أداء الواجب وتحديد المسؤولية الإدارية بين الموظف والرئيس في ضوء قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991.
أداء الواجب وتحديد المسؤولية الإدارية بين الموظف والرئيس في ضوء قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991.
أداء الواجب وتحديد المسؤولية الإدارية بين الموظف والرئيس في ضوء قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991.
الدكتور محمد صباح علي
رئيس مركز بغداد للتنمية القانونية والأقتصادية
عرَف قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 في المادة (1/أولا ) كل من الوزير: بأنه الوزير المختص ويعتبر رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة وزيرا لإغراض هذا القانون. ثم في الفقرة ( ثانيا) من نفس القانون بين من هو رئيس الدائرة : بأنه وكيل الوزارة ومن هو بدرجته من أصحاب الدرجات الخاصة ممن يديرون تشكيلا معينا والمدير العام أو أي موظف يخوله الوزير صلاحية فرض العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون. وأورد القانون في الفقرة (ثالثا) بيان من هو الموظف وأراد به : كل شخص عهدت إليه وظيفة داخل ملاك الوزارة أو الجهة غير المرتبطة بوزارة. وبذلك قد فرق القانون بين الوزير ورئيس الدائرة والموظف، من خلال ما تقدم من التعاريف أعلاه مستندا بذلك على أساس السلطة والمسؤولية التي يمكن تلمسها بصورة واضحة في الشطر الثاني من الفقرة ثانيا من القانون انف الذكر (أو أي موظف أخر يخوله الوزير صلاحية فرض العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون)، الذي يفترض أن يكونوا ضمن صفوف الكادر القيادي المتقدم التي تكون توجيهاتهم إلى الكادر القيادي في الدائرة أو الشركة العامة وحسب طبيعة التشكيل المنصوص عليه لدى الوزارة المعنية ليكون الموظف بعد ذلك في أخر السلم الذي يلتزم تنفيذ الأوامر الصادرة إليه من رؤسائه بالإضافة إلى عدم إسناد أي مسؤولية إليه، وهو ما يكون وعلى حسب ما جاء بمواد القانون أعلاه بأنه مؤدي أو مسير عمل وفق الغرض الذي يريده الموظف المسؤول عن إدارة المؤسسة والتشكيل الإداري وهم الذين بيتهم المادة أعلاه بعناوينهم وصفاتهم والاختصاصات المفوضة إليهم وآخرين ممن لهم مسؤوليات داخل المؤسسة وهم في ذلك مسئولون على قدر السلطة الممنوحة إليهم بخلاف الموظف الذي لم يمنحه القانون أي اختصاص أو مسؤولية تذكر.
وبين المشرع في الفصل الثاني من القانون واجبات الموظف وعرفت المادة (3) منه الوظيفة العامة، بأنها تكليف وطني وخدمة اجتماعية يستهدف القائم بها المصلحة العامة وخدمة المواطنين في ضوء القواعد القانونية النافذة. حيث كان على المشرع أن يُعرف الوظيفة قبل الموظف ويذكرها في أول القانون وقبل الوزير ورئيس الدائرة باعتبارها تمثل الدولة وجوهر النظام الإداري العام وأعلى من أي منصب يشغله الموظف.
لقد ورد في الفقرة (ثالثا) من المادة (4) من الفصل الثاني المذكور أنفا العبارة الآتية ( احترام رؤسائه والتزام الأدب واللياقة في مخاطباتهم وإطاعة أوامرهم المتعلقة بأداء واجباته في حدود ما تقضي به القوانين والأنظمة والتعليمات، فإذا كان في هذه الأوامر مخالفة فعلى الموظف أن يبين لرئيسه كتابة وجه تلك المخالفة ولا يلتزم بتنفيذ تلك الأوامر إلا إذا أكدها رئيسه كتابة وعندئذ يكون الرئيس هو المسئول عنها). وبالنظر لركاكة النص بصورة عامة مع القصور القانوني الفني بين الجانب النظري والتطبيقي في صياغته، إلا أن الشطر الأول من الفقرة أنفا تحمل انطباع غير أنساني أدمي للموظف ويتعارض مع الدستور العراقي لسنه 2005 وديباجته القائم على المساواة وأسس الديمقراطية، وتحديدا كلمة (إطاعة أوامرهم) والإطاعة بمعنى عدم المناقشة والسؤال وتبادل الأفكار وهي مظهر من مظاهر العبودية والرق ويجعل من الوظيفة الإدارية المدنية وظيفة تسلطية تحت سطوة القانون تجاه الموظف الذي عليه وحسب تعبير القانون السمع والطاعة دون مناقشة ما يؤمرون به رؤسائه، وتكون أقرب للخدمة للعسكرية منها للمدنية وهذا يتعارض مع مبادئ الوظيفة العامة لكون الموظف يؤدي العمل لغرض المصلحة العامة المراد بها تسيير المرفق العام وإشباع الحاجات العامة وهدف القانون هو الانتظام والاطراد ببقاء خدمات المرافق العامة تدار بشكل منتظم وان ما ورد بنهاية الشطر في حدود ما تقضي به القوانين والأنظمة والتعليمات وكأنما تشير إلى وجود امتناع مفترض محدد مسبقا من قبل المشرع تجاه الموظف، فالموظف في الحقيقية هو المطبق لتلك القوانين والتعليمات بناءً على توجيهات المسئول، في حين لا نبالغ أن قلنا أن كثير من المسئولين لا يعلمون شيئا عن القوانين والتعليمات التي تحكم عملهم وأنهم يلزمون الموظف كتابة بانجاز اللازم وينتهي دورهم عند ذلك. ناهيك عن أن الصياغة اللا أدمية المشار إليها أنفا قد أغفل المشرع أنه قد يمنحها لأشخاص لا يحسنون التعامل معها وقد يتسلط ويتوغل بمعانيها وتقديرها إذا ما وجد من هو أكفأ وأفضل منه في الوظيفية، وكان على المشرع أن يلغي هذا الشطر من الفقرة ويكتفي بما جاء بالفقرة (أولا/ 4) من ذات المادة بأن على الموظف (أداء أعمال وظيفته بنفسه بأمانة وشعور بالمسؤولية). فالمعنى مفهوم والإلزام واضح على الموظف. فلإطاعة لله سبحانه الخالق وليس للمخلوق، ثم أن المسئول والموظف يعملون لدى الدولة ويقبضون راتبهم من ميزانية الدولة فلماذا هذا التمييز الذي يخلق مشاكل كثيرة داخل أروقة دوائر الدولة وخصوصا ما تشهده اليوم مؤسساتنا من مضايقات على الموظفين والموظفات بسبب مثل هكذا تشريع رديء. وإذا انتقلنا إلى الشطر الثاني من نفس الفقرة ستجدها متناقضة تماما مع أولها حيث طلبت من الموظف الذي يطيع أوامر رئيسه أن يبين وجه المخالفة كتابة ولا يلتزم بتنفيذها إلا إذا أكدها رئيسه كتابة وعندئذ يكون الرئيس هو المسئول عنها، وفي الحقيقة فأن هذا الإثبات ضرب من الخيال في مجال الوظيفة العامة وخصوصا في ظل ما نشهده اليوم فلا يجرؤ أي رئيس إداري أن يُثبت ذلك للموظف ولا الموظف قادر على حماية نفسه على وفق صياغة المادة أعلاه، والتي يفترض من الرئيس ابتداءً حماية المرؤوس وليس العكس مثلما يجري اليوم، لان امتناع الموظف عن أداء هذا العمل سيبررها المسئول بأنها امتناع عن إطاعة الأوامر في حدود ما تقضي به القوانين والأنظمة والتعليمات، متناسين في ذلك أن الرئيس يمتنع تحريريا عن تثبيت أي أمر يطلب منه من رئيس أعلى مخالف للضوابط والتعليمات؛ لانجازه من قبله وعلى مسؤوليته بل يتعامل مع مثل هذه الحالات الكثيرة بطرق شفهية احتيالية خارج القانون إذن فكيف يكون الرئيس مسئولا عنها إذا ما أخفى هذا الرئيس ملاحظات المرؤوس التي ثبتها لبيان تلك المخالفة أو إذا أتلفها الرئيس وحذفت من سجل الوارد أو مزقت، فيبقى الموظف الحلقة الأضعف بين فكي كماشة وفق نصوص لا تحميه وتجعله عرضة للتحقيق والعقوبة ويدفع ضريبة فساد الرئيس الإداري، وما يثبت صدق ذلك هو اللجان التحقيقية التي تشكل في دوائر الدولة التي تثير المسؤولية التقصيرية على الموظف بسبب انعدام الحماية القانونية له والمستفيد الوحيد بذلك هو الرئيس الإداري بالرغم من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام وكما بينا ابتداءً قد أخذ بمبدأ حيث توجد السلطة توجد المسؤولية فكيف يتم تقصير الموظف خلاف القانون والمنطق! وأيضا على خلاف ما نص علية قانون العقوبات النافذ في المادة (40) التي نصت على ( لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أو شخص مكلف بخدمة عامة في الحالات التالية. أولاً : إذا قام بسلامة نية بفعل تنفيذا لما أمرت به القوانين أو اعتقد أن إجراؤه من اختصاصه. ثانيا: إذا وقع الفعل من رئيس تجب عليه طاعته أو اعتقد أن طاعته واجبه عليه )…. ويجب في الحالتين أن يثبت أن اعتقاد الفاعل بمشروعية الفعل كان مبنيا على أسباب معقولة وأنه لم يرتكبه إلا بعد اتخاذ الحيطة المناسبة ومع ذلك فلا عقاب في الحالة الثانية إذا كان القانون لا يسمح للموظف بمناقشة الأمر الصادر إليه . فلم يتكلم قانون العقوبات وهو الشريعة العامة للجريمة والعقاب في أداء الواجب عن إطاعة أوامر ولم يطلب من الموظف مثل هكذا أثبات تحريري صعب ومستحيل يكون على مرحلتين بين شخص مقيد إداريا وشخص قوي ذي نفوذ إداري وقد يكون سياسي عندها ستكون باطلة وغير مشروعة استنادا لقاعدة التوازي في المسؤولية والاختصاص المعمول بها في القضاء الإداري وما زاد من ذلك الظلم وللأسف قضائنا في مجلس الدولة الذي أصبح في الآونة الأخيرة مؤيد لإجراءات الإدارة التعسفية في فرض العقوبات الانضباطية فضلا عن تزايد أعداد المدعيين أمام محكمة قضاء الموظفين متوهمين بإنصافهم من هذا البطش. مع الاستنتاج مما تقدم أن غالبية الرؤساء ما بعد 2003 في العراق قد تحصنوا إداريا وقضائيا ولن يستطيع القانون تقصيرهم أو معاقبتهم انضباطيا بل تكفل الموظف بدفع الثمن عنها بريئا مظلوما وهذا من جراء المشرع الذي أنتج مثل هذه التشريعات الفقيرة في المضمون والموضوع والصياغة التي تحط من كرامة الموظف ومن عمله الذي يمثل أداة الإدارة في انجاز إعمالها اليومية. ومما تقدم نلتمس من مشرعنا الكريم إعادة النظر في قانون انضباط موظفي الدولة جملةً وتفصيلا كونه قانون فقير وهش ولم يحمي الموظف ولم يواكب التغييرات الحديثة بسلبياتها وايجابيتها التي طرأت على العمل الإداري ولم يواجه ما يبتدعه الرؤساء الفاسدين من وسائل احتيال على تطبيق القانون ويفرون من التقصير، أو الإسراع بإقرار قانون الخدمة المدنية المنتظر تشريعه من سنين ومناقشة مواده جيدا وعرضه على مختصين لتلافي الثغرات فيه وتقرير حماية حقيقية للموظف وبخلاف ذلك لا جدوى من التشريع ولا أمل لاستقامة هذا الاعوجاج في العمل الإداري.