الاقتصادية

العراق بين السياسة والاقتصاد

العراق بين السياسة والاقتصاد

العراق بين السياسة والاقتصاد

عبد الرزاق الصافي

2011 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية

منذ اكتشاف النفط وامكانية استثماره اقتصادياً في اوائل القرن الماضي،ارتبط موضوع النفط العراقي بالسياسة وبمن يسيطر على مجرياتها في العراق.
فمن المعروف ان ولاية الموصل، وهي احدى ولايات العراق ايام الحكم العثماني ، التي تقع فيها كركوك الغنية بالنفط، كانت من حصة فرنسا ، وفقاً لإتفاقية سايكس بيكو التي تقاسم فيها الاستعماريون الإنجليز والفرنسيون البلدان العربية التابعة للامبراطورية العثمانية .
غير ان الانجليز احتلوا الولاية بعد احتلالهم بغداد في نهاية الحرب العالمية الاولى ، وخاضوا الصراع للإحتفاظ بها تحت سيطرتهم . وعندما فرضواانتدابهم على العراق ، بعد قمعهم ثورة العشرين الوطنية ، استخدموا ورقة ولاية الموصل ، وهل تضم الى العراق ام تلحق بتركيا التي كانت تطالب بها ، وذلك لإجبار الحكومة الاهلية التي اقاموها ، لفرض اعطاء امتياز استثمار النفط بشروط مجحفة للشركة البريطانية . ولم يسمحوا بتشريع الدستور العراقي في العام 1925قبل ان يحصلوا على الامتياز المذكور ، إذ وضعوا مادة في الدستور تقول ان كل القرارات والقوانين والإتفاقيات الصادرة عن السلطات البريطانية العسكرية والحكومة العراقية قبل اقرار الدستور لا تخضع للتعديل او التبديل او الالغاء. ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم ارتبط موضوع النفط بالسياسة في العراق.
وعندما افلح الدكتور محمد مصدق في تأميم النفط الايراني في اوائل خمسينات القرن الماضي ، كان لذلك تأثير كبير على الوضع في العراق ، إذ طالبت الحركة الوطنية العراقية بتأميم النفط العراقي وتقدم عشرون نائباً في البرلمان بطلب تشريع قانون بتأميم النفط. الامر الذي اضطر الفئة الحاكمة على المطالبة بتحسين شروط الامتياز الذي تتمتع به الشركة البريطانية (برتش بتروليوم)وزيادة عائدات العراق النفطية . وقد تحقق ذلك في اتفاقية مناصفة الارباح في العام 1952مع الشركة.
وكان موضوع النفط من بين اهم الموضوعات التي شغلت حكومة ثورة الرابع عشر من تموز(يوليو)1958بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم،التي خاضت مفاوضات صعبة مع شركات النفط وافلحت ، بفضل ما كانت تحظى به من دعم شعبي كبير،في انتزاع 99،5% من اراضي العراق التي كانت خاضعة للامتياز بموجب القانون رقم 80 لسنة 1960 واسست شركة النفط الوطنية ، مما اغاض الشركة الاستعمارية ومن ورائها حكوماتها المعادية للثورة ، وحملها على الاسهام الجدي في التآمر على حكومة عبد الكريم قاسم واسقاطها في حمام الدم الكبير في انقلاب شباط/فبراير 1963.
وفي العام 1972 استطاعت الحكومة العراقية تأميم النفط. وكان ذلك عاملاًمهما في زيادة واردات النفط، بفضل التأميم وارتفاع اسعار النفط عالميا ، اي مضاعفة هذه الواردات ووصولها في العام 1980 الى نحو اربعين ضعف ما كانت عليه في العام 1970. الامر الذي وفر للعراق موارد ضخمة مكنته من تأمين احتياطي نقدي مقداره سبعة وثلاثين مليار دولار امريكي في عام 1980 بددها نظام صدام في حربه ضد ايران ، الموحى بها من الدوائر الامبريالية والرجعية ، الحرب التي دمرت الاقتصاد العراقي. ومن ثم غزوه الغادر للكويت الذي دمر الجيش العراقي واجهز على بقايا التضامن بين الدول العربية وسبـّب الحصار الجائر الذي استمر ثلاثة عشر عاما ً واكمل تدمير الإقتصاد والعودة بالعراق عشرات السنين الى الوراء.
واليوم بعد ما يزيد عن ثماني سنوات على اسقاط النظام السابق ،عن طريق الغزو الامريكي البريطاني ، مايزال موضوع النفط واحداً من العقد الكبرى في السياسة العراقية . إذ لم تستطع النخب السياسية المتحكمة بالعملية السياسية من اقرار قانون النفط والغاز وانهاء المشاكل المتعلقة بهذا الموضوع بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان . وظل الانتاج اليومي يراوح عند ما كان عليه قبل الغزو. وجرى ويجري اطلاق الوعود بزيادة الانتاج الى حد 12 مليون برميل يومياً بعد ابرام عقود مع الشركات النفطية العالمية، خلال بضع سنوات . ثم جرى التخلي عن هذا الادعاء وخفضه الى ستة ملايين برميل يومياً في العام 2014.وهو انجاز كبير لوتحقق فعلاً. الامر الذي يشكك به خبراء النفط بسبب الظروف الحالية والمتوقعة . ويقول الخبراء ان المشكلة لا تكمن في امكانية انتاج كميات ضخمة من النفط نظراً الى الجيولوجيا الواعدة في العراق . وهو امر سبق لوزارة النفط ان خططت له في العام 1990 ، غير ان غزو الكويت والنتائج الكارثية التي اعقبته منعت تحقيقه . ويشير الخبراء النفطيون بهذا الصدد الى صعوبة تحقيق الاهداف الطموحة بسبب فقدان العراق البنية التحتية اللازمة من مضخات وانابيب وخزانات لاستيعاب كميات النفط الجديدة المزمع انتاجها ، التي يتوجب على الحكومة العراقية تأمينها ،وهو ما يقرُّبه مسؤولون في وزارة النفط . كما تجري الاشارة الى الضعف الذي تعانيه الاجهزة الفنية والادارية لوزارة النفط . الامر الذي يصعـّب اشراف هذه الأجهزة على تنفيذ العقود الضخمة التي جرى عقدها مع الشركات الاجنبية .
واهم من هذا كله هو كيف ستتم الاستفادة من الموارد النفطية الضخمة المتوقعة في ظل الفساد المستشري في اجهزة الحكومة . ويؤكد الخبراء ان تشييد صناعة نفط ضخمة يتطلب تحقيق الاستقرارواستقطاب اكبر عدد ممكن من الخبراء العراقيين الذين اضطروا الى الهجرة من العراق بسبب الاوضاع غير الطبيعية التي سادت العراق ولاتزال منذ الغزو الامريكي البريطاني قبل ثمان سنوات حتى الآن.
اكتب هذه الأسطر بهذه الصيغة غير المتفائلة بسبب تفاقم الصراعات اللامبدئية بين النخب الحاكمة والتهاتر في البيانات بين اقطابها وصولاً الى اعلان العزم على رفع الدعاوى المتبادلة بينهم امام القضاء .

زر الذهاب إلى الأعلى