الاقتصاد العراقي والرؤية المستقبلية – 2
عودت ناجي الحمداني
2012 / 9 / 6
الادارة و الاقتصاد
2- خصائص الاقتصاد العراقي
د.عودت ناجي الحمداني
الأقتصاد العراقي اقتصاد ريعي خدمي احادي الجانب و يعاني من ضعف اقتصادي كبير , فالصادرات غير النفطية لم تتجاوز 300 مليون دولار في العام 2009 بينما بلغ حجم الاستيراد الخارجي 38,5 مليار دولار وارتفع في العام 2010 الى 44 مليار دولار, بضمنها خمسة مليارات دولار لاستيراد المواد الغذائية. و3.7 مليار دولار لاستيراد بعض المشتقات النفطية والسلع المعمرة. ( 2)
اكتشف النفط في العراق في عام 1927. ومنذ عام 1952 ازدادت اهمية القطاع النفطي كممول اساسي للاقتصاد العراقي. وبسبب الحروب والحصار الدولي التي تعرض لها العراق تدهورت قدراته الأنتاجية وتقلصت مساهمة قطاعات الصناعة والزراعة في ناتجه المحلي و اصبح العراق بلدا مستهلكا و مستوردا لكافة حاجاته الضرورية والكمالية, بعد ان كان بلدا مصدرا للتمور والرز والفاكهة.
ان الاعتماد شبه المطلق على قطاع النفط في تمويل الانفاق الحكومي وموازنة الدوله وضع العراق في صنف الاقتصادات الريعية ، واصبح تطوره واخفاقه محكوم باستقرار اسعار النفط الدولية وتقلباتها التي تخضع في النهاية للارادات الدولية.
فالقطاع النفطي يساهم في تكوين 95% من الدخل القومي الاجمالي وفي تمويل 90% من الميزانية العامة , ونستنتج من ذلك ان التحسن المنشود في النمو الاقتصادي سيكون مرهونا بزيادة العملات الصعبة التي تحققها الصادرات النفطية. اما العجز الذي تتعرض له الموازنة العامة فسيرتبط بالتدهور الذي يصيب الواردات النفطية .
ان غياب التخطيط الاقتصادي والاداري وعدم استثمار الاموال الضخمة المتحققة من النفط في مشروعات اقتصادية منتجه ادى الى نشوء اختلالات كبيرة في التوازنات المطلوبة للعملية الاقتصادية ونشوء اقتصاد مشوه واحادي الجانب. فحتى عام 2009 ان نسبة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الاجمالي لا تتجاوز1% ونسبة مساهمة قطاع الزراعة3%
والاقتصاد العراقي بسبب طبيعته الريعية وارتباطه الوثيق بالراسمالية العالمية تعمقت تبعيته للخارج , فحجم استيراد العراق من البلدان الراسمالية الغربية حتى عام 1988بلغ اكثر من87% بينما لا تتعدى نسبة استيراده الخارجي من المنظومة الاشتراكية السابقة 6% ومن البلدان النامية7% .
وقد ادت الحرب العراقية الايرانية والحصار الدولي الى زيادة ديون العراق الخارجيه لاكثر من 450 مليار دولار موزعة بين ديون خارجية وفوائد تراكمية وتعويضات حرب اضافة الى انهيار البنى التحتيه والمنشآت النفطيه وتوقف الانتاج الزراعي والصناعي وتحول القطاع الخاص الى طبقه من المستغلين والمنتفعين التي استغلت ظروف الحصار للاستغلال والاثراء . ان هيكلة الاقتصاد العراقي الى اقتصاد حرب وعسكرة المجتمع في الثمانينات والتسعينات اضاف اليه اعباءا كبيرة وشوهه هيكله وانحدار قدراته الانتاجية الى ما يقرب من الصفر .
فقد ورث الاقتصاد العراقي بعد سقوط النظام في نيسان 2003 كما كبيرا من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية, وبسبب انعدام المعالجات الرصينة تحولت الى عقد مستعصية كالبطاله والتضخم والديون الخارجية وانهيار البنى التحتيه وتدهور الخدمات وانتشار الفساد المالي والاداري و التدهور الامني و السياسي و التعصب القومي والطائفي والمذهبي , التي مزقت نسيج المجتمع . لذا فان عملية الاصلاح الاقتصادي والاداري لمؤسسات الدولة تمثل المهمة الملحة لكي تستطيع الدولة القيام بوظائفها على الصعد المختلفة .
3- الرؤية المستقبلية
ان الرؤية المستقبلية للاقتصاد العراقي ترتبط بمدى الاصلاحات التي تنفذها الدولة لاصلاح الهيكل الاقتصادي ومدى استجابتها لمتطلبات التطور الاقتصادي وخلق اقتصاد انتاجي وتصديري والتنوع في مصادر الاقتصاد وفقا لستراتيجية وطنية للتنمية وعدم الاعتماد الكلي على القطاع النفطي في التمويل المالي لقطاعات الاقتصاد والموازنة العامة.
ان الاستقرار السياسي والامني والادارة الشفافة وتوفر الخدمات المصرفية تشكل بيئة خصبة وجاذبة للمستثمرين ولرؤوس الاموال المحلية والاجنبية الباحثة عن الربح والكسب المالي . فالسياسة المالية للدولة العراقية يفترض ان تخطط لتطور القطاع الاقتصادي وتنمية القطاعات الاخرى التي يجب ان تساهم بنسبة كبيرة في الانفاق الحكومي . فالاعتماد الكلي على القطاع النفطي سيضع العراق واقتصاده في نار الازمات التي تضرب العالم الراسمالي .
ان رؤيتنا هذة تنطلق من الاعتبارات الاتية:
1_ من تحليلنا الموضوعي للوضع الاقتصادي الدولي الذي تعصف به ازمة اقتصادية ومالية مستعرة. فالبلدان الراسمالية الغنية اوما تسمى بادارة العالم تعاني من الافلاس المالي والتدهور الاقتصادي ومن ازمة عميقة تهدد بانهيارات اقتصادية ومالية مؤلمة لدول منطقة اليورو.
فقد انلعت الازمة في الولايات المتحدة الامريكية التي تتحكم باقوى اقتصاد في العالم وانتقلت الى البلدان الراسمالية والى الدول التي تدور تدور في فلكها . والعراق الذي يعتمد في صادرته النفطية وفي مستورداته على الخارج سوف يتاثر بهذة الازمة.
2_ ان العراق الذي يعتمد دخله الاجمالي على اكثر من 95% على القطاعي النفطي سوف يتعرض الى كارثة اقتصادية اذا اقدمت ايران على اغلاق مضيق هرمز. فالصادرات العراقية من النفط الخام التي تمر الى العالم الخارجي عبر مضيق هرمز تقدر بنحو 2200 مليون برميل من مجموع الانتاج النفطي العراقي المقدر بنحو 2600 مليون برميل في اليوم في عام 2012.
_3 ان الوضع الاقتصادي في العراق سوف يزداد سوءا اذا استغلت تركيا الوضع المتوتر للضغط على كميات المياة المتدفقة من اراضيها الى العراق والتي تعاني اصلا من نقص حاد وقد كانت السبب وراء فشل وتعطيل العديد من المشاريع الزراعية بالعراق.
4_ بالرغم من الزيادات الكبيرة التي تحققت في اسعار صادرات النفط فان الحكومة العراقية ما زالت تعاني من عجز الموازنة العامة ومن ثقل الديون الخارجية , وان غلق مضيق هرمز سوف يؤدي الى توقف الصادرات النفطية واندلاع ازمة مالية تجبر الحكومة العراقية على الاقتراض الخارجي .
5_ بالرغم من التهديدات المتكررة التي تطلقها ايران بغلق مضيق هرمز الا ان الحكومة العراقية لم تضع خططا للطواريء للوقاية من التداعيات المتوقعة من اغلاق المضيق .
لقد مرت تسع سنوات على العهد الجديد بالعراق ولم تحقق الحكومة سوى انجازات هامشية في القطاع النفطي , و تحولت وزارة النفط والطاقة العراقية الى سوق للمزادات والمناقصات النفطية . و منذ عام 2003 وحتى عام 2012 وبالرغم من انفاق عشرات المليارات من الدولارات فان الطاقة الانتاجية لم تتجاوز 2600 مليون برميل , وما زالت تراوح دون مستويات الانتاج السابقة والمقدرة باكثر من 3,500 مليون برميل في اليوم.
و عليه فان الحكومة العراقية مطالبة باتخاذ اجراءات سريعة وخطوات فعلية لوضع بدائل مأمونة لضمان تدفق الصادرات النفطية الى الخارج والتخلص من الضغوط التي يتعرض لها العراق بسبب التوترات العسكرية في مناطق عبور النفط لتكون بمامن من الازمة الاقتصادية والمالية المتوقعة .*
* عن الحوار المتمدن
المراجع
(1) جريدة الشرق الاوسط اللندنية, 23 تموز, سنة 2003.
(2) زهير الكرمي , العلم ومشكلات الانسان المعاصر,الكويت, 1983, ص 28 .