القانونية

اشكالية انتقال النواب من حزب إلى آخر

اشكالية انتقال النواب من حزب إلى آخر

اُثيرت قبل انعقاد الجلسة الاولى لمجلس النواب في دورته الرابعة وما بعدها، اشكالية انتقال بعض النواب من الاحزاب او الائتلافات التي خاضعو الانتخابات من خلالها الى احزاب وكتل اخرى، بغية التأثير على قوام الكتلة النيابية الاكثر عدداً، الواردة في الدستور، والتي لها الحق في ترشيح احد الشخصيات لتولي منصب رئيس مجلس الوزراء، بتكليف من رئيس الجمهورية.
ومن اجل تسليط الضوء على هذه الاشكالية التي لها علاقة في مصداقية النائب تجاه ناخبيه وتأثيرها على الاستقرار السياسي في البلاد، والوقوف امام التأصيل القانوني لها، والمقارنة مع الدولة الاخرى عند التعاطي مع هذه الاشكالية، تم اعداد هذه المادة.

المدخل القانوني والسياسي

ان القاعدة العامة هي الحق في المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح، وحرية الفكر والضمير والعقيدة وايضا الحرية في تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، والانضمام اليها، ولا يجوز إجبار احد على الانضمام الى اي حزب او جمعية او جهة سياسية، او الاجبار على الاستمرار في العضوية فيها.
وان الاستثناء من هذه القاعدة هو تقييد هذه الحقوق والحريات التي كفلها الدستور ببعض الضوابط والاحكام. وان تغيير الانتماء الحزبي هو ايضاً احد اوجه هذا الحق الذي يتمتع به المواطن. وان الالتزام الحزبي هو مسألة شخصية تخص العضو تجاه حزبه ومدى تقيده بالقواعد التنظيمية و تمسكه بمبادئه الفكرية وسياسته العامة.
ان اشكالية الانتقال بين الاحزاب تعاني منها النظم السياسية، الحديثة التحول للديمقراطية المرتكزة على التعددية الحزبية والفكرية والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات الحرة والنزيهة وعلى اساس انتخابي عادل، اما في النظم السياسية التي اجتازت اشواط من التطور في التجربة الديمقراطية فلا تعاني من هذه الاشكالية بحكم وجود احزاب تمثل طبقات اجتماعية والانتماء اليها متأت وفق قناعات فكرية وسياسية وذات اطر مؤسساتية وتتميز بانضباط عال.
ولذلك عانت الانظمة السياسية في دولة التحول الديمقراطي من ظاهرة انتقال اعضاء البرلمان من حزب او ائتلاف الى اخر، مما ترك اثره على مصداقية الانتخابات وضعف الثقة من قبل المواطنين في الحياة الحزبية والعزوف عن الانغمار بها وانحسار المشاركة في الشأن العام وبالتالي اضطراب في الاستقرار السياسي، وان هذه الاشكالية تعكس هشاشة قيميه وأخلاقية بالالتزام الحزبي وفي العلاقة بين الاحزاب القائمة، وتنمي ظاهرة الانتهازية والوصولية داخل الحياة السياسية في البلاد.

اجتهادات متباينة

وقد اثار هذا الانتقال الجدل بين المهتمين بالشؤون السياسية والقانونية ما بين مؤيد ومعارض لوضع القوانين والضوابط للحد منه.
يرى المؤيدون ان تشريع القوانين للحد من ظاهرة الانتقال وتحديد بعض الضوابط لتنظيمها في النقاط الاتية:
• 
تعزيز الثقة بالإرادة الشعبية والمتجسدة باختيار النواب على اساس قوائم الاحزاب ، فللأخيرة الفضل الكبير في إيصال النواب الى مقاعد البرلمان. فقد كان اختيار الناخب في البدء لقائمة الحزب وبرنامجه، ويأتي في المرتبة الثانية اختيار المرشح وهذا في النظم الانتخابية المفتوحة، اما اذا كانت القائمة مغلقة فللحزب الدور الكبير في اختيار تسلس الاشخاص .
• 
تساهم في تعزيز الالتزام داخل الاحزاب ووحدتها وعدم انشطارها، لان الاحزاب السياسية المتماسكة هي احد الاركان الاساسية لنجاح النظم الديمقراطية.
• 
تساهم في عدم احداث اي اختلال في التوازن ما بين القوى السياسية الفائزة، وبالتالي نوع من الاستقرار السياسي عند تشكيل الحكومة.
• 
ان الحد من الانتقالات يساهم في مكافحة الفساد من خلال منع بيع المقاعد لأسباب شخصية.
• 
ان تقنين الانتقال يساهم في تعزيز الحوار الداخلي والنقاش الواسع والوصول الى النقاط المشتركة.
اما الرافضون لوضع القوانين للحد من الانتقال فينطلقون ان ذلك يتعارض مع المواثيق والدساتير التي اقرت حرية العقيدة والفكر والتمتع بالحقوق السياسية ومنها الانتماء للأحزاب السياسية وعدم الاجبار على الاستمرار في العضوية فيها ، وان هذه القوانين تقوي من سلطة رؤساء الاحزاب على حساب الاعضاء.

في القانون المقارن:

من اجل الاطلاع على تجارب بعض الدول الحديثة في التحول الديمقراطي ومعرفة طبيعة التشريعات الصادرة للحد من هذه الاشكالية والتعامل معها والاستفادة بما يفيد من عمل الاحزاب السياسة في العراق وتماسكها داخل مجلس النواب، نطلع على تجارب بعض الدول وفق الاتي:
1- 
المغرب
للنظام السياسي في المملكة المغربية، تجربة في التعددية الحزبية في البرلمان اقدم واعمق من العراق وبدأ الاخذ بمبدأ التداول في السلطة منذ التسعينات عند اواخر فترة الملك الحسن الثاني، وقد عانت هذه التجربة من حالة الانتقال من حزب داخل البرلمان الى آخر لأسباب ليس لها علاقة بالتغيير في القناعات الفكرية والسياسية، والتي يطلق عليها بالترحال، ولأجل الحد منها ، ثبت قانون الاحزاب السياسية لسنة 2006 في المادة 5 النص الاتي: ( …لا يمكن لشخص يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول في احدى غرفتي البرلمان تم انتخابه فيها بتزكية من حزب سياسي قائم أن ينخرط في حزب سياسي آخر إلا بعد انتهاء مدة انتدابه او في تاريخ المرسوم المحدد، حسب الحالة، لتاريخ الانتخابات التشريعية العامة بمجلس النواب او بمجلس المستشارين بالنسبة لأعضاء البرلمان المؤهلين للترشيح لهذه الانتخابات ) ومع وجود هذا النص تم التحايل على النص القانوني من خلال التفسير الضيق له من قبل القضاء واللجوء الى المادة 55 من القانون نفسه والتي نصت ( يعاقب بغرامة من 20.000 الى 100.000 درهم الشخص الذي ينخرط في حزب سياسي دون مراعاة احام المواد 5 و…) وأمام العجز عن معالجة انتقال اعضاء بعض الاحزاب في البرلمان الى حزب الاغلبية. تبنى الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 على نص واضح وصريح بمنع الانتقال من حزب او تكتل او مجموعة برلمانية الى اخرى واعتبر النص الدستوري ان مقعد المنتقل بحكم العدم، حيث اعتبره شاغر، ولابد من الاتيان بغيره، وفق النص الاتي ( يجرد من صفة عضو في احد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي اليها. وتصرح المحكمة الدستورية بشغور المقعد، بناء على إحالة من رئيس المجلس الذي يعنيه الأمر، وذلك وفق أحكام النظام الداخلي للمجلس المعني، الذي يحدد آجال ومسطرة الإحالة على المحكمة الدستورية).
2- 
جنوب افريقيا
تعتبر جنوب افريقيا من النماذج التي يحتذى بها في التحول الديمقراطي، ان دستور 1994 الانتقالي وبعده دستور 1996 الدائم، وضُعت الاسس السليمة للاستقرار السياسي وتجنب حدوث انقسامات داخل المجتمع والذي من خلاله جاءت حكومة عبر انتخابات عامة بقيادة نيلسون مانديلا، في ظل نظام التمثيل النسبي بالقائمة الحزبية المغلقة دون تحديد اي سقف لدخول البرلمان.
وقد كان هناك نص دستوري يقضي بفقدان العضو مقعده اذا اراد الانتقال من الحزب لان المقعد يخص الحزب وليس الشخص، إلا ان الامر تغير بعد اقرار قانون حرية الانتقال بين الاحزاب عام 2002، الذي يسمح بحرية الانتقال من الاحزاب دون فقدان العضو مقعده طالما وافق على ذلك الحزب الذي سوف ينتقل اليه، على إلا تقل نسبة عدد الاعضاء المنتقلين عن 10في المائة من العدد الكلي لمقاعد الحزب الذي سينتقل منه الاعضاء، وان يتم الانتقال خلال خمسة عشر يوما الاولى من السنة الثانية لإعلان نتيجة الانتخابات، وقد اثر هذا القانون على عمل الاحزاب في البرلمان[1] لقد عالج المشرع في جنوب افريقيا التوازن ما بين ضرورة الاستقرار السياسي وعدم الاخلال في التوازن بين القوى الفائزة والتمتع بحرية العقيدة والفكر والانتماء الحزبي وعدم الاجبار على البقاء في حزب معين، وقد اشترط القانون تحديد نسبة من اعضاء الحزب المراد الانتقال منه في البرلمان وهي عشرة في المائة، وقد قيد النائب بالانتقال الى حزب اخر بشرط اخر وهو ان يكون الموعد في الاسبوعين الاولين من السنة الثانية لإعلان نتيجة الانتخابات، وهذا يعني انه عند انتقال النائب الى حزب آخر قد تم الانتهاء من تشكيل الحكومة وفق الاستحقاق الانتخابي عند اعلان النتائج.
3-
باكستان
جمهورية ذات نظام برلماني اتحادي تتكون من اربعة اقاليم وهو بلد متنوع عرقيا ولغويا، واتسم تاريخيا ما بعد الاستقلال عام 1947 بفترات من الحكم العسكري وعدم الاستقرار السياسي، تمت إعادة العمل بدستور 1973 عام 2002 واجري عليه تعديل عام 2012.
لقد عالج الدستور الباكستاني لسنة 1973 انتقال عضو البرلمان من حزبه الى آخر في المادة 63 تحت عنوان:
فقدان الاهلية بسبب الانشقاق والتي حددها بالشروط الاتية:
1- 
اذا استقال من الحزب او الانضمام لهيئة برلمانية اخرى.
2- 
الادلاء بصوته او الامتناع في المجلس على خلاف توجيهات الهيئة البرلمانية التي ينتمي اليها فيما يتعلق بما يلي:
– 
انتخاب رئيس الوزراء او الوزير الاول.
– 
التصويت على منح الثقة او سحب الثقة.
– 
مشروع قانون يخص المالية العامة او مشروع قانون بتعديل الدستور.
من هذا يتضح ان المشرع الباكستاني اتبع اسلوب تعزيز الانضباط الحزبي بشكل متشدد الى حد ما، مقارنة في الدول الاخرى، من اجل وقف اي انتقال لأعضاء الحزب في البرلمان الى اي حزب آخر، وكذلك تطرق إلى بعض الاجراءات الجزئية عند مخالفة العضو الحزبي توجيهات الهيئة البرلمانية لحزبه في مواضيع محددة وهي تعتبر اساسية في عمل البرلمان.
الاستنتاج
ان عملية التحول الديمقراطي الجارية في العراق في ظل التحديات التي تجابهها في الوقت الحاضر، وفي ظل عدم وجود حياة حزبية ديمقراطية متجذرة ، يتطلب التعديل في : قانون الاحزاب السياسية رقم 36 لسنة 2015 او النظام الداخلي لمجلس النواب او المفوضية المستقلة للانتخابات او القانون الانتخابي بما يضع بعض الاجراءات والضوابط للحد من اشكالية الانتقال من حزب الى آخر في ظل حالة التشظي المتزايدة داخل الاحزاب والتي تنعكس على الاختلال في التوازن بين القوى الفائزة في الانتخابات مما يعرقل تشكيل الحكومة لفترات غير قليلة والأثر السلبي على حالة ضعف الاستقرار السياسي والسير المنتظم للمرافق العامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – 
حنان عز العرب خالد، صنع السياسة العامة في برلمان جنوب افريقيا، المكتب العربي للمعارف، القاهرة، 2015، ص 25

زر الذهاب إلى الأعلى