الخطاب في الاجتماع السياسي في العراق : حوار الحكماء.
الخطاب في الاجتماع السياسي في العراق : حوار الحكماء.
الخطاب في الاجتماع السياسي في العراق : حوار الحكماء.
مظهر محمد صالح
١ ينصرف الخطاب عموماً discourse او الخطاب السياسي خصوصاً الى اسلوب يعبر عن نظرية المجادلة والنقاش لاي شكل من اشكال التواصل الاجتماعي . لذا عد الخطاب الموضوع الرئيس في النظرية الاجتماعية التي امتدت لتغطي مجالات علم الاجتماع نفسه بما فيه علم الاجتماع السياسي والانثروبولوجيا والاقتصاد والهندسة المعمارية ، فضلاً عن فلسفات القارة الاوروبية التي سادت في القرنين التاسع عشر والعشرين والتي ضمت المثاليون الالمان والفلسفة الفينًميلوجية والفلسفة الوجودية واسلافهم مثل ( كيرغارد ونيتشه وغيرهم)وكذلك الهيغليون ومابعد الهيغليون والتفكيكيون والحركة النسوية الفرنسية واخيراً النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت . بالاضافة الى فروع من الفرويدية والهيغلية ووجهات النظر الغربية في الماركسية.
واستناداً الى الافكار التي جاء بها فيلسوف فرنسا (مايكل توكلت )الذي تصدى ال مسألة تاريخ الافكار وكذلك تاثيرات المدرسة مابعد الهيكلية post structuralism وغيرهم من الهيكليين من المهتمين في النظرية العامة في الثقافة الانسانية والمنهجية التي ترتبط بنسق اجتماعي واسع، فان جميعهم يرون في (( الخطاب)) بانه : نسق او نظام من الافكار والمعرفة والاتصال السلوكي التي تؤسس جميعها لخبرتنا في هذا العالم الواسع.
وطالما ينصرف مقدار (السيطرة) على الخطاب ليتعدى الى موضوع كيفية (السيطرة) على المشاعر او الشعور العالي، لذا نجد ان النظرية الاجتماعية غالباً ما تدرس الخطاب بكونه (نافذة مطلة على القوة). في حين ياتي الخطاب في علم اللغة بكونه مجالاً للمعلومات و احد الدلالات الرئيسة لاطار مايسمى بالدلالات الديناميكية والتي يمكن للتعابير ان تدل من خلال الخطاب بانها تتعادل مع القابليات في تحديث محتوى الخطاب نفسه
٢ وهكذا في خطاب الاجتماع السياسي العراقي ،ياتي المفكر الدكتور مزهر الخفاجي متصديا لموضوع استراتيجية الخطاب في مقاربة تحليلية اجدها من وجهة نظري الشخصية هي اقرب الى المدرسة الهيكلية في فلسفة الخطاب .فالخطاب هنا يرتبط بالنظرية العامة في الثقافة والمنهج التي تضع عناصر الثقافة الانسانية لترتبط بنظام او نسق واسع .اذ يتصدى المفكر مزهر الخفاجي بالقول :((ظلّ الخطاب لغة وصورة ،رأياً ومعلومةّ ،وواحداً من وسائل الإتصال المهمة في تغيير إتجاهات الرأي العام ، او في التأثير عليه بعوامل.اولهما : اذ يسعى الخطاب بذلك الى الأشهار بواسطة الاشتغال على عملية التأثير في الفضاء الشعبي من خلال اثارة انفعالاته لدى الفرد والمجموع، وكسب رغباته الخفية ، كقوة لاتقاوم بحيث أنها تدفعه الى الفعل لإجل إشباعه وإن الشروط الوارد توفرها في لغة الخطاب تتمثل بانها تتوسل مفاعيل البرهنة او التدليل على حق الخطاب .
والعمل الثاني :ان الخطاب السياسي يعتمد على الإقناع وان البرهنة ستوفر مناخ البرهان (الاقتناع) في الخطاب السياسي .
والعامل الثالث الذي يجب ان يعتمد عليه الخطاب السياسي للجمهور هو ضرورة تمثلهُ لحاجات الناس ولغته الاجتماعية السليمة وان يميل هذا الخطاب للإنحياز لقناعة وحاجات الناس .
ولابد ان نبين هنا كما يقول الخفاجي، ان الخطاب السياسي …يقترح لنفسه مسار التأثير في غرضين من اغراض الخطاب اولهما تحليل السياسي من السياسة for policy ، ويمتاز خطاب هذه الجماعة من كونه خطاباً …يقوم به الفاعلين في المنتظم الحكومي او البرلماني او السياسي .
وهدفه تطوير اساليب الدفاع عن منظومتهم الفكرية …او اقتراح سياسة افضل بعد الفشل او تلاشي تأثير سياستهم الشعبية .
والنوع الثاني من انواع الخطاب والذي نقصد بهِ خطاب رسم السياسات …وإن خطاب رسم السياسات هذا هو خطاب يصلح للموالين للحكومات والمعارضين لها … وهو خطاب سياسي وإعلامي جريء يحتمل خصيصتي الهدوء والصدمة ويلجأ في بعض أحيانه الى تحديد اهدافه السياسية والتشريعية والإقتصادية والإجتماعية ….والغرابة كل الغرابة إن جلّ سياسيي ِالعراق والعالم العربي لايحسنون الفصل او الفهم او الفرز بين غرضي تحليل السياسات او رسمها في خطابهم السياسي والإعلامي وهم يميلون الى استخدام كل منهما في أغراضه غير الصحيحة ، إن ضمان نجاح الخطابين السياسيين يشترط على مايشترط عليه :-
ا-الابتعاد عن التعصب
ب-وضوح الأهداف
ج-ضرورة ان يكون الوعي بمشاكل الناس حاضراً في الخطابين .
د-ضرورة أن يراعي الخطاب السياسي الإشهاري المُعلن هذا التوازن النفسي والفكري والثقافي وان يأخذ بنظر الإعتبار الخصائص الاتية :
اولا- الرأي الشخصي: ونقصد به ذلك الرأي الذي يكونه الفرد لنفسه في موضوع معين بعد التفكير في هذا الموضوع ويجاهر به دون أن يخشى شيئاً.
و ثانياً-الرأي الخاص: هو ما يحتفظ به الفرد لنفسه ولا يبوح به لغيره؛ خشية أن يُعرّض نفسه للخطر. وتظهر أهمية هذا النوع في حالة الاقتراع في التصويت السري في الانتخابات .
ذات التأثير (بما يزيد على ٥٠٪ من أعضاء.
ويواصل الخفاجي :لكي نقف امام اهم متغيرين سياسيين ساهم بهما الخطاب السياسي ونقصد الخطاب التنفيذي في تحليل سياساتهم او التشريع في رسم سياساتهم وكيف إنعكس هذين الخطابين في ظاهرتين اهمهما :
أولاً:ثقة الناس بالخطاب السياسي.
ثانيا:فاعلية الخطاب السياسي في التأثير على المشاركة في الإنتخابات .
إن كلا الظاهرتين ونقصد ظاهرة الأمن المجتمعي قد أكدتا (الاخفاق) في تثبيت أمنه المجتمعي والاقتصادى ذلك بارتفاع نسبة الفقر حسب احصائيات وزارة التخطيط العراقية عام ٢٠٢٠ بنسبة ٣٢٪ وإزدياد نسبة أمية المجتمع بنسبة مايقارب ٤٢٪
٣ في ضوء ما تقدم ،اجد في ازمة اجتماعيات الخطاب السياسي في العراق والتي تصدى اليها المفكر مزهر الخفاجي تنسحب من وجهة نظري الشخصية الى مسالة الانشطارية والتشطيب والتشظى في الخطاب discourse والذي ياتي من تركيبين مختلفين ومتصلين في البنية في آن واحد ،الاول :وهو الخطاب (السياسي الايديولوجي ) نفسه وهو (الثابت parameter)المتعلق بالدولة وبناء عقدها الاجتماعي المتمثل بالدستور الاساس والخطاب الاخر : وهو السياساتي politicize وهو (المتغير variable)الذي يبنى على اساس القبول بالثابت ومسايرته بالفعل والحركة والتنفيذ .فأرى ان درجة التفكك في ( القبول بالثابت )ومن ثم (تلون المتغير )هو اس المشكلة في انقسام الراي والراي العام افقيا وعمودياً.
فالثوابت هنا ترتكز على القانون الاساس او الدستور الذي صمم على نسق (مكوناتي )يشيع بشكل مبطن لظواهر اللاستقرار قوامها التشطيب و …
٤ وياتي المفكر ابراهيم العبادي في خطابه السياسي الاجتماعي الذي اجده يقترب في حواره بين المدرستين الفلسفيتين وهما :الفلسفة مابعد الهيكليين والفلسفة التفكيكية وهي المدرسة التي قادها احد اجنحتها فيلسوف اميركا (جاكوس ديريدا Derrida ) الذي يبحث عن الرابطة بين النص والمعنى ، ذلك عندما يتصدى العبادي برقي وموضوعية (في عمود الاثنين )لقضايا الدولة والسياسة في العراق .
اذ يقول المفكر ابراهيم العبادي في رؤيته الاخيرة حول موضوع: المسؤولية السياسية ، قائلاً:
(( لا بلد اشبه بلبنان كالعراق في تركيبته الاجتماعية والسياسية والحزبية ،وفي تاريخه السياسي المضطرب ،ومثلما عانى لبنان من تدخلات الاخرين وتاثيرات الكيان الاسرائيلي عليه وتحيزات الغرب ،وتعارضات مصالح الجيران واستعداد بعض اللبنانيين للمحاربة نيابة عن المتخاصمين والمتنافسين عربا وغير عرب ،يبدو المشهد العراقي نسخة مكبرة عن المشهد اللبناني ،حيث تغيب العقلانية السياسية ويزداد الزهو بالسلاح ،ويتعمق التحفيز والتحشيد الايديولوجي ،وتغدو جميع الحلول عاجزة عن ارضاء الاطراف المتنافسة على السلطة والثروة والمشروعية السياسية والدينية .
فعندما تصل الامور الى حالة الانسداد ،لا ثقة بالانتخابات ونتائجها ،ولااحتكام الى الدستور والقانون ،ولا انصياع لمنطق الدولة وسلطاتها ،لايتبقى غير الحكماء وبقية من عقلانية سياسية تتحرك هنا وهناك ،بأمل ان يشعر اطراف الخصومة بخطورة بلوغ الازمة نقطة اللاعودة ،الجميع يدرك ان اعادة الانتخابات غير ممكن ،والمضي بالنتائج المطعون بها ليس بالامر الهين على من يملك قدرة تعطيل الحلول ،فأصل الصراع والاختلاف هو تناقض رؤيوي ومصالحي واستقواء على الدولة وبأدوات الدولة .جوهر التناقض هو مصلحة الناس ومعاشهم وامنهم ومستقبلهم ،فكل فريق رهن هذه المصلحة برؤيته ، وربطها بالرموز الدينية والميثولوجيا المذهبية ،يقتضي هذا الامر خروج الناس ورفضهم لمن يتحدث باسمهم ويفرض منطقه عليهم ،لاسبيل الى ذلك مادامت الاكثرية المتنحية عن الصراع تنتظر حلا من السماء أو فرجا بتنازلات يقدمها عقلاء ، لدفع غائلة البلاء عن العراق من منطلق المسؤولية السياسية والمصلحة الشرعية وفرارا من المسائلة الاخلاقية ، فيما لو حدث طاريء – لاقدر الله- ، وافضت الخصومة والتنابز السياسي الى صراع ساخن باستخدام السلاح المقدس ،أو اذا نجح (طرف ثالث) في قدح زناد الحرب بين الاخوة الاعداء، عندذاك يهلك السائل والمسؤول !!!؟ ))
٥مايمكن ان استشفه من موضوع المسؤلية السياسية للمفكر ابراهيم العبادي وربما سانتمي هنا قليلاً الى المدرسة التفكيكية في الفلسفة deconstruction school التي جاء بها (كما ذكرنا سلفاً )فيلسوف اميركا (جاكوس دريدا Derrida ) التي تتصدى الى العلاقة بين (النص ) و ( المعنى) فيمكنني القول تفكيكيا : في بلدان يؤسس نظامها السياسي على قوة التنوع القومي والمذهبي (المتصلب ) كبديل عن البنيان والتمثيل الوطني ذي (المرونة) النسبية ،تبقى خيارات البناء السياسي عالية التخندق في معسكرات الانعزال في الدولة الهشة وتبني توافقاتها على اساس فرض ارادات المؤسسات الممثلة للتنوع كبديل عن مؤسسة المواطنة في هياكل الدولة المستحدثة خلاف اي تطور ديمقراطي يتطلب التنازل الجزئي وقبول البعض للبعض، وتعد مثل هذه النماذج ،في تاريخ التطور السياسي للامم ،الاخطر لافتقارها لعنصر (المساءلة السياسية والاجتماعية) .انه بناء اقيمت (ديناميكيات )حياته السياسية على ثقل التوازنات المكوناتية (الاستاتيكية) وليس المواطنية ما يجعل تخندقها داخل تمثيلها السياسي الاثني او المذهبي في مركبات النظام هي الاساس في العمل السياساتي .
انها نظم سياسية اقرب الى (مؤسسات الطوائف )البديل عن (دولة المؤسسات الوطنية) .وهي بلاشك احد اخطر النماذج في سرعة التفكك لفقدانها عنصر المساءلة الناجم عن هشاشة التوافق او التوازن ازاء التصرفات السالبة السائبة بين تعدد وتنوع المؤسسية الاثنية او المؤسسية الطائفية وقوة تصلبها .
فطالما الجميع يسبح في فضاء سياسي مفتوح عابر لقيد المواطنة ،فثمة غلبة لظاهرة التنمر السياسي لبعضها البعض في صراعاتها غير التناحرية ابتداءً ووصولاً الى الاقتتال والتفكك التناحري (اذا ما تطلب الامر في نهاية المطاف العودة الى خنادق العزلة مجدداً في نموذج دولة مؤسسات الطوائف وليس دولة المؤسسات السياسية الحديثة
٦ واخيراً ، فمن اجمل العبارات والعبر التي تلقيتها في ايامي هذه في تناولها لموضوع ((الخطاب )) هو المفكر الدكتور عقيل الخزعلي الذي مازال يحفر في عقل (المعنى ) اللغوي من خلال (النص) وهو يبحر في دفق من المعاني عند طرحه ((خطاب فوبيا الاختلاف)) قائلًا بالنص:
– مفهومُهُ؛ الخوف أو الوجل أو الخشية من المختلف ب؛(الاصل، اللون، العِرق، المعتقد، المنطقة، الميول، التفضيلات، القناعات، المرجعيات، الأنساق، التوجُّهات، الأجيال،…)
– خطورتُهُ؛ أكبرُ (تهديدٍ) يُواجهُ؛ (العالم/الدول/الأُمم/الشعوب/الجماعات/المنظمات/الافراد)
-جُذورُهُ؛(جينية،تربوية،نفسية،إجتماعية..)
-مظاهرُهُ؛(الكُره، الحقد، الحسد، التمييز، التنمُّر، الانغلاق، الصنميّة، التعصب، الإقصاء، الصراع، النزاع، الاستعلاء، الإحتكار)
-تداعياتُهُ؛ إستنزاف: (الحياة، النفوس، الأفكار، الاوقات، الجهود، الاولويات، الموارد، الشعوب، الدول)
-عِلاجُهُ؛ التربية على قِيَم وأخلاقيات: (الحُب، التواضع، التفهم، التقبل، التعايش، التصالح، التعاطف، التراحم، السلام، الإنفتاح، التكامل)
وهنا ، تتلخص رؤيتي ثانية في خطاب العلاقة التفكيكية بين النص والمعنى لاقول:انه رهاب اكتسبه المجتمع من توطن التردي في العلاقات الانسانية لكي يتغذي البعض برفض التعايش ويصبح ثابت من ثوابت المجتمعات وتعقيداتها وتفكك انسجامها بطرح هويات ممزقة . فالدولة الوطنية والحزب الوطني واللون الوطني هي البودقة التي تنصهر فيها الميول والعيوب والثوابت القديمة للحصول على ثابت واحد انساني اجزاءه متماسكة وروابطه متينه هي هوية الوطن الخالية من اي رهاب فرضته مخاوف وعيوب الهويات الفرعية.
٧ختاما، لابد من سيادة العدل الذي رديفه الصمصام كما يقول الخزعلي ،لنقوي الخطاب بانفسنا وليحاكي مجدداً ارض وامة غربتها رياح ملونة وصحرتها عواصف جامدة افقدتنا الرؤية على مدى قرون طويلة ومازلنا نمسك باشواك يابسة تدمي طراوة ايدينا حتى تستجيب العاصفة ويخضر العشب في سيقانه*
* عن الحوار المتمدن .