أيمكن لمن لا يؤمن بالديمقراطية ان يبنيها!؟
أيمكن لمن لا يؤمن بالديمقراطية ان يبنيها!؟
- عادل عبد الزهرة شبيب
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار المرقم (7/ 62) في ايلول 2007 باعتبار يوم 15 ايلول يوما عالميا للديمقراطية، حيث يعد هذا اليوم فرصة لاستعراض حالة الديمقراطية في العالم. وتقول الأمم المتحدة عن هذا اليوم بأنه يمثل فرصة للتذكير بأن الديمقراطية مرتبطة بالناس وهي تبنى على الشمول والمشاركة على قدم المساواة، وهي بالتالي لبنة أساسية للسلام والتنمية المستدامة وحقوق الانسان. وتعتبر كل من المشاركة السياسية والفضاء المدني والحوار الاجتماعي ركائز أساسية للحكم الرشيد. وهناك اشارة إلى تلك الصلة القائمة بين الديمقراطية وحقوق الانسان في المادة (21 / 3) من الإعلان العالمي لحقوق الانسان والتي جاء فيها: “ إن ارادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع، أو حسب أي اجراء مماثل يضمن حرية التصويت..”.
يشكل احترام حقوق الانسان والحريات الأساسية ومبدأ عقد انتخابات دورية نزيهة بالاقتراع العام عناصر اساسية من عناصر الديمقراطية وهذه القيم مجسدة في الإعلان العالمي لحقوق الانسان، كما أكد الأمين العام للأمم المتحدة (انطونيو غوتيريش) على احترام وحماية حرية التعبير والصحافة وحرية المعلومات وحرية تكوين الجمعيات والتجمع وغيرها من الحقوق الاخرى.
لقد جاء تقرير مؤشر الديمقراطية لعام 2018 والذي نشرته وحدة (ايكونوميست انتيليفنس) وهي وحدة تابعة لمجلة (الايكونوميست) أن تصنيف الديمقراطية يعتمد على (60) معيارا فرعيا مجمعة في الفئات الخمسة التالية: –
- العملية الانتخابية والتعددية.
- عمل الحكومة.
- المشاركة السياسية.
- الثقافة السياسية الديمقراطية.
- الحريات المدنية.
ومن المقرر ان يمنح مؤشر ديمقراطية الدول درجة من (10) اعتمادا على هذه المعايير. وتم تصنيف الدول إلى أربع تصنيفات وهي:
- دول ديمقراطية كاملة.
- دول ذات ديمقراطية منقوصة.
- دول هجينة تجمع بين الديمقراطية والاستبداد.
- دول ذات انظمة استبدادية.
وبهذا الصدد فقد احتل العراق في حينها المرتبة (114) من أصل (165) حيث صنف العراق ضمن الدول ذات النظام الهجين الذي يجمع بين الديمقراطية والاستبداد.
فبعد سقوط النظام الدكتاتوري الفاشي في العراق في 2003 تأمل العراقيون إقامة النظام المدني الديمقراطي الحقيقي الذي يقطع الطريق على اي مسعى لإعادة بناء نظام شمولي استبدادي قمعي تحت اية ذريعة او واجهة. إلا أن الذي حصل بعد 2003 هو الفشل في تحقيق ما تطلع اليه العراقيون من إقامة الدولة المدنية الديمقراطية. وان الأزمات التي شهدها ويشهدها العراق منذ التغيير في 2003 وحتى اليوم ليست معزولة عن تركة النظام المباد الثقيلة وطبيعة نظام الحكم ومنهجه المعتمد على نظام المحاصصة الطائفية – الإثنية في الادارة وفي بناء مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية وتغليب الهويات الفرعية على المواطنة العراقية الجامعة. كما انها ليست معزولة عن تسييس الدين وتوظيفه ، وتفاعل العديد من العوامل الداخلية والخارجية وما تعرض له العراق من عنف وتخريب وموجات ارهابية دامية في ظل تعمق الطابع الريعي والاستهلاكي للاقتصاد الوطني واعتماد السوق المفتوحة وغياب الرؤية الاستراتيجية المتكاملة لتحقيق تنمية متوازنة مستدامة ، بجانب تفشي الفساد في الدولة والمجتمع واحتدام معركة شعبنا ضد الارهاب وداعش ، اضافة إلى بعض الصيغ حمالة الأوجه في الدستور والانتقائية والممارسة الخاطئة في تفسير وتطبيق مواده كما جاء ذلك في وثائق الحزب الشيوعي العراقي . اذن العراق يعاني من حالة استعصاء سياسي ناجمة عن الصراعات بين الكتل المتنفذة وفي داخلها.
في ظل هذه الأجواء المتأزمة وفي ظل نظام المحاصصة القائم في العراق هل توجد ديمقراطية حقيقية؟ تعني الديمقراطية حرفيا (حكم الشعب) حيث انها شكل من اشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة في اقتراح وتطوير واستحداث القوانين والتي تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي. فهل هذا موجود فعلا في العراق؟
من أركان الديمقراطية التي ينبغي توفرها في المجتمع حتى نسمي نظامها ديمقراطيا:
1) الانتخابات: حيث يتم اضفاء الشرعية على الديمقراطية عن طريق الانتخابات النزيهة والحرة (فهل توجد في العراق انتخابات حرة ونزيهة وغير مزورة وبدون تهديد السلاح والضغوطات؟) كون الانتخابات وسيلة لمنع البعض من تفضيل مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة وتحد من احتكار السلطة لصالح فئة معينة او مذهب معين كما يحصل في العراق.
2) التسامح السياسي: وتكمن أهميته في تحقيق التنمية المستدامة والتوصل إلى عموم الفائدة على جميع الفئات المجتمعية دون غض الطرف عن أي منها. فهل يوجد تسامح سياسي في العراق أم صراعات سياسية من أجل المناصب والنفوذ ومغانم السلطة وامتيازاتها بل أن الصراعات موجودة حتى داخل الكتل السياسية نفسها.
3) سيادة القانون: إذ توجد علاقة وثيقة ما بين الديمقراطية وتطبيق القانون حيث يمكن للمواطن الحكم على شرعية الحكومة بعد إخضاع العملية السياسية للقوانين ووضعها ضمن إطار تنظيمي. وفي العراق لا يوجد شيء اسمه قانون؟
4) حرية التعبير: تدل حرية التعبير على حرية المجتمع، وتعد الصحافة الحرة التي تسمح للأفراد بمناقشة القضايا المختلفة دليلا على ديمقراطية النظام السياسي التابع لذلك المجتمع. وفي العراق على الرغم من ان الدستور العراقي النافذ قد أكد في بعض بنوده على حرية التعبير والرأي وحرية التظاهر السلمي إلا أن السلطات الحاكمة رفضت ذلك عمليا وقامت بقتل المتظاهرين السلميين من الشباب الذين عبروا عن رأيهم، وراح ضحية ذلك أكثر من 700 شهيد واكثر من 30 ألف جريح، اضافة إلى قيامها بغلق عدد من الإذاعات والفضائيات المخالفة لها في الرأي، فأي ديمقراطية هذه في العراق!؟
5) المساءلة والشفافية : تعد الحكومة المنتخبة من قبل الشعب مسؤولة أمامه ، ومن أجل التحقق من انجازاتها وقيامها بواجباتها كتقديم الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الاجراءات ينبغي وجود مؤسسات محايدة في الدولة لتقييم ذلك كسلطات قضائية مستقلة .وفي مجال تقديم الخدمات في العراق هناك تقصير واضح جدا في تقديم الخدمات للمواطنين من قبل كل الحكومات المتعاقبة منذ 2003 وحتى اليوم. وهذا كان أحد الأسباب التي دعت للانتفاضة الشعبية التي عمت مدن العراق المختلفة ويفترض بالشعب محاسبة هذه الحكومات في ظل الديمقراطية الحقيقية وليست المقزمة كما هو الحال في العراق .
6) اللامركزية: تشجع اللامركزية المواطنين ليصبحوا أكثر وعيا من أجل المشاركة في الديمقراطية، وتسهم في تقليل نفوذ القوى السياسية، كما تشير إلى مدى اقتراب الحكومة من حكم الشعب. ولنجاح الديمقراطية ضمن اللامركزية ينبغي توافر موارد بشرية وكفاءة مؤسسية وتمويل لامركزي.
7) المجتمع المدني: ويشمل العديد من الأنشطة والمشاركات كالمجموعات التي تهتم بقضايا معينة مثل حقوق الانسان وغيرها او المنتديات المجتمعية أو الأندية أو الجمعيات الخيرية أو النقابات إضافة لمجموعات واسعة من الأعمال التطوعية وغيرها من النشاطات التي تندرج ضمن المجتمع المدني والتي تساعد بدورها على نمو الديمقراطية الشعبية في المجتمع …
أهداف الديمقراطية
تهدف الديمقراطية الحقيقية إلى تحقيق الأهداف الآتية:
1) تحقيق المساواة بين جميع المواطنين عند تحقيق مصالحهم وأخذ آرائهم بعين الاعتبار دون الانحياز إلى أحد. فهل المساواة موجودة في العراق بغض النظر عن الدين والمذهب والمعتقد والجنس ؟.
2) حماية الحريات العامة بمختلف انواعها وحقوق الإنسان. وهذه الأمور منتهكة في العراق من قبل النظام الحاكم الذي يستخدم القوة المفرطة من أجل اسكات المعارضين وقتلهم.
3) تطبيق النظام الديمقراطي يساعد على استبعاد أنظمة الحكم الدكتاتورية والاستبدادية.
4) حكم الشعب نفسه بنفسه، فالديمقراطية تتيح للشعب إمكانية اختيار حكومته وبالتالي فإن مدى رضاه عن الحكومة يرتبط باختياراته لأنه هو صاحب القرار في هذا الاختيار. هذا إذا كانت الانتخابات غير مزورة ونزيهة تعبر فعلا عن ارادة الناخبين من الشعب وهذا الأمر لم يحصل في العراق.
اذن يمكن القول إنه لا توجد ديمقراطية حقيقية في العراق في ظل نظام المحاصصة الطائفية – الإثنية وفي ظل نظام يقوم على قتل المعارضين السلميين ويفضل مصالحه الشخصية على مصالح الشعب والوطن، وفي ظل وجود قيادات لا تؤمن بالنظام الديمقراطي الحقيقي. وتتمثل مشكلة الانتخابات في العراق في انها لا تزال غير قادرة على انتاج نظام ديمقراطي حقيقي يرعى مصالح الشعب والوطن، حيث أن القيادات والأحزاب المتنفذة لا تزال تدور في دائرة نظام المحاصصة الذي يعتمد على توزيع مغانم السلطة بين الاحزاب المتنفذة. إن إنعاش الديمقراطية الحقيقية في العراق لن يكون الا بتغيير النظام الانتخابي الحالي الذي يرسخ هيمنة الاحزاب والقيادات السياسية المتنفذة ويهمش الآخرين والتخلص من نهج المحاصصة الطائفية – الاثنية الذي هو أس البلاء في العراق.
من المفارقات التي نلاحظها في العراق أن المادة الأولى من الدستور العراقي النافذ تنص على أن نظام الحكم في العراق هو نظام ديمقراطي. ففي العراق (الديمقراطي) اليوم يتم قتل الشباب الذين يعبرون عن رأيهم المكفول دستوريا والذين يطالبون بفرص العمل التي هي حكرا لأبناء المسؤولين واقاربهم.
اذن يمكن الاستنتاج ان التجربة الديمقراطية في العراق تعاني من فشل ذريع وتجسد هذا الفشل في عدم قدرة النظام ما بعد 2003 وحتى اليوم على تحقيق الوعود التي وعدوا بها العراقيين وبناء نظام ديمقراطي حقيقي وتحقيق العدالة الاجتماعية.
أيمكن لمن لا يؤمن بالديمقراطية في العراق ان يبنيها!؟.. #
# عن جريدة طريق الشعب..