القانونيةالمقالات والبحوث

التأثير المتبادل بين القضائين في مجال حماية الحقوق والحريات العامة

التأثير المتبادل بين القضائين في مجال حماية الحقوق والحريات العامة

 

 

التأثير المتبادل بين القضاءين في مجال حماية الحقوق والحريات العامة

 

اعداد

محمد صباح علي

دكتور في القانون العام

ر. مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية

 

 

 

الملخص

اختص البحث بدراسة تأثير القضاءين الدستوري والإداري في مجال حماية حقوق الأفراد وحرياتهم، واشتملت الدراسة على مبحثين في بيان العلاقة بين القاضي الدستوري ممثلاً بالمحكمة الاتحادية العليا، والقاضي الإداري معززا بسلطاته في مواجهة الإدارة والوقوف أمام سلطتها لحماية حقوق الموظف، وحريات الأفراد في الظروف الاستثنائية والقرارات التي يصدرها القضاءين لضمان تطبيق نصوص الدستور

 

 المقدمة:

إن مفهوم حقوق الإنسان من المفاهيم الشائعة الاستعمال في الأدبيات السياسية وفي الخطب السياسية، التي انتشرت في القرن الثامن عشر، للتعبير عن تصور فلسفي لما يجب أن يكون عليه الوضع القانوني والسياسي والاجتماعي للفرد في الدولة. وقد ورثت اللغة القانونية هذه الجملة، حتى أصبح يعبّر عنها بتسميات شتى مثل حقوق الإنسان Droits de l’homme)) والحقوق والحريات الأساسية Droits et libertés)) والحريات العامة (Libertés publiques) والحقوق والحريات الدستورية.

إن “الحريات العامة وحقوق الإنسان تعبيران مترابطان فالحقوق العامة الفردية أو الحقوق الأساسية أو الحريات الأساسية، أو الحريات العامة الفردية هي أكثر التعابير الشائعة في الاستعمال،  وتجدر الإشارة إلى أن اجتهاد القضاء المدني وليس الإداري اختار غالباً تعبير الحريات الأساسية”([1]). أي فتعريف الحريات يجب أن ينطلق من القانون الوضعي للدولة، آخذًا بالاعتبار المتغيرات الاجتماعية والتطورات الإنسانية، أو بمعنى آخر انطلاقًا من تعداد الحريات العامة التي عدّها القانون الوضعي حريات عامة. ونحن نعلم أن مفهوم الحريات العامة هو مفهوم متغير وفقًا لاعتبارات الزمان والمكان، يتطور بتطور المجتمعات من جميع وجوهها الاجتماعية، الإنسانية، الاقتصادية، السياسية، الفكرية والعلمية.

ففي فرنسا اتخذ المجلس الدستوري الفرنسي منذ عام 1948 تصنيفًا خاصا للحقوق والحريات محددًا بتلك العناصر الأولى للنظرية العامة للحريات الأساسية من عدة قرارات صادرة عنه([2]).

ففي قراره الصادر في 10 آب 1984 المتعلق بالمؤسسات الصحفية اعتمد لأول مرة مصطلح (تمييزاً) في داخل الحريات العامة، معتبرًا أن بعض الحريات هي أساسية أكثر من الحريات الأخرى، وعليه فهي تتمتع بحماية خاصة، لا تتمتع بها الحريات الأخرى، وترتكز هذه الحماية على ثلاثة مبادئ توضح موقف اجتهاد المجلس الدستوري في الفترة السابقة لعام 1984.

وفي العراق تأثر بالمبادئ التي تضمنها إعلان حقوق الإنسان، ومن ضمنها دستور 1925 فقد أفرد باباً تحت عنوان (حقوق الشعب) اشتمل على مواد تتحدث عن المساواة والحرية الشخصية والحرية الدينية وحرية التعبير عن الرأي وحق الملكية. و كذلك جاء في الدستور العراقي الدائم لعام 2005 الدستور العراقي في الباب الأول: “لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور”، لكن الدستور نفسه تناول في الباب الأول تحت مسمى المبادئ الأساسية أن ” دين الدولة الإسلام”. ولكن بالمقابل وفق الدستور بين الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي وحقوق غير المسلمين عبر ما أورده في الفقرة الثانية مضيفًا عبارة: كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد وحرية العقيدة أو الممارسة الدينية كالمسيحيين الأيزيديين والصابئة والكرد الفيليين…

وشدد أن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو جزء من العالم الإسلامي، والحفاظ على تلك التعددية واجب، ثم أقرّ الدستور اللغة الكردية الرسمية، ومنحهم الحقّ العراقيين بتعليم أبنائهم اللغات الأم كالتركمانية والسريانية والأرمنية في المؤسسات التعليمة الحكومية.

أهمية البحث

تظهر أهمية البحث من خلال أهمية موضوع الحقوق والحريات العامة، واتصالها بحقوق الإنسان التي من اجلها أنشئ الدستور ليضمن الحفاظ على تلك الحقوق بعدم التعدي عليها أو المساس بها من خلال تشريع نص في صلب الوثيقة الدستورية، حرم من خلالها التجاوز على حقوق الأفراد وحرياتهم واعتبر كل مساس بتلك الحقوق، من خلال تفسير النصوص خلافاً لمعناها أو التعدي عليها جزاءه البطلان، من خلال حماية القضاء الدستوري المعزز بالمحكمة الاتحادية العليا، ويكمل ذلك وعلى اتصال مباشر ونسق ثابت القاضي الإداري، من خلال حماية الحقوق والحريات وتطبيق مبدأ المشروعية وإلزام الإدارة بعدم الانحراف بسلطتها.

مشكلة البحث

تكمن مشكلة البحث من خلال رسم دور القضاءين، والتأثير المتداخل بينهما في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم في حال ما إذا خالفت السلطة التشريعية نصوص الدستور، بتشريع قوانين تتعارض مع النص الدستوري، أو وضع قيود على حريات الأفراد، الأمر الذي يستلزم من المحكمة الاتحادية مواجهة ذلك من خلال حماية الدستور ونصوصه، والأمر مثله يسري على القاضي الإداري، فهو مطالب بتطبيق مبدأ المشروعية وفقاً لنصوص الدستور والقانون، وأن سلطات الإدارة في تزايد مستمر، وخوفاً من تعدي هذه السلطات على حقوق الأفراد وحرياتهم، وخصوصاً إذا ما لجأت الإدارة إلى استعمال سلطات استثنائية تحت مسمى حماية المصلحة العامة والنظام العام، وهو ما يستلزم منا قراءة هذا الدور المتبادل للقضاءين في بيان مدى دورهما تجاه حماية الدستور والقانون وما يعترضه من تحديات.

أهداف البحث

يتوخى البحث بيان الأهداف الآتية:

1-بيان دور القضاءين في حماية الحقوق والحريات الأساسية.

2-مدى التزام القاضي الدستوري في تطبيق نصوص الدستور الحامية لحقوق الإنسان وحرياته.

3- بيان القرارات التي يصدرها القاضي الدستوري لحماية مبدأ دستورية القوانين.

4-دور القاضي الإداري في مجال حماية مبدأ المشروعية، ومدى حماية حقوق الأفراد في ظل الظروف الاستثنائية.

منهجية البحث

اعتمد البحث المنهج المقارن في بيان تأثير القضاءين الدستور والإداري، في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم، وذلك من خلال بيان دور المجلس الدستوري في فرنسا في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم بالالتزام بنصوص الدستور وأهم ما توصل إليه في شان تعزيز تلك الحماية،  مع بيان دور القاضي الدستوري في العراق ممثلاً بالمحكمة الاتحادية العليا في الالتزام بنصوص الدستور، واستعراض لأحكام المحكمة في هذا الجانب، والتعرف على الدور القضائي لمجلس الدولة في العراق في التزام قضاء المجلس بتطبيق مبدأ المشروعية، مع بيان قرارات المجلس في ذلك.

تقسيم البحث

قسم البحث إلى مقدمة ومبحثين وخاتمة البحث، التي تضمنت أهم التوصيات التي انبثقت عن الدراسة وكالآتي:

المبحث الأول: دور القضاءين في حماية الحقوق والحريات العامة.

المطلب الأول: دور القاضي الدستوري في مجال حماية الحقوق والحريات العامة.

المطلب الثاني: دور القاضي الإداري في مجال حماية الحقوق وتطبيق مبدأ المشروعية.

المبحث الثاني: وسائل حماية القضاءين للحقوق والحريات العامة.

المطلب الأول: القرارات التي يصدرها القاضي الدستوري في مجال حماية حقوق الأفراد وحرياتهم.

المطلب الثاني: سلطة القاضي الإداري في حماية الحريات العامة إمام سلطات الضبط الإداري

المبحث الأول

دور القضاءين في حماية الحقوق والحريات العامة

تتجلى صور حماية القضاء الدستوري للحقوق والحريات العامة من خلال الرقابة على دستورية القوانين، فتكتسب الرقابة على دستورية القوانين أهمية عظيمة في تشكيل ضمانة للحقوق والحريات العامة؛ لما لها من اختصاصات في الحكم بعدم دستورية أي تشريع قد يمس هذه الحقوق بالانتقاص أو التقييد.

وإذا كانت الحقوق والحريات العامة وضمانات الرقابة القضائية تكتسب السمو الشكلي والموضوعي نفسه الذي تتمتع به القواعد الدستورية، فإن مناط الرقابة على دستورية القوانين هو حماية هذه القواعد الدستورية، ومنها: الحقوق والحريات العامة وضماناتها ورعايتها من العبث، لتظل قواعد سامية واجبة النفاذ والاحترام، وتمتد حماية القاضي الدستوري من الحقوق والحريات إلى النصوص الدستورية والقواعد التي تمتاز بالقوة إلى مرتبة الدستور، ويستلزم منا بيان هذا الدور من خلال تقسيمه إلى المطلبين التاليين، وعلى النحو الآتي:

المطلب الأول

دور القاضي الدستوري في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم

تمتد حماية القاضي الدستوري للحقوق والحريات العامة إلى النصوص الدستورية، والقواعد التي تصل بالقوة إلى مرتبة النص الدستوري، وهذا ما سنبينه بالفرعين الآتيين:

الفرع الأول

مدى حماية الحقوق والحريات في ظل الدساتير المرنة

يري جانب من الفقه بأن التطورات التي قادت إلى نشوء الرقابة على دستورية القوانين قد اقتصرت على الدول التي تتبنى الدساتير الجامدة، فيرى هؤلاء أنه لا يتصور بحث الرقابة على دستورية القوانين في ظل دستور مرن؛لأن مرونة الدستور تعني أن يكون في مقدور السلطة التشريعية تعديل أحكام هذا الدستور بإتباع القواعد والإجراءات المقررة نفسها؛ لوضع وتعديل القوانين العادية؛ لذلك فإن القوانين التي تضعها السلطة التشريعية فيما خالفت فيه الدستور كأنها تعديل له(

 

[3]). وتظل الرقابة قائمة على حقوق وحريات الأفراد في ظل الدساتير المرنة من خلال الحفاظ على النص الدستوري المؤكد لحقوق الأفراد، مما يدعونا إلى التساؤول حول طبيعة تلك الرقابة؟ الذي سنبينه في الفرع التالي.

الفرع الثاني

الرقابة على دستورية القوانين بالنسبة للعرف الدستوري

أما بخصوص الرقابة على دستورية القوانين للدساتير يبتغي ابتداء أن نميز بين العرف الدستوري، والدستور العرفي، فينص جانب من الفقه على أن الدساتير العرفية تعدّ وليدة تقاليد ومعاملات لم يسبقها أي نص مكتوب، أما العرف الدستوري فينشأ في داخل الدولة المنظمة بواسطة دستور مكتوب أو مقنن، فالعرف الدستوري هو غير الأعراف الدستورية، هو القاعدة القانونية غير المكتوبة تستقر في رأي الدولة القانوني، فيعدّها ضرورية بعد أن لوحظت ممارستها الدستورية([4]).وقد يقودنا السؤال بالنسبة للرقابة على دستورية القوانين للدول التي يكون العرف الدستوري جزءا داخلاً في حقوقها وحريتها ؟

للإجابة عن ذلك يلزم بيان آراء الفقه في هذا الصدد: ذهب فريق إلى اعتبار إرادة الهيئات الحاكمة هي الأساس الذي يكمن وراء القوة الملزمة للعرف، كما راح فريق آخر إلى اعتبار إرادة الأمة الضمنية هي أساس العرف الدستوري([5]). ويرى الفقيه الإنجليزي دايس (Dicey) أن القواعد الدستورية نوعان:

أحدهما: قواعد قانونية ذات صفة قانونية ملزمة وذلك عندما تطبقها المحاكم وتعمل بها، والآخر: عادات دستورية لا تعدو أن تكون قواعد آداب لها قوة سياسية ليس إلا، والمحاكم لا تقاضي عند مخالفتها([6])، وانتقد الفقيه جينيك (Genninge) هذا التوجه، ورأى أن العادات الدستورية شأنها شأن القواعد الأساسية لأي دستور تستند إلى قبول الجماعة أو موافقة الرأي العام؛ لأن مجرد الصفة القانونية للدستور لا تعود إلى صفة واضحة، وإنما إلى قبول الجماعة([7])، وهذا ما يجعل العرف الدستوري داخلا في نطاق الرقابة على دستورية القوانين.

ويمكن القول بهذا الصدد: إن امتداد نطاق الرقابة على دستورية القوانين بالنسبة للعرف الدستوري يشكل ضمانة للحقوق والحريات العامة؛لأن الممارسة الدستورية التي ترقى لمرتبة العرف الدستوري يجب أن تكون محل نظر من قبل الجهة التي تراقب على دستورية القوانين، حتى لا يتم التذرع من قبل البرلمان أو السلطة العامة بالعرف الدستوري لهدر الحقوق والحريات العامة ومن أية رقابة.

وهذا – أي الدستور العرفي- يكتسب القوة الإلزامية نفسها للدساتير المكتوبة، وبالنتيجة يمتد نطاق الرقابة على دستورية القوانين إلى مدى انسجام التشريعات العادية لها، وهذا ما يشكل ضمانة للحقوق والحريات العامة.

المطلب الثاني

دور القاضي الإداري في مجال حماية الحقوق والحريات العامة

بعد أن بينا طبيعة الرقابة القضائية على دستورية القوانين ودوره في حماية الحقوق والحريات العامة، نعرّج على رقابة القضاء الإداري؛ لأنها تعدّ أهم صور الرقابة القضائية الحامية للحقوق والحريات العامة؛ لاتصالها المتين بالرقابة على تصرفات السلطة العامة ومدى مجاورتها لمبدأ المشروعية، بما قد ينتهك هذه الحقوق والحريات بصورة مؤثرة وعميقة، وتتسم رقابة القضاء الإداري بطبيعة خاصة تمييزها من غيرها من أنواع الرقابة القضائية الأخرى، ذلك أن القضاء الإداري يختص بالرقابة على مشروعية تصرفات السلطة العامة، ويقصد بمبدأ المشروعية خضوع الحكام والمحكومين للقانون، ولاسيما خضوع الإدارة العامة للقانون، فإذا خرجت هذه الإدارة عن حدود القانون في أعمالها، كان للقضاء الإداري حقُّ إيقاف هذه الإدارة عن مجاوزة حدود القانون وإعادتها إلى جادة الصواب([8]).

ولرقابة القضاء الإداري للتحقق عن مدى انطباق تصرفات الإدارة لمبدأ المشروعية دور رئيسي وهام في كفالة الحقوق والحريات العامة، وحمايتها من تعسف الإدارة العامة على الرغم من وجود بعض النظريات الداعية إلى تحصين بعض التصرفات من خضوعها للرقابة القضائية، فيري بعضهم أن إخضاع كافة سلطات الإدارة للرقابة القضائية قد يؤدي إلى حرمانها من السلطة التقديرية في بعض الأحوال، فينتح عن شل حركتها، وإعاقة تأديتها لوظائفها تأدية فاعلة ومؤثرة([9]).

ويعود الفضل في تطور طبيعة القضاء الإداري وعدم جمودها في مواجهة الإدارة إلى براعة القضاء الإداري الفرنسي الذي تدرج في فرض رقابته على أعمال الإدارة حتى باتت فكرة الرقابة على نشاط هذه الإدارة مستساغة ومستقرة؛لأن القاضي الإداري الفرنسي عمد إلى التدرج في بسط رقابته على أعمال الإدارة ونشاطها حتى لا يثير حفيظتها، وذلك تماشياً مع الظروف التي عاشتها فرنسا بعد سقوط نابليون وعودة الملكية ، فجعل مجلس الدولة الفرنسي حينها يقرر إخراج بعض الأعمال الحكومية من دائرة رقابة القضاء([10]). أي: أن مجلس الدولة الفرنسي أول من ابتدع نظرية أعمال السيادة ([11]).

ومثلها نظرية الظروف الاستثنائية وهي نظرية أطلق القضاء الإداري من خلال ما وصفه بالمشروعية على بعض القرارات الإدارية ، وهي غير مشروعة في الظروف العادية، باعتبار هذه القرارات ضرورية للمحافظة على الصالح العام وانتظام المرافق العامة، لذلك قيل وبحق: إن الاستثنائية تحل محل المشروعية العادية في بعض الظروف الاستثنائية بحيث تتسع سلطات الإدارة لأمور غير منصوص عليها في القانون([12]).

وعلى العموم فإن رقابة القضاء الإداري على نشاط الإدارة في الظروف الاستثنائية يمارس على أسباب قرارها الإداري، وهو ما ترجوه الإدارة في اتخاذه ولا يتجاوز في رقابته إلى العيوب الأخرى، مثل الاختصاص والشكل والمحل وهو ما استقر عليه القضاء الإداري في العديد من الدول منها العراق([13]).

ولاشك أن القضاء الإداري يمارس دوراً مهماً في تحديد معالم نظرية الظروف الاستثنائية ويضع شروط للاستفادة منها ويراقب الإدارة في استعمال صلاحياتهم الاستثنائية حماية لحقوق الأفراد وحرياتهم. وفي اجتهاد نوعي غلب مجلس شورى الدولة العراقي الحق في الحياة على فرض عقوبة الإعدام، وهذا ما نبّه عليه القرار ذو الرقم17/2008 الصادر بتاريخ 4/2/2008، بمناسبة استيضاح وزارة حقوق الإنسان العراقية بكتابها ذي الرقم (ق/ 19109) في 9/7/2006 الرأي من مجلس شورى الدولة استناداً إلى حكم البند (خامساً) من المادة 6 من قانون المجلس ذي الرقم 65 لعام 1979 بخصوص قرار مجلس قيادة الثورة المنحل ذي الرقم95 لعام 1994 الذي يعاقب بالإعدام كل من هرب سيارة أو شاحنة أو أحدى المكائن أو الآلات المستعملة لأغراض الحفر أو السداد، أو أي غرض مشابه إلى خارج العراق، أو إلى جهة معادية في شأن إبقاء العمل بأحكام هذا القرار أو إلغائه أو تعديله في ضوء المرحلة الحالية وأحكام الدستور.

وقد أوضحت وزارة المالية/ مكتب المفتش العام بكتابها ذو الرقم(ح/ 155) في 22/11/2006 أنها تؤيد الإبقاء على القرار أعلاه واستمرار العمل بموجبه بهدف ردع المهربين للآليات المذكورة، كما بينت وزارة المالية بكتابها ذي الرقم34394 في 9/10/2007 أنها لا ترى ما يمنع من إلغاء القرار المذكور وتفعيل القوانين الأخرى، وهي كافية لمعالجة حالة التهريب.

وقد قضى مجلس شورى الدولة بإلغاء القرار القاضي بالإعدام؛ معللاً ذلك أن عقوبة الإعدام هي عقوبة جسيمة، وأن قانون الكمارك ذا الرقم 23 لعام 1984 هو قانون خاص في جرائم التهريب، وتدخل ضمن الأفعال المعاقب عليها في القرار آنفا ضمن نطاق هذا القانون، ولا يرقي العقاب عليها إلى الإعدام([14]).

ويتبين من القرار أن ما ذهب إليه مجلس شورى الدولة العراقي في قراره كان مصيبا لضمان حق الأفراد بالحياة، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً في قرار فريد من نوعه، وفي ضوء الاختصاص المنوط بمجلس شورى الدولة (سابقاً) مجلس الدولة العراقي حاليا عند صدور القرار.

ولبيان دور القضاءين في مجال حماية حقوق الأفراد وحرياته بصورة أكثر دقه وتفصيل يستلزم ذلك التعرف على الوسائل التي يمنع بها إي اعتداء أو خرق لحقوق الأفراد وحرياتهم ، وهو ما سنبينه في المبحث القادم.

المبحث الثاني

وسائل حماية القضاءين للحقوق والحريات العامة

يتطلب منا في هذا المبحث التعرف على الوسائل التي من خلالها يمكن للقضاءين حماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد، والتي تتمثل من خلال ما يصدره القضاءين من الإحكام والقرارات التي يمنع بها إي اعتداء على نصوص الدستور والحكم بمخالفته وبطلانه، متمثلاً ذلك بالمحكمة الاتحادية العليا، وأيضا بيان وسائل مواجهة الاعتداء على حقوق الأفراد في مجال قضاء مجلس الدولة العراقي من خلال استعراض أنواع القرارات التي يصدرها، وسنبين ذلك من خلال المطلبين الآتيين:

المطلب الأول

أنواع القرارات التي يصدرها القاضي الدستوري في مجال حماية الحقوق والحريات العامة

إن القاضي الدستوري يمكنه، في مجال الرقابة على دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون أن يصدر ما يأتي:

  • قرارا يعلن فيه مخالفة القانون كليًا أو جزئيًا للدستور.
  • قرارا يعلن فيه مطابقة القانون للدستور.

ففي الحالة الأولى نجد أن المدى الذي تبلغه مخالفة القانون لأحكام الدستور يمكن أن يطال النص المطعون فيه بمجمله، كما يمكن أن يعتدى على بعض أحكامه فقط، وعلى هذا فإن قرارات المجلس الدستوري يمكنها أن تُعلن مخالفة القانون كليًا أو جزئيًا لهذا القانون الأعلى([15]).

بمعنى أن إعلان مخالفة القانون كليا للدستور، يمكن للمجلس الدستوري أن يقرر أن النص موضوع المراجعة مخالف كليًا أو جزئيًا للدستور، فيعلنه قانونًا غير مطابق للدستور. وتحصل هذه الحالة عندما يتحقق المجلس الدستوري من أحكام القانون بكاملها، مخالفة للدستور، أو بعضها غير القابل للتجزئة أو للفصل عن مجمل القانون([16]).

وفي حالة قضائه بعدم دستورية بعض نصوص القانون، مع عدم إمكانية فصلها عن مجمل القانون، أن يوضح التلازم وعدم إمكانية الفصل بشفافية([17]).هذا وقد أتيح للمجلس الدستوري الفرنسي إعلان مخالفة القانون كليًا للدستور في البعض من قراراته. من ذلك مثلاً قانون الموازنة لعام 1980 وقانون “Fillou” ([18]).

أما الحالة الثانية، أي إعلان مخالفة القانون جزئيًا للدستور، في هذه الحالة يعلن المجلس عدم دستورية بعض الأحكام مع مطابقة باقي نصوصه للدستور([19]). وكي يعمل لهذه القاعدة، يتعين أن تكون النصوص المخالفة للدستور قابلة للانفصال عن باقي أحكام القانون، فحينما يحدد المجلس النصوص غير المطابقة للدستور، ويبين إمكانية انفصالها عن باقي أحكام القانون المطعون فيه، ليعلن في الأخير عدم المطابقة لجزء منها، من ناحية، ومطابقة الجزء الأخير للدستور من ناحية ثانية([20]).

وفي إطار المحكمة الاتحادية العليا في العراق نرى اتجاه المحكمة في الحكم بإلغاء القانون التشريعي المخالف للدستور إلغاء كلياً، فنلاحظ ذلك على الحكم الآتي الذي تقدم به المكون الأيزيدي بطعن في العام 2014 حول حقهم بالتمثيل الانتخابي، ومرفقاً الطعن بقانون الانتخابات، وقد جاء في قرار المحكمة ذي الرقم11/اتحادية/2010 الصادر بتاريخ 14/6/2010، بأن القانون المذكور جاء في المادة 11 ثانيًا (ب) العليا خلافًا لأحكام المادة 94 من الدستور فأقرت عدم دستورية القانون السابق، وضرورة منح المكون الأيزيدي مقاعد في مجلس النواب العام 2014 تتناسب مع حجمه السكاني، علما أن قرارات المحكمة باتة ملزمة، ووجب على المجلس الالتزام بها خاصة أن تحديد نفوس الأيزيديين في العراق يتجاوز النصف مليون. بالرجوع إلى حيثيات القرارات نجد أن المحكمة الاتحادية سبق أن أصدرت بتاريخ 2007 وتاريخ 2010 قرارًا مشابهًا له يقضي بعدم دستورية قانون الانتخابات الصادر من السلطة التشريعية؛ الذي يسلب أو يقلل من حق المكون الأيزيدي في التمثيل البرلماني. وعلى الرغم من أن المحكمة الاتحادية، سبق لها وفي مناسبتين قد أصدرت قرارها بعدم دستورية القانون المشرع من السلطة التشريعية، إلا أن السلطة التشريعية ومع كل دورة انتخابية تسن القانون السابق نفسه المطعون بعدم دستوريته، ويتبين لنا من الأمر أن سلطات الدولة وأقصد السلطتين التشريعية والتنفيذية، هي من تتعدى على حقوق الأفراد والأقليات بقصد أو بدون قصد وتخالف نصوص الدستور، وتحاول كذلك عدم الالتزام بقرارات المحكمة الاتحادية العليا السابقة.

غير أن الدور البارز للمحكمة الاتحادية العليا في التصدي لجميع تلك الخروقات الدستورية المتكررة، وإصرار المحكمة على رأيها وإلغاء القانون المذكور من قبل المحكمة لعدم دستوريته إلغاء كلياً، والوقوف بوجه سطوة السلطتين التشريعية والتنفيذية، يؤكد استقلالية المحكمة الاتحادية عن باقي السلطات.

وفي طعن مماثل تقدم به الكرد الفيليين، وهم من الأقليات ولكنهم موزعون على مناطق متفرقة من العراق دون تحديد منطقة تجمعهم مرتكزين في طعنهم إلى ديباجة الدستور.فادّعت وكيلة المدعيتين أمام المحكمة الاتحادية في الدعوى ذو الرقم 20/اتحادية/2014. للنظر في صدور قانون انتخابات مجلس النواب العراقي ذو الرقم 45 لعام 2013، طعنًا بعدم دستورية المادة 11 من القانون أعلاه لانحراف المشرع عن المبادئ والحقوق الأساسية الواردة في الدستور لعام 2005، بحرمان الكرد الفيليين من حقهم في التمثيل النيابي بتخصيص (الكوتا) لهم أسوة ببقية المكونات في الدستور على الرغم من توافر المبررات نفسها والأسباب اللازمة لتخصيص الكوتا فضلاً عن ديباجة الدستور، التي أوضحت تضحياتهم، فالدستور العراقي أكد مبدأ المساواة للعراقيين وتكافؤ الفرص على أن تكفل الدولة اتخاذ الإجراءات الكفيلة استنادًا للمادة 14 و 16 من الدستور. كما أن الدستور أشار في المادة 47/أ على ضرورة تمثيل الشعب العراقي بأكمله في مجلس النواب، بنسبة نائب واحد لكل مائة ألف على أن يراعى سائر مكونات الشعب، وأن الحالة الواقعية إلى عدم وجود تمثيل للأكراد الفيليين، في مجلس النواب بسبب طبيعة الانتخاب. وبعد التدقيق والمداولة في المحكمة الاتحادية وجدت أن نص المادة 11 من القانون ذي الرقم 45 لعام 2012 على تخصيص الكوتا للكرد الفيليين لا يجعل من المادة المذكورة من القانون أعلاه غير دستورية، وأنه خيار تشريعي يرجع إلى المشرع. وأن طلب تعديل المادة المذكورة بإضافة الكرد الفيليين إليها؛ ليكون للكرد الفيليين كوتا محددة في مجلس النواب، ليس من اختصاص المحكمة الاتحادية كما أنه ليس من اختصاصها    الحكم بإلزام المدعي إضافة لوظيفته بتخصيص حصة معينة للمكون المذكور، في مجلس النواب وللأسباب المذكورة تكون الدعوى واجبة الرد لعدم الاختصاص([21]).

كما أصدرت المحكمة الاتحادية العليا حكماً بعدم دستورية الاستفتاء الجاري يوم 25 أيلول 2017، في إقليم كردستان وبقية المناطق وفي خارجه، مقرّرة إلغاء الآثار والنتائج المرتبة عليه كافة.

وقال المتحدث الرسمي باسم المحكمة، إلياس الساموك، في بيان، أن «قرار المحكمة أفاد بأن المدعى عليه رئيس إقليم كردستان عند توليه رئاسة الإقليم قد أصدر إضافة لوظيفته الأمر الإقليمي ذا الرقم(106) في 9 حزيران/ يونيو الماضي، الذي أعلنه إعلامياً رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان وأيده المدعى عليهما رئيس مجلس محافظة كركوك ومحافظ كركوك إضافة لوظيفتيهما». وأوضح المتحدث الرسمي أن الاستفتاء «جاء للمشمولين به بسؤال واحد ونصه (هل توافق على استقلال إقليم كردستان والمناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم وإنشاء دولة مستقلة)»، مؤكداً أن «المحكمة وجدت وبالهدف الذي سعى إليه والغرض الذي أجري من أجله الاستفتاء، هو استقلال إقليم كردستان والمناطق المشمولة بالاستفتاء في خارج الإقليم عن العراق وإنشاء دولة مستقلة خارج النظام الاتحادي لجمهورية العراق، الذي نصت عليه المادة (116) من الدستور والمتكون من العاصمة والأقاليم والمحافظات اللامركزية والإدارات المحلية». وأشار إلى أن «الأمر الإقليمي المنوه عنه آنفاً وفقا لقرار المحكمة وإجراء الاستفتاء بناء عليه يتعارض ويخالف أحكام المادة (1) من الدستور وتنص على (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق)». وذكر أن «دستور جمهورية العراق لسنة 2005 لا يجيز انفصال أي مكون من مكونات نظامه الاتحادي الوارد ذكره في المادة (116) من الدستور والذي ألزمت المادة (109) منه السلطات الاتحادية الثلاث بالمحافظة على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي». وتابع: «بناء عليه فان حكم المحكمة أكد أن الاستفتاء لا سند له من الدستور ومخالف لأحكامه، وعليه قرر الحكم بعدم دستورية الاستفتاء في إقليم كردستان وفي المناطق الأخرى التي شمّلت به وإلغاء الآثار والنتائج كافة المترتبة عليه». وطبقاً للبيان، فإن «قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة استناداً إلى المادة 94 من الدستور»([22]). وهي تعمل على إلغاء القانون المخالف للدستور أو ترد الدعوى لعدم الاختصاص طبقاً لما أوردناه من الأحكام السابقة، ولم يتبين لنا من أن المحكمة الاتحادية في العراق تعمل على إلغاء جزئي للقانون المخالف والمطعون بعدم دستورية كما في فرنسا، وهذا ما يكون مدعاة اطمئنان لعمل المحكمة ، فالقانون المخالف يكون بدرجة واحدة أمام نصوص الدستور يستلزم إلغاءه وعدم إلغاء جزء وإبقاء على جزء، يعني ذلك تلاعبا على حقوق الأفراد وحرياتهم، وينفي بذلك ضمانات القضاء تجاه الأفراد وتضعف دور الرقابة وحسناً فعل قضاء المحكمة في ذلك.

المطلب الثاني

أنواع القرارات التي يصدرها القاضي الإداري في مجال حماية الحقوق والحريات العامة

إن السلطة التقديرية ما هي إلا امتياز للإدارة يكمن في مقاصده الخير العام، والإدارة ملزمة دائماً بحكم وظيفتها بالبحث عن الحل الأكثر ملائمة، وهو أمر يجعل الإدارة في وضع قانوني في داخل إطار المشروعية، فعندما يترك لرجل الإدارة اختيار إجراء من إجراءات عدة؛لأنه الوحيد الذي يمكنه إيجاد مثل هذا الحل، فغاية السلطة التقديرية هي التحقيق الكامل لحالة قانونية، ومن أجل ذلك فإنه يرى عدم جدوى التفرقة بين السلطة التقديرية والمقيدة؛ لأن الإدارة يجب عليها أن تعمل دائماً في ضوء المصلحة العامة لتحقيقها؛ ولأن هناك قواعد القانون العامة التي تحكم باستمرار كل تصرفات الإدارة، ويرتبون على ذلك أن الحل الذي تتبعه الإدارة هو أحسن الحلول([23]).

فالقرارات التي يصدرها القاضي الإداري في مجال حماية الحقوق والحريات تتنوع:

منها ما يعود إلى حقوق الموظفين، ومنها ما يعود إلى ممارسة حرياتهم تجاه سلطات الإدارة في الظروف الاستثنائية التي تتطلب من القضاء رقابة صارمة على سلطات الإدارة، التي سنستعرضها في الفرعين الآتييين :

الفرع الأول

القرارات التي يصدرها القاضي الإداري لحماية حقوق الموظف

وتتمثل تلك القرارات من خلال رقابة القاضي الإداري على ما تصدره الإدارة في المجالات الآتية:

أولا: في مجال مبدأ الشرعية الذي يهدف القاضي الإداري من خلاله حماية حقوق الموظف.

في مجال الوظيفة من خلال عدم فرض عقوبة انضباطية خارجة عن الإجراءات المنصوص عليها في المادة (8) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام وذلك من اجل حماية حقوق الموظف الوظيفية وعدم المساس بالمركز الوظيفي؛لأن العقوبات الواردة في قانون الانضباط ترتب عليها آثار تعسفية: تأخير ترفيع الموظف أو زيادة راتبه، فيترتب على العقوبة الإضرار بعائلة الموظف من خلال قطع راتبه ، وتنزيله درجة ولتأكيد مبدأ حماية الحقوق من خلال مبدأ المشروعية

وفي العراق سار مجلس الانضباط (محكمة قضاء الموظفين حاليا) على هذا النهج بعدم معاقبة الموظف بعقوبة غير واردة في صلب القانون؛لأن ذلك مخالف لمبدأ الشرعية، وفي قراره ذي الرقم217/1999/في13/ 10 /1999 يشير المجلس “يكون قرارها هذا مخالفاً لنص القانون، ولا يستند إلى أساس قانوني حيث إن اللجنة قد منحت نفسها صلاحيات لا تملكها…..”([24]).

ومبدأ الشرعية يعني، التزام السلطة المختصة بفرض العقوبة المحددة من قبل المشرع، المنصوص عليها في قوائم العقوبات عند تقديرها وتطبيقها، ولا يمكن فرض عقوبة خارج اللوائح المحددة للعقوبات ولو كانت أخف من المقررة.

والعقوبات التأديبية التي توقعها السلطة المختصة لا تكون صحيحة ومشروعة إلا إذا كانت من بين العقوبات المحددة قانوناً، غير أن ذلك لا يعني أن يكون هناك تطابق بين مبدأ الشرعية في القانون التأديبي ومبدأ الشرعية في القانون الجنائي؛ لأن المشرع يقرر عقوبة معينة سواء كانت من حد أم حدين لكل جريمة جنائية معينة، ولا يترك في ذلك للقاضي الجنائي حرية كبيرة في هذا الشأن على عكس العقوبات التأديبية فإنه يكتفي عادة بتحديد قائمة العقوبات تاركاً للسلطة التأديبية بعد ذلك حرية اختيار العقوبة المناسبة للذنب الإداري من بينها([25])، والقاضي الإداري يعزّز مبدآ عدم المشروعية للعقوبة من خلال حماية الحقوق والتأكيد على تلك الحماية تعزز المبدأ بالأفكار التي تؤيد ما تقدم من قرارات صادرة عن مجلس الدولة في إلغاء القرار المخالف لمبدأ شرعية العقوبة.

فالسلطة التأديبية لا تمتلك أن تبتدع عقوبات جديدة ؛لأن العقوبات محددة بموجب القانون، ويجب على سلطة التأديب الالتزام بالقيود الشكلية والموضوعية التي حددها القانون على حدٍ سواء([26]

ومن استعراض قرارات مجلس الانضباط العام( محكمة قضاء الموظفين حاليا)، نرى أن المجلس سار على منهج الشرعية التي تستند إلى نصوص القانون وأحكام القضاء، ولا يمكن للسلطة المختصة فرض أي عقوبة تأديبية غير منصوص عليها من دون خطأ تأديبي من قبل السلطة المختصة([27]).

ثانيا:مبدأ عدم رجعية القرارات بالنسبة للعقوبة التأديبية، وأثره في حماية حقوق الموظف

يعدُّ مبدأ عدم رجعية الجزاءات من المبادئ المستقرة، والمسلم بها في التشريع المقارن، وميثاق حقوق الإنسان الصادر عن منظمة الأمم المتحدة عام 1948 في المادة (11) فقرة (2) واطراد أحكام القضاء في ذلك الشأن، ويهدف القضاء الإداري في فرنسا، والعراق إلى عدم جواز رجعية الجزاءات كفالة لاحترام وصيانة المجال الزمني الخاص بتطبيق كل قانون على حدة، واحترام الحقوق المكتسبة والمراكز القانونية الذاتية من جهة أخرى([28]).

ويقصد بمبدأ عدم الرجعية طبقاً لما تقضي به المبادئ القانونية العامة، سواء بالنسبة لعدم رجعية القوانين كقاعدة عامة، أو عدم رجعية القرارات الفردية بصورة خاصة([29])؛ وذلك عملاً بما تفرضه الطبيعة التأديبية للقانون التأديبي([30])، الذي يستلهم قواعده من الشريعة العامة للعقاب في القانون الجنائي، ويتضح من ذلك أن كل قرار تصدره الإدارة قاصدة أن ينسحب أثره إلى الماضي يكون قراراً باطلاً([31])، حتى ولو أشار منطوق القرار صراحة على سريان أثره على الماضي، فلا يجوز للسلطة التأديبية المختصة توقيع الجزاءات التأديبية بأثر رجعي على المخالف من تاريخ ارتكاب المخالفة مهما كانت درجة خطورتها أو جسامتها أو حداثة ارتكابها([32]).

” كما نصت عليه المادة (19/9) من الدستور العراقي النافذ إذ جاء فيها (عدم رجعية العقوبة) باعتباره من الضمانات الكبرى التي تحكم نظرية العقاب بشكل عام.

كما حرص القضاء الإداري تأكيد هذا المبدأ كفالة لاحترام المدى الزمني الخاص بتطبيق كل عقوبة على حدة، وتطبيقاً لذلك، قضى مجلس الدولة الفرنسي بأن الوزير لا يملك في ظل غياب النص القانوني الصريح الذي يجيز أن يعطي قراره بفصل الموظف بأثر رجعي([33]).

ويعدُّ العقاب باطلاً إذا وقع بأثر رجعي، ويرتبط هذا المبدأ بمبدأ لا عقوبة إلا بنص حيث لا يمكن تطبيق الجزاء إلا بعد ارتكاب المخالفة؛ لأنه لم يكن قائماً وقت ارتكابها، وينص مجلس الدولة الفرنسي على أن القرارات الإدارية سواء أكانت تنظيمية أم فردية لا يجوز توقيعها بأثر رجعي، فمضمون عدم الرجعية أن الجزاء لا يرتب أثره إلا من تاريخ توقيعه([34]).

وعلى المنوال نفسه سار المشرع العراقي، فالسلطة التأديبية تلتزم بالقوانين النافذة وقت ممارسة اختصاصاتها التأديبية، ولا يمكن أن توقع إلا العقوبات النافذة وقت استعمالها اختصاصاتها بغض النظر عن العقوبات التي كانت قائمة وقت ارتكاب المخالفة.

ويستندون على أن الموظف يشغل مركزاً تنظيمياً يخضع للقوانين الجديدة، وأن الأحكام والقرارات يحكم على شرعيتها وفقاً للقوانين السارية وقت صدورها.

ثالثا: الملاءمة بين الخطأ المرتكب والعقوبة التأديبية كضمان لعدم تعسف الإدارة بسلطتها تجاه حقوق الموظف.

استناداً لما سبق من أن السلطة التأديبية تملك السلطة التقديرية في توقيع الجزاء التأديبي إلا أن هذه السلطة ليست مطلقة، بل مقيدة بمبدأ وجوب تناسب الجزاء التأديبي مع المخالفة التأديبية، وقصد المشرع من ذلك تحقيق الموازنة بين كل من الجزاء التأديبي والجريمة التأديبية بحيث لا يجازي الموظف إلا بجزاء يتناسب ويتوازن مع ما صدر عنه من جريمة تأديبية([35]).

واستناداً لذلك، يتحقق التناسب كلما جاء سبب القرار التأديبي متوافقاً مع محله وموضوعه، أي وجود توافق بين أهمية الوقائع التي أدت إلى صدور القرار(السبب)، وبين الإجراء المتخذ إزاء هذه الوقائع وما له من آثار قانونية، وعلى هذا فإن التناسب في المجال التأديبي يعني تقدير العقوبة التأديبية نوعاً ومقداراً مع ما يتوافق مع خطورة وجسامة الجريمة المرتكبة ، فيؤدي بالنتيجة إلى تحقيق ملائمة مقبولة أو ظاهرة([36]).

ويراد أيضاً التناسب بين المخالفة الإدارية (السبب)، وبين نوع العقوبة ومقدارها (المحل)، إذ تعدُّ أشبه بعملية حسابية يعتمد بسطها على المخالفة، ومقامها على الإجراء المتخذ، وناتجها الملاءمة أو عدمه([37]).

أما القضاء الفرنسي([38]) لا يبسط رقابته على مدى ملائمة العقوبات التأديبية التي يتم توقيعها من قبل السلطة التأديبية، لأن تقدير العقوبات ليس من طبيعة أن يكون موضوعاً للطعن بالطريق   القضائي، فالملاءمة اختصاص تقديري للإدارة باستثناء حالة الانحراف بالسلطة، وأن القضاء الإداري لا يملك تحديد خطورة الجزاء التأديبي، وأحكام مجلس الدولة الفرنسي يبسط رقابته على الأسباب التي قام عليها الجزاء التأديبي، ويقضي ببطلان القرار التأديبي الصادر بالجزاء إذا لم يكن مسبباً، أو إذا كان القرار مشوبا بعيب من العيوب التي تصيب القرار الإداري، فرقابة المجلس ضيقه، وتستند على أساس المشروعية([39]).

غير أن الاتجاه الحديث لقضاء مجلس الدولة الفرنسي أخضع ملاءمة الجزاء التأديبي مع الذنب الإداري لرقابته وذلك عندما تبنى المجلس نظرية الخطأ الظاهر أو الخطأ البين في المجال التأديبي، فأصبح القضاء يراقب الخطأ البين في تقييم وتقدير الإدارة للوقائع التي تستند إليها في قراراتها التأديبية، ومدى تناسبها مع ما تتضمنه هذه القرارات من ملائمة للجزاءات([40]).

وطبقاً لنظرية الخطأ الظاهر يبسط مجلس الدولة الفرنسي رقابته في المجال التأديبي على مدى ملاءمة الجزاء التأديبي الصادر استناداً إلى أحكام المادة (17) من قانون الجزاءات المالية بتاريخ 19 / 7/ 1977 التي تقرر ضرورة اختيار العقوبة التأديبية وفقاً لحماية مرتكب المخالفة من الغلو بتقدير الجزاء([41]).

ويسير قضاء مجلس الدولة الفرنسي في رقابته للجزاءات سواء كان متسماً بالقسوة أو تلك المتسمة بالبساطة التي توقع من قبل الإدارة، وطبقاً لذلك ألغى المجلس أحد أحكامه الجزاء الموقع على سائق حافلة بإحدى القرى نظراً لعدم تناسب هذا الجزاء مع خطورة الذنب المقترف، فعدّ المجلس هذا السلوك خطأً تأديبياً على درجة من الخطورة مما يتنافى مع ما اتسم قرار السلطة التأديبية من تسامح أو تساهل مفرط ([42]).

وفي العراق([43])، ونظراً لغياب تقنين حصري للجرائم الانضباطية، منحت السلطة المختصة تقديراً في وصف المخالفات الانضباطية وتقدير العقوبة المناسبة لها من بين قوائم العقوبات المحددة علي سبيل الحصر.

وأخذ مجلس الانضباط العام ( محكمة قضاء الموظفين حاليا ) في العراق بمبدأ التناسب عن طريق بسط رقابته على الملاءمة، فذهب المجلس إلى أن العقوبة ينبغي أن تكون متناسبة مع المخالفة؛لأن الغلو فيها يتعارض مع الهدف الذي تبغيه القانون من التأديب، ومن القرارات التي تأثر فيها بقضاء المحكمة العليا من حيث استعمال لفظ الغلو منها قرار مجلس الانضباط العام ذو الرقم 3 / 71 والصادر في 23/ 1/ 1973المتعلق باعتراض موظف عاقبته لجنة الانضباط بانقاص راتبه بنسبه 5% ولمدة سنتين بسبب كثرة غيابه وتأخره عن الحضور فقرر المجلس “… أن المعترض خالف التعليمات ولم يحافظ على الدوام ولدى عطف النظر على العقوبة وجد إنها شديدة وغير متناسبة مع مخالفته ولا يشوب تقدير العقوبة الغلو، حيث أن العقوبة غاية في ذاتها، وإن المعترض كان مريضاً مما يوجه الرأفة به، ولما تقدم قرر المجلس تخفيفها ومعاقبته بعقوبة التوبيخ.”

وفي ظل قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام ذي الرقم 14لسنة1991 ظلَّ المجلس يراقب العقوبة مع الفعل المرتكب بما لا يتعارض مع طعن المعترض، وأن لا يضارَّ بطعنه، وصدرت قرارات عدة في هذا الخصوص بتخفيض العقوبة لشدتها بما يتناسب مع الفعل المرتكب، وقد جاء في قراره ” وحيث إن التناسب بين الفعل والعقوبة أمر لازم يجد المجلس أن عقوبة العزل شديدة جداً، ولم يسبق للمعترض أن عوقب بأي عقوبة من عقوبات الفصل… ولما تقدم تقرر إلغاء الأمر الوزاري ذي الرقم 6084 في 15 / 12 / 1995، وتخفيض عقوبة العزل إلى عقوبة التوبيخ وهي العقوبة المناسبة للفعل المرتكب…” ([44]).

وكما أشرنا فيما سبق أن مجلس الانضباط (محكمة قضاء الموظفين حاليا) في العراق أخذ بمبدأ التناسب ومّد رقابته على ذلك في قانون ذي الرقم 69 لسنة 1936 الملغى، وكذلك في القانون ذي الرقم 14 لسنة 1991 النافذ، ونلتمس من القضاء الاتجاه إلى الأمام في هذه المبادئ الهامة، والضامنة للحقوق والتوسع في هذه الفكرة بما يضمن حماية الموظف، وسلامة المرفق وتحقيق المصلحة العامة.

الفرع الثاني

سلطة القاضي الإداري في حماية الحريات العامة إمام سلطات الضبط الإداري

لا يخلو مجتمع من المجتمعات، مهما بلغت درجة حضارته، أو وعي مواطنيه أو ثقافاتهم، من الحاجة للضبط الإداري بوصفه أحد شقي النشاط الذي تقوم به الإدارة لحماية النظام العام فيه، فالمجتمع مجموعة من الأفراد تتعايش معاً معيشة مشتركة على أرض مشتركة تقودهم جماعة من الحكام المسؤولين عن تنظيم هذه المعيشة وإدارتها، ومن هنا فإن ممارسة الإدارة للضبط الإداري ضرورة حتمية، وتتبع الإدارة في ممارستها له وسائل متعددة:

منها القرارات التنظيمية والأوامر الفردية كما تستخدم القوة المادية في حالات وشروط معينة. ويتسع مبدأ المشروعية حتى يشمل الجانب الاستثنائي، فيمكن لهيئات الضبط الإداري التصرف بقدر من الحرية والمرونة العالية، فيتم منحها بعض السلطات الخاصة لغرض حماية مصالح الدولة والحفاظ على النظام العام.

وعلى الرغم من كون نظام الطوارئ نظامًا استثنائياً، إلا أنه ليس مطلقاً، هو نظام خاضع للقانون، وضع الدستور ركائزه وبين القانون أصوله وأحكامه، فوجب أن يكون إجراؤه على مقتضى هذه الأصول والأحكام، هو بذلك يخضع للرقابة القضائية([45]).فقرر القضاء الإداري أن قرارات وأعمال الضبط الإداري لا تكون مشروعة إلا إذا كانت ملائمة، ويختلف مدى الرقابة القضائية على سلطات الضبط الإداري خلال الأزمات الخاصة بحسب تنظيمها، فالرقابة القضائية خلال الأزمات الخاصة تأخذ اتجاها واحد بالدساتير، وهو ضرورة خضوعها لرقابة القضاء في ظل التوسع في تفسير النصوص القانونية، وإضافة اختصاصات جديدة للإدارة، والسماح لسلطات الضبط الإداري بالخروج على بعض أركان القرار الإداري.

ويمثل الضبط الإداري نشاطاً إدارياً هادفاً لحماية النظام العام في المجتمع إلا أن هذه الفكرة قد يكتنفها الغموض والإبهام، فيقتضي بيان تعريفها ابتداءً وتحديد أغراضها.

فالفقه ذهب إلى تعريف الضبط الإداري على وفق الغاية منه إذ عرفه بعضهم بأنه: (مجموعة الإجراءات والقرارات التي تتخذها السلطة الإدارية لهدف حماية النظام العام والمحافظة عليه)([46]).

ومن الجدير بالذكر أن مفهوم النظام العام قد اتسع ليشمل المحافظة على الآداب العامة والأخلاق، فتجاوز بذلك الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة([47]).

كل ذلك يتم في حالة الظروف غير العادية، وقد أتيحت الفرصة للقضاء الإداري أن يقول كلمته خلال الأزمات الخاصة بعد تحقق حالتها ([48]).وتقف بوجه هذه السلطات رقابة القضاء وتشمل:

  • الرقابة القضائية على قرارات الضبط الإداري:

فيما يتعلق بمجلس الدولة الفرنسي فقد مارس الرقابة على الإجراءات والتدابير التي تتخذ في أثناء الظروف الاستثنائية، فهذه الظروف تخوّل الإدارة سلطات موسعة استثنائية تستطيع بها وقف ممارسة الحقوق والحريات العامة، ويجب أن يكون ذلك بالقدر اللازم والضروري لمواجهة هذه الظروف، تأسيساً على قاعدة: الضرورة تقدر بقدرها، ومن أحكام مجلس الدولة الفرنسي بهذا الخصوص، ما قضي به بتاريخ 3/5/1946 في قضية (VEUVE-GOGUET) من عدم مشروعية القرار الذي اتخذه عمدة مدينة (NANTES) بالاستيلاء على شقة مملوكة لأحدى السيدات لتقيم بها إحدى العائلات التي نزحت من المناطق التي كانت مسرحاً للعمليات الحربية في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية؛لأن المصاعب والظروف التي واجهتها الإدارة في تلك المدينة لا تبرر إصدار قرار الاستيلاء، وكذلك ما قضى به المجلس في حكمة الصادر بتاريخ 8/2/1950 في قضية (CHAUVET) بإلغاء قرار كان الحاكم العام للهند الصينية قد أصدره في 28/5/1946 بإلغاء القانون الصادر بتاريخ 18/2/1943 وأسس مجلس الدولة حكمه على أن الظروف الناتجة عن الحرب التي استند إليها الحاكم ليصدر الحكم المطعون فيه لم تكن كافية لتبرر ممارسة سلطة استثنائية لا تسمح بها القوانين السارية وهي إلغاء قانون بقرار إداري([49]).

أما عن التطبيقات القضائية في العراق، فينبغي التطرق إلى الأحكام الصادرة قبل إنشاء محكمة القضاء الإداري بالقانون ذي الرقم 106 لسنة 1989، إذا كان القضاء العادي يبسط رقابته على السبب في قرارات الضبط الإداري الصادرة في ظل الظروف الاستثنائية:

ومن هذه القرارات المتخذة تطبيقاً للأحكام العرفية أو حالة الطوارئ حكم محكمة التمييز بتاريخ 18/3/1957 الذي نقضت به حكم صادر عن محكمة البداءة برد الدعوى لعدم اختصاصها بنظرها، التي رفعها أحد المحامين وذلك لمنعه من قبل سلطة الطوارئ من السفر لحضور مؤتمر المحامين في القاهرة، فذكرت محكمة التمييز في قراراها بأنه: ((… لم تبحث المحكمة سبب منع السفر وحيث إن القضاء له الولاية على تطبيق القانون بما يحول دون مخالفته أو التعسف في استعمال الحقوق، حيث إن محكمة البداءة لم تتحقق في الأسباب التي أدت إلى منع السفر فيكون قرارها برد الدعوى مخالفاً للقانون لذا قرر نقضه))([50]).

بيد أن محكمة التمييز في قرارات أخرى عدت هذه القرارات من أعمال السيادة وبالتالي امتنعت عن النظر فيها، كما جاء في حكمها الصادر في 24/6/1959 الذى قضت فيه: ((بعدم جواز المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي نجمت عن تطبيق القانون بصورة غير صحيحة في ظل الأحكام العرفية وليس للمحاكم ولاية النظر في أمثال هذه الطلبات)) ([51]).

أما بعد إنشاء محكمة القضاء الإداري بالقانون ذي الرقم 106 لسنة 1989 قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شوري الدولة ذو الرقم 65 لسنة 1979، فقد راقبت هذه المحكمة بصورة غير مباشرة ركن السبب في قرارات الضبط الإداري الصادرة في ظل الظروف الاستثنائية، ذلك أن المتتبع لقضاء مجلس شورى الدولة قبل التغير السياسي لعام 2003 يرى كثرة الاستناد في أحكامها إلى قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، ويذهب هذا المجلس إلى عد هذه القرارات بأنها تحمل صفة القانون، فقد جاء في الحكم لمحكمة القضاء الإداري بتاريخ 20/12/2000 بأنه: ((… إذا نظرنا. .. على أسباب وموجبات قرار مجلس قيادة الثورة ذي الرقم (157) لسنة 1994 فإن الأهداف التي أرادها المشرع في إصدار هذا القرار والذي حصر فيه تسجيل التصرفات العقارية الناقلة للملكية ضمن حدود التصميم الأساسي لمدينة بغداد أو لمن تنتقل إليه الملكية أن يكون مسجلاً ضمن إحصاء 1957 أو أي إحصاء سابق له في بغداد أو المناطق الأخرى المشمولة به وما أراده المشرع بهذا القرار من تحقيق أهداف تنظيمية وعمرانية واقتصادية وتخطيطية وغيرها من أهداف….))([52]).

ويذكر أن القضاء العراقي قد مر بمرحلتين:

مرحلة القضاء الموحد وفي هذه المرحلة تارة راقب القضاء العادي في قرارات الضبط الإداري الصادرة في ظل الظروف الاستثنائية، وتارة أخرى امتنع عن بسط رقابته، وذلك بوصف القرارات الصادرة عن الحكومة في ظل هذه الظروف الاستثنائية من قبيل أعمال السيادة.

أما في مرحلة القضاء المزدوج أي بعد إنشاء محكمة القضاء الإداري بقانون التعديل الثاني لقانون مجلس شوري الدولة فإنه بسط رقابته على ركن السبب في قرارات الضبط الإداري الصادرة في ظل هذه الظروف، ونظراً لطبيعة الظروف التي سادت العراق فإنه لم يمر بظروف مماثلة على ما هو الحال عليه في فرنسا.

وفي قرار لمحكمة القضاء الإداري فرضت فيه رقابتها على الوجود المادي للوقائع التي اتخذت سبباً لإصدار الإدارة للقرارات الضبطية إذ جاء فيه: ((… تبين للمحكمة بأنه سبق لوكيل المدعي أن أقام أمام هذه المحكمة الدعوى… والتي ادعي في عريضة الدعوى بأنه تم حجز موكله بتاريخ 23/2/2002 من قبل المدعي عليه وزير الداخلية – إضافة لوظيفته – وأودعه في شرطة التسفيرات معلقاً رفع الحجز عنه كوسيلة للضغط على تنازله عن مبلغ الدين الذي بذمة مدينته والبالغ (000/000/54) أربعة وخمسون مليون دينار… بناءً على شكوي المدينة (س) وطلب إلغاء قرار الحجز الصادر بحق موكله وإطلاق سراحه والحكم بتعويض موكله… وقد تظلم المدعي من قرار الحجز المذكور بتاريخ 16/7/2002 وتبلغت وزارة الداخلية بالتظلم بالتاريخ نفسه… إلا أن المدعى عليه لم يرد على التظلم خلال المدة القانونية المنصوص عليها في المادة (7/ثانيًا/و) من قانون مجلس شوري الدولة…. وبناءً على طلب وكيل المدعى عليه قررت المحكمة إبطال عريضة الدعوى واكتسب هذا القرار درجة البتات…))([53]).

والملاحظ على الحكم أعلاه أن محكمة القضاء الإداري قد أبطلت عريضة الدعوى؛لأنه تبين للمحكمة المذكورة أن قرار وزير الداخلية القاضي بحجز المدعي مبيناً على أسباب قانونية؛لأن المدعي مدين ، فيجعل القرار صحيحاً ومبرراً لحجز المدعي لحين استيفاء الدين.

إن قرارات القضاء الإداري في العراق جاءت مسايرة لما هو مستقر قضاءً من إخضاع القرارات للرقابة القضائية، وهذا يمثل أساساً قوياً ترتكز عليه أحكام القضاء الإداري من أجل الحكم بمشروعية قرارات الضبط الإداري لما يوفر ذلك من ضمانة للطرفين الأفراد بحماية حرياتهم والمجتمع بحماية نظامه الداخلي لتحقيق إغراض الضبط الإداري في حماية النظام العام والمحافظة على استمرار المرافق العامة بتأمين أداؤها بتحقق النفع العام، وبذلك يلحظ أن القضاء العراقي ممثلاً بمجلس الدولة يحافظ على حماية الحريات العامة من خلال إخضاع قرارات الإدارة في مجال الضبط الإداري للرقابة وبيان السبب الذي يدفع الإدارة لإصداره ومدى التحقق من مشروعيته، فلحظنا أحكام امتنعت المحكمة بفرضها من قبل الإدارة وجاءت صحيحة في أسبابها وبعكسه يكون للمحكمة دحضها إذا جاءت في خارج نطاق المشروعية.

 

الخاتمة

بعد الانتهاء من بيان دور القضاءين في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم نسجل أهم التوصيات التي انبثقت عن الدراسة وكالآتي:

1-تعزيز دور القاضي الدستوري في مجال حماية حقوق الأفراد وحرياتهم، من خلال توفير البيئة الملاءمة للعمل القضائي في مجال تلك الرقابة الحساسة والمهمة، عن طريق إبعاده عن التجاذبات السياسية التي تمارسها السلطة التشريعية على قضاة المحكمة.

2-تعزيز قضاء المحكمة الاتحادية العليا في مجال حماية حقوق الإفراد وحرياتهم وذلك عن طريق اختيار قضاة من القانون للعمل في مجال المحكمة المهم والحساس، وعدم زج اختصاصات أخرى ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد داخل اختصاص المحكمة(كخبراء الفقه الإسلامي)، إذ أن ذلك يتعارض مع النصوص الدستورية المؤسسة لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، وبما يشهده العصر من تطور سريع تستجيب له الدساتير وفقا لحاجة المجتمعات لها، الأمر الذي يتعارض مع أسس لا تستجيب بحكم المنطق مع آراء خبراء الفقه الإسلامي، وهو ما يدعو إلى أن تكون المحكمة من رجال القانون والقضاء لتأدية الدور الرقابي والدستوري لها.

3-منح اختصاص محكمة القضاء الإداري في العراق دورا أوسع يرتقي بمجلس الدولة، من خلال تعزيز دوره في التصدي لحماية الحريات العامة في الظروف الاستثنائية، عن طريق منحه صلاحيات أوسع في الإلغاء والتعويض دون أعطاء دور في ذلك للمحاكم العادية كما هو في دول القضاء المزدوج كفرنسا ومصر.

4-منح محكمة قضاء الموظفين التي تنظر في الدعاوي التي يقمها الأفراد على الإدارة نتيجة لخروجها عن مبدأ المشروعية والانحراف بسلطتها، حق التعويض عن المخالفة التي يتعرض لها الموظف بسبب فعل الإدارة، إي منح القضاء الإداري سلطة الإلغاء والتعويض أسوة بدول القضاء المزدوج كفرنسا ومصر، لاسيما وقضاء مجلس الدولة اليوم في العراق يعد صمام أمام للأفراد في حماية حقوقهم وحرياتهم وهو ما بيناه من خلال العلاقة بين القضاءين.

 

المراجع

اولاً: الكتب

1- الياس أبو عيد، المجلس الدستوري بين النص والاجتهاد والفقه المقارن، ج 2، دون ذكر دار النشر، 2007.

2- حسان محمد شفيق العاني: الأنظمة السياسية والدستورية المقارنة، جامعة بغداد، 1986.

3- خالد محمد المولى، السلطة المختصة بفرض العقوبة الانضباطية على الموظف العام، دراسة مقارنة، دار الكتب القانونية، 2012.

4- رقية المصدق، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، الجزء الأول

5- ريناد كمال الدين حسن عبد الله، الضبط الإداري في حالة الطوارئ، معهد الدراسات والبحوث، جامعة الدول العربية، القاهرة، 2014

6- د. سامي جمال الدين، قضاء الملائمة والسلطة التقديرية للإدارة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992.

7- – د. سامي جمال الدين، لوائح الضرورة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1982

8-  سعد نواف العنزي، الضمانات الإجرائية في التأديب، دراسة مقارنة، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2007

9-  د. سليمان الطماوي، النظرية العامة في القرارات الإدارية، الطبعة الرابعة، دار الفكر العربي، 1976.

10- د. سليمان الطماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية، دار الفكر العربي، الطبعة الخامسة، 1954.

11-  د. صلاح الدين أحمد جودة، الرقابة القضائية، على التعيين في الوظائف العامة، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2007.

12- د. صلاح الدين فوزي، المبادئ العامة غير المكتوبة في القانون الإداري، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1998.

13-  د. صلاح العطيفي، نظام التأديب للعاملين بالقطاع العام فقهاً وقضاءً، مطبعة السلام الحديثة، 1979.

14- د. عبد الغني بسيوني، القضاء الإداري، الطبعة الرابعة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2008.

15- د. عبد القادر باينه: القضاء الإداري الأسس العامة والتطور التاريخي، دار توبقال للنشر، المغرب، 1985

16- د. على نجيب حمزة، سلطات الضبط الإداري في الظروف الاستثنائية، دراسة مقارنة، مكتبة السنهوري، بيروت، 2017

17- د. مازن ليلو راضي، الوجيز في القانون الإداري، من دون دار نشر ولا سنة طبع.

18- د. ماهر صالح علاي الجبوري، مبادئ القانون الإداري، دراسة مقارنة، دار الكتب للطباعة والنشر، 1996

19- د.عادل السعيد محمد أبو الخير، البوليس الإداري، دار النهضة العربية، القاهرة.

20- عادل الحياري: القانون الدستوري والنظام الدستوري، منشاة المعارف، الإسكندرية.

21- علي خطار شطناوي، موسوعة القضاء الإداري، دار الثقافة، الجزء الأول، 2011.

22- عمار بوضياف، محاضرات في القانون الإداري، مدخل لدراسة القانون الإداري (الدنمارك الأكاديمية العربية المفتوحة، 2010

23- فتحي عبد النبي الوحيدي: التطورات الدستورية في فلسطين 1917- 1995، منشورات جامعة الأزهر، كلية الحقوق، الطبعة الثانية، 1996.

24- ماهر محمد المومني، الحماية القانونية للبيئة في المملكة الاردنية الهاشمية، ط1، دار المطبوعات والنشر عمان، 2004.

ثانياً: الاطاريح والرسائل

1-حمدي الزهيري، انتهاء الوظيفة العامة، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة بغداد، 1998.

2- خليفة خالد موسى، التأديب في الوظيفة العامة وعلاقته بقانون العقوبات، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، الجامعة الأردنية، 1991.

3- سلطان بن سالم العزيزي، النظام القانوني للتأديب الإداري وفقاً لقانون الخدمة المدنية رقم 8/ 80 في سلطنة عمان، رسالة ماجستير، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 2004

4- عبد الفتاح محمد ابو زيد الشرقاوي، التنفيذ المباشر للقرارات الإدارية، دراسة مقارنة، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة المنوفية، من دون ذكر سنة نشر.

5- فادي نعيم علاوته، مبدأ المشروعية في القانون الإداري وضمانات تحقيقه، رسالة ماجستير جامعة النجاح، 2011.

ثالثا: البحوث

1- د.إبراهيم معوض، الرقابة القضائية على ملائمة القرارات التأديبية، تعليق على حكم، مقالة بمجلة العلوم الإدارية، السنة الخامسة، العدد الثاني، كانون الأول، 1993

2- د. السيد محمد إبراهيم، الرقابة القضائية على الملائمة في القرارات التأديبية، مجلة العلوم الإدارية، العدد الثاني، 1963.

3- حنان جمال، رقابة التناسب في اجتهاد القضاء الإداري، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، كلية الحقوق، الجامعة الإسلامية، لبنان

4- د. عادل الطبطبائي، الرقابة القضائية على مبدأ التناسب بين العقوبة التأديبية والمخالفة الوظيفة، كلية الحقوق، جامعة الكويت، السنة السادسة، العدد الثالث 1982.

5- د. عصام عبد الوهاب البرزنجي، مجلس شورى الدولة وميلاد القضاء الإداري العراقي، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية، المجلد التاسع، العدد الأول والثاني، 1990

6- د. فاروق أحمد خماس، محكمة القضاء الإداري في ضوء القانون رقم (106) لسنة 1989 بحث منشور في مجلة العلوم القانونية، المجلد التاسع، العدد الأول، والثاني، 1990

7- مجلة العدالة، العدد الثالث، (تموز – آب – أيلول)، 2001

رابعاً: القوانين والقرارات

1- قانون انضباط موظفي الدولة رقم (41) لسنة 1929

2-قانون الخدمة المدنية رقم (103) لسنة 1931

3- قانون التنظيم القضائي رقم (106) لسنة 1979 المعدل

4- قرارات وفتاوى مجلس شورى الدولة لعام 2006

خامساً: الكتب الاجنبية

1- Bertrand Mathieu Michel Verpeau، Contentieux constitutionnel de droits fondamentaux.

2- Gilles Lebreton، Libertés publiques et droits de l’homme، Ed. Dalloz، Paris، 7e éd.، 2005.

سادساً: المواقع الالكترونية

 

1-www.maj.gov.iq/view.1232

2-www.iraqfsc.iq

)[1]) Gilles Lebreton، Libertés publiques et droits de l’homme، Ed. Dalloz، Paris، 7e éd.، 2005، p. 10.

([2]) واليوم غدا الكلام عن الكتلة الدستورية Le bloc de constitutionnalité:

En droit français، on appelle “bloc de constitutionnalité” l’ensemble des principes et dispositions que les lois doivent respecter et dont le Conseil constitutionnel est le garant. Il n’est pas limité à la seule Constitution.

En France، le bloc de constitutionnalité comprend notamment:

les articles de la Constitution de 1958،

la Déclaration des droits de l’Homme et du citoyen de 1789،

le Préambule de la Constitution de 1946،

la Charte de l’environnement، depuis 2005.

Il s’est constitué au fil de la jurisprudence du Conseil constitutionnel، qui a précisé “les principes politiques، économiques et sociaux particulièrement nécessaires à notre temps” (droit à la santé، égalité homme-femme، droit d’asile، liberté syndicale، droit de grève، droit à l’emploi، …) ainsi que les “principes fondamentaux reconnus par les lois de la République” (liberté d’association، liberté d’enseignement et de conscience، indépendance des professeurs d’universités، respect des droits de la défense…).

Dictionnaire juridique La Toupie، visite 10-1-2017.

 ([3]) فتحي عبد النبي الوحيدي: التطورات الدستورية في فلسطين 1917- 1995، منشورات جامعة الأزهر، كلية الحقوق، الطبعة الثانية، 1996، ص108.

([4]) رقية المصدق، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، الجزء الأول، ص78- 79.

([5]) عادل الحياري: القانون الدستوري والنظام الدستوري، منشاة المعارف، الإسكندرية، ص134.

([6]) حسان محمد شفيق العاني: الأنظمة السياسية والدستورية المقارنة، جامعة بغداد، 1986، ص200.

([7]) المرجع السابق، ص201.

([8]) عمار بوضياف، محاضرات في القانون الإداري، مدخل لدراسة القانون الإداري (الدنمارك الأكاديمية العربية المفتوحة، 2010، ص57) ارتبط نشوء القضاء الإداري بنشأة القانون الإداري متأثراً بالظروف التاريخية التي مرت بها فرنسا، ذلك أن القانون الإداري يحكم السلطة التنفيذية في تنظيمها، وعملها وعلاقاتها ومنازعاتها حيث كانت سلطة الإدارة في الوضع السابق للثورة الفرنسية لا تخضع أعمالها للرقابة القضائية ولا يسأل أعوانها عما سببوه من ضرر للغير، ومع التطور الذي طرأ علي المجتمع الفرنسي لاسيما بعد الثورة أصبحت الإدارة تسأل عن أعمالها التي تسبب ضرر للغير وتخضع في نشاط الرقابة القضائية، وهو ما ثبت عمليا فيما عرف بقضية (بلانكو).

([9]) فادي نعيم علاوته، مبدأ المشروعية في القانون الإداري وضمانات تحقيقه، رسالة ماجستير جامعة النجاح، 2011، ص50- 51.

([10]) مازن ليلو راضي، الوجيز في القانون الإداري، من دون دار نشر ولا سنة طبع، ص5.

([11]) علي خطار شطناوي، موسوعة القضاء الإداري، دار الثقافة، الجزء الأول، 2011، ص84.

([12]) علي خطار شطناوي، المرجع السابق، ص99.

([13]) عبد القادر باينه: القضاء الإداري الأسس العامة والتطور التاريخي، دار توبقال للنشر، المغرب، 1985، ص28.

([14]) ينظر إلى قرارات مجلس شورى الدولة وموقع وزارة العدل العراقية على الموقع الالكتروني                                   (تاريخ ووقت الدخول 27/6/2018)  http://www.maj.gov.iq/view.1232

 

([15]) المحامي الياس أبو عيد، المجلس الدستوري بين النص والاجتهاد والفقه المقارن، ج 2، دون ذكر دار النشر، 2007، ص 237.

)[16]) Bertrand Mathieu Michel Verpeau، Contentieux constitutionnel de droits fondamentaux، op. cit.، p. 233.

)[17]) CC.79-110 D.C. du 24 dec. 1979، La Favoreu، L. Philippe، GDCC، Ed. Dalloz، 1990 cila declé: Article 1: La loi de finances pour 1980 est déclarée non conforme à la constitution. Ici la censure était pour des motifs de procédure.

)[18]) CC. 93، 322، D.C.، 28/7/1993، Loi « Fillou »، Recueil de jurisprudence constitutionnel، 1، 533 ets.

)[19]) Bertrand mathien، Michel verpeanx –contentieux constitutionnel des droits fondamentanx- op. cit-p.234.

([20]) المحامي الياس أبو عيد، المجلس الدستوري بين النص والاجتهاد والفقه المقارن، جزء ثاني، مرجع سابق،
ص 240.

([21]) قرار رقم 2/اتحادية/ 2014 الصادر في 13/7/2014، منشور على موقع المحكمة الاتحادية  على الانترنت:   www.iraqfsc.iq                                                28/6/ 2018تاريخ الدخول

([22]) قرارها في 20/11/2017 المنشور على موقع المحكمة الاتحادية العليا    www.iraqfsc.iq

([23]) سامي جمال الدين، لوائح الضرورة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1982، ص210.

([24]) الإضبارة رقم 24 / 1999 قرار غير منشور،  أشار إليه، خالد محمد المولى، السلطة المختصة بفرض العقوبة الانضباطية على الموظف العام، دراسة مقارنة، دار الكتب القانونية، 2012، ص 63.

وأيضاً في قرار آخر يشير المجلس إلى أنه (وحيث لا يعاقب أحد على فعل الغير ولا يوجد في القضية ما يجلب القناعة لكون المعترض قد ارتكب أخلالا وظيفياً يوجب معاقبته…، وحيث وجد المجلس من الإجراءات التحقيقية تختفي تحتها عقوبات متعدُّدة ذات أقنعة ليس لها وجود، وبناءً على سلطة المجلس كقضاء إداري يحكمه نص المادة (7) من قانون مجلس شورى الدولة رقم (65) لسنة 1979 وفي ضوء اختصاصاته المنصوص عليها في قانون انضباط الموظفين قرر إلغاء هذه التهمة والإفراج عن المعترض عنها وإعادته إلى مركزه الوظيفي السابق..)، القرار رقم 371 / 1997 في 5/ 8 /97 الإضبارة 22/ 97 غير منشور، أشار إليه، خالد محمد المولى، مرجع سابق، ص 65.

([25]) صلاح الدين فوزي، المبادئ العامة غير المكتوبة في القانون الإداري، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1998، ص 243. وأيضاً د. صلاح الدين أحمد جودة، الرقابة القضائية، على التعيين في الوظائف العامة، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2007، ص132، د. عبد الغني بسيوني، القضاء الإداري، الطبعة الرابعة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2008، ص238.

([26]) حكم المحكمة الإدارية العليا بأن “الأصل أنه لا عقوبة ولا جريمة إلا بناءً على قانون وهذا الأصل نصت عليه المادة 66 من الدستور يشمل المجال الجنائي وأيضاً المجال التأديبي”، حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3101 لسنة 31، ق- ع، جلسة 22/10/1988، مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا، السنة 34، الجزء الأول، رقم 5، ص32، أشار إليه سعد نواف العنزي، الضمانات الإجرائية في التأديب، دراسة مقارنة، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2007، ص264.

([27]) خالد محمد المولى، مرجع سابق، ص 65.

([28]) حمدي الزهيري، انتهاء الوظيفة العامة، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة بغداد، 1998، ص 132.

([29]) د. صلاح العطيفي، نظام التأديب للعاملين بالقطاع العام فقهاً وقضاءً، مطبعة السلام الحديثة، 1979، ص470.

([30]) خليفة خالد موسى، التأديب في الوظيفة العامة وعلاقته بقانون العقوبات، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، الجامعة الأردنية، 1991، ص97.

([31]) حكم المحكمة الدستورية العليا في مصر رقم (22/8ق) في 4/1/1962، مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا، الجزء الخامس، المجلد الأول، رقم (14)، ص89، أشار إليه صلاح العطيفي، مرجع سابق، ص462.

([32]) حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم (755) لسنة 11 ق.ع، جلسة 25/7/1967 أشار إليه، صلاح العطيفي، مرجع سابق، ص466.

([33]) حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم (2924)، لسنة 40 ق.ع، جلسة 11/3/2001، المكتب الفني (46) القاعدة رقم (119)، ص99، أشار إليه، د. عبد الفتاح محمد ابو زيد الشرقاوي، التنفيذ المباشر للقرارات الإدارية، دراسة مقارنة، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة المنوفية، من دون ذكر سنة نشر، ص210.

([34]) سليمان الطماوي، النظرية العامة في القرارات الإدارية، الطبعة الرابعة، دار الفكر العربي، 1976، ص 509.

([35]) سلطان بن سالم العزيزي، النظام القانوني للتأديب الإداري وفقاً لقانون الخدمة المدنية رقم 8/ 80 في سلطنة عمان، رسالة ماجستير، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 2004، ص 56.

([36]) عادل الطبطبائي، الرقابة القضائية على مبدأ التناسب بين العقوبة التأديبية والمخالفة الوظيفة، كلية الحقوق، جامعة الكويت، السنة السادسة، العدد الثالث 1982، ص88.

([37]) السيد محمد إبراهيم، الرقابة القضائية على الملائمة في القرارات التأديبية، مجلة العلوم الإدارية، العدد الثاني، 1963، ص 266.

([38]) يذكر أن موقف مجلس الدولة الفرنسي في شأن رقابته على مدى ملاءمة العقوبة التأديبية للمخالفات قد مر بمرحلتين رفض وقبول، وتبدأ مرحلة الرفض عندما أمتنع عن ممارسة أي رقابة على مدى تناسب العقوبة مع الخطأ واعترف بسلطة تقديرية واسعة للإدارة باختيار الجزاء الذي تراه مناسباً للخطأ الوظيفي من دون معقب من القضاء عليها، واعترف أيضاً للإدارة بحرية تحديد مقدار العقوبة التي حددها المشرع كتحديد أيام الخصم في عقوبة الخصم من المرتب.

وسار مجلس الدولة الفرنسي على أن تقدير العقوبة التأديبية ليس من شأنه أن يشكل موضوعاً للمناقشة أمام القضاء، وذهب في قضية (Berges) بأن السيد (Berges) لا يتمسك ضد القرار المطعون فيه لا بعيب الشكل ولا بتحوير السلطة وهو قد اقتصر على التمسك بأن التدبير التأديبي المتخذ بحقه صارماً جداً بالنظر لدرجة جسامة العقوبة المنزلة بحقه، ولكن تقدير العقوبات التأديبية ليس من شأنه أن يشكل موضوعاً للمناقشة.

وجاء في قرار آخر لمجلس الدولة في قضية (Gazade) بأن المدعي الذي ينازع بمادية الوقائع التي نسبت إليه والذي اقتصر على القول بأن هذه الوقائع لا تشكل أخطاء خدمة من شأنها أن تبرر القرارات المطعون فيها ولكن التقدير الذي أجرته الإدارة حول هذه النقاط ليس من شأنه أن يناقش أمام مجلس الدولة الناظر في النزاع والذي لا يعود له أن يقدر ملاءمة التدابير التأديبية المتخذة وفقاً للقانون من قبل السلطة المختصة وضمن مصلحة المرفق.

وحتى عام 1978 كان مجلس الدولة الفرنسي يرفض مد نطاق رقابته على القرارات التأديبية إلى عيب التناسب، أو بالأحرى الملاءمة في هذه القرارات، على أساس أن اختيار العقوبة التأديبية هو من إطلاقات السلطة التأديبية التي لا يجوز التعقيب عليها.

وسبق للقضاء الفرنسي أن مارس رقابته على السلطة التقديرية للإدارة في قضية (Denizet) عام 1953 الذي ألغى قراراً تأديبياً بسبب الغلط الذي شاب القرار في التقدير إلا إن رقابته اقتصرت في هذه المرحلة على التحقق مما إذا كانت الأعمال أو التصرفات التي ارتكبها الموظف تشكل مخالفة مسلكية تستحق الجزاء التأديبي، وحتى إذا كانت العقوبات التأديبية واردة ضمن القانون من دون أن يتصدى ذلك إلى الرقابة على مدى التناسب بين خطورة الذنب الإداري ونوع ومقدار العقوبة التأديبية التي تقع على الموظف المخالف.

أما من ناحية قبول مجلس الدولة على بسط رقابته على السلطة التقديرية للإدارة فهو كان بعد صدور قانون العمل الجديد رقم (73/680) الذي تضمن نصاً جديداً فيما يخص العقوبات التأديبية، حيث ألزم لتوقيع عقوبة العزل أن يكون هناك سبب جدي وخطير يسوغ توقيع هذه العقوبة القاسية مما مهد الطريق لقبوله الرقابة على العقوبات التأديبية الموقعة على الموظفين.

يراجع في ذلك:

  • حنان جمال، رقابة التناسب في اجتهاد القضاء الإداري، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، كلية الحقوق، الجامعة الإسلامية، لبنان، ص20، ص122.

([39]) سليمان الطماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية، دار الفكر العربي، الطبعة الخامسة، 1954، ص 103.

([40]) سامي جمال الدين، قضاء الملائمة والسلطة التقديرية للإدارة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992، ص 98.

([41]) سامي جمال الدين، مرجع سابق، ص 220.

([42]) إبراهيم معوض، الرقابة القضائية على ملائمة القرارات التأديبية، تعليق على حكم، مقالة بمجلة العلوم الإدارية، السنة الخامسة، العدد الثاني، كانون الأول، 1993، ص180.

([43]) أما النظام في العراق فأنه مع صدور القانون رقم (106) لسنة 1989 قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة رقم (65) لسنة 1979 خرج النظام القضائي من دائرة النظام الموحد إلى النظام المزدوج والذي أنشأ لأول مرة محكمة قضاء إداري إلى جانب القضاء العادي ينبثق عن مجلس شورى الدولة ويتمثل كخطوة أولى إلى جانب مجلس الانضباط العام ومحكمة القضاء الإداري والذي أصبح نافذاً في 10/1/1990.

وقبل ذلك كان النظام القضائي في العراق يقع بين أنظمة القضاء الموحد، ممثلاً في القضاء العادي الذي يتولى الفصل في المنازعات كافة، سواء ما ينشأ منها بين الأفراد فيما بينهم أو بين الأفراد والإدارة، ولذلك فقد نصت المادة الثالثة من قانون التنظيم القضائي رقم (106) لسنة 1979 المعدل على ذلك بأنه: “تسري ولاية القضاء على جميع الأشخاص الطبيعية والمعنوية العامة والخاصة إلا ما استثني منها نص خاص”.

وعلى الرغم مما سبق فأن وضع الرقابة القضائية على أعمال الإدارة قبل إنشاء القضاء الإداري المستقل في وضعه الحالي، كانت هناك هيئة شبه قضائية مارست وطبقت القضاء الإداري في جانب من المنازعات الإدارية إلى جانب القضاء العادي، تلك هي مجلس الانضباط العام الذي أنشئ لأول مرة بقانون انضباط موظفي الدولة رقم (41) لسنة 1929 ليختص بنظر الطعون الموجهة ضد القرارات التأديبية التي تتخذها اللجان الانضباطية ثم أضيف إلى اختصاصاته هذه اختصاص أخر بموجب قانون الخدمة المدنية رقم (103) لسنة 1931، يمثل بالفصل دون غيره في دعاوي حقوق الخدمة المدنية التي يرفعها الموظفون الناشئة عن تطبيق هذا القانون.

وكان لهذا المجلس قضاء متطور جعل منه ملاذا آمنا للإدارة والموظفين على حد سواء لتحقيق العدالة وحماية الحقوق، وذلك بأن مارس أنواع الرقابة القضائية على القرارات في المجال التأديبي، وحرص على تبني مسلك مجلس الدولة الفرنسي والمصري، بل أنه سبقهما في إطار رقابته على مبدأ التناسب في المجال التأديبي، إذ عمل المشرع العراقي منذ صدور القانون الأول لانضباط موظفي الدولة عام 1929 ولحد الآن على منح مجلس الانضباط اختصاصات واسعة منها إصدار الأوامر وتقدير العقوبات التأديبية وإلغائها.

وفي التعديل الأخير أنشئ (المحكمة الإدارية العليا) إلى جانب محكمة القضاء الإداري ومجلس الانضباط العام وبذلك يكون القضاء في العراق قد عرف مبدأ التناسب قبل تشكيل محكمة القضاء الإداري، ومنح هذه الهيئة صلاحيات واسعة لغرض تعديل العقوبة أو إلغائها دون أن يتركها للسلطة التقديرية للإدارة، وتطور هذا الاختصاص مع تطور القضاء الإداري في العراق وإنشاء المحكمة الإدارية العليا والتي أصبحت صمام أمان للموظف لحماية حقوقه والوقوف بوجه سلطة الإدارة في حالة خروجها عن نطاق المشروعية.

لمزيد من التفاصيل يراجع في ذلك:

  • فاروق أحمد خماس، محكمة القضاء الإداري في ضوء القانون رقم (106) لسنة 1989 بحث منشور في مجلة العلوم القانونية، المجلد التاسع، العدد الأول، والثاني، 1990، ص220.
  • عصام عبد الوهاب البرزنجي، مجلس شورى الدولة وميلاد القضاء الإداري العراقي، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية، المجلد التاسع، العدد الأول والثاني، 1990، ص114.

([44]) القرار 31 / 96 / في ِ14/1 / 1996 الإضبارة 35 / 95 / غير منشور، أشار إليه، خالد محمد المولى، السلطة المختصة بفرض العقوبة الانضباطية على الموظف العام، مرجع سابق، ص 75.

([45]) ريناد كمال الدين حسن عبد الله، الضبط الإداري في حالة الطوارئ، معهد الدراسات والبحوث، جامعة الدول العربية، القاهرة، 2014، ص193.

([46]) ماهر صالح علاي الجبوري، مبادئ القانون الإداري، دراسة مقارنة، دار الكتب للطباعة والنشر، 1996، ص75.

([47]) ماهر محمد المومني، الحماية القانونية للبيئة في المملكة الاردنية الهاشمية، ط1، دار المطبوعات والنشر عمان، 2004، ص125.

([48]) على نجيب حمزة، سلطات الضبط الإداري في الظروف الاستثنائية، دراسة مقارنة، مكتبة السنهوري، بيروت، 2017، ص168.

([49]) عادل السعيد محمد أبو الخير، البوليس الإداري، دار النهضة العربية، القاهرة، ص 401.

([50]) على نجيب حمزة، مصدر سابق، ص161.

([51]) ريناد كمال الدين حسن عبدالله، مرجع سابق، ص174.

([52]) مجلة العدالة، العدد الثالث، (تموز – آب – أيلول)، 2001، ص113.

([53]) قرارها المرقم 43/قضاء إداري/2006 في 28/6/2006، وقد صدق هذا القرار من المحكمة الاتحادية العليا، رقم التصديق (22/اتحادية/تمييز/2006) في 10/12/2006، قرارات وفتاوى مجلس شورى الدولة لعام 2006، ص360 وما بعدها.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى