المسيرة الديمقراطية على مفترق طرق: العراق انموذجاً
المسيرة الديمقراطية على مفترق طرق: العراق انموذجاً
المسيرة الديمقراطية على مفترق طرق: العراق انموذجاً
مظهر محمد صالح
المسيرة الديمقراطية على مفترق طرق: العراق انموذجاً
د.مظهر محمد صالح
يُحرك التكوين الفردي والاجتماعي في بلادنا إرثًا أساسهُ جذر (ماضوي شاق) ثلاثي التركيب للحصول على السلطة والثروة ، اولهما: تنازع قومي
والاخر : تنازع عشائري قبلي وثالثهما :ديني مذهبي ، وهم بمثابة محركات ودوافع التنافس و الاستيلاء على العقد الاجتماعي الهش للمواطنة (الدستور الحالي).
ومحاولة لَيّ عنقه تبعاً لغلبة اي عامل من العوامل الموروثة الثلاث بحسب اولويات اسلحة الصراع والاشتباك على ساحة (السلطة والثروة)
اذ لايخلوا هذا الصراع في الوقت نفسه من تضامن مصالح (السلطة والطبقة) عند مراكز الصراع الثلاثة عندما تقتضي الحاجة الى تحالفات هشة او وقتية ولاسيما بين اصحاب المصالح الطبقية من مختلف المكونات ، خصوصاً اذا كان التفرد مستحيلاً بين الجذور الماضوية الموروثة الثلاث لفصيل اجتماعي دون غيره.
وهكذا ستبقى بلادنا بأمس الحاجة الى عقد اجتماعي سامي ديدَنهُ المواطن والعدالة الاجتماعية وبخلافه فان التمزق بأشكاله التناحرية او غير التناحرية هي كرات ثلج جامحة لصراعات اجتماعية تحول الجذور الماضوية الثلاث الى تشكيل اديولوجي معقد مستمر وفاعل لقوى اللادولة (فراداً )واضعاف مستمر لدولة المواطن الخالية من لواصق وارث الماضيات الثلاث.
وهو صراع جدلي آخر بين قوى الدولة يحكمها الدستور الحالي و قوى اللادولة تحكمها عقد الماضي وموروثاته وهو الصراع الاجتماعي بكلياته والذي لامحالة سيبقى يولد نسيج طبقي من الفقراء شديدي الحرمان ذلك لانغماس البلاد بصراع السلطة وتوزيع عوائد الثروة النفطية بدلا من توفير اسس الاستقرار الاجتماعي .
اذ ينظر الكثير من طرف آخر الى النظام السياسي في بلادنا على انه هجين مركب متشظي بين تجاذبات الطائفة والعشيرة و القومية وأصحاب المال والمصالح فضلاً عن تأثير الارتباطات الخارجية.
في حين لايخرج الوعي السائد افرادا او جماعات او احزاب (مهما اختلفت ايديولوجياتهم
في هذه الضوضاء الديمقراطية الملتبسة ) عن منطق يتناغم وفكرة القبيلة عند اشتداد الضرورة لها وعدها موديلاً مناسبًا لادارة الدولة الديمقراطية التعددية بسلوك اقرب الى (الدولة- القبيلة) او الدولة القبائلية بدلاً من ( الدولة – الامة ) بعد ان جرى تلوينها بالمحاصصات البائسة كأنها هي الدولة -الامة .
انه تمثيل ديمقراطي قبلي السلوك والوعي وتقريب لموديل سياسي مشوه قاصر لايساعد الا في احلال
ضعيف لفكرة الدولة الديمقراطية الفُضلى التي تكون نتاج وعي جمعي وطني متجانس الهوية .
وعند البحث عن السبب الذي ادى بالبلاد الى الهشاشة الديمقراطية وسيادة روح القبيلة بدلا من روح الامة والتلون بوعي جمعي زائف ، مبعثه فقدان تراكم ثقافة التجانس الطبقي الفكري (الطبقة الوسطى تحديدًا) ومبادؤها بكونها الممثل الاجتماعي الاكثر تجانساً في تجسيد فكرة الدولة -الامة وحملها المشروع الوطني الشامل للأمة . لذا فان التطلع لمشروع صياغة البناء الديمقراطي بحاجة الى ولادة القوى التاريخية التي تأخذ بطريق الاصلاح وبناء مكونات الدولة -الامة.
فكيف يمكن ان نفسر ولادة القوة القادرة على الاصلاح السياسي وبناء دولة المواطنة في خضم هكذا مركب معقد؟
فعلى الرغم من ذلك فانها دورة التاريخ السياسي وجدلياته النابضة في ضمير الشعب كل شعب ، والشعب العراقي في مقدمتهم شريطة ان يتحرر ابتداءً من كيمياء الهجين الاجتماعي السياسي المركب المعقد الراهن ، وبهذا فان البلاد امام مسارين متناقضين في التغيير في المرحلة المقبلة التي ستقررها صناديق الانتخابات التشريعية في ١٠ تشرين اول/اكتوبر ٢٠٢١ . فاما الانعطاف الحاد في التطور السالب وبوعي زائف وصراع هويات وذاكرة تاريخية منخورة يجري تسويقها قبيل الانتخابات وهو المسار الأول وعلى وفق نظم انتخابية شكلية (ستريوتايب) ترتدي بدلات الديمقراطيات الغربية العريقة ولكن تعمل بادوات وصناديق تمثل مظاهر الاستبداد الشرقي . واما التغيير البرامجي الايجابي وهو المسار الثاني او البديل الموضوعي لبناء غد اقتصادي واجتماعي وسياسي شديد التنوير يجد في الانسان المواطن الغاية والوسيلة دون تشطيب هوياتي للمواطنة وتلوين احمق للحياة ويسمى ذلك بالانعطاف الإيجابي في التطور السياسي للعراق وصلابة بنيانه.
وهنا سيرتبط تطوير البناء السياسي للعراق بصدقية فكرية عالية المستوى ومنهجية موضوعية مخلصة ونزيهة شديدة النقاء والتجانس الوطني .
بناء على ماتقدم ، فان اضداد الصراع الانتخابي القادم ستتم وعلى وفق اثنين من المشاهد المتناقضة :
فالمشهد الاول وهو المشهد التقليدي حيث يصبح الصراع المقبل في آجاله القصيرة في اوجه ، ذلك اذا ما نجح التيار الحزبي المحافظ او التقليدي بطرد قوى التغيير الديمقراطي واجبارها او اجبار جماهيرها على مقاطعة الانتخابات تحت ضغط اليأس وقوة القنوط ، ومن ثم الاستحواذ على صناديق الانتخابات بقوة و نفوذ التشكيلة السياسية الراهنه الممتلئة مالاً وسلاحاً وهو امر لا يجلب في النهاية سوى انحدار في عوامل بناء الدولة الحديثة وعلى وفق تراجعات سياسية مدمرة تنفذ زخمها قوة متحزبة مسيرة تلقائياً نحو صناديق الانتخابات للامساك بالسلطة وتحقيق منافع الحكم (حتى وان كانت باعداد محدودة من كوادر الاحزاب ومريديها) التي يتم تحشيدها لهذا الحدث السياسي الكبير . وبهذا ستنتهي آخر لبنة في البناء الديمقراطي الراهن الى السقوط والتحول الى دايلكتيك تاريخي فاقد الحركة (سكوني) وفارغ في الوقت نفسه .،و عند توفير هكذا آليات سياسية قامعة لابد من ان تنحدر العملية السياسية تدريجياً نحو الغموض والتلاشي عبر تراجع خطير في المشهد السياسي .
وعلى العكس ، فيأتي المشهد الثاني ذلك اذا ما استطاعت قوى التغيير من الفوز بالحد الادنى المقبول جماهيرياً من الاصوات الانتخابية فأن(توازنا داخلياً ) في الحياة الديمقراطية سيتحقق لامحالة في بلادنا ويدفع بالعملية السياسية الى افاق اصلاحية (تتفجر داخل الاحزاب التقليدية نفسها) ذلك بتبني الفلسفة الديمقراطية والاصلاح السياسي ولمصلحة التغيير الجماهيري لتمتص النفور الشعبي من تلك الانسجة الغامضة الحزبية المُمسكة بالسلطة والتي مازالت تصطف في نسق ديمقراطي فج متهتك ، تلفها المصالح والمنافع التي تتقاسمها كتل تحاصصية ظلت الاقوى نفوذاً.