الفكر السياسي

الانتخابات العراقية وتحقيق الديمقراطية

الانتخابات العراقية وتحقيق الديمقراطية

الانتخابات العراقية وتحقيق الديمقراطية

الكاتب: ريناد منصور
الناشر: chathamhouse
ترجمة: هبه عباس محمد
التحليل: م. مؤيد جبار حسن

بالنسبة للكثير من صنّاع القرار في الغرب و العراق تعد الانتخابات البرلمانية نقلة نوعية في وضع العراق وخيار حاسم للديمقراطية، لكن في اول انتخابات خاضها العراق عام ٢٠١٥ كانت نسبة المشاركة حوالي ٨٠% وبعدها بدأت بالانخفاض.

فيما بلغت في انتخابات عام ٢٠١٨ حوالي ٤٤% من نسبة الناخبين المسجلين وربما ٣٠% بحسب رأي معظم المراقبين وحتى المسؤولين لأن الشعب لا يعتبرها اداة للتغير.

وللتعبير عن يأسهم، بدأو بالتظاهر في بغداد والمدن الجنوبية في تشرين الأول ٢٠١٩ وطالبو بتغيير النظام السياسي برمته،لكنهم قوبلو بالقوة اذ سقط حوالي ٦٠٠ متظاهر واصيب عشرات الآلاف الاخرين .

فيما طالب بعض المحتجين باجراء انتخابات مبكرة بعد ستة اشهر لكن على الرغم من ذلك، يعتزم العديد منهم مقاطعتها لانهم يعتقدون انها لن تُحدث تغييرا جذريا في النظام السياسي،اذ سيتنافس قادة الأحزاب مرة أخرى فيما بينهم لتقسيم موارد العراق بينهم.

ويعتقد الكاتب ان الانتخابات المبكرة لن تقضي على المشكلة المتأصلة ،فالنظام السياسي لا يمثل شريحة كبيرة من السكان، ويسعى القادة الى التمسك بالسلطة وعدم توزيع الثروات على السكان؛ونتج عن ذلك تراجع الدعم الشعبي .

انتخابات في ظل العنف المنهجي

بعد اجراء انتخابات عام ٢٠١٨، بدلا من تحقيق الإصلاح وتحسين النظام من اجل استعادة ثقة الجمهور، اصبح النظام السياسي -بحسب الكاتب- اكثر عنفاً،فضلا على قتل للمحتجين، وضع اليات لإحباط عمل حركات المجتمع المدني والنشطاء قبل ان ينظموا التظاهرات من خلال الاغتيالات والحبس والتعذيب، وبالمقابل نرى ان المجاميع المسلحة التي تمارس القتل في وضح النهار تفلت من العقاب.

ومن جانبها سعت الدبلوماسيات الغربية الى دعم جهود إعادة الثقة بين النخبة و المواطن لكن لم تتعامل مع جذر المشكلة الا وهو الحكم غير الخاضع للمسائلة.

وقت اثبت النظام قدرته على الوقوف بوجه المحتجين وعدم الرغبة في اجراء اصلاح جذري على الرغم من تعاطف بعض المسؤولين مع مظالم المتظاهرين ،اذ تواصل الأحزاب التنافس فيما بينها للاستفادة من موارد الدولة، وبعد اجراء الانتخابات ستقوم هذه الأحزاب بتقسيم المناصب الوزارية العليا فيما بينها .وبدلا من معالجة هذه القضايا المهمة،ركز المجتمع الدولي على الجوانب الفنية للنظام الانتخابي ونوع التزوير الذي حصل في الانتخابات السابقة.

ومن جانبهم سيشارك الكثير من العراقيين في الانتخابات اذا كانت منظمة وحرة ونزيهة، وهذا سيؤدي بالتأكيد الى اصلاح تدريجي للنظام . لكن يعتقد الكثير منهم انها مجرد تعزيز للوضع الراهن الخاضع للمسائلة والذي تمثله الأحزاب الحاكمة. وقد حاولت بعض الأطراف الدولية و المحلية اشراك المتظاهرين في النظام الحالي لكن هذا الامر لن يؤدي الى اصلاح النظام والتخلص من سيطرة الأحزاب الحاكمة؛ وبهذا لن تتم إعادة الثقة بين النخبة و المجتمع .

الانخراط السياسي السريع

ان اعتبار جميع المتظاهرين والعراقيين المحبطين متحدون تنظيمياً هوسبب الفشل في سد الفجوة بين القادة السياسيين و المتظاهرين ، اذ لم يتحد المحتجون بحركة واحدة ولم يتم اختيار من يمثلهم للتحاور مع النظام القائم. لذلك يجب التركيز على الجمع بين قادة الاحتجاج وغيرهم من الجماعات المتضررة في المجتمع لانشاء اطر مشتركة تهدف الى معالجة المشاكل الهيكلية في العلاقات بين الدولة والمجتمع العراقي.

كما لا يمكن للقليل من المصلحين المستقلين المتواجدين في النظام احداث التغيير بمفردهم ، ويمكن ان تؤدي الجهود الى تقوية النسيج الضام بين هؤلاء الإصلاحيين الذين يشعرون انهم محاطون بالفساد الغالب على الحكم.

وعلى الرغم من اجراء الانتخابات لم يكن للشعب رأي في العقد الاجتماعي الذي تأسس في اعقاب الغزو الأمريكي عام ٢٠٠٣ ،اذ تم تشكيل نظام سياسي لم يوفر ادنى الخدمات الأساسية .

ونجد ان الاحتجاجات الأخيرة منحت الشعب الفرصة ليقول كلمته لان الانتخابات لن تحسن من وضعهم، وحتى الان لا يركز القادة العراقيين و الفاعلين الدوليين على اصلاح النظام بل على الانتخابات باعتبارها طريقا لتحقيق الديمقراطية، لكن قبل اجراء الانتخابات الرامية لاحداث التغيير يجب حل المشاكل العميقة و المتأصلة في النظام العراقي.

التحليل: العراق بلد عانى من الدكتاتورية والحروب المتكررة ، وبعد الاحتلال اوجد نظام برلماني يقوم على الانتخابات الدورية كل اربع سنوات .
وهنا يرى الكاتب ان الانتخابات كانت فرصة كبيرة لجموع العراقيين للتعبير عن رأيهم واختيارهم الطبقة السياسية الحاكمة ، لكن هذا الاقبال انخفض بشكل كبير منذ عام 2015 حيث كانت المشاركة تقترب من 80% ممن يحق لهم التصويت ، فهذه النسب المرتفعة بدأت بالانخفاض الى نسب خطيرة تؤشر الى وجود خلل ومشاكل تعترض سبيل الديمقراطية هذا.
الانتخابات الأخيرة جاءت عقب احتجاجات شبابية عنيفة وانتشار وباء كورونا وما رافقه من انهيار اقتصادي كبير. والمشكلة ليس في الانتخابات بحد ذاتها وانما ما يعقبها من اعلان نتائج وطعون وإعادة تشكيل المشهد السياسي العراقي من خلال وجوه جديدة وأخرى لازالت متمسكة بالبقاء تحت قبة البرلمان .
كما يجب الانتباه ان الديمقراطية في العراق لازالت حديثة العهد ، ويجب ان لا نتوقع منها ان تصل في ليلة وضحاها الى ماوصلت اليه الديمقراطية في الدول الغربية مثلا، فلكل مبدأ او فكرة مداها التاريخي وطاقتها الزمنية التي تحتاجها لتكتمل وتنضج وتترسخ في اذهان شعب من الشعوب.. *

 

*. عن مركز الدراسات الاستراتيجية

زر الذهاب إلى الأعلى