اذا كانت المحاصصة الطائفيه هي الحل فلماذا الانتخابات؟
اذا كانت المحاصصة الطائفيه هي الحل فلماذا الانتخابات؟
د. عودت ناجي الحمداني
2005 / 4 / 11
لقد كانت الطائفية دوماً منهجاً لسلوك الحكام الدكتاتوريين في العراق في محاولة لاثارة النعرات والخلافات بين ابناء الشعب الواحد وبسط نفوذها. وبالرغم من البطش والاظطهاد الجسدي والفكري الذي انتهجته الدكتاتورية البغيضه لعشرات العقود، الا ان تلك الاساليب باءت بالفشل وسقطت في الحضيض.
ان نبذ الطائفية والمذهبية والقوميه الشوفينية والحفاظ على الهويه العراقيه ووحدة الوطن العراقي شعباً وارضاً كانت دوماً السمة التي تميز بها المواطن العراقي اياً كان دينه وقوميته وانتماءه السياسي,وهو الامر الذي شكل قاسماً مشتركاً لتعايش الاطياف العراقيه في خيمة التآخي والتضامن الاجتماعي كما شكل قاسماً مشتركاً للكفاح الوطني ضد استبداد الدكتاتورية وظلمها. وقد رأى العالم بأم عينه كيف تحدى العراقيون جبروت الارهابيين واجتازو الطرق الملغمة بالمفخخات والعبوات الناسفه للتصويت للديمقراطيه والحريه ,ومما لا جدال فيه ان الديمقراطيه هي الطريق الاكثر مثاليه للشعوب الطامحه الى التحررمن الدكتاتوريات المستبده ومن اجل اقامة النظام الديمقراطي التعددي .
وترتدي الديمقراطية في الظروف الراهنه في العراق اهميةً استثنائية بأعتبارها احد اهم استحقاقات ما بعد سقوط الدكتاتورية التي حرمت الشعب من ابسط ااشكال التعبير والحريه وحولت العراق الى سجن نازي لممارسة الاساليب الهمجيه بحق الوطنيين المناوئين لسياساتها القمعيه .كما ترتدي الديمقراطيه اهميه كبرى في انتخاب المؤسسات الرئاسيه في الدوله وفي الجمعيه الوطنيه التي ينبغي ان تمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً وتعبر باحساس مرهف بالوطنيه عن حقوقه الاقتصاديه والسياسيه وتقف بوجه المحاولات الراميه الى تجاوزه والتنكر للوعود التي اعلنتها في الحمله الانتخابيه.
ومن المفارقات العجيبه ان القوى التي حققت الاغلبيه في الجمعيه الوطنيه عبر شعارات الديمقراطيه وفصل الدين عن الدوله و عبر شعارات نبذ الطائفيه والمذهبيه, قد قفزت على هذه الشعارات وفضلت المحاصصه الطائفيه كأسلوب لتشكيل الهيآت الرئاسيه وهو ما اسفرت عنه نتائج الصفقات والمساومات التي دارت بين الثنائي الاسلامي الشيعي والقومي الكردي من وراء ظهر الشعب والتي ادت الى احلال المحاصصه الطائفيه بديلاً عن الديمقراطيه. وبالتالي فأن ما جرى في تشكيل الهيآت الرئاسيه لا يتعدى اكثر من عملية تجميع طائفي قومي مغاير لأرادة الشعب، وقد حسمت العمليه برمتها وفقا للتفاهمات الطائفيه التي دارت في الدهاليز المغلقه ,فالشعب يجب ان يطلع على الحقائق ويقيمها ويعرف فيما اذا كانت القوى التي منحها الثقه خذلته ام نفذت ارادته.
ولم يكن هذا النهج الطائفي منطلقاًمن عفويه سياسيه او كما يبرره منتهجوه لتوسيع المشاركه السياسيه وانما يسير وفقاً لحسابات سياسيه بعيدة المدى تتوخى :
1- تحشيد القوى الطائفيه بغض النظر عن كونها شيعيه او سنيه لأعاقة التوجه التقدمي في كتابة الدستور العراقي الذي ينبغي ان يجسد الحقوق المدنيه والسياسيه لكافة العراقيين دون أي تمييز قومي او طائفي ويؤكد على حقوق المرأة العراقيه المساويه للرجل. وهو الامر الذي سيجد المقاومه الشرسه من القوى المحافظه التي تسعى جاهدة الى الاكتفاء بدستورمحافظ يكرس العادات والقيم الرجعيه الباليه للمجتمع العبودي في سبيل الاجهاز على عملية التغيير الاجتماعي التي ينشدها المجتمع العراقي .
2- الالتفاف على النظام الديمقراطي التعددي وافراغه من محتواه السياسي والاجتماعي بأستخدام دكتاتورية الاغلبيه البرلمانيه التي تتشكل من القوى المناوئه للنظام العلماني وللتغيير الاجتماعي .
3- محاولة تحجيم التيار الديمقراطي المتمثل بالقوى الديمقراطيه واليساريه والعلمانيه والحزب الشيوعي العراقي في الجمعيه الوطنيه والتقليل من تأثيره على حركة المجتمع الجماهيريه الطامحه الى الغيير والانفتاح الاجتماعي والتحرر من القيم البالية التي خلفتها القرون الوسطي .
ومن الملاحظ انه على الرغم من مشاركة المرأة الفعالة في العمليه الانتخابيه وتمثيلها بنسبة 25 بالمئة في الجمعيه الوطنيه وفقاً لما نص عليه قانون ادارة الدوله فإن الرأة لم تتبوء اياً من المناصب السياديه سواء في هيئة رئاسة الدولة او في الجمعيه الوطنيه وهو امر طبيعي لنظام المحاصصه الذي انتهجته بعض القوى الاسلامية المتنفذه في الجمعيه الوطنيه والتي تنطلق من ايديولوجيه سلفيه تعامل المرأة على انها ناقصة عقل وناقصة دين وانها فتنة وعورة وهي النظرة التي ما زال الكثير من رجال الدين يتمسكون بها فكراً وسلوكاً رغم التطورات الفكريه والعلميه التي حققتها المرأة في العصر الحديث .
وعليه فالعمليه الديمقراطيه المعول عليها ان ترسي نموذجاً يحتذى به في المنطقه العربيه للتغيير وللتداول الديمقراطي للسلطه قد جائت بالضد من ارادة الشعب وأمنياته واصبح النموذج العراقي يثير المخاوف والاستنكار من الطائفيه والتعصب القومي .
ان طريق المحاصصه الطائفيه طريق مظلم ولا يؤدي الا الى تكريس المذهبيه والنعرة القوميه والى تجسيد المصالح الانانيه واضعاف الوحده الوطنيه، ومن هنا فمن حق المواطن ان يتسائل مثلما يتسائل السياسي لماذا الانتخابات ولماذا هذه المبالغه بنتائجها اذا كانت المحاصصه هي الحل؟.
ان هذا التوجه الانعزالي عن ارادة الشعب ينبغي ادانته وادانة المروجين له لأنه يطعن صميم الانتخابات وشرعيتها ويصادر ارادة الناخبين الذين جازفوا بأرواحهم من اجل الحريه والديمقراطيه للعراق .
ومن الواضح ان بعض القوى الدينيه والقوميه والقوى المواليه لها قد تبنت شعارات الديمقراطيه كتكتيك يساسر الرغبه الشعبيه للمجتمع العراقي المتطلع لبناء مجتمع حديث وحضاري,ونعتقد ان هذا التسويف والتخريب المحموم لنهج الديمقراطيه لم يستطع من اخراج مسرحية المحاصصة لولا الدعم والمباركه التي قدمتها الاداره الامريكيه للقوى المتبنيه لهذا النهج الخطير,
ان ما يهم الامريكان بالدرجه الاولى ضمان مصالحهم ونجاح سياساتهم، اما الديمقراطيه والحريه فما هي الا تسويق استهلاكي لا يشبع جائع ولا يكسي فقير وما تريده الاداره الامريكيه لا يتعدى الديمقراطيه المحجمه التي تخدم القوى التي تسير في فلكها وفي الحدود التي لا تهدد مصالحها وتفشل خططها، فالديمقراطيه الواسعه واطلاق العنان لقوى الشعب بأحزابه السياسيه وقواه التقدميه في التعبير عن ارادتها الحره سيقلب الطاوله على رؤس الامريكان ومن يسير في فلكهم وان التعايش مع الاحتلال امر مرفوض من كل وطني شريف.ولهذا فمن الطبيعي ان يحضى نهج المحاصصه الطائفيه بمباركة الادارة الامريكيه لان ذلك يؤدي الى :
1- تحقيق اصطفاف سياسي من القوى العربيه والكرديه في الهيآت السياديه للدوله من الموالين للسياسه الامريكيه والمروجين لها .
2-استيلاء القوى البرجوازيه والاقطاعيه وغيرها من القوى المحافظه على المناصب الرئيسيه في الدوله الامر الذي يشكل قاعدةً فكريه قويه لنشوء وتطور الرأسماليه والتوجه نحو التطور الرأسمالي .
3- دمج الاقتصاد العراقي بالسوق االرأسماليه العالميه وتعميق تبعية العراق الاقتصاديه والماليه والتكنولوجيه للاقتصاد الراسمالي العالمي.
4- ضمان حصة الاسد للشركات الامريكيه في عقود عملية اعادة البناء والاعمارالواسعه التي سيشهدها العراق في الفترة المقبله .
5- منح امتيازات التعاقد للشركات الامريكيه في مجال التنقيب عن النفط واعادة بناء الموانيء النفطيه بما في ذلك شراء معدات النفط التكنولوجيه.
وتتضح اكثر معالم هذا النهج من ابعاد الاحزاب والقوى الديمقراطيه من المشاركة في الهيئات الرئاسيه وخصوصا الحزب الشيوعي العراقي الذي قدم من التضحيات ما لم يقدمه أي حزب سياسي . فالقوى القابضه على سلطة الدوله هي والديمقراطيه في عداء واما الخطب والشعارات الطنانه ماهي الا لذر الرماد في العيون.
ان القوى المحافظه تجد في انتصار الديمقراطيه تهديد لمصالحها وانتصارللقوى العلمانيه وللنظام العلماني. وقد وصلت حالات التلقين الديني للناس البسطاء الى حد التخدير العقلي واصبح رجل الدين يسيطر على قلوبهم وعقولهم، وباسم الدين يسيرهم كما يشاء واصبح العلم والثقافه في نظرهم مخالف للشريعه السمحاء.
ومن هنا نرى ان الايديولوجيه الدينيه كانت دائماً مساهمه في عملية الانغلاق الفكري والتحريض ضد العلم واثارة الرعب والريبه من الافكار التقدميه ومن الانفتاح الاجتماعي وتتخذ المواقف العدائيه للديمقراطيه و للنظام العلماني الذي يحترم الانسان ولا يسمح بالتجاوز عليه وعلى حقوقه مهما كان لونه او دينه او قوميته.
وعليه فمن المبدأيه بمكان ان يتم تشكيل الهيئات الرئاسيه والوزارت على اسس الكفائه المهنيه و الوطنيه بغض النظر عن الطائفه والقوميه .لان ذلك الطريق السليم الذي يوحد شعبنا ويجعل الولاء للوطن قبل الولاء للقوميه والطائفه ….. #
#. عن الحوار المتمدن…..