرفع معدل الرخاء الذي ينعكس أثره على المجتمع بأسره