الاقتصادية

البطالة واثارها الاجتماعية

البطالة واثارها الاجتماعية

ابراهيم المشهداني

2010 / 11 / 27

تشكل البطالة احدى ابرز الظواهر في المجتمع العراقي واكثرها خطرا على الاستقرار السياسي في البلاد فضلا عن اثارها السلبية على النمو الاقتصادي باعتبار ان الموارد البشرية احدى اهم عوامل هذا النموفي حالة بنائها بناء معرفيا وتطوير مهاراتها الفنية بما يؤهلها للتعامل مع التطور التكنولوجي المتجدد وخلق بيئة تكنولوجية مجتمعية تساعد مع عوامل اخرى على استقبال التكنولوجيا في مختلف القطاعات الاقتصادية بالارتباط مع الخطط المنهجية لمختلف المستويات التعليمية في البلاد . فما هو الواقع وماذا اعدت الدولة لامتصا ص البطالة ومعالجة اثارها الاقتصادية والاجتماعية ؟
ان المشكلة الاساسية التي تواجه الباحثين تكمن في ان عمليات المسح لمستويات البطالة لم تكن بمستوى الطموح لعدم توفر الظروف المناسبة لاجراء عمليات المسح او لانعدام المعرفة بماهية المسح العاطلة كليا او العاملة كليا او نصف العاملة واختلاف مفاهيم البطالة بين دولة واخرى فعلى سبيل المثال ربات البيوت فان بعض الدول تحتسبها ضمن العمالة في حين دول اخري لا تدخلها ضمن حساباتها لانها لم تستلم دخلا محددا نظير عملها وفي العراق فان معظم الاحصاءات التي تصدرها وزارة التخطيط لا تتسم بالدقة لعدم وجود اجهزة متطورة تقوم بالمسح الميداني فضلاعن عدم وجود معايير علمية مححدة فاما ان تقوم بالتقدير بناء على عينات عشوائية او تستند على المسجلين في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية .
ومشكلة البطالة لاتنحصر في العراق وانما هي مشكلة عالمية بامتياز فلا توجد دولة في العالم لا توجد فيها بطالة غير ان الاختلاف في نسبتها بين دولة واخرى بحسب معدل النمو الاقتصادي في ذلك البلد حيث تزداد البطالة في البلدان التي تعاني اقتصادياتها من الانكماش والازمات الدورية في حين تقل هذه النسبة في البلدان ذات الاقتصاديات المتطورة او المزدهرة
وقبل الخوض في تفاصيل مشكلة البطالة في العراق كواقع واسباب وحلول لابد ان نتناول مشكلة البطالة في العالم العربي والعالم بايجاز
البطالة في العالم العربي
ليس من السهل الحديث عن البطالة في الدول العربية تاريخيا ولكن من الواضح والمؤكد ان الاقتصاديات العربية في فترة الخمسينات والستينات بل وحتى السبعينات تتسم بالاستقرار بالرغم من توجهاتها الاقتصاية المتباينة بين اقتصاد موجه من قبل الدولة واخر يعتمد اقتصاد السوق وفي تلك الفترة لم تكن البطالة من البشاعة بمكان كما هو حالها اليوم وان بروزها يترافق مع ثلاث متغيرات وهي:
1– التوقف عن خطط التنمية ومشاريع التنمية التي ترتبط بالقطاع الحكومي التي تم اتخاذها في تلك الازمنة وبالتالي تسريح اعداد كبيرة من العمالة وخاصة الكوادر ذات الخبرةدونما تفكيرفي التمدد الافقي والراسي في تلك المشاريع وهذه الحالة تعاني من معظم الدول العربية .
2—ظهور الفورة البترولية وكان ذلك مترافقا مع افول النظام الاشتراكي وتبني اغلب الدول اقتصاد السوق المفتوح واحلال النظام الراسمالي وبالتالي تسريح اعداد كبيرة من الطبقة العاملة بما فيها الخبرات والمهارات التي تمرست في مشاريع القطاع العام و خسارة الدولة لمداخيل كبيرة كانت تدخل خزائنها للمنتجات الغربية وكان كل ذلك بذريعة ان المنتجات المستوردة اقل كلفة من المنتج المحلي وبدات نقطة الانطلاق لاعادة صياغة الاقتصاد وفقا لمتطلبات التجارة الحرة والعولمة ونظرية التكييف الهيكلي .
3– انتهاج سياسات تعليمية غير متوافقة مع حاجات سوق العمل بحجة الزامية التعليم مما ادى الى تخريج اعداد كبيرة من الخريجين غير المهنيين الذين يعتبرون في كل المجتمعات قاطرات الانتاج والتنمية مما يضاعف رقم البطالة وهذا ما تشهده معظم البلدان العربية .
4– كلما ازداد حجم البطالة كلما عجزت الدولة عن ايجاد الحلول بسبب عدم امكانية التمويل او التحجج بالاولويات وغيرها من الذرائع .
5- – تزايد معدلات البطالة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا التي تزيد في الوقت الحاضر عن 25% حيث ان متوسط معدلات البطالة بين الشباب والبالغين في هذه المنطقة اعلى بكثير من اي بلدان نامية في العالم حيث يصل متوسط البطالة 50%وتتباين معدلات البطالةفي الدول العربية ففي مصر وقطر وسوريا يشكل الشباب اكثر من 60%من العاطلين عن العمل وفي تونس يفوق معدل البطالة للشريحة العمرية بين20—40سنة بواقع ثلاثة امثال معدل البطالة للشريحة العمرية للاشخاص الذين يزيد عمرهم عن 40سنة اما البطالة بين النساء فتشكل الظاهرة الاكبر والمستمرة حتى بين المجموعات الاصغر سنا والاكثر تحصيلا علميا .
وفي تقرير سابق لمنتدى دافوس الاقتصادي العالمي اشير الى ان نسبة البطالة في الدول العربية بلغت نحو 15%وان عدد العاطلين عن العمل قد يبلغ 80 مليون شخص عام 2013وتبلغ نسب البطالة 1,7في الكويت و50%في جيبوتي و7,5 في عمان اما ليبيا فالمعدل يصل الى 10%ومصر 10,5وتونس 14,2والعراق 29 وهذا الاخير هو رقم نسبي مختلف عليه بين الباحثين .
ومن جهة اخرىففي مؤشر بالغ الخطورة بالنسبة للبطالة وحركة التشغيل في العالم العربي ,اكدت منظمة العمل العربيةان معدلات البطالة في العالم العربي هي الاعلى والاسوا في العالم وانها اي البطالة تتجاوز كل الخطوط الحمراء حيث تخطت حاجز ال14%اي ان هناك 15 مليون مواطن عربي عاطل من بينهم 25%من الشباب مع العلم ان الدول العربية مجتمعة تستضيف اكثر من 12 مليون عامل اجنبي والغريب في الامر ان نسبة الاميين هي الادنى بمعنى ان الحاصلين على التعليم هم الاعلى .
وتصاحب ظاهرة البطالة تحدياتتمثل ب:
1– مجالات السكن والبطالة وضعف التاهيل والحاجة الى نقلة ستراتيجية في الموارد البشرية .
2– تراجع العائدات النفطية في بعض الدول العربية .
3—التحديات الاقتصادية المتمثلة بضعف التصدير وتخلف القطاعات الانتاجية .
4– تراجع معدلات النمو الاقتصادي في الدول النامية ومنها بالطبع الدول العربية .
البطالة في العراق :
تشير احصاءات وزارة التخطيط العراقية بشان معدلات البطالة والنشاط الاقتصادي المنقح بين السكان بعمر 15 سنة فاكثر للسنوات 2003—2006 بان معدل البطالة لسنة 2003 كان 28,10اما في سنة 2004 فكان المعدل 26,80 بينما كان في عام 2005 بحدود 17,97 وفي عام 2006 كان المعدل 17,50 ويلاحظ ان معدلات البطالة اخذة بالانخفاظ وطبعا استثنت الاحصاءات محافظات دهوك واربيل والسليمانية وهذ الانخفظ يجعلنا نتساءل عن العوامل التي ادت اليه فما يجعلنا نشك بدقة هذه البيانات هو ان النمو الاقتصادي في البلاد لم يشهد تطورا ملموسا في مختلف القطاطاعات الاقتصادية وخاصة الانتاجية منها في ظل تعاظم الاستيراد وتوقف النشاط الصناعي بقطاعيه العام والخاص وحتى في القطاع الزراعي الذي يشكو من تحديات لاتقل شانا عن تحديات القطاعات الانتاجية الاخرى هذا اذا اخذنا بنظر الاعتبار البطالة المقنعة المنتشرة في كافة الوزارات والذي يزيد من هذا الشك هو الزيادات في معدلات النمو الاقتصادي للفترة ذاتها اذ تشير احصاءات الوزارة المذكورة ان معدلات النشاط الاقتصادي المنقح هي في عام 2003 44,10 فيما اصبحت في عام 2004 48,50 بينما في عام 2005كانت 49 ,55وفي عام 2006 اصبح 49,72فكيف جرى هذا التطور ونحن نتحدث عن بطالة نسبتها 22%واذا اضفنا اليها البطالة النصفية التي نسبتها 28% فتكون النسبة الكلية 50% .
ان لمعلومات سوق العمل اهمية خاصة في التعرف على خصائصه وفعاليته وامكاناته التنظيمية والفنية والمهنية والقانونية ذلك ان سوق العمل لايعكس المعروض من قوة العمل فحسب وانما هو مؤشر للاستثمار النوعي في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وانعكاس للتشريعات القانونية ومستوى تغطية الضمان الاجتماعي ومستويات الاجور وتشغيل الاحداث وحجم القطاع الاقتصادي المنظم وغير المنظم .
ان انعدام الاستقرار السياسي واختلاف انماط الحكم اديا الى اهمال الاهتمام بالتركيبة السكانية ومعدلات النمو السكاني بالارتباط مع مستوى التطور والنمو الاقتصادي مما خلق حالة مشوهة في العلاقة بين سوق العمل وقطاعات الاقتصاد فكان مسارا عشوائيا وبمعنى اخر انعدام التوازن بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي فمعدل النمو السكاني الذي لم يقل عن 3,6%لم ينخفض بينما كان اضافة الى حركة السكان والهجرة من الريف الى المدينة وانتشار الامية بينهم مؤثرا نوعيا على تركيب البطالة في العراق فاذا اضفنا الى ذلك ان النمو الاقتصادي متدنيا وضعيفا ويفتقر الى الفعالية الديناميكية وهذا هو السبب الاساسي في تعاظم نسب البطالة .
ان دراسة المشكلة ومعرفة العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية والتشريعية ومكونات سوق العمل سوف تساعد على ايجاد الحلول المناسبة للتقليل من نسب البطالة الى اقصى الحد الممكن واعتقد ان الاجراءات التالية والتي اجمع عليها الباحثون سوف تساعد على التخفيف من وطاتها وفيما يلي ابرز هذه الحلول :
 الاهتمام بعمليات مسح البطالة بالعراق والتاكيد على ماهية المسح وتحديد الميادين الحقيقية التي تتواجد فيها البطالة من اجل الوصول الى بيانات دقيقة لحجم ومستوى البطالة فيه .
 ترشيد الطالب وتوجيهه في المرحلة الثانوية باختيار التخصص المناسب والذي يتماشى مع احتياجات سوق العمل .
 تغيير المقاربات التدريسية من الانماط النظرية الى الانماط التطبيقية بهدف تنمية الكفاءات المناسبة للعمل المناسب.
 تدريب خريجي الجامعات في مراكز ومعاهد خاصة لتاهيلهم حسب المهن المطلوبة .
 تنظيم ورش عمل من قبل مكاتب الاستخدام بهدف تدريب الشباب العاطل عن العمل لاكتساب مهارات صناعة القرار وطرق البحث عن الوظيفة المناسبة .
 مساندة الجهات المعنية من الدولة على توفير القروض الميسرة من اجل اعادة تشغيل المصانع المتوقفة عن العمل في القطاع الخاص لاستيعاب البطالة المسرحة منها وفي نفس الوقت لدفع الشباب العاطل لتاسيس مشاريع خاصة بهم والاشراف عليها واعفائها من الضرائب للسنين الاولى من بدء العمل واعفائهم من الرسوم الكمركية عندما يتطلب وضع التشغيل استيراد المواد الاولية غير المتوفرة في العراق .
 تنمية الموارد البشرية من خلال اتاحة الفرص امام الشباب على مواصلة الدراسة من اجل توفير حظوظ افضل للحصول على الوظائف وهذا الامر يضع على وزارة المالية وقبلها الامانة العامة لمجلس الوزراء لوضع التشريعات المناسبة لحملة الشهادات التي حصلوا عليها اثناء العمل الوظيفي ووضعهم في الاماكن التي تناسب هذا التحصيل ومراجعة التوصيف الوظيفي لهؤلاء الشباب من اجل منحهم القدم الذي يضعهم في الاماكن التي تناسب تحصيلهم الدراسي .
 اعادة النظر في مقدار التامينات الاجتماعية للعاطلين التي تناسب المستوى المعيشي في حال تطبيق سياسة التكيف الهيكلي (الخصخصة لبعض المشاريع غير الربحة).
 تطوير النظام الديمقراطي في العراق وبناء مؤسساتها الدستورية السبيل المجرب لرفع مستوى الشفافية والقضاء على افة الفساد الاداري المستشري في مؤسسات الدولة وهي من الاسباب الاساسية للبطالة , ومحاربة ظاهرة التميز في المواقع الوظيفية على اساس الطائفة او القومية او العشائرية ……. & 

&.    عن الحوار المتمدن….


facebook sharing button
twitter sharing button
pinterest sharing button
email sharing button
sharethis sharing button

زر الذهاب إلى الأعلى