عامة

التغيرات المجتمعية

التغيرات المجتمعية

سعدون هليل

2014 / 3 / 10


السؤال الذي يطرح نفسه، كيف تتخلص الشخصية العراقية من الأوهام الدوغمائية؟ سيكون الجواب- الاقرار بسلطان العقل، وان لا سلطان على العقل الا العقل نفسه. وقبل اكثر من نصف قرن قال الدكتور وعالم الاجتماع المرحوم علي الوردي: ان العراق يحتاج اليوم الى ثورة في تفكيره قبل أي خطوة يخطوها في عملية التغيير الاجتماعي، ويضيف: ان الشعب العراقي منشق على نفسه وفيه من الصراع القبلي، والطائفي، والقومي، اكثر من أي شعب عربي اخر، وليس هناك من طريق لعلاج هذا الانشقاق سوى ممارسة الديمقراطية التي تسمح بمشاركة كل الفئات والمجموعات السياسية والاثنية والطائفية في الحكم، من هنا نفهم ان اسلوب الاقصاء والتهميش: هو موقف خطير على الثقافة العراقية ولا يمكن السكوت عنه من جانب المثقف العقلاني التحرري، ونقصد بالمثقف العقلاني، هو صاحب منهج منطقي في التفكير ولا يعتمد على المشاعر او العواطف في تفسير الحياة والكون، وهو الركيزة التي تبنى عليها حضارة الشعوب. والانسان العراقي يتوق الى التحرر من الخوف والعنف، ويستطيع المثقف الوقوف على ابواب الحلم وتحويله لواقع معاش، وكذلك هو محلل وناقد وفاتح للافاق ومستكشف للبدائل، وهكذا ينبغي ان يكون على المثقفين ايضاً ايجاد مناخ ديمقراطي صحيح، يقوم على احترام العقل الانساني، وهذه مسؤولية يجب ان تفسر أهمية الثقافة ودورها في بناء المجتمع، فالثقافة كما يستخدمها علماء الاجتماع، يمكن تعريفها بانها: أصل المعتقد الذي يشمل المعرفة والاعتقاد والفن والقانون والاخلاق والعرف، وأية قدرات وعادات اخرى يكتسبها الانسان بوصفه فردا في المجتمع، ومن هنا يصبح دور الثقافة ونشرها بإسلوب معرفي مهم جدا لبناء الوطن وتطويره على أسس وطنية هادفة من خلال مسؤولية العمل الملتزم بالبناء الانساني والوطني والاجتماعي، والتي تقع بمعظمها على عاتق المفكرين والمثقفين والادباء والشعراء واهل العلم والقلم بمختلف اختصاصاتهم لان بناء الاوطان معركة تستوعب حشد الطاقات على مختلف امكانياتها وتنوع كفاءتهم وقدراتهم لتحقيق مراتب التفوق والنجاح.
لذلك تضع الثقافة الديمقراطية وثقافة المجتمع المدني التي هي روح المجتمع وبدونها يصبح المجتمع ميتا، لان الديمقراطية تبنى بالممارسات واحترام العقل البشري. إن هذا لا يتحقق الا بتعميم وترسيخ الثقافة الوطنية. التي تضم كافة افراد المجتمع، بغض النظر عن كل مظاهر الانتماء ما قبل الوطني، وهي الصيغة العليا للانتماء، والتي يمكن من خلالها قطع الطريق على الصراعات القبلية والاثنية والطائفية ومساعدة المجتمع على التماسك الحقيقي والقابل للبقاء، لذا نقول لايوجد تجمع بشري بلا ثقافة، فالثقافة دائماً ظاهرة اجتماعية وهي بمعناها الواسع تمثل مجموع القيم المادية والروحية التي يعززها الانسان. ومعنى ذلك ان الثقافة توجد حيث يوجد الانسان لانها من صنعه. اذاً نحن امام واقع ثقافي يعاني من ازمة بنيوية، لان المجتمع العراقي كما نعتقد، لم يتكون بعد كمجتمع فاعل، وايضاً لا يملك نمط حياة موحدة، ما يزال يتحرك كجملة كتل ضعيفة ولا متجانسة، دوائر العائلة والقبيلة والطائفية والقومية الضيقة، ويبدو هذا الفهم مصداقاً لمقولة، ماو: ” ان كل ثقافة معينة هي انعكاس من حيث شكل مفهومها لمجتمع معين” وحين نستعرض الشعوب المتمدنة لا نجد أي مقدس، كل شيء محكوم عليه بالتغيير، لقد كافح شعبنا وحركاته السياسية الوطنية والاسلامية المتنورة ضد الوعي الزائف. وكذلك تحملت هذه النخب الوطنية في سبيل ذلك السجون والموت والتشرد والغربة عشرات السنين خارج الوطن، استطيع الجزم هنا، اذا استطعنا تأسيس نموذج معرفي عراقي عام، منفتح يعتمد على جملة من التوجهات الثقافية والفكرية العقلانية والعلمية الصحيحة، سيرتفع مستوى الوطن الى حيث ارتفعت مستويات الشعوب الليبرالية والديمقراطية المتحضرة في العالم العربي، لان المثقف العراقي، مثقف بامتياز. وبهذا المعنى، فالثقافة العراقية تتساءل: هل نحن متخلفون بالمعنى الحضاري والثقافي والسياسي؟ لست بصدد تقديم عرض مكثف لموضوع كبير مثل هذا،لاني اعتقد ان ثمة دوغمائيات لا زالت هي المسيطرة في العالم العربي، منها ذات طابع إصولي، واخرى ذات طابع قومي، وثالثة ذات طابع يساري متطرف. والفكر العقلاني العلني، يرفض هذه الدوغمائيات ويؤمن بالديمقراطية وحقوق الانسان، ويطالب باعادة النظر بثقافة الحوار، اذا اتفقنا على ان المستقبل ليس تكراراً للماضي، وانما هو ابداع يتجاوز الماضي نحو حياة جديدة تدرك الحاضر، وتؤمن المستقبل…. #

# عن الحوار المتمدن..

زر الذهاب إلى الأعلى