الاقتصادية

أسعار النفط في مصر بين الدعم والضرائب والسعر العالمي وصندوق النقد الدولي

أسعار النفط في مصر بين الدعم والضرائب والسعر العالمي وصندوق النقد الدولي

إلهامي الميرغني

2019 / 5 / 16

أسعار النفط في مصر
بين الدعم والضرائب والسعر العالمي
إلهامي الميرغني

مصر من الدول المصدرة للنفط وعضو في مؤسسة الأقطار العربية المصدرة للنفط.وللنفط سعر عالمي يتحدد علي أساس العرض والطلب وتحركات الدول والشركات الكبري وقياسا علي سعر برميل النفط الخام وتوجد ثلاث مناطق يتحدد علي اساسها متوسط السعر العالمي هي مزيج برنت في المملكة المتحدة وخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي وخام دبي وتختلف الاسعار حسب ميعاد التسليم وحسب تكلفة الاستخراج .
تنقسم تكلفة برميل النفط إلي قسمين الأول تكاليف التشغيل والثاني التكاليف الرأسمالية والاستثمارات المدفوعة في عملية التنقيب والاستخراج.وتتفاوت التكلفة بين دولة وأخري. وعلي مستوي الدول العربية نجد أقل تكلفة في الكويت وتبلغ 8.5 دولار ثم السعودية 9.9 دولاروالعراق 10.7 دولار ، عمان 11.3 دولار ، الإمارات 12.3 دولار ، قطر 12.6 دولار، الجزائر 20.4 دولار وليبيا 23.8 دولار. وبالتالي فإن الكويت والسعودية والعراق هي أهم ثلاث دول يتم فيها الاستخراج بتكلفة منخفضة اذا عرفنا ان سعر البرميل الخام يباع في السوق العالمي ما بين 60 و 70 دولار.
لذلك يركز العالم علي أهمية البترول العربي لأنه الأرخص من حيث التكلفة مقارنة بدول العالم الأخري حيث يصل إلي12.6 دولار في إيران و 17.3 دولار في روسيا و 23.5 في فنزويلا و29 دولار في المكسيك و29.9 دولار في الصين و 31.5 دولار في نيجيريا بينما يصل إلي 36.3 دولار في الولايات المتحدة الأمريكية و 48.8 دولار في البرازيل و 52.5 دولار في بريطانيا.لذلك تحرص شركات النفط العالمية علي استنفاذ الأحتياطيات من الدول الخليجية اولا والحفاظ علي احتياطيات الدول الكبري ، كما ان أرتفاع السعر في السوق العالمي يجعل سعر البرميل في الولايات المتحدة وبريطانيا اقتصادي.
تكلفة استخراج برميل النفط في مصر
يبلغ حجم استهلاك مصر من الوقود نحو 81.6 مليون طن سنوياً ( الطن يساوي 7 براميل ) ويبلغ حجم الإنتاج المحلى من الوقود نحو 56.4 مليون طن سنويا بينما يبلغ حجم استيراد مصر من الوقود نحو 25.2 مليون طن سنوياً أي 176.4 مليون برميل سنوياً.( اليوم السابع -9 نوفمبر 2017 ).
تكلفة انتاج برميل النفط في مصر لا تتجاوز 7 دولار ( جريدة البورصة – 28 ديسمبر 2015) وهي بذلك اقل تكلفة بين الدول النفطية وهو ما يعادل 126 جنيه وهذه التكلفة شاملة التكاليف التشغيلية للاستخراج والتكاليف الرأسمالية التي تشمل البحوث والتطوير والاكتشافات. يضاف اليها 6.5 دولار تكلفة تكرير برميل البترول بما يعادل 117 جنيه وبالتالي يكون إجمالي التكلفة للبرميل بعد التكرير 13.5 دولار وبسعر الدولار الآن يساوي 243 جنيه فقط.
عندما تصدر مصر منتجات نفطية أو تستورد منتجات نفطية فإنها تستخدم السعر العالمي بينما تكلفة الانتاج والتكرير أقل من ذلك بكثير. من جهة أخري تحصل شركات النفط في عقودها مع مصر علي حصة من إنتاج الحقل كنفط خام وتلجأ مصر احياناً لشراء حصة الشريك الأجنبي بالسعر العالمي .
لكن العجيب ان وزارة المالية اعتباراً من عام 2005 بدأت احتساب الفرق بين سعر البرميل في الداخل وسعره العالمي ” كدعم للمنتجات البترولية”.وطبعا احنا حسبنا السعر علي برميل تمت معالجته وتكريره والسعر العالمي علي سعر البرميل الخام الغير معالج . والتي لا تتجاوز 7 دولار.
ببساطة لو انتجت مصر برميل نفط بسعر 7 دولار وتبيعه للجمهور في مصر بهذا السعر فإن الفرق بين سعره العالمي 70 دولار وسعره المحلي 7 دولار يعتبر حسابياً عند وزارة المالية دعم بمقدار 63 دولار للبرميل بما يعادل 1134 جنيه لكل برميل.ولذلك يردد المسئولين إن كل زيادة دولار في سعر البرميل تزيد الدعم مليارات وهي أكذوبة حسابية غير حقيقية بالنسبة للمنتج المحلي.ولكنها تختلف بعض الشئ بالنسبة للمنتجات المستوردة وكذلك حصة الشريك الأجنبي.
تراجعت قيمة صادرات مصر النفطية من 6.2 مليار دولار في 2014، 2015 إلي 3.2 مليار في 2016 ثم 5 مليار دولار في 2017. أما الواردات فأنخفضت من 9.8 مليار دولار عام 2014 إلي 4.8 مليار دولار في 2015 ثم ارتفعت الي 8.2 مليار في 2016 ووصلت الي 11.5 مليار دولار في 2017.
بذلك ارتفعت قيمة عجز الميزان النفطي من 3.6 مليار دولار إلي 6.4 مليار دولار مع تضاعف قيمة الدولار من 8 جنيهات إلي 17 و 18 جنيه . وقد اشترط صندوق النقد الدولي قبل إقراض مصر قرض ال 12 مليار دولار الأخيرة سداد مصر 2 مليار دولار متأخرات لشركات النفط الدولية وبما يوضح علاقة هذه الشركات بالعولمة التي يديرها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والشركات الدولية الكبري.
يوضح الجدول التالي تطور صادرات وواردات النفط خلال الأربع سنوات الماضية:
صندوق النقد ودعم الطاقة
طلب صندوق النقد الدولي الحكومة بإلغاء دعم الطاقة بدعوي وصوله لغير المستحقين مع زيادة برامج التعويض الاجتماعي مثل برنامج تكافل وكرامة الموجه لدعم المضارين من سياسة تخفيض الدعم لتصل الي 1% من الناتج المحلي الإجمالي.وقد اشاد الصندوق ببدء ما سماه إجراءات اصلاح دعم الطاقة ويري خبراء الصندوق أن إجراء تخفيضات كبيرة في دعم الوقود خلال البرنامج أمر ضروري .ورحب الصندوق بإجراءات رفع اسعار الوقود 35% وتخفيض ميزانية دعم الوقود . وقال ان السلطات المصرية مستعدة لإجراء المزيد من التعديلات في أسعار الوقود أو إتخاذ ما يلزم من إجراءات أخري لتعويض التكلفة الإضافية في حالة انخفاض قيمة الجنية المصري أكثر من المتوقع أو أرتفاع أسعار النفط العالمية .ويقول الصندوق ان الحكومة تعهدت باسترداد التكلفة لمعظم منتجات الوقود لتصل الي 100% في 2018/2019.كما تضمن اتفاق الصندوق إعادة هيكلة الهيئة المصرية العامة للبترول .( الجريدة الرسمية – العدد 7 في 15 فبراير 2018 – صفحة 25- 28)
لم تكتفي الحكومة بمطالب الصندوق بل بادرت بسداد 2 مليار دولار من متأخرات شركات البترول الأجنبية.وفي خطاب النوايا الذي قدمته الحكومة للصندوق والمنشور في الجريدة الرسمية والموقع من وزير المالية ومحافظ البنك المركزي لم تكتفي الحكومة بالتعهد بإلغاء الدعم بل تعهدت ايضا ببيع حصص الدولة في شركات البترول التابعة للقطاع العام.بذلك ترتبط قضايا الدعم والخصخصة في شروط قرض الصندوق.
وتنفيذا لطلبات الصندوق وتعهدات الحكومة في خطاب النوايا بدأ تخفيض قيمة دعم المواد البترولية من 120.8 مليار جنيه في 2017/2018 إلي 89 مليار في موازنة 2018/2019 ثم بلغت 52.9 مليار جنيه في مشروع موازنة 2019/2020. وبذلك يتم تخفيض دعم المواد البترولية بقيمة 36.1مليار جنيه في عام واحد وبما يشكل 41% من قيمة دعم المواد البترولية في العام الماضي. لذلك تتوالي عمليات رفع اسعار المنتجات البترولية حتي نصل للسعر العالمي. رغم انه عندما ينخفض السعر العالمي لا تنخفض الاسعار في مصر ولم يحدث بل يتم رفع الاسعار حتي في ظل انخفاض السعر العالمي .
ضرائب النفط
لا يظهر النفط في الموازنة فقط في الباب الرابع الخاص بالدعم ولكنه يظهر أكثر من مرة في جانب الايرادات.وفي مشروع موازنة 2019/2020 ضم جانب الايرادات عدة ضرائب علي النفط منها:
– انخفضت ضرائب هيئة البترول والشريك الأجنبي من 51.9 مليار جنيه عام 2017/2018 إلي 41.8 مليار جنيه في مشروع موازنة 2019/2020.
– ضرائب علي منتجات النفط تبلغ 16.9 مليار جنيه في مشروع الموازنة.
– 19.3 مليار جنيه أرباح علي أسهم هيئة البترول.
– إتاوات البترول وتبلغ 16.6 مليار جنيه.
تقوم وزارة المالية باحتساب دعم علي المنتجات البترولية يبلغ 52.3 مليار جنيه منه جزء محاسبي علي فرق السعر المحلي من السعر العالمي وفي نفس الوقت تقوم بتحصيل 104.7 مليار كضرائب ورسوم وأتاوات علي قطاع البترول ويستمر رفع الأسعار وتخفيض الدعم تنفيذاً لتعليمات الصندوق ويكتوي الاقتصاد المصري والمواطن المصري بارتفاع اسعار البترول والغاز وتأثيرها المضاعف علي كافة قطاعات الاقتصاد.
الاستثمار الأجنبي في البترول والغاز
تشكل تكلفة عمليات البحث والتنقيب أهمية كبري في صناعة البترول والغاز وكانت مصر قد خطت خطوات علي طريق بناء خبرات وطنية وتقنيات للبحث والتنقيب ولكنها تراجعت أمام عروض الشركات الأجنبية الكبري صاحبة الخبرة والتي تحرص علي ضخ المزيد من الاستثمارات لاستنفاذ كل احتياطيات مصر من البترول والغاز الطبيعي. وها هي فاتورة الواردات من البترول والغاز تتزايد عاماً بعد الأخر بما يشكل ضغط علي العملة الوطنية ومزيد من العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات.
ما بين عامي 2013 و 2017 دخلت مصر استثمارات أجنبية تزيد قيمتها علي 115.3 مليار دولار موزعة علي 344 مشروع و246 شركة ( المؤسسة العربية لضمان الاستثمار – تقرير مناخ الاستثمار 2018- صفحة 84-86 ) . واستحوذ قطاع الفحم والنفط والغاز الطبيعي علي 51.1 مليار دولار تمثل 44.3% من إجمالي الاستثمار الأجنبي في مصر.اضافة إلي 8.6 مليار دولار في الطاقة الجديدة والمتجددة تمثل 7.5 % من الاستثمار الأجنبي في مصر.
بذلك تكون مصر قد حصلت علي 59.7 مليار دولار للاستثمار في قطاع الطاقة تمثل 52% من إجمالي الاستثمار الأجنبي في مصر حتي عام 2017.وتبلغ استثمارات شركة Rosatom الروسية 30 مليار دولار في مشروع المفاعل النووي في الضبعة ثم شركة Mac Optic اليونانية 10 مليار دولار ثم شركة Eni SpA ( Eni ) الإيطالية للغاز 8 مليار دولار .
ويتوالي تدفق الاستثمارات الأجنبية علي قطاع الطاقة بينما يتم تخفيض متواصل لدعم المنتجات البترولية واعادة هيكلة للهيئة العامة للبترول.كما ان الحكومة تعتزم طرح حصص من الشركات التالية في البورصة ضمن خطط الخصخصة رغم ما تحققه من أرباح ورغم أهميتها الاستراتيجية لتوفير احتياجات مصر من المنتجات البترولية لتضعها في يد القطاع الخاص والمستثمر الأجنبي.
خدمات البترول والتكرير:
1 – الشركة الهندسية للصناعات البترولية والكيماوية (انبى).
2 – شركة الحفر المصرية.
3 – شركة الشرق الأوسط لتكرير البترول (ميدور).
4 – شركة أسيوط لتكرير البترول.
5 – شركة الاسكندرية للزيوت المعدنية (أموك)
شركات البتروكيماويات:
6- شركة سيدي كرير للبتروكيماويات.
7 – الشركة المصرية للإنتاج الايثلين ومشتقاته (ايثيدكو).
8 – شركة أبوقير للأسمدة.
9 – شركة الوادي للصناعات الفوسفاتية والاسمدة.
10- الشركة المصرية ميثانكس للإنتاج الميثانول (إيميثانكس).
11- الشركة المصرية لإنتاج الالكيل بنزين (إيلاب).
هكذا يدعم صندوق النقد الدولي تخفيض الدعم وبيع الأصول وتآكل الاحتياطيات المصرية من البترول والغاز ليزيد اعتماد مصر علي الخارج ويستمر ارتفاع الاسعار علي المستهلكين من ناحية ورفع تكلفة الانتاج الزراعي والصناعي والنقل والكهرباء وليتم تعميق تبعية الاقتصاد المصري للشركات الدولية والسوق العالمي وسلب مصر كل عناصر قوتها وصمودها الاقتصادي.لذلك يتم التركيز علي قطاع البترول والغاز لأنه دعامة رئيسية لأي نهوض او نمو اقتصادي وتفكيكه وخضوعه للشركات الكبري وهو خطوة علي طريق سلب مصر مصادر قوتها.. #

# عن الحوار المتمدن…

زر الذهاب إلى الأعلى