التفكير في العلمانية
التفكير في العلمانية
سعدون هليل
2011 / 5 / 24
التفكير في العلمانية
إعادة بناء المجال السياسي في الفكر العربي للدكتور كمال عبداللطيف
سعدون هليل
لم يهتم الفكر العربي المعاصر بمسألة العلمانية من الزاوية الفكرية والسياسية وكذلك لم تظهر الا في القليل من الكتابات الفلسفية والفكرية في هذا المجال، لذا يأتي كتاب المفكر الدكتور كمال عبداللطيف في وقته وزمانه وسياقه في المجال السياسي والثقافي فالساحة الفكرية ما فتئت منذ فترة ليست بالقصيرة تطرح مسألة العلمانية في هذا المجال، وهو القائل: “نكون قد بدأنا نتكلم لغة يفهمها الجميع لغة السياسة في التاريخ” يتضمن الكتاب مقدمة وخمسة فصول أساسية توزعت عنواناتها على الشكل الآتي:
*نحن والانوار أيديولوجية التنوير الى فلسفة الانوار
*العلمانية من منظور فلسفي
*مفهوم العلمانية في الخطاب السياسي العربي
*من مفهوم العلمانية الى سؤال الحداثة السياسية
*إعادة بناء المجال السياسي في الفكر العربي قراءة علمانية فرح انطون
لقد حاول الباحث في مقاربته بالاستناد الى السياقات الفكرية والتاريخيةن التي أسهمت في تشكله وتطوره وتسهم اليوم في محاولات تطوير معانيه ودلالاته في ضوء تحولات السياسة والتاريخ.
بل ان غاية الباحث هي الإسهام في إضاءة محتوى المفهوم بالصورة التي تجعل بيئته وتوطينه في الجدل السياسي العربي اكثر إنتاجية وأكثر قدرة على فك مغلقات كثير من إشكالات واقعنا السياسي فكراً وممارسة.
يتحدث المفكر د. كمال في الفصل الاول، عن تعامل المثقفين العرب مع فلسفة الانوار لان المتحمسين لفكر الانوار، يمكن ان نذكر على سبيل المثال لا الحصر، ان فرح انطون وشبلي اشميل، اديب اسحاق، وسلامة موسى، ولطفي السيد، وعلي عبدالرازق وطه حسين، ويرى الباحث كذلك انه قد اسهم كل هؤلاء بدرجات متفاوتة في إنجاز تأويل إيجابي لفكر الانوار داخل فضاء الفكر العربي المعاصر. فقد دافع فرح انطون عن العلمانية، ودعا الى التساهل، وتميزت دعوته بنزعة تغريبية معلنة ومبررة. نقرأ له الفقرة الآتية التي تبرز الطابع النقلي والنقالي لمواقفه من المفاهيم الانوارية: “فمعنى التساهل عندهم، يقصد المفكرين الأوربيين، وهو المعنى الذي استعملناه له، أن الإنسان لا يحب ان يدين أخاه الإنسان لأن الدين علاقة خصوصية بين الخالق والمخلوق، والإنسان من حيث هو إنسان فقط” ان درس الانوار في قراءته للتراث العربي الاسلامي يتجاوز فضاء الأنوار المشحون بنموذج من نماذج الصراع التاريخي الحاصل في أوربا، في زمن محدد، وهو درس يستجيب في نظرنا لروح الانوار التي ما تزال تسري في كل فكر يعتمد اوليات الانوار الكبرى المتمثلة في الاعلاء من قيمة الانسان، وفي الدفاع عن العقل والعقلانية النقدية، وفي التشبث بالحرية ضد كل قيم القهر والاستعباد والطغيان.
ويخصص الفصل الثاني للعلمانية من منظور فلسفي: ويعتقد كمال عبداللطيف ان مفهوم العلمانية استعمل لأول مرة في دلالته الفلسفية الانوارية في نهاية القرن الماضي وبداية هذا القرن. وتجلى ذلك في السجال الشهير الذي حصل بين فرح انطون، ومحمد عبده، لقد استعمل فرح انطون مفهوم العلمانية بدلالته الانوارية، وفي سياق تاريخي مغاير لسياق الصراع بين الكنيسة والدولة كما حصل في المجتمع الاوربي.
ورغم ان تحليل سياق استعماله يوحي بان كتابات فرح انطون جاءت كرد فعل ضد الاصلاحية السلفية في زمنه، وهو ما يعني ان المفهوم وظف الحد من هيمنة السياسة الدينية على السياسة المدنية.
ومعنى هذا ان تفكيراً فلسفياً عربياً في مفهوم العلمانية يستطيع في ضوء ملابسات التاريخ، أن يغير محتوى المفهوم، فيحوله الى مفهوم عام، وذلك بإعادة التفكير في ازدواج المفاهيم الموجهة والمجددة يزاد على ذلك ان هناك اشكالات فلسفية يمكن ان تسعفنا بالمراجعة النظرية التي بلورت جهود المفكر محمد اراكون في باب اعادة بناء مفهوم العلمانية.
اما الفصل الثالث: فيتضمن إجابة عن تساؤل مفهوم العلمانية في الخطاب السياسي العربي الحدود والآفاق: يشير الباحث الى ان المهتمين بالفكر العربي المعاصر مركزية المسألة السياسية داخل هذا الفكر كما يعرف هؤلاء أيضاً أن مفهوم العلمنة كان من بين المفاهيم الاساسية التي تمت معالجتها في دائرة الكتابة في نهاية القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين لكن صيرورة الأفكار السياسية داخل الفكر العربي، في إطار مناخ الهيمنة الاستعمارية وتوابعها التاريخية في المراحل الاولى للاستقلال الشكلي الذي حصل في اغلب البلاد العربية. وفي ذلك يقول د. كمال عبداللطيف: “لايشذ مفهوم العلمانية عن المفاهيم السياسية والفلسفية الاخرى التي نشأت معه في دائرة فلسفة الانوار، انه يماثل مفهوم الحرية، والتسامح والتقدم، ويتداخل معها في نسج خطاب الانوار.
ونستطيع ان نقول اذن أن مناظرة فرح انطون مع محمد عبده قد ادخلت الى الفكر العربي المعاصر مفهوم الخلاص الأنواري الوضعي الذي يسعى لتجاوز الخلاص المسيحي الأخروي، بل لنقل الخلاص الديني على وجه العموم. ويستخدم فرح انطون في جداله مع محمد عبده مسلمات عصر التنوير الاوربية، ويركز على أوليات الليبرالية في السياسة، فهو يدافع عن الحكم المدني، والتسامح والضمير الذي تعنيه التجربة ثم السعادة كغاية لكل أعمالنا، وهو يستعمل هذه المفاهيم في اطار الاعتقاد بحتمية التقدم.
ويتساءل الباحث: كيف نعيد التفكير في سؤال العلمانية بالصورة التي تجعله ينفتح على الاشكالية الكبرى في تاريخنا السياسي المعاصر نقصد بذلك اشكالية استيعاب مقدمات الحداثة السياسية بإعادة بنائها وتركيبها في ضوء معطيات حاضرنا وتاريخنا.
ان الاسئلة التي يطرحها الباحث تدفع الى اعادة التفكير من جديد في العلمانية وفي آفاقها السياسية والفلسفية المنتظرة، في ضوء مستجدات الصراع السياسي في واقعنا، وفي التاريخ المعاصر على وجه العموم.
الفصل الرابع يتناول مفهوم العلمانية الى سؤال الحداثة السياسية” يتحدث الباحث في هذا الفصل، عن المناظرة الهامة التي دارت بين فرح أنطون ومحمد عبده، في موضوع العلمانية وفي الخطاب السياسي العربي المعاصر بصورة مفصلة ودقيقة، ويعود المفهوم للظهور في العقد الأخير من القرن العشرين محملاً بدلالات واسئلة ومواقف لا حصر لها.
ويمكن ان نلاحظ فيما يكتب اليوم عن العلمانية وجود خلط بينها وبين النزعات التغريبية، ومطابقة بينها وبين التبعية، ودعوة الى التخلي عن المفهوم، ومحاولات لاستبداله، ومحاولات أخرى لتمريره في صيغ وسط تجعله جزءاً من جملة من المفاهيم المرتبطة بصورة عضوية به وبمحتواه، أي المرتبطة بالمرجعية السياسية الحداثية.
فالذين يتحدثون في موضوع العلمانية، عن التغريب والتبعية، لا يهتمون على سبيل المثال بالنقد الذي يوجهه المفكر محمد اراكون الى محتوى علمانية القرن الثامن عشر كما أنهم لا يهتمون بدعوته الرامية الى إعادة بناء المفهوم في ضوء معطيات الصراع السياسي العالمي، وتطور الفلسفة السياسية وكذلك بالاستفادة من تاريخ الديانات المقارن، ووضع الممارسة الدينية السائدة اليوم في العالم. ويتساءل الباحث: عندما تفتح سؤال العلمانية في الكتابة السياسية العربية على اشكالية السياسة في الفكر وفي الواقع العربي، فإننا لا نكون فقط بصدد توسيع الإطار العام للمفهوم، بل إننا نكون قد اتجهنا صوب مجال التفكير في الإطار الفلسفي العام المحدد لمحتواه وجمال صيرورته النظرية.
إذن لا يمكن رفض مفهوم العلمانية في الخطاب السياسي العربي المعاصر، إلا في إطار تصور للسياسة يعطي المقام الاول للمقدس في التاريخ. اما القول انها مستوردة او فكر دخيل، او غير ذلك، فأن في هذه المواقف انزلاق عن سياق الحوار الذي ينتظر منه أن يكون فاعلاً ومنتجاً، ومطوراً لاشكالات الفكر السياسي العربي.
أما الفصل الأخير فيتحدث الباحث عن إعادة بناء المجال السياسي في الفكر العربي، قراءة في علمانية فرح انطون: يقول الباحث “لقد استطاع فرح انطون أن ينشئ في الثقافة العربية المعاصرة مقالة تتمتع بأمتياز صفاء الرؤية ووضوح القصد وسلاسة الترسل، كما تتميز، بلغة معهودة في متون القرن التاسع عشر ومن تعود قراءة نصوص الافغاني، ومحمد عبده وقبلها الطهطاوي وخير الدين التونسي، سيدرك الفوارق الكبيرة بين لغات هؤلاء الذين ذكرنا وبين لغة فرح أنطون سواء في مستوى الشكل والبنية او في مستوى المحتوى والحمولة الفكرية، ومنطق التحليل والبرهنة والأثبات.
أخيراً يؤكد الباحث كمال عبداللطيف: ان فرح أنطون له نصوصاً دافع فيها بحماس قوي عن مكاسب فلسفة الانوار والفلسفة السياسية الحديثة، في موضوع فصل السلطة المدنية عن السلطة الدينية، وجاءت مقالاته في سياق جعلها اشبه ما تكون بالطفرة النظرية المفاجئة.
ضمن هذا الأفق التاريخي والنظري تتأسس لحظة انشاء فرح لمقالة في الدفاع عن العلمانية، وهي في العمق لحظة تروم بلورة جوانب في المنظور السياسي الليبرالي انطلاقاً من مسألة مفصلية داخل هذا المنظور مسألة تعيين حدود ومجال السياسي في علاقته بالمجال الديني.
وأخيراً نقول لقد ختم الدكتور كمال عبداللطيف كتابه “التفكير في العلمانية” بتكثيف أهم النتائج التي توصل اليها في دراسته عن فلسفة الانوار. وهو كتاب يستحق التأمل والوقوف عند كل وجهة نظر طرحها هذا الباحث القدير فهو بحق يعد كتاب الموسم لشموله صوراً كثيرة واضحة عن العلمانية بشرح وتفصيل وافٍ…… #
#. عن الحوار المتمدن…