المسؤولية القانونية عن اساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي
د. سامر محي عبد الحمزة – كلية القانون / smuhhi@uowasit.edu.iq
انتشر في الآونة الاخيرة ظاهرة استخدام الفيس بوك وسيلةً للتشهير والتهجم على مؤسسات الدولة وممثليها، والقائمين بذلك اغلبهم من موظفي القطاع العام، تلا ذلك مساءلة بعضهم ادارياً -واحياناً نادرة قضائياً-ثم صدرت عدة تعميمات بخصوص هذا الشأن من السادة المحافظين والسادة رؤساء الجامعات ومدراء الدوائر تحث موظفيها بالابتعاد عن نشر مواضيع تسيء الى الدولة او رموزها في مواقع التواصل الاجتماعي وبخلافه سيتعرضون للمسالة وفقاً لقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل.
ولعل السؤال الذي يتبادر للذهن هو هل هناك سند قانوني لمسالة الموظف عما يكتبه في صفحات التواصل الاجتماعي؟
قبل ان نناقش ذلك، علينا بيان الاعتقادات الشائعة التي بشأن كتابة انتقاداً او تهجماً على الدولة او مؤسساتها او رموزها.
الاعتقاد الأول-حرية الراي
يعتقد اغلب مستخدمو وسائل التواص الاجتماعي ان نقد الدولة هو جزء من حرية الراي التي كفلها الدستور العراقي بموجب الفقرة ثانياً من المادة (38) من دستور جمهورية العراق لعام 2005. كما ان اغلب القنوات الفضائية تمارس هذا النقد.
الاعتقاد الثاني-تعزيز الشفافية والمساءلة
يعتقد مستخدمو وسائل التواص الاجتماعي من الموظفين ان كشف ما يعتقدون انه يمثل حالات الفساد الاداري واساءة استخدام المال العام في دوائرهم هو نوع من انواع تعزيز الشفافية للحد من هذه الظواهر السلبية واطلاع عامة الناس على التجاوزات والمخالفات لغرض ممارسة رقابة غير رسمية على اعمال الدولة.
الاعتقاد الثالث-طبيعة وسائل التواصل الاجتماعي
ان وسائل التواصل الاجتماعي والفيس بوك بالخصوص هو وسيلة غير رسمية لا ترتبط بعمل الموظف وانما وسيلة لتبادل العلاقات الاجتماعية بين الموظف واقاربه واصدقائه، كما ان الفيس بوك وسيلة غير امينة يمكن فبركتها وانشاء صفحات وهمية لأي شخص، وبالتالي لا تصلح اساساً لنسبة الفعل الى الموظف المعني.
والآن لنأتي لهذه الاعتقادات ونرى القيمة القانونية لها امام السلطات التحقيقية والقضائية:
الاعتقاد الأول-حرية الراي
ان حرية الراي لأي شخص كان موظفاً كان ام غير موظف مقيَّدة بالا تتعارض مع النظام العام والآداب العامة وفقاً للمادة(38) من الدستور العراقي سالفة الذكر.
والنظام العام يشمل كل الاوامر الواردة في القوانين النافذة بما فيها القوانين الجزائية والتعليمات الادارية، فاذا شكَّل الفعل مخالفة لقانون ما فان الشخص يخضع للمساءلة القانونية (كأن يشكل الفعل سباً او قذفاً معاقب عليه بموجب قانون العقوبات العراقي).
الاعتقاد الثاني-تعزيز الشفافية
تعطي اغلب الدساتير والقوانين حرمة خاصة للأعلام المستقل عن الدولة في تناوله الاحداث بما في ذلك حريته في الانتقاد وسماع الراي الاخر بوصف الاعلام السلطة الرابعة في متابعة اعمال الحكومة ومراقبتها.
لكن الموظف لا يعد جهة مستقلة عن دائرته، بل يبقى محتفظاً بالرابطة الوظيفية اثناء الدوام الرسمي وخارجه وأحيانا كثيرة حتى بعد انتهاء العلاقة الوظيفية وملتزماً بالقوانين ذات العلاقة التي تمنعه من القيام بأي فعل يندرج ضمن الاساءة لكرامة الوظيفة وفقاً للمادة (4) من لقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل.
فحالات الفساد الاداري وغيرها التي تخص العمل الاداري يجب على الموظف التبليغ عنها عن طريق الوسائل التي رسمها المشرع، كالمسؤول المباشر او مكتب المفتش العام او هيئة النزاهة وغيرها، وليس نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي طريقاً قانونياً صالح لذلك.
الاعتقاد الثالث-طبيعة وسائل التواصل الاجتماعي
لعل هذا الاعتقاد اخطرها، لأنه يوحي للموظف انه يستطيع ان يكتب ما شاء او يقول ما عنَّ له لان وسائل التواصل الاجتماعي هي بيئة افتراضية غير حقيقة ويصعب فيها تأكيد نسبة القول للقائل.
والواقع ان مسالة اثبات الواقة تعد من أسهل الامور على لجان التحقيق وامام القضاء، فيمكن اثباتها بكافة طرق الاثبات وللمحكمة سلطة واسعة جداً في تكوين قناعتها بنسبة الواقعة للشخص، منها سؤال اصدقاءه في الفيس كشهود او متابعة منشوراته ونشاطاته وغيرها، وبمجرد اثبات نسبة القول أصبح كلامه حجة عليه وتعرض للمساءلة القانونية.
كما ان قيام الموظف بأدرج اسم الدائرة التي يعمل بها ووظيفته في صفحته في وسائل التواصل الاجتماعي واضافة الموظفين العاملين في دائرته كأصدقاء يجعل من الدائرة المعنية طرفاً في الموضوع، اذ ان نشر الموظف لذلك يصبح ماساً بسمعة الدائرة التي يعمل بها والتي يتقاضى اجره منها، فمن حقها عند ذلك ان تقاضيه وتحاسبه عن الاساءة والضرر الذي لحق بسمعة المؤسسة الحكومية.