التخبط السياسي في العراق ومستقبل العملية السياسية
التخبط السياسي في العراق ومستقبل العملية السياسية
بقلم / د. ايناس عبد الهادي الربيعي
تدهورت الاوضاع في العراق في الآونة الاخيرة مما زاد من حدة التوتر بين قواه السياسية، اذ يواجه السياسيون العراقيون حاجة ماسة لاستراتيجية واضحة وفعالة لإخراج البلد من دوامة الانحدار في الأسابيع والأشهر المقبلة هم مطالبون بتحمل مسؤولية إخراج البلاد من الهاوية التي شاركوا في خلقها على مدى سنوات من الإهمال والمناورات الانتهازية وسياسة حافة الهاوية، اذ ساعدت عدة تطورات في تفاقم التدهور الحالي خلال الاعوام الماضية اولها فشل الطبقة السياسية في تشكيل حكومة قوية وذات مصداقية مما ساعد على تآكل السلطة المركزية في وقت حرج في الوقت نفسه يتواصل التظاهر في الشوارع والاحتجاج على الظروف المعيشية والمطالبة بتحسين تلك الظروف والمطالبة بتوفير الخدمات التي بات امر توفيرها يمثل معضلة حقيقية لأي حكومة تستلم زمام الامور.
ثانيًها انقسام واضح وعميق بين القوى السياسية مما يعكس الانقسامات والمصالح القديمة، وما حرض على هذا التطور هو اقتحام المال ورعاية العلاقات الاجتماعية لتغيير الولاءات الشعبية والولاء السياسي.
ثالثها العراق مثل جميع الأعضاء الآخرين في منظمة البلدان المصدرة للبترول وجد نفسه في الطرف المتلقي لحرب نفطية وحشية بين المملكة العربية السعودية وروسيا ولا سيما خلال فترة انخفاض اسعار النفط في الاسواق العالمية، حرب لا يمكنه التأثير عليها أو تخفيفها من المحتمل أن تنعكس آثار هذه الحرب على كيفية إدارة البلاد للعديد من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك سيواجه البلد فترة تحديات بسبب تدهور المشهد الاقتصادي في بلد ينتشر فيه الفساد وحيث يكون من غير المؤكد ما إذا كانت النفقات الحكومية ستؤدي إلى إعادة إعمار التنمية بعد سنوات طويلة من الحرب وعدم الاستقرار في عام 2019 احتل العراق المرتبة ( 162) من أصل (180 ) على مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية ، مع درجة ضعيفة تبلغ ( 20 ) من أصل (100 ) مع الاشارة الى ان (الصفر هو الأسوأ) في فساد القطاع العام.
كما أثرت الحرب المستمرة لإنتاج النفط وأسعاره بين المملكة العربية السعودية وروسيا بشكل سلبي على العراق، مع تحوم الأسعار حول 20 دولاراً للبرميل تعرضت ميزانية العراق بالفعل لضربة عميقة، ولم يتغير الوضع بارتفاع اسعار النفط لما يفوق السبعين دولارا، فمن المعروف ان الدولة العراقية تعتمد على صادراتها النفطية لحوالي ( 95% ) من نفقاتها مما استدعى اتخاذ قرار أخير بوقف المشاريع والاقتراض لدفع رواتب الموظفين، مع معاناة قطاعات الاقتصاد الأخرى ( الصناعة والزراعة والسياحة ) من سنوات من الحرب والإهمال، والآن جائحة فيروس كورونا لا يمكن للبلاد تعويض خسارة عائدات النفط وهو ما يؤكد بأنه لن يكون لذلك تداعيات اجتماعية فحسب بل سيؤثر أيضًا على كيفية تشكيل الحكومة الجديدة إذا تم تشكيلها بعد الانتخابات المزع اجرائها في تشرين المقبل من هذا العام، وهل ستكون قادرة على التعامل مع البيئة السياسية المعقدة للغاية اليوم.
بعد تأثير احتجاجات 2019 وسقوط حكومة عبد المهدي تراجعت شعبية الأحزاب والقوى التي كانت تهيمن تقليديًا على المشهد السياسي، وكرد فعل حاولت هذه الأحزاب والقوى السياسية إحياء نفوذها من خلال تعديل تكتيكاتها واستراتيجياتها، ومحاولة استخدام المال والديموغرافيا لامتصاص الحركات الاحتجاجية وشخصياتها القيادية في هياكلها الخاصة بالإضافة إلى ذلك ربما كانت النتيجة الأكثر إثارة للقلق للحركة الاحتجاجية لعام 2019 هي زيادة عدد الأحزاب السياسية المسجلة رسميًا في العراق، والتي تضم الآن أكثر من (400) حزب مسجل.
بكل وجهات نظرها وأجنداتها المختلفة تستعد كل هذه المجموعات للانتخابات المقبلة ، والتي ستكون الانتخابات الأكثر أهمية وخطورة في العراق منذ عام 2005، ومع ذلك على الرغم من المنافسة الشديدة والزخم نحو الانتخابات المقبلة فإن السؤال الرئيسي يبقى بلا إجابة: ماذا يحدث بعد أن يصبح النشطاء أعضاء في الحكومة؟ علاوة على ذلك ، ماذا يحدث بعد أن تنتج الاتفاقات السياسية الداخلية والخارجية رئيس وزراء جديدًا؟ هل سيقف الجميع وراء النظام من أجل ضمان بقائه في السلطة ، أم سيكون هناك ضغط شعبي أكبر لإنتاج نظام سياسي جديد بقواعد جديدة تتجاوز الثلاثية الملكية والجمهورية والديمقراطية التي ميزت القرن الماضي للسياسة العراقية؟
في تشرين الأول المقبل سيبدأ العراق قرنًا جديدًا من تاريخه السياسي في صراع انتخابي متصاعد يأمل الكثيرون في خلق عراق جديد، ومع ذلك فإن الوضع الحالي وتشرذم وهشاشة الأحزاب السياسية في العراق لا يبشر بالخير للمستقبل.
لذا نجد ان الوقت قد حان للسياسيين العراقيين لتنحية خلافاتهم جانباً والتركيز على كيفية تجنب الكوارث القادمة لدولة باقتصاد منهار وتدخل خارجي، إذا أتيحت الفرصة في معالجة العلل العديدة التي يعاني منها العراق، فسيحتاج إلى جهود جماعية من جميع القوى السياسية، فضلاً عن المساعدة من جميع الاطراف الاقليمية والدولية لإيجاد الحلول الوسط المطلوبة بما يخدم السلام والاستقرار في العراق.