العدالة الاجتماعية المفقودة
ابراهيم المشهداني
في العراق حيث يكون الريع النفطي احد اهم العوامل التي تتسبب في غياب العدالة الاجتماعية نتيجة سوء الادارة الاقتصادية في التصرف بتوزيع العوائد النفطية والتخبط في استثمارها خارج قطاع الانتاج الامر الذي ادى الى تبديد هذه الثروة باتجاه قطاع الاستهلاك وفي نفس الوقت اتساع ظاهرة الفساد وتوسيع الفجوة بين طبقات المجتمع بظهور فئة قليلة تسيطر على الجزء الاكبر من الثروة والفتات لبقية طبقات المجتمع.
ويعتبر موضوع تخصيص العوائد النفطية من اهم المواضيع الحساسة المثيرة للجدل على المستوى الوطني والسياسي والاجتماعي في العراق وعلاقة ذلك بالاقتصاد السياسي والتركيب الاداري في الدولة وخاصة فيما يتعلق الامر بتوزيع هذه العوائد بين الاقليم والمحافظات ولطالما اثار هذا الموضوع اختلافات عاصفة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم وما زالت الاجتهادات والتوافقات خارج الدستور هي سيدة الموقف في خلق اجواء سياسية متوترة نتيجة غياب التشريعات الناظمة لإنتاج وتوزيع الثروة النفطية.
ان التخبط في السياسة الاقتصادية المرتكزة على الاعتماد التام على الثروة النفطية قاد من بين مخرجاتها الى الاختلال في القطاعات الاقتصادية وخاصة الانتاجية والخدمية وظهور جهاز اداري متضخم تزيد اعداد العاملين فيه اضافة الى المتقاعدين عن 5.200 مليون موظف ومتقاعد يتوزع عدد كبير من الموظفين على وظائف غير مجدية تقدر رواتبهم بحدود 70 تريليون دينار الامر الذي يؤدي الى استقطاع الجزء الاكبر من الموازنات السنوية، تقابل ذلك نسبة عالية من العاطلين عن العمل او ممن يتقاضون رواتب متدنية لا تتناسب مع مستوى تكاليف المعيشة السائد.
وتبين الاحصاءات الرسمية ان نسبة السكان تحت خط الفقر تزيد على 30 في المائة وفي بعض المحافظات تزيد على 40 في المائة اي تقترب من النصف من عدد السكان فيما تزداد نسبة البطالة لتشكل ارقاما مخيفة وخاصة بين الشباب والخريجين وهذ يعني تعطيلا للطاقات البشرية التي تشكل عنصرا مهما في عمليات التنمية الغائبة حاليا.
ان السبب الجوهري في غياب العدالة الاجتماعية في العراق يعود قبل اي شيء آخر الى السياسات النيو ليبرالية التي فرضت على العراق بعد التغيير في عام 2003 من خلال تفكيك دور الدولة في الاستثمار الاقتصادي التنموي المباشر وغياب التأمين الاجتماعي الذي لم يحققه نظام البطاقة التموينية المطبق حاليا والاخذ بالتراجع بشكل خطير، وتدهور الخدمات استنادا الى عقيدة جامدة تعتبر القطاع الخاص كمحرك وحيد للاقتصاد وحرية السوق هما الكفيلان بتحقيق المعجزات.
ان الخروج من النفق المظلم الذي يمر به الاقتصاد العراقي المغيب للعدالة الاجتماعية يتطلب اتباع سياسات اقتصادية واجتماعية مختلفة جذريا هدفها العدالة في الحقوق، يتمثل الجزء الاول منها في التوزيع العادل للثروة بمنح الاولوية فيها لتحسين اوضاع الفئات المحرومة او واطئة الدخل والمناطق المهمشة وتنميتها، والجز الآخر يتمثل بفرض نظام ضريبي تصاعدي يسهم من خلاله المجتمع بدرجات متفاوتة بتعظيم الموارد وهذا بدوره يسهم في تمويل عمليات الاعمار للمدن التي خربها الارهاب وتوفير الخدمات المتردية بمختلف انواعها لإشباع حاجة الجماهير الغاضبة.
ان تحقيق هذين الشرطين في تأمين العدالة الاجتماعية يتطلب منظومة من الاجراءات التي ورد جزء منها في البرنامج الحكومي المعلن الذي صوت عليه مجلس النواب مؤخرا مقترحين الآتي:
1. رسم سياسة اقتصادية استراتيجية تقوم على اساس التوظيف العقلاني للموارد النفطية في تنشيط قطاع الانتاج والاستثمار سبيلا لتهيئة فرص العمل للموارد البشرية العاطلة. واصدار قانون التأمينات الاجتماعية للعاطلين. كتوجه للخلاص من الطابع الريعي للاقتصاد.
2. انشاء صندوق سيادي للأجيال القادمة كما موجود في البلدان النفطية ومنها الكويت من اجل مواجهة التقلبات في اسعار البترول خاصة وانها سلعة عالمية تتأثر بالكثير من المتغيرات بما فيها الازمات الاقتصادية للبلدان المستهلكة للنفط.
3. تفعيل قانون النفط والغاز المعطل منذ عشر سنوات من اجل وضع القاعدة الصلبة لسياسة بترولية تشمل الصناعة النفطية بمعناها الاشمل ووضع حد للاختلافات المتعسرة بين المركز والاقليم.