القانونية

العراق بين الفصل السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة

العراق بين الفصل السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة

العراق بين الفصل السادس والسابع من ميثاق الامم المتحدة

محمد حسن السلامي

2013 / 6 / 12

العراق بين الفصل السابع والسادس من ميثاق الامم المتحدة
لقد كان التهور السياسي والحربي للنظام السابق سمة دائمة عبر سنوات الحكم خاصة بعد تولي صدام حسين الرئاسة في تموز سنة 1979؛ كما هو معروف فإن المناشدات ودعوة العديد من الرؤساء باستقالة راس النظام سنة 2002 والتي لم يصغ لها ؛ فوقعت حرب التحرير او الاحتلال 2003، كذلك فإنه قد سبق لصدام حسين ان صم اذنه للنداءات التي دعته الى الانسحاب من الكويت قبل عمليات حرب تحرير الكويت سنة 1991؛ فدخل العراق والكويت في جحيم حرب ما زالت آثارها تنتشر في المنطقة . حيث ان نتائجها السياسية ،العسكرية ،الاقتصادية ، الاجتماعية وحتى الشخصية متواصلة داخل العوائل العراقية او الكويتية . ومن آثار عدم الانسحاب وتسوية النزاع الكويتي العراقي حينها سلميا ان اصبحت المشكلة العراقية دولية تتجاذبها القوى العسكرية والسياسة عالميا داخل او خارج اروقة الامم المتحدة . فتناسلت قرارات المنظمة الدولية مما دعى مجلس الامن الى اصدار سنة 1990 بحدود14 قرار وسنة 1991بحدود 11 قرارا كان اغلبها مساعدا في انهاك مقومات حياة الشعب العراقي والدولة ذاتها ، وقد يكون قرار مجلس الامن الدولي المرقم 688 الصادر في 15-4-1991 الوحيد الذي انتبه الى وضع حقوق الانسان المزرية فانصف الشعب بدعوته الحكومة العراقية الى احترام حقوق الانسان بعد مجازر انتفاضة الشعب في آذار /شعبان 1991 . إذ جاء في مقدمة القرار ما يلي (( إذ يساوره شديد القلق من القمع الذي يتعرض له السكان المدنيون العراقيون )). إن القرارات التي اوردنا مجمل اعدادها آنفا قد اتخذت وفقا للفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة .
الان وبعد مرور23 عاما على كارثة الغزو و22عاما على الحرب التي اخرجت القوات العراقية بعد احتلالها للكويت ، ونتيجة التهور والرعونة تم دخول القوات الامريكية وفق قرارات دولية الى الخليج … والجديد خلال الايام القليلة الماضية ان الحديث عن دراسة نقل الملفات المتبقية عن تلك الكارثة الى الفصل السادس بعد أن تصرف واتخذ مجلس الامن القرارات ارتباطا بالفصل السابع في سنوات 1990-1991 وما بعدها كما ذكرنا .
فما هي مضامين الفصل السادس و السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي يحتوي على 19 فصلا ومجموع 111مادة عدا المواد المتعلقة بمحكمة العدل الدولية الملحقة به ، علما ان الميثاق قد تم التوقيع عليه في 26-6- 1945 اي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة في 9-5-1945، ومن جانب آخر ما هي الاثار المترتبة عن ذلك بالنسبة للعراق .
السلم والامن الدولي مضمون اساس في الميثاق
عند الاطلاع على الفصل الاول نجده يحتوي على 4 فقرات تتمحور حول مضمون الفقرة الاولى منه التي تنص على (( حفظ السلم والامن الدولي …. وتقمع اعمال العدوان ))، ((انماء العلاقات الودية بين الدول)) ،(( تحقيق التعاون الدولي ….)) . ان هذه المباديء التي انشأت المنظمة العالمية على اساس تحقيقها هي طموح البشرية ايضا وقد تم انتهاكها وببشاعة وشمولية عالمية بشن مئات الحروب داخلية كانت ام خارجية وبمبتكرات تجار السلاح ؛ فماذا يمكن للامم المتحدة ان تقوم به عند حصول عدوان او تهديد للسلم والامن في منطقة معينة ؟
لقد بينت المادة 24 من الفصل الخامس تعهد اعضاء المنظمة الدولية تخويل مجلس الامن ((يعهد أعضاء تلك الهيئة الى مجلس الامن بالتبعات الرئيسية في امر حفظ السلم والامن الدوليين)) أما الفقرة الاولى من المادة 11من الفصل الرابع والتي تختص بتأليف ومهام وسلطات الجمعية العامة فنصت على (( للجمعية العامة ان تنظر في المباديء العامة للتعاون في حفظ السلم والامن الدولي)) ولم تكتف بذلك بل اشارت الى موضوع نزع السلاح وتنظيم التسلح التي هي ادوات الحروب والكوارث حيث تقوم بتشجيعها كارتلات تصنيع وتجارة السلاح عبر الاقاليم او العالم .
كذلك الفقرة الثانية اعطت الحق لاية دولة حتى وان لم تكن عضوا في الامم المتحدة ،ان تدعو الجمعية العامة الى مناقشة موضوع الحفاظ على السلم والامن الدولي . ويمكننا استخلاص مباديء هامة عالجها الفصل الرابع تستكمل الاهتمام بمسارات تناول الميثاق لوقوع مخاطر على السلم والامن الدوليين وهي:-
1- احقية مناقشة اية مسألة تتعلق بما اورده الميثاق من اهتمامات ،مباديء ,افكار وقيم دولية .
2- للجمعية العامة أن تناقش مباديء التعاون الدولي فيما يخص خطط السلم والامن وكل ما يتعلق بالسلاح .
3- ليس فقط من حق الدول الاعضاء في المنظمة الدولية طرح مسائل حفظ السلم والامن والتنبيه الى المخاطر عليها ، بل يمكن لاية دولة غير عضو فعل ذلك .
4- لمجلس الامن الدولي رفع اية مسألة تخص السلم والامن الى الجمعية العامة للمناقشة .
5- للجمعية العامة تقديم وجهة نظرها الى مجلس الامن عند احتمال تعرض السلم والامن للتهديد في منطقة ما من العالم .
6- احقية الجمعية العامة تقديم التوجيهات الى الدولة المعنية او مجموعة دول ذات علاقة ، كذلك تقديمها الى مجلس الامن ايضا او جميعهم .
إذاً فإن الميثاق قد وضع وظائف واختصاصات للمنظمة الدولية وجعل لها هياكل ووكالات يترابط عملها بموضوع استتباب السلم والامن والاستقرار العالمي ، عبر المناقشة واتخاذ التوصيات . وقد يتسائل المرء عن الاجراءات التي رسمت للمنظمة الدولية لمعالجة النزاعات المسلحة بين الدول في اية منطقة من العالم !؟ او وقوع عدوان او غزو كما حصل من قبل القوات العراقية على الكويت او العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 ، محاولة الغزو على جزيرة كوبا 1961…وغيرها .
المسار الاول :
حل النزاعات سلميا
صحيح ان ميثاق الامم المتحدة وفي مواد متفرقة تؤكد موضوعة عدم تهديد السلم والامن الدولي ، ابتداءا من المادة الاولى فقرة 1 ضمن عنوان الفصل مقاصد المنظمة الدولية وتناسقا مع مبدأ حفظ السلم جعلت المنظمة الدولية ضمن اهدافها بنص ثابت (انماء العلاقات الودية بين الامم وتحقيق التعاون الدولي ، فض جميع المنازعات الدولية بالوسائل السلمية ،الامتناع عن التهديد باستعمال القوة او استخدامها ….)
غير ان هذه المباديء ولاسباب مختلفة تخترق ويتم رميها في محرقة اللهيب الذي يتصاعد من الحروب والعدوان او القتال المسلح ؛ لذلك بين الفصل السادس سبلا محددة لحل هذه النزاعات قبل او خلال وقوعها وفق الاساليب السلمية بما فيها تدخل محكمة العدل الدولية برضاء الاطراف او تدخل مجلس الامن وفق توصيات لحل النزاع سلميا .
ان الفصل السادس الذي يحتوي على 6 مواد 33الى38 رسمت طريق الحلول السلمية وهي ( وجوب البدأ بطريق المفاوضات – التحقيق في النزاع واسبابه وفق المعايير الدولية او الاتفاقات المعقودة بين الاطراف – اتخاذ الوساطات – التوفيق بين الاطراف – التحكيم – التسوية القضائية – اللجوء الى الوكالات الدولية اوالتنظيمات الاقليمية ) كل ذلك حينما تتفق الاطراف المتنازعة على اتخاذ احدى او عدد من الوسائل المذكورة لتجنب تحويل الصراع الى نزاع مسلح او ايقاف القتال من اجل العودة الى السلم وارساء الامن ، وفي نفس الوقت فإن الفقرة الثانية من المادة 33 منحت الحق لمجلس الامن دعوة اطراف النزاع الى تسوية نزاعهم بالطرق السلمية المذكورة او غيرها لتجنب تفاقم الصراع وتحوله الى قتال مسلح في حالة عدم اتفاق الاطراف فيما بينهم على التسوية السلمية ذاتيا .
بعد ان اوجبت المادة 33 على الدول المتنازعة اتباع توصيات مجلس الامن لحل النزاعات بالطرق السلمية ، فإن المادة 34 منحت مجلس الامن حق فحص اي موقف او نزاع قد يؤدي الى احتكاك دولي ويثير نزاعا ، عند ذلك عليه ان يقرر ما إذا كان استمرار النزاع او الموقف يعرض السلم والامن الدوليين للخطر ، لذلك بينت المادة 36 من نفس الفصل حق مجلس الامن الايصاء بما يراه مناسبا من الاجراءات وطرق التسوية في اي مرحلة من النزاع مع الاخذ بنظر الاعتبار ما اتخذ من اجراءات لحل النزاع القائم من قبل الاطراف المتنازعة او غيرها ، ولا بد من ذكر ان الفقرة الثالثة من المادة 36 قد افردت ضرورة توصية مجلس الامن الى الاطراف المتنازعة باتباع اجراءات محكمة العدل الدولية في حالة كون النزاع قانوني .
اما في حالة اخفاق المتنازعين التوصل الى التسوية السلمية فلا بد من اتباع المادة 37 التي توجب عرض النتائج على مجلس الامن . في هذه الحالة وعند قبول الاطراف نظر مجلس الامن في النزاع فله حق تقديم توصياته الى الاطراف المتنازعة عن موضوع النزاع وتطوره (المادة 38).
المسار الثاني :-
النزاع المسلح – الفصل السابع
كثيرا ما يتم الحديث عن البند السابع والمقصود به الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ، حيث يتألف من 13 مادة تبدأ بـ39 وتنتهي بـ51 والحديث يتأتي من ان النزاعات الدولية عندما لا يتم تسويتها عبر الطرق السلمية كما عرضناها حسب الفصل السادس ، لذلك فإن تهديد السلم العالمي لا بد من معالجته من قبل المنظمة الدولية والتحول الى تطبيق نصوص الفصل السابع وقد تفرض عقوبات شديدة بموجبه قد تصل الى شن عمليات حربية من قبل قوات دولية ضد دولة قامت بالعدوان مثلا – وهنا لا نتطرق الى وقائع إساءة استخدام بعض الدول المتنفذة في مجلس الامن لمباديء واجهزة المنظمة الدولية لتنفيذ سياستها الخارجية لاهداف اقتصادية او سياسية او عسكرية ستراتيجية كونية – مع اعترافنا بحصولها.
ان مفتاح هذا الفصل وخطورته تظهر عند مطالعتنا المادة 39 التي تنص (( يقرر مجلس الامن ما اذا كان قد وقع تهديد للسلم والاخلال به او كان ما وقع عملا من اعمال العدوان )) (( ويقدم توصياته او يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقا لاحكام المواد 41و42 لحفظ السلم والامن الدوليين او اعادته الى نصابه )) من النص الانف الذكر يتبين مرتكزين 1- إقرار مجلس الامن وقوع تهديد للسلم او وقوع عدوان 2- اتخاذ الاجراءات طبقا للمواد 41و42
قبل التطرق الى المادتين المذكورتين اعلاه لا بد من المرور على مضمون المادة 40 حيث انها تستبق الاجراءات او التوصيات التي يمكن لمجلس الامن اتخاذها حول النزاع الذي يهدد السلم والامن ، اذ تدعو المادة 40 الى ضرورة اتخاذ اجراءات مؤقتة مثل دعوة المتنازعين الى المثول للتوصيات التي يقدمها مجلس الامن لهم قبل تفاقم تهديد السلم واستمرار العدوان ، وهي غير الاجراءات التي يقوم بها مجلس الامن وفق المواد 41 و42 . وعند التسليم بهذه التوصيات وتنفيذها يمكن تجنب الاجراءات التي سوف تفرض وفق المادتين المذكورتين اعلاه .
غير ان المادة التالية 41 منحت مجلس الامن حق اتخاذ القرارات المؤثرة والفعالة ضد النزاع او احدى البلدان المتنازعة وهذه الاجراءات او العقوبات بمعنى اخر تشمل الجوانب الاقتصادية والدبلوماسية او الاتصالات والمواصلات او العلاقات الدولية كليا او جزئيا وبالتالي لا بد من التزام الدول بتنفيذ فرض العقوبات من قبل الدول الاعضاء وحتى غير الاعضاء في الامم المتحدة ، وهذا ما حصل ضد كوبا في السنوات السابقة من حصار اقتصادي وبالنسبة للعراق سنوات 1990-1991 بسبب غزو الكويت من حصار اقتصادي بشع اضر الشعب العراقي دون النظام الدكتاتوري . وغيرها من الدول ايران سوريا …
فإذا ارتأى مجلس الامن ان العقوبات والتدابير وفق المادة 41 من الفصل السابع (( لا تف بالغرض ، او ثبت انها لم تف به ، جاز له ان يتخذ بطريق القوات الجوية او البحرية او البرية ما يلزم لحفظ السلم والامن الدولي او لاعادته الى نصابه )) المادة 42.
ولكي تتمكن القوات الدولية من اداء مهامها حسب المواد 41و42 لا بد من تكوين القوات المسلحة من عديد من الدول المساهمة والتنسيق بينها وتشكيل قيادة اركان ووضع الخطط الحربية وتقديم الدول التسهيلات اللوجستية ، الطرق البرية والبحرية والاجواء الاقليمية …. الخ كل تلك القضايا تم تنظيمها وفق المواد من 43 الى 51 من الفصل السابع . من ذلك تتبين خطورة الفصل هذا حيث تخضع له بعض الدول التي تهدد السلم والامن او تقوم بعدوان على دول اخرى حسب قرارات مجلس الامن التي يتخذها ، فتكون اجراءات مجلس الامن على شكل عقوبات مؤثرة وفعالة اقتصاديا ، دبلوماسيا وسياسيا وحتى عسكريا .
الاستنتاجات
ان ما اوردته في الايام السابقة بعض الوكالات الخبرية ونشر في بعض المواقع الالكترونية او الصحف عن تصريحات السيد مارك ليال غرانت سفير المملكة المتحدة في المنظمة الدولية – الذي تترأس بلاده مجلس الامن حاليا – ، من ان الشهر المقبل ستناقش الامم المتحدة تحويل ملفات العقوبات المتبقية على العراق من الفصل السابع الى الفصل السادس ، اننا نجد ذلك له اهمية من زوايا عديدة اهمها :-
1- ان العراق لم يعد دولة تهدد السلم والامن الدولي
2- ان العقوبات التي فرضت على العراق تحت مواد الفصل السابع قد تم ابدال طبيعتها بعد ان اوفى العراق معظم التزاماته الدولية بموجب القرارات التي اتخذت من قبل مجلس الامن بالاخص سنتي 1990و1991
3- ان تحويل هذه الملفات الى الفصل السادس يعني من جملة ما يعنيه ان النزاع السابق كان بين يدي مجلس الامن قد اصبح بين يدي الدولتين العراق والكويت مع متابعة مجلس الامن للملفات المتبقية .
4- ان كافة الملفات العالقة تحكمها مفاعيل الحلول السلمية ما بين الدوليتن وهي قابلة للتسوية وفق مباديء الفصل السادس التي ذكرناها سابقا واصبحت اساسا لحل ما تبقى من ملفات مثل الوثائق والارشيف الكويتي والمفقودين الكويتيين او باقي الديون على العراق … .
واخيرا نود القول ان المفاوضات الثنائية او تحت اشراف الامم المتحدة يجب ان لا تواصل تحميل الشعب العراقي ذنوب النظام الصدامي البشع البائد من نتائج سياساته العسكرية وما نتج من غزو الكويت او الحرب ضد الجارة ايران ، فلا بد ان تكون حلولا عادلة وبالتالي لكي لا تكون اسبابا لنزاعات وخلافات مستقبلية وعدم ارتياح بين الشعبين الشقيقين خاصة ان امكانية التفاوض الثنائية تمكن الطرفين من وضع الحلول التي يرتضيها الشعبين على اسس العدالة والانصاف وحسن الجوار والترابط القومي .

زر الذهاب إلى الأعلى