الإدمان مرض حقيقة نرفض تقبلها
الإدمان مرض حقيقة نرفض تقبلها
بقلم : غنيمة حبيب كرم
رغم إقرار منظمة الصحة العالمية بأن الإدمان مرض بيولوجي يحتاج لعلاج، وتأكيد العديد من الدراسات النفسية والاجتماعية على ذلك، إلا أن الكثير من المجتمعات ما زال يتعامل مع المدمن على أساس أنه مجرم اجتماعي وأخلاقي لا يستحق سوى العقاب.
ورغم ما أثبتت الدراسات الطبية التي اجرتها جامعة «أيوا» في الولايات المتحدة الأميركية في العام 1991، وما صدر عن منظمة الصحة العالمية عن ان الإدمان مرض، الذي كان بمثابة برهان على صدق ما سبق ذلك من نظريات في العام 1956 التي كانت ترجح من خلال الأدلة العقلية والملاحظة إمكانية أن يكون الإدمان مرضا، لكن الجديد في دراسة جامعة «أيوا» هو الإثبات من خلال أدلة علمية غير قابلة للشك أن الإدمان مرض، وأن هناك صفات مشتركة بين الكثير من المدمنين في مرحلة سابقة لتعرضهم لذلك المرض، كما أكدت وجود ما يسمى الاستعداد المسبق للشخص بأن يكون مدمنا، وهي سلوكيات خاصة لدى بعض الأفراد تسهل تعرضهم للإدمان دون غيرهم.
كما أكدت الدراسات التي أجريت على مجتمعات مختلفة البيئة والظروف أن أكثر الصفات المشتركة بين المدمنين عندما كانوا أطفالا هي حب المغامرة والاستكشاف، وهذه سمة دفعتهم للتعاطي لاستكشاف ماهية المخدرات، وقد أدى ذلك بالباحثين للقول أن الإدمان مرض سببه الحقيقي هو خلل في الدماغ، كما اتفقت دراسات أخرى على وجود سبب لدى بعض الأفراد «وليس جميعهم» يدفعهم للإدمان ولا يدفع الآخرين لذلك، فهم إذن يتوجهون للإدمان لأسباب خارجة عن إرادتهم وبصفات شخصية معينة، ومن دون دافع وميول طوعي نحو الانحراف والإدمان، وليس كما هو متعارف عليه بأن للأسرة والأصدقاء وقلة الوازع الديني دورا رئيسيا بذلك.
أن هذه الحقيقة التي نرفض تقبلها وتمثل أكبر المعوقات أمام الجهود المبذولة في مواجهة مشكلة زيادة عدد المدمنين والآثار السلبية المترتبة عليها، فإدراك حقيقة المشكلة وأبعادها ومسبباتها هي الخطوة الأولى باتجاه الحل مهما كانت هذه المشكلة، لكن معالجة الموضوع من دون دراسته، والاعتماد على حل مؤقت من دون معالجة أساس المشكلة وسببها الرئيسي لن يجدي نفعا، بل يكون في الكثير من الأحيان عاملا في تفاقمها.
إننا بحاجة ماسة للحفاظ على إمكانيات هؤلاء الشباب وتوظيف قدراتهم الإبداعية لخدمة المجتمع والوطن، فالمدمنون أذكياء جدا ولديهم قدرة فائقة على الإبداع والابتكار إن وجهت قدراتهم بالطريق الصحيح، فالكثير منهم كانوا من العلماء والأدباء والفنانين والرياضيين البعض منهم معروف بالأوساط الاقليمية والعالمية، والكثير منهم فضلوا المجهولية حتى لا يوصموا، فلما لا نعمل على علاجهم لتوجيه تلك الطاقات الإبداعية الخاصة والاستفادة منها في عملية البناء والتنمية؟
علينا أن نتنبه باننا أمام مشكلة كبيرة مرشحة للتفاقم يوما بعد يوم، وخصوصاً بعد أن لوحظ انخفاض سن التعاطي من 17 إلى 12 عاما، علينا الأعتراف بأن الإدمان مرض، وأن نتعامل معه على هذا الأساس ليتسنى لنا إيجاد الحلول من خلال إنشاء المصحات وتوفير فرص العلاج، والحد من هدر الجهود والمحافظة على الطاقات البشرية القادرة على العمل والبناء والتنمية في حال توفرت الفرص وهيأت الظروف، إضافة لمساهمة ذلك في حفظ الأمن والاستقرار والتقليل من الجريمة والعنف.
دعونا ننظر إلى هؤلاء الشباب على انهم ارتكبوا الأخطاء من دون وعي منهم بحجم الآثار السلبية للتعاطي، فهل يستحق ذلك أن نتخلى عنهم ونتركهم في مواجهة المصير المجهول؟ أم نعالجهم قبل أن نجد أسماءهم في صفحة الوفيات، أو يصبحوان مقيمين بشكل دائم في المصحات العقلية بسبب فقدانهم لعقولهم نتيجة سوء استخدام المخدرات؟
كاتبة كويتية
g.h.karam@hotmail.com