السياسة النفطية للحكومة الجديدة
يشكل القطاع النفطي، في السنوات الاربع القادمة كما كانت عليه الحال في العقود السابقة، العمود الفقري للاقتصاد العراقي. وهذا يحتم، او يفضل، ان يكون للحكومة القادمة سياسة نفطية متناسقة واضحة المعالم والاهداف والوسائل تخدم المصلحة الوطنية. في ضوء هذه السياسة النفطية يتم مراقبة الحكومة وتقييمها ومحاسبتها بشكل دوري ووفق مؤشرات كمية قابلة للقياس والمقارنة والتحقق.
تهدف هذه الدراسة الى تقديم مقترح لما يفترض ان تتضمنه السياسة النفطية في العراق خلال السنوات الاربع القادمة يتم بموجبه مراقبة وتحليل وتقييم نشاط الحكومة الجديدة في مختلف جوانب القطاع النفطي. يتضمن المقترح تحليل ومناقشة الفقرات التالية: هيكل السياسة النفطية والاطر الحاكمة؛ مكونات ومضامين ومؤشرات السياسة النفطية (وهو اطول جزء في المقترح)؛ قانون النفط والغاز الاتحادي؛ قانون شركة النفط الوطنية؛ العلاقة مع حكومة الاقليم؛ تراجع الشفافية في القطاع النفطي؛ مشكلات الفساد في القطاع النفطي وتهريب النفط؛ العلاقة العضوية بين السياسة النفطية والسياسة الاقتصادية والتنموية العامة للحكومة؛ تجنب استنساخ الماضي؛ دور الخبراء والمختصين.
تم في اعداد هذا المقترح على متابعتي المتواصلة واستخدام المعلومات الرسمية والاسس والمؤشرات والمعايير الواسعة الانتشار في الصناعة النفطية الدولية؛ التأكيد على الجوانب العملية والشواهد الواقعية وليس الطروحات الافتراضية او النظرية المجردة ومنطلقا من اعتبار السياسة النفطية التزام واجب التنفيذ من قبل الحكومة الجديدة وليس وثيقة إسترشادية او متطلبات شكلية لتمرير البرنامج الحكومي.
اولا: هيكل السياسة النفطية والاطر الحاكمة
لم تقدم الحكومات السابقة اية وثيقة محددة معنية بالسياسة النفطية؛ وبما ان الحكومة الحالية ستكون قيد المراقبة والمحاسبة استنادا الى برنامجها للسنوات الاربع القادمة فان تحديد التزاماتها او تعهداتها فيما يتعلق بالقطاع النفطي والسياسة النفطية هي ما يجب ان تتضمنه “وثيقة السياسة النفطية”.
1- من المفضل ان تقدم السياسة النفطية كوثيقة مستقلة بحد ذاتها (او ما يطلق عليها عادة الورقة/ الوثيقة البيضاء White paper) او ضمن البرنامج الحكومي. وقد يشار اليها في البرنامج الحكومي على ان يتم تفصيلها لاحقا ضمن وثيقة محددة.
2- وبما ان البرنامج الحكومي (المعد من قبل السلطة التنفيذية) يخضع لموافقة السلطة التشريعية فيجب ان تخضع وثيقة السياسة النفطية لنفس الموافقة.
3- يجب ان تشمل وثيقة السياسة النفطية نشاطات القطاعات الجزئية الاساسية الثلاثة التي يتضمنها القطاع النفطي: الاول يتضمن نشاطات الاستكشاف والتطوير والانتاج للنفط والغاز (Upstream):الثاني يتضمن نشاطات الخزانات والانابيب ومحطات الضخ ومنشئات التصدير (Midstream) والثالث يتضمن نشاطات التصفية وتصنيع الغاز (Downstream)؛ علما ان صناعة البتروكيماوية تقع ضمن هذه النشاطات ولكنها في العراق تقع ضمن مهام وزارة الصناعة والمعادن وليس وزارة النفط.
4- ان اهم ما يجب ان تتضمنه وثيقة السياسة النفطية هو عدد من المتغيرات التي يمكن تحديدها بموجب مؤشرات كمية قابلة للقياس والتحقق منها لجميع انشطة القطاعات النفطية المذكورة اعلاه اضافة الى المؤشرات الوصفية. وهذا من الناحية الفعلية يعني:
اولا تحديد مؤشرات الشروع عند بداية تنفيذ البرنامج الحكومي (لنفترض جدلا بداية شهر كانون اول 2018)؛
ثانيا: مؤشرات الاهداف (مقدرة على ثلاثة مستويات: الحد الادنى والممكنة والطموحة) التي تلتزم الحكومة في تحقيقها ومحددة على اساس سنوي؛
ثالثا: المتطلبات المالية والبشرية والمؤسسية والتشريعية الضرورية لتحقيق تلك الاهداف؛ ورابعا: التحديات المحتملة مصنفة على اساس احتمالية بروز التحدي (عالي الاحتمال ومحتمل وغير محتمل) وفاعلية وتأثير التحدي (مؤثر جدا ومؤثر وغير مؤثر)؛ كل ذلك يتم على اساس سنوي.
5- وبما ان الحكومة مسؤولة امام البرلمان عن تنفيذ السياسة النفطية فان ذلك يتطلب ان يكون لكلا السلطتين دور فاعل ومهمة محددة في “متابعة ومراقبة” تنفيذ السياسة النفطية بشكل دوري نصف سنوي على الاقل. وتنفيذا لهذا الالتزام تكون لجنة الطاقة في الامانة العامة لمجلس الوزراء مسؤولة عن “متابعة” تنفيذ وزارة النفط للسياسة النفطية، وتضطلع لجنة النفط والطاقة في البرلمان بمهمة “مراقبة” تنفيذ الحكومة/وزارة النفط للسياسة النفطية. ويجب ان يتم تقديم ومناقشة ونشر تقارير “المتابعة والمراقبة” بشكل دوري كإجراء عمل تنسيقي ملزم ومتفق عليه بين كلا السلطتين، يختلف عن الممارسات البرلمانية المعروفة “الاستدعاء”.
6- يتم “مراجعة وتقييم تنفيذ” السياسة النفطية في ضوء المؤشرات الكمية المفصلة في وثيقة السياسة النفطية و تقارير “المتابعة والمراقبة” المذكورة اعلاه وفي حالة الفشل (مقارنة بمؤشرات الحد الادنى) تتم التوصية ببدء إجراءات حجب الثقة عن الحكومة او عزل وزير النفط.
ثانيا: مكونات ومضامين ومؤشرات السياسة النفطية
من الممكن بل والضروري والعملي تحديد اهم ما يجب ان تتضمنه وثيقة السياسة النفطية في كل من القطاعات الجزئية الثلاثة المكونة للقطاع النفطي.
(1) قطاع الاستكشاف والتطوير والانتاج
في هذا القطاع اقترح ان تتضمن وثيقة السياسة النفطية ما يلي:
1- عدم تطوير اي حقل نفطي جديد باستثناء الحقول الحدودية (كما سيناقش ادناه) وعدم احالة اي حقل نفطي منتج او مكتشف الى الشركات النفطية الدولية خلال فترة عمل الحكومة الجديدة.
استند في هذا المجال على المعطيات التالية:
(1) حسب المعلومات الرسمية لوزارة النفط ان معدل انتاج العراق من النفط بلغ في شهر آب الماضي 4.460 مليون برميل يوميا (مبي) وان الطاقة الانتاجية ستتجاوز 5 مبي في نهاية هذا العام وستبلغ الطاقة الانتاجية 8 مبي بحدود 2025؛
(2) وبما ان عهدة الحكومة الجديدة محددة بأربع سنوات فان عليها التركيز والاهتمام لتحقيق حوالي 6.5 مبي في نهاية مدتها الدستورية؛
(3) ان الحقول النفطية المتعاقد عليها في الجولتين الاولى والثانية كفيلة بتحقيق الزيادة المطلوبة خاصة وان المراحل النهائية للوصول الى انتاج الذروة في عقود تلك الحقول ستبدأ او تكتمل خلال فترة الحكومة القادمة؛
(4) لا يوجد اي مؤشر على المستوى الدولي لسوق النفط وحصة الاوبك وحصة العراق ضمن الاوبك ما يدلل ان الطاقة الانتاجية للعراق خلال الاربع سنوات المقبلة يمكن او عليها ان تتجاوز 6.5 مبي؛
(5) وفي حالة حصول ما يبرر تجاوز معدل 6.5 مبي عندها يتم “تسريع” نشاطات التطوير ضمن حدود 8 مبي المذكورة انفا.
2- اقتصار اي تطوير للحقول النفطية غير المتعاقد عليها لغاية آب 2016 على الجهد الوطني حصرا مع الاستعانة بشركات الخدمة النفطية الدولية عند الضرورة وضمن عقود الخدمات التقليدية لفعالية وفترة زمنية محددة؛ اي عدم اللجوء الى التعاقد مع الشركات النفطية الدولية او عقد جولات تراخيص لتطوير اي من الحقول والتراكيب النفطية المكتشفة لغاية تاريخه او ما سيتم استكشافه خلال فترة الحكومة المقبلة.
ان مبررات هذا الاقتصار هي:
(1) تشكل نشاطات الجهد الوطني المجال المادي لتطوير الطاقات البشرية والمؤسسية والمعرفية والتنظيمية في هذا القطاع الحيوي للصناعة النفطية العراقية؛
(2) تعتمد نشاطات الجهد الوطني على الكوادر العراقية وبذلك تساهم، ولو بشكل نسبي، في معالجة مشكلة البطالة وخاصة بين الشباب المؤهلين فنيا اكثر مما تقوم به الشركات النفطية الدولية التي تفضل عادة العمالة الاجنبية؛ وهذا ما بينته تظاهرات المحافظات الجنوبية منذ شهر تموز الماضي؛
(3) كما اوضحته وزارة النفط (ولكن دون تقديم الادلة المادية) ان كلفة التطوير من خلال الجهد الوطني تقل كثيرا مقارنه بتلك التي تتم بواسطة الشركات النفطية الدولية؛
(4) بالتأكيد ان صلاحية “اتخاذ القرار” تكون عراقية بالمطلق تحت الجهد الوطني في حين انها تشاركية مع الشركات الاجنبية تحت عقود جولات التراخيص التي تتطلب “الاجماع” عند اتخاذ القرار في “لجان الادارة المشتركة” لكل حقل؛
(5) ان نمط وموقع واسلوب عمل الجهد الوطني يكون عادة محليا في حين تتواجد المكاتب المعنية للشركات الاجنبية خارج العراق وهذا ينعكس على محدودية شفافية عمل الشركات الاجنبية وما يتطلب ذلك من جهد، من قبل الجهات العراقية، للتحقق من مصداقية وواقعية الكلف التي تدعي الشركات بتحملها ودفعها.
3- التركيز على واعطاء الاولوية لإنهاء حرق الغاز المصاحب. وحسب اخر المعلومات الاحصائية المتوفرة في وزارة النفط تتعلق بشهر آب الماضي والتي يتضح منها ان نسبة حرق الغاز المصاحب في المحافظات الجنوبية (البصرة وميسان وذي قار) قد بلغ 60.4% من مجمل الغاز المصاحب المنتج في تلك المحافظات. اما النسبة على عموم العراق (بدون احتساب كردستان) فإنها تتجاوز 56%. وبما ان حرق الغاز المصاحب يمثل هدرا صارخا للثروة البترولية وتبديدا لمورد اقتصادي هام اضافة الى الاضرار البيئية الهائلة في الوقت الذي يستورد العراق الغاز من ايران فلا بد ان تتضمن وتضمن السياسة النفطية للحكومة الجديدة ما يلي:
(1) الزام الشركات النفطية الدولية المتعاقدة والمنفذة للحقول المشمولة بجولة التراخيص الثانية بتنفيذ الفقرات التعاقدية والمتعلقة حصرا بالاستفادة القصوى من الغاز المصاحب؛
(2) عدم اعفاء اي من تلك الشركات من التزاماتها التعاقدية واحالة الموضوع على شركات اخرى خارج المجموعة التي تم التعاقد معها اصلا (كما حصل مؤخرا في حقل الغراف)؛ يضاف الى ذلك ان يترتب عن هذا الاجراء خسائر وكلف اضافية غير مبررة من الناحية القانونية/التعاقدية. كما انه يشكل مخالفة تعاقدية من قبل الجانب العراقي قد تقود الى تفعيل المواد التعاقدية المعنية بالتحكيم الدولي؛
(3) التنفيذ التام لتعليمات الامانة العامة لمجلس الوزراء حول هذا الموضوع والمدونة في التوصية رقم 51 لسنة 2018 والمرتبطة بخطة العمل المعنية بمتطلبات قرض البنك الدولي في هذا المجال؛
(4) تحديد نسبة التخفيض في حرق الغاز المصاحب وبما يتناسب مع ضرورة الاسراع في تنفيذ التزامات العراق تحت مبادرة البنك الدولي المعروفة بتحقيق “صفر للحرق الروتيني للغاز بحدود 2030″؛
(5) التزام الحكومة وخاصة وزارتي النفط والكهرباء بتوفير الغاز المطلوب لتوليد الطاقة الكهربائية بكميات وتوقيتات زمنية محددة ولأهمية الموضوع يفضل ان تكون شهرية.
4- يحتل تطوير الحقول الحدودية اهمية خاصة وحساسة ومتميزة بحكم امكانية تطويرها المشترك باسلوب “التوحيد Unitization” مع دولة الجوار المعنية وخاصة الكويت وايران. وحسب ما تشير اليه التجربة الدولية فان اعتماد اسلوب التوحيد له الافضلية في تطوير هذه الحقول بسبب العديد من المبررات والاعتبارات الاقتصادية والعملياتية والادارة السليمة للمكامن النفطية؛ ونظرا للاحتمالية المرتفعة لاعتماد اسلوب التوحيد مع دول الجوار فإنني ارى ان تتضمن وثيقة السياسة النفطية ما يلي:
(1) ان يقتصر اي نشاط يتعلق بتطوير هذه الحقول على الجهد الوطني حصرا لحين التوصل الى اتفاقية التطوير الموحد مع الدولة المعنية؛
(2) في حالة قيام الدولة المعنية بتسريع تطوير الحقل الحدودي بشكل احادي منفرد يقوم الجانب العراقي بإعطاء الأولوية في تطوير الجانب العراقي لذلك الحقل؛
(3) تأخذ الحكومة العراقية زمام المبادرة لحث دول الجوار (خاصة ايران والكويت) على ضرورة انجاز الاتفاقات الضرورية لبدء التطوير الفعلي للحقول الحدودية المهمة بإسلوب التوحيد المعمول به دوليا على نطاق واسع.
5- جولة التراخيص الخامسة الاخيرة. بعد التقييم الشامل لعقود هذه الجولة من قبل نخبة من خبراء النفط العراقيين تم التوصل الى ان هذه العقود تخدم مصلحة الشركات النفطية على حساب المصلحة الوطنية اضافة الى تعارضها مع مبدأ تحقيق “أعلى منفعة للشعب العراقي” الذي اكده الدستور. وللأسباب اعلاه ولغاية تاريخه لم تصادق الحكومة الحالية على اي من هذه العقود. وعليه أرى:
(1) ان لا تصادق الحكومة القادمة على اي من عقود الجولة المذكورة وإعادتها جميعا الى وزارة النفط؛
(2) وبما ان معظم عقود هذه الجولة تتعلق بالحقول والرقع الاستكشافية الحدودية لذا يجب اعادة النظر بالموضوع في ضوء ما ذكر اعلاه بخصوص تطوير الحقول الحدودية باسلوب التوحيد.
6- المنع المطلق لممارسات التفاوض مع الشركات الاجنبية وعقد الاتفاقات والعقود معها خلف الابواب المغلقة وبدون شفافية وعدم الافصاح التام عنها. كذلك ارى ان لا تصادق الحكومة القادمة على اي من هذه العقود والتي لم تتم المصادقة عليها قبل يوم 2 تشرين اول 2018. والاسباب المبررة لهذا المنع هي:
(1) بما ان الحكومة القادمة ستكون مسؤولة عن تنفيذ برنامجها الحكومي فان التحقق من تنفيذ البرنامج الحكومي يتطلب الشفافية والافصاح وهذا غير ممكن عندما تكون المفاوضات والعقود سرية؛
(2) ليس بالإمكان التأكد من ان العقود الموقعة بسرية تحقق “أعلى منفعة للشعب العراقي” الذي اكده الدستور؛
(3) تثبت التجارب والخبرات الدولية انه عندما تتم مثل هذه التعاقدات ذات الانعكاسات المالية بشكل سري او غير شفاف بالكامل فان هناك شيء مهم تريد الاطراف المتعاقدة اخفاءه؛
(4) ذلك تشير تلك الشواهد الدولية الى وجود علاقة قوية بين انعدام الشفافية والفساد؛
(5) وبما ان الجميع يقر بتفشي الفساد في العراق بشكل واسع ومؤثر وخاصة بين القيادات وصناع القرار على كافة المستويات فان انعدام الشفافية في التفاوض وتوقيع العقود في القطاع النفطي تقود حتما الى الفساد، والشواهد عديدة في هذا المجال؛
(6) ان على العراق التزام دولي مع منظمة الشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI) يتطلب الافصاح عن بل وحتى نشر العقود لكي يتم الاطلاع عليها والتأكد من انها تخدم مصلحة المواطن.
7- تتعهد الحكومة القادمة بالتعجيل في تنفيذ مشروع حقن ماء البحر بأسرع ما يمكن خاصة المرحلة الاولى من المشروع ويفضل ان لا تقل نسبة مساهمة الجهد الوطني التنفيذية فيه عن 51%. تستند التبريرات على ما يلي:
(1) تتناقش وزارة النفط ومنذ عام 2010 مع بعض الشركات النفطية الدولية حول هذا المشروع الحيوي وقد ان الاوان للتنفيذ الفعلي؛
(2) لابد من حقن الماء لإدامة انتاج النفط وتعويض الانخفاض في الضغط الطبيعي المكمني، وهذا يتطلب حقن كميات كبيرة من الماء بما يتناسب مع انتاج النفط من الحقول المعنية؛
(3) وبما ان تطوير حقول جولة التراخيص الاولى (وهي الرميلة وغرب القرنة 1 والزبير وحقول ميسان الثلاثة- بزركان و فكة وابو غرب) تدخل او تكمل مرحلة التطوير الاخيرة خلال فترة الحكومة القادمة فإننا في الحقيقة امام موقف حرج للغاية للأسباب التالية: ان انتاج هذه الحقول يشكل النسبة العليا لإنتاج النفط في العراق؛ بسبب انها حقول منتجة ولعقود عديدة فان الضغط المكمني فيها ينخفض بشكل متسارع وبوتائر عالية مما يعني حاجتها الملحة لحقن الماء؛ واخيرا ان تنفيذ وانجاز مشروع حقن الماء يستغرق عدة سنوات.
(4) ولا يقتصر الامر على حقول جولة التراخيص الاولى اعلاه فقط بل تحتاج حقول جولة التراخيص الثانية وخاصة الحلفاية وغرب القرنة 2 ومجنون والغراف الى حقن الماء ونفس الامر ينطبق على حقل الاحدب؛
(5) لاعتبارات الكلفة واكتساب الخبرة التنفيذية والفنية واحتمالية تنفيذ المشروع على مرحلتين او اكثر مستقبلا فيفضل ان تكون المساهمة التنفيذية الفعلية للجهد الوطني في المرحلة الاولى بما لا يقل عن 51%.
8- الكف عن المطالبة او الدعوة لإعادة التفاوض بشان عقود جولات التراخيص الاربع. على وثيقة السياسة النفطية للحكومة الجديدة ان تذكر وبوضوح بعدم جدوى اعادة التفاوض بشأن عقود جولات التراخيص الاربع الاولى. يستند هذا الموقف على المعطيات التالية:
(1) اثبتت جميع الدراسات المتخصصة ان عقود الخدمة التي اعتمدت في تلك الجولات تعطي للعراق افضل مردود مالي مقارنة باي عقود اخرى وخاصة عقود المشاركة في الانتاج ومنها عقود حكومة الاقليم؛
(2) ان اية اعادة تفاوض سيمنح الشركات النفطية الدولية فرصة فريدة للحصول على مزايا اضافية مهمة للغاية وذات تأثير مادي ضخم على حساب مصلحة العراق لطيلة مدة العقود؛
(3) سبق وان قدم وزير النفط الاسبق عبد الكريم لعيبي تنازلات مهمة للشركات النفطية دون ان يحصل العراق على اي شيء في المقابل وبهذا فقد العراق اهم واقوى اوراقه التفاوضية؛
(4) ان عقود جولتي التراخيص الاولى والثانية ستكمل او تصل الى مراحل التطوير الاخيرة للحقول المعنية خلال فترة الحكومة الجديدة؛ هذا يعني الوصول الى بداية مرحلة انتاج الذروة مما يعني تغطية النسبة الكبيرة للكلف الرأسمالية الاساسية لعملية تطوير الحقول وبالنتيجة فان اي تفاوض على هذه العقود او تغييرها انما يمثل مكافئة لشركات النفطية الدولية مما يعد مخالفة صارخة للدستور-كما ذكر اعلاه.
9- وفي ضوء ما ذكر اعلاه، على وثيقة السياسة النفطية ان تنص بوضوح على افضلية عقود الخدمة على عقود المشاركة في الانتاج وكذلك الاقرار بان اي شكل من اشكال عقود المشاركة في الانتاج وعقود المشاركة في العوائد/الارباح انها تتعارض مع مباديء الدستور. والمبررات لمثل هذه التأكيدات هي:
(1) تركيز جهود وزارة النفط على مراقبة تنفيذ تطوير الحقول المعنية ضمن الضوابط التعاقدية والسيطرة الفاعلة على كلف التطوير بما يضمن الوصول الى اهداف انتاج الذروة؛
(2) توفير نوع من الاستقرار واليقين في العلاقات التعاقدية بين الشركات النفطية الدولية والشركات المنتجة العراقية المتعاقدة معها؛
(3) قطع الطريق امام محاولات تحويل عقود الخدمة الحالية الى عقود مشاركة في الانتاج؛
(4) قطع الطريق امام محاولات تبني او الدعوة الى او اعتماد اي شكل من اشكال عقود المشاركة في الانتاج وعقود المشاركة في العوائد/الارباح في تطوير الحقول الغير متعاقد عليها حاليا.
10- حصر النشاطات الاستكشافية بالجهد الوطني فقط وعند الضرورة بالتعاون مع الشركات الاجنبية بموجب عقود خدمات فنية محدودة المدد. تستند هذه التوصية على ما يلي:
(1) حسب الاحصائيات الرسمية لوزارة النفط يبلغ الاحتياطي النفطي المؤكد حاليا حوالي 153 مليار برميل. ولو افترضنا ان الانتاج في نهاية العام الحالي هو 5 مليون برميل يوميا فان عمر الاحتياطي النفطي يكون بحدود 84 سنة؛
(2) هناك احتمال كبير جدا بان هذا الاحتياطي سيرتفع بشكل كبير بعد اكتمال تطوير حقول جولات التراخيص واكتمال عقود الرقع الاستكشافية مما يعني وجود فسحة زمنية طويلة جدا وملائمة لتعزيز الاحتياطيات البترولية؛
(3) ان حصر النشاط الاستكشافي بالجهد الوطني يشكل حافزا بالغ الاهمية لتطوير القدرات التقنية والمعرفية والتكنولوجية المتقدمة للكوادر العراقية بدلا من الاعتماد كليا على الشركات الاجنبية.
11- تكثيف تطوير الطاقات البشرية العراقية ومعالجة فجوات المهارات والتوسع في استخدام تكنولوجيا المعلومات المتقدمة. لماذا؟
(1) يشكل التطوير المتسارع والمكثف للطاقات البشرية العراقية وفي مختلف النشاطات ذات العلاقة من اهم متطلبات تطوير الصناعة النفطية التي تعاني العديد من الفجوات المعرفية؛
(2) يتم بموجب عقود جولات التراخيص الاربع الاولى تخصيص ما مجموعه 62.2 مليون دولار سنويا (قد انخفض هذا المبلغ الى حوالي 50 مليون الان بسبب انسحاب او تجميد نشاط بعض الشركات النفطية الدولية) للأغراض اعلاه علما ان العراق لا يتحمل او يسدد هذه التخصيصات السنوية بل تتحملها الشركات النفطية الدولية المتعاقد معها؛ وهذا يعني توفير التمويل السنوي الضروري الذي يجب استخدامه بالكامل وبشكل كفوء؛
(3) يفترض ان يؤدي استخدام هذه المبالغ السنوية الى زيادة مساهمة الكوادر العراقية في المواقع المتقدمة والقيادية في ادارة تلك الحقول والى زيادة نسبة مساهمة الكادر العراقي العامل في تلك الحقول وبما لا يقل عن 85% حسب ما هو مثبت في العقود المعنية؛
(4) تحتم الضرورة توفير كشف سنوي تفصيلي عن الكيفية التي تم بموجبها استخدام هذه التخصيصات ونتائجها وتأثيراتها الفعلية في رفع وتطوير كفاءة الاداء وردم مختلف الفجوات المعرفية.
(2) الانابيب والخزانات ومنشئات التصدير (القطاع الوسطي)
بسبب دخول تطوير بعض الحقول النفطية المتعاقد عليها بموجب جولات التراخيص المراحل النهائية مما يعني- كما ذكر اعلاه- الى تزايد انتاج النفط فان هذا يتطلب تهيئة الطاقات الضروري من انابيب وخزانات ومستودعات ومنشئات تصدير النفط.
وعليه على وثيقة السياسة النفطية ان تذكر وبشكل دقيق ومحدد بمؤشرات كمية ما يلي:
1. الطاقات المتوفرة حاليا (اي قبل تولي الحكومة الجديدة مهامها رسميا) لكل من الانابيب والخزانات ومنشئات تصدير النفط الخام؛
2. المشاريع التي هي قيد التنفيذ حاليا وجدولة اكتمالها للأنابيب والخزانات ومنشئات تصدير النفط الخام؛
3. الطاقات التي تلتزم الحكومة بتوفيرها وتوقيتاتها الزمنية للأنابيب والخزانات ومنشئات تصدير النفط الخام؛
4. لا تتضمن مؤشرات الانابيب والخزانات اعلاه تلك التي تقع ضمن حدود المنطقة المثبتة للحقول المتعاقد عليها بموجب جولات التراخيص عندما تكون تلك المنشئات من ضمن الالتزامات التعاقدية للشركات النفطية الدولية المعنية.
تلتزم الحكومة القادمة بعدم قيام اي جهة او شركة حكومية عامة او مشتركة بإنشاء او شراء او امتلاك، كليا او جزئيا، اي طاقات خزنية خارج العراق وذلك لاعتبارات اقتصادية تنموية.
تتعهد الحكومة القادمة بعدم خصخصة اي من منشئات تصدير النفط الخام في الخليج العربي وعدم احالة اي من المنشئات الجديدة المرتبطة بتصدير النفط الخام الى الاستثمار الخاص سواء كان عراقيا او غير عراقي وذلك لاعتبارات الامن الوطني.
تعمل الحكومة على تحقيق “مرونة التصدير” وذلك من خلال تعدد منافذ التصدير وخاصة بإعادة تأهيل وتفعيل انبوب كركوك عبر الاراضي التركية؛ وعبر الاراضي السورية-عند تحسن الاوضاع الامنية هناك والاردن. وان تدرس الحكومة بجدية البدائل المجدية- اقتصاديا واستراتيجيا- في تكثيف التوجه الى الاسواق الاسيوية بحرا او بواسطة الانابيب عبر ايران.
تحتل شركة سومو موقع مهم وخصوصية متميزة تتجاوز، من الناحية الفعلية والدور الاقتصادي، القطاع النفطي الى مجمل الاقتصاد العراقي. وفي هذا المجال ارى ان تتضمن وثيقة السياسة النفطية ما يلي:
1. توفير وضمان المرونة العملية الضرورية لشركة سومو مما يساعدها على القيام بمهمها “التسويقية” بشكل كفوء وفاعل وحسب متطلبات السوق وتغيراته من جهة والاهمية النسبية لمختلف انواع النفط المنتج (حسب درجة الكثافة ومحتوى الكبريت وغيرها) من جهة ثانية؛
2. عدم السماح لشركة سومو بالقيام بنشاطات خارج مهمتها التسويقية الاساسية بدون موافقة الحكومة والبرلمان. ومن اهم تلك النشاطات التي تتسم بعنصر المخاطرة او المضاربة او ما يمكن ان يترتب عليها خسائر او اعباء مالية او التزامات دولية هي “المتاجرة” و “التحوط” و “المشاركة في الارباح” و “امتلاك موجودات مادية خارج العراق”؛
3. الزام شركة سومو بجميع ضوابط ومتطلبات الشفافية والافصاح في كل نشاطاتها ونشر التقارير الشهرية بشكل تام ومنتظم للاطلاع عليها.
(3) قطاع تصفية النفط وتصنيع الغاز
يعاني قطاع التصفية وتصنيع الغاز من مشاكل عديدة لا بد من الحكومة الجديدة تشخيصها بدقة وتحديد ما ستقوم به لمعالجتها في وثيقة السياسة النفطية، وخاصة ان الدراسات والمعلومات الاحصائية تؤشر على وجود فجوة كبيرة ومزمنة بين كمية ونوعية المنتجات النفطية المنتجة محليا من جهة وانماط الطلب المحلى عليها مما يحتم على العراق استراد كميات كبيرة لسد العجز وذلك بسبب قدم المصافي والتكنولوجية المستخدمة. ومن اهم الشواهد على ذلك هو نسبة انتاج زيت الوقود التي بلغت خلال النصف الاول من هذا العام 45% من مجمل انتاج المصافي العراقية. ان اهم ما يجب ان تتضمنه وثيقة السياسة النفطية هي مجموعة من المؤشرات الكمية للشروع والاهداف والاجراءات التي على وزارة النفط القيام بها وكما يلي:
1- الكشف عن الطاقات التصميمية والطاقات التشغيلية الفعلية لكل من المصافي العاملة حاليا وتبيان نوعية وكمية جميع المنتجات النفطية المنتجة فيها (مؤشرات خط الشروع)؛
2- الكشف عن كمية ونوعية وقيمة كافة المنتجات النفطية المصدرة والمستوردة؛
3- تحديد حجم الطاقات التصميمية والطاقات التشغيلية للمصافي الجديدة التي سيتم انشائها خلال فترة الحكومة ونوعية وكمية جميع المنتجات النفطية التي ستنتجها هذه المصافي الجديدة (مؤشرات الهدف)؛
4- تلتزم الحكومة الجديدة بإكمال انشاء مصفي كربلاء خلال مدة ولايتها واعطاء هذا المصفى الاولية لإنجازه بأسرع وقت ممكن؛
5- تلتزم الحكومة بعدم احالة او قبول انشاء اي مصفى بطريقة الاستثمار لا تتوفر فيه-كحد ادنى- المواصفات الاوربية رقم 5؛
6- تمتنع الحكومة وبشكل مطلق عن شراء او المشاركة في شراء او بناء او المشاركة في بناء اي مصفى خارج العراق؛
7- تتعهد الحكومة بعدم السماح باي شكل من اشكال المنافسة بين وزارتي النفط والصناعة والمعادن في مجال الصناعات البتروكيماوية لان ذلك يسبب ضررا فادحا للاقتصاد العراقي وتبديدا للجهود والموارد المالية (كحالة مصفى الفاو الذي احيل بدون دراسات FEED وتأثيره على مشروع نبراس للبتروكيماويات). ولابد من التنسيق والتكامل بين الوزارتين وذلك للترابط العضوي بينهما؛ فوزارة النفط معنية بقطاع التصفية ووزارة الصناعة والمعادن معنية بالصناعات البتروكيماوية؛
8- انهاء عقد مصفى ميسان الاستثماري الذي احيل قبل عدة سنوات وبطريقة مشبوهة الى شركة ستاريم المفلسة ماديا والغير مؤهلة تقنيا وغير متخصصة من حيث الخبرة والتي لم تنجز لغاية تاريخه اي شيء!!
9- الكف عن التكرار الممل في اعادة اعلان العديد من المصافي بطريقة الاستثمار والتي لم يتم اعداد دراسات FEED لها (مثل مصافي واسط والديوانية والمثنى) دون نتيجة تذكر مما يدلل على عدم اهتمام المستثمرين الجديين بتلك المصافي. وعليه على الحكومة الجديدة عدم الانتظار والتعهد ببدء تنفيذ على الاقل احد المصافي التي دفع العراق ملايين الدولارات للعديد من الشركات الاستشارية الدولية لإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية و دراسات FEED لها. وبعكسه سيستمر العراق باستيراد المنتجات النفطية التي تقدر كلفتها السنوية بحدود ثلاثة مليار دولار.
10- حث شركة غاز البصرة على التسريع في تطوير طاقتها الانتاجية للوصول الى مستوى الانتاج المحدد في العقد وبما يتناسب مع زيادة الغاز المصاحب للنفط من حقول الرميلة وغرب القرنة1 والزبير؛ وهذا بدوره سيساهم في تقليل كمية حرق الغاز المصاحب من جهة وزيادة عوائد تصدير الغاز المسال والمكثفات التي تنتجها الشركة. وبما ان شركة غاز البصرة هي شركة مشتركة تمتلك الحكومة العراقية بواسطة شركة غاز الجنوب 51% من اسهمها لذا على وثيقة السياسة النفطية ان تحدد مقدار الزيادة في الطاقة الانتاجية لشركة غاز البصرة وتوقيتاتها الزمنية. كما يجب ان تقوم الشركة بنشر المعلومات المتعلقة بالمنتجات التي تم تسويقها محليا والتي تم تصديرها والعوائد المتحققة.
ثالثا: قانون النفط والغاز الاتحادي
توجد على الاقل اربع مسودات لهذا القانون اصبحت جميعها قديمة غير ممكنة التنفيذ حيث تجاوزتها العديد من التطورات الاساسية والمهمة. ولذا امام الحكومة القادمة بديلين: اما عدم طرح القانون او تقديم مشروع قانون جديد يختلف كليا وجذريا عن اي من صيغ القانون القديم. وفي حالة اختيار البديل الثاني فان تجربة العشر سنوات مع الصيغ الاربع اعلاه تشير ان هذا الامر يتطلب جهود مكثفة ومعقدة ولمدة طويلة وقد لا تنجح في النهاية.
رابعا: قانون شركة النفط الوطنية العراقية
اثبتت دعوى الطعن بهذا القانون التي قدمت الى المحكمة الاتحادية العليا من قبل مواطنين عراقيين ان اللوائح المقدمة (يوم 3 تشرين اول 2018) لهذه المحكمة من قبل كل من الوكلاء القانونيين لرئيس مجلس الوزراء ووزارة المالية تتوافق على عدم دستورية العديد من مواد هذا القانون مما قد يدفع المحكمة الاتحادية العليا الى قبول الطعن بالقانون. وهنا امام الحكومة الجديدة بديلين: اما صرف النظر كليا عن هذا القانون او تقديم مشروع قانون جديد يختلف جذريا وكليا عن القانون المطعون به.
ولكن الغريب وضمن تحرك مسبق لفرض الامر الواقع على الحكومة القادمة تم تعيين وزير النفط الحالي يوم 9 تشرين اول 2018 رئيس للشركة!!!!!
خامسا: العلاقة مع حكومة الاقليم
للعلاقة بين الحكومتين الاتحادية والاقليم تاريخ طويل ومعقد وصعب منذ عام 2003 ولحد الان. وفي ضوء الشواهد والمواقف المعروفة يتوقع ان تعمل الحكومة الجديدة على حل الإشكالات المتعلقة بالقضية النفطية مع حكومة الاقليم ولكن عليها ايضا الاصرار والمحافظة على المصلحة الوطنية العليا والتي اثيرت خلال السنوا ت الماضية ولازالت و يمكن ان تتلخص بما يلي:
1. عدم دستورية ومشروعية العقود التي وقعتها حكومة الاقليم مع مختلف الشركات النفطية الدولية (علما ان هذا الامر هو موضوع الدعوى المقدمة الى المحكمة الاتحادية العليا ضد حكومة الاقليم منذ عدة سنوات والتي تم تفعيلها مؤخرا ولازالت المرافعة قائمة لغاية تاريخه)؛
2. حصر كافة الصادرات النفطية بشركة سومو واعتبار اي تصدير للنفط الخام خارج سومو تهريب وتجارة غير شرعية (وهذا ما صرحت به رسميا كل الحكومات الاتحادية ومنها القائمة حاليا)؛
3. عدم تعامل سومو مع اي من شركات او ناقلات النفط التي تقوم بنقل وبيع النفط العراقي المهرب من خلال الاقليم (وهذا ما نفذته سومو فعلا)؛
4. عدم السماح مطلقا بسيطرة سلطات الاقليم على اي من الحقول النفطية والغازية التابعة لشركتي نفط وغاز الشمال (وهذا ما تحقق فعلا بعد اندحار داعش واعادة سيطرة السلطة الاتحادية على كركوك في نهاية العام الماضي)؛
5. عدم السماح لسلطات الاقليم بالقيام (او الاتفاق مع الشركات الاجنبية) باي نشاط استكشافي او تطويري في المناطق المشتركة او المتنازع عليها (وهذا موقف معلن للحكومة الاتحادية)؛
6. عدم قيام وزارة النفط بالتعامل مع اية شركة نفط اجنبية تقوم حاليا او مستقبليا باي نشاط استكشافي او تطويري في الاقليم (لا زال هذا المنع ساري المفعول رغم قيام وزير النفط الحالي بمخالفته لصالح شركة اماراتية لأسباب لابد من التحقيق فيها رسميا)؛
7. استمرار وزارة النفط بدعوى التحكيم الدولي التي قدمت الى غرفة التجارة الدولية باريس ضد الشركات والحكومة التركية لمخالفتيهما الاتفاقيات الدولية الموقعة بين البلدين وخاصة تلك المتعلقة بخط انبوب نفط كركوك-جيهان (والتي تقدر وزارة النفط العراقية انها ستكسب الدعوى وبتعويض مالي كبير)؛
8. الزام حكومة الاقليم بتنفيذ المواد المذكورة في قوانين الموازنة الاتحادية منذ عام 2004 والمتعلقة بتسويات مستحقات تسليم عوائد تصدير النفط وغيرها من قبل حكومة الاقليم الى وزارة المالية الاتحادية (وهذا ما ذكر في قوانين الموازنة السنوية وتقرير تفصيلي لديوان الرقابة المالية الاتحادي)؛
9. ان مظاهرات المواطنين في البصرة والمحافظات الجنوبية المنتجة للنفط لن تسمح للحكومة الاتحادية بإعطاء الاقليم اكثر من استحقاقاته على اساس نسبة السكان وعلى اساس تسليم كافة النفط المنتج في الاقليم الى الحكومة الاتحادية وما يصدر منه يكون من خلال شركة سومو (رفعت لافتة كتب عليها “نفط البصرة للبصرة”!!!!!)؛
10. واخيرا، لا يمكن ولا يجب ان يتحمل العراق كافة اعباء قرارات الاوبك عند تخفيض الانتاج حيث يفترض ان علاقة العراق مع الاوبك لها، او يجب ان يكون لها، اهمية ودور في السياسة النفطية للحكومة الجديدة.
ولكن في المقابل توجد العديد من العوامل والاعتبارات التي قد تقود الى الاعتقاد بعدم قيام الحكومة الجديدة بتنفيذ او النجاح في المهمة اعلاه ومنها:
1. دور ما يعرف “بالشخصيات الوازنة والمؤثرة” في الوضع السياسي الداخلي وفي العلاقة بين الحكومتين. فمثلا اذا تسلم عادل عبد المهدي رئاسة الحكومة فان مواقفه (كصديق للشعب الكردي كما قال مسعود البرزاني) وطروحاته المعروفة تتناقض وتتعارض مع ما ذكر اعلاه؛
2. لازالت الانتخابات في الاقليم التي اجريت قبل عدة ايام مجال خلاف ومعارضة وتشكيك كبير في شفافيتها ومصداقيتها مما يعني عدم الاقرار بنتائجها والذي سينعكس حتما على كل من برلمان وتركيبة حكومة الاقليم؛
3. ان انتخاب رئيس جمهورية العراق قد عمق من شرخ الخلافات وتوتر العلاقات ضمن “البيت الكردي” وقد يدفع حكومة الاقليم (التي تسيطر عليها عائلة البرزاني) الى تصلب مواقفها مع الحكومة الاتحادية؛
4. لازالت مشكلة شفافية ومصير عوائد تصدير النفط تلاحق حكومة الاقليم رغم التقارير “الشكلية” التي تم توقيت اصدارها قبل الانتخابات في الاقليم؛
5. تراكم ديون حكومة الاقليم وممارسات “ارتهان” عوائد النفط المستقبلية التي اوقعت الاقليم في “مصيدة المديونية”؛
6. ان تحسن اسعار النفط الدولية قد تشعر حكومة الاقليم بانخفاض وطأة “الضغط المالي” عليها مما يقلل حاجتها لسرعة حسم المسائل المعلقة والمذكورة اعلاه مع الحكومة الاتحادية.
سادسا: تراجع الشفافية في القطاع النفطي
بما ان وثيقة السياسة النفطية تغطي العديد من المواضيع وتتضمن مجموعة كبيرة من مؤشرات الاهداف التي يمثل انجازها اهم معايير تقييم الحكومة، فان ذلك يحتم على الوثيقة تبني وتحديد كافة المعايير الكمية والوصفية للشفافية المعمول بها في الصناعات الاستخراجية وفي بقية نشاطات الصناعة النفطية واعتبار كل ذلك التزام قانوني على وزارة النفط تنفيذه بشكل تام.
ان اهم معايير الشفافية هو نشر المعلومات الدقيقة والكاملة وبأوقات زمنية محددة ودورية والتي تتعلق بنشاطات وانجازات وعقود ومفاوضات كافة الهيئات والدوائر والشركات التابعة لوزارة النفط والشركات الاجنبية المتعاقد معها وحسب المعايير المعمول بها دوليا. وان تلتزم الوزارة بمتابعة ما يترتب على نشر تلك المعلومات من اراء ودراسات وتقارير.
سابعا: مشكلات الفساد في القطاع النفطي وتهريب النفط
ليس من جديد القول بان الفساد اصبح ظاهرة مستشرية وممأسسة في العراق وفي وزارة النفط حيث يوجد عدد كبير جدا من الاتهامات الصريحة او المبطنة وفي بعض الاحيان تذكر الاسماء بل وحتى المبالغ التي تشير الى تورط كبار المسؤولين في الوزارة. ولكن الغريب انه لم يقم اي مسؤول في الوزارة او شركاتها وممن وجهت لهم تهمة او شبهة الفساد باتخاذ اجراء قانوني ضد من وجه التهم.
كذلك تكاثرت حالات التجاوز على خطوط انابيب النفط والمنتجات النفطية وبروز ظاهرة “تهريب النفط” وخاصة في محافظة البصرة واشير كذلك الى تورط مسؤولين رسميين في هذه الظاهرة.
وبسبب الآثار السلبية والكارثية لمختلف اشكال الفساد وتهريب النفط على هذا القطاع وعلى الاقتصاد الوطني فان على وثيقة السياسة النفطية للحكومة الجديدة ان تتخذ موقفا حاسما وواضحا وشديدا لمكافحة والقضاء على هذه الظواهر السلبية وتشخيص الوسائل والمؤشرات التي ستستخدمها لإثبات انجاز تعهداتها.
ثامنا: العلاقة العضوية بين السياسة النفطية والسياسة الاقتصادية والتنموية للحكومة
بسب هيكلية الاقتصاد العراقي المعتمد الى حد كبير، ان لم يكن كليا، على القطاع النفطي فان للسياسة النفطية التأثير الفعال على السياسة الاقتصادية التنموية للبلد ككل. فإعادة الاعمار وتسديد الديون وتوفير الخدمات والمتطلبات الاساسية التي عجزت الحكومات السابقة عن توفيرها يتطلب من الحكومة الجديدة التنسيق الكامل والمتكامل بين هذه السياسات.
ولكن بسبب كون خطة التنمية الوطنية 2018 -2022 هي، كسابقاتها، إسترشادية وليست ملزمة التنفيذ في حين ان البرنامج الحكومي ملزم وستقيم الحكومة بضوء تنفيذه، فان الامر سيتوقف على تفاصيل البرنامج الحكومي ومدى تناسق وتناغم مختلف السياسات والادوات والجهات التي سيعتمدها البرنامج.
تاسعا: تجنب استنساخ ما ورد في برنامج الحكومة الحالية الذي ركز فقط على “زيادة انتاج النفط والغاز لتحسين الاستدامة المالية” وبعبارات عامة مقتضبة بدون مؤشرات كمية يمكن استخدامها لقياس الانجاز. في حين ان مهمة الحكومة الجديدة –كحكومة توفير الخدمات – تفترض، كما ذكر اعلاه العديد من الاهداف والمهمات التي تتعهد الحكومة الجديدة بتنفيذها ومؤشرات التنفيذ والتحقق منها.
وفي نفس الوقت لا يجب ان ينظر الى العراق كحقل تجارب للأفكار الطوباوية وغير المدروسة بعمق وغير المجدية اقتصاديا واجتماعيا والابتعاد عن الطروحات والممارسات الشعبوية؛ فمظاهرات المحافظات الجنوبية تشير بوضوح الى خطورة الموقف.
عاشرا: الدور المهني المتخصص للخبراء النفطيين والاقتصاديين العراقيين
في ضوء اهمية السياسة النفطية وتأثيرها الفعال على الاقتصاد العراقي تقع على عاتق جميع المخلصين والحريصين على مصلحة الوطن وحسن استخدام ثروته النفطية وخصوصا الخبراء والمختصين النفطيين والاقتصاديين بالتكاتف والوقوف بحزم وقوة بوجه كل محاولات الاضرار بالمصلحة العليا للشعب العراقي.