المشهد الاقتصادي التونسي
- عادل عبد الزهرة شبيب
تقع الجمهورية التونسية في الجزء الشمالي من قارة افريقيا وهي دولة عربية يحدها من الشمال والشرق البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب الشرقي ليبيا ومن الغرب الجزائر , عاصمتها مدينة تونس , اما مساحتها فتبلغ 169,610 كيلو متر مربع ويبلغ عدد سكانها حسب احصاء عام 2014 نحو 10 ملايين و 982,8 ألف نسمة . وتشغل الصحراء التونسية الجزء الجنوبي من تونس وجزء منها امتداد للصحراء الكبرى في الجزائر حيث تشكل الصحراء اكثر من 59% من مساحة تونس وتضم الكثير من النباتات الصحراوية والتنوع البيئي والحياة البرية .
وفيما يتعلق بالاقتصاد التونسي فيتميز بالتنوع حيث يعتمد على قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة . وسبق لتونس ان وقعت في الأول من آذار / مارس 1998 اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوربي , وهو اول اتفاق يطبق بين الاتحاد الاوربي ودول البحر المتوسط . وطبقا للاتفاق تقوم تونس بإزالة حواجز التجارة مع الاتحاد الاوربي . وكان من المفترض ان تصبح تونس شريكا كاملا للاتحاد الاوربي في عام 2018 غير ان الأمر لم يقرر بعد خاصة مع الأزمة الاقتصادية الحادة التي تشهدها تونس .
وبالنسبة للقطاعات الاقتصادية الفاعلة التي تعتمد عليها الجمهورية التونسية فتتمثل بـ :-
- قطاع الزراعة :
- اذ يتميز الانتاج الزراعي في تونس بالتنوع كالحبوب والأشجار المثمرة والخضروات الى جانب تربية الماشية والصيد البحري . الا ان الانتاج الزراعي في تونس يتسم بتذبذبه بين سنة واخرى وعدم انتظامه تبعا للمناخ السائد , كما يلاحظ ايضا ان انتاج الحبوب في تونس لا يكفي حاجات الاستهلاك المحلي فهو يغطي نصف الطلب فقط . وتسعى الدولة لتنمية قطاع الحبوب لتأمين الأمن الغذائي للبلاد. اما المحاصيل الشجرية فتغطي نحو 1,7 مليون هكتار وتشارك بثلث القيمة الاجمالية للإنتاج الزراعي وبـ 60 % من قيمة الصادرات الزراعية . وتتكون الأشجار المثمرة من اشجار الزيتون والحمضيات والنخيل , ويمثل الزيتون اهم الاشجار المثمرة في تونس حيث تغطي حقوله 1,3 مليون هكتار ويتصدر الزيتون جميع الصادرات وبنسبة 30% , تليه الحمضيات والنخيل حيث تعتبر تونس من البلدان المصدرة للتمور . اما الخضروات فتغطي مساحة تقدر بنحو 120 ألف هكتار حيث توسعت زراعتها في المناطق المروية كما تم اعتماد البيوت المحمية في زراعتها .
- اما قطاع الثروة الحيوانية في تونس فقد شهدت تربية الماشية والصيد البحري نموا كبيرا ومستمرا رغم انه لا يغطي حاجيات الاستهلاك المحلي ويضطر الدولة للاستيراد . كما نما قطاع الدواجن بسرعة كبيرة في السنوات الماضية حيث انتشرت الحاضنات الصناعية الحديثة في عدة مناطق ما ادى الى تحسين وسائل التغذية بتوفير اللحوم والبيض والألبان . اما الثروة السمكية فهي كبيرة ومتنوعة على طول السواحل التونسية, وقد ارتفع الانتاج السمكي في السنوات الأخيرة اذ بلغ حوال 87 ألف طن عام 2018 ومع ذلك فالإنتاج لا يكفي حاجة السوق المحلية مما يجعل تونس تستورد حاجتها من الاسماك من دول اخرى . وعلى الرغم من نمو الانتاج الزراعي في تونس الا ان الميزان التجاري الزراعي في تونس ما زال يشهد عجزا كبيرا يرتفع اكثر مع موسم الجفاف .
- قطاع الصناعة :
- تعتبر الصناعة في تونس احدى دعائم الاقتصاد الوطني والمحركة للتنمية الاقتصادية . و كان الاستقلال الذي اعلن في 20 آذار /مارس 1956 انجازا تاريخيا مكن تونس من الشروع في بناء المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والادارية والعسكرية والامنية .كما ساعدت الاستثمارات الوطنية والاجنبية على اقامة المشاريع الصناعية المختلفة . وقد تطورت الصناعة التونسية اليوم وتضاعف عدد الوظائف في الصناعة التحويلية بين عامي 2000 و 2018 أي من 25,000 وظيفة الى 50,000 وظيفة .وتتميز الصناعات التونسية بالتنوع كالصناعات الآلية والكهربائية والسبائك والسيارات والحافلات والشاحنات وصناعة مواد البناء والخزف والبلور , كما ارتفع انتاج الاسمنت , اضافة الى الصناعات الكيميائية التي ترتكز على تحويل الفوسفات لإنتاج الحامض الفسفوري وثالث الفوسفات الرفيع حيث توجد في قابس وصفاقس والصخيرة . وهناك ايضا صناعات النسيج والملابس الجاهزة والجلد والاحذية والذي يعمل فيه نحو 100.000 عامل .وقد تطورت هذه الصناعة بالتركيز على الصناعات التصديرية وتوجد في العاصمة وبنزرت والوطن القبلي والساحل وصفاقس . ويساهم قطاع النسيج بنسبة 40% من الصادرات الصناعية . اما بالنسبة للصناعات الغذائية الزراعية فتعتبر من اقدم الصناعات في تونس وتوجد على السواحل الشرقية وفي العاصمة واهمها معاصر الزيتون وصوامع الغلال والخضروات والسمك والحليب .
- ويتسم المجال الصناعي التونسي بالتباين وعدم التوازن بين الاقاليم الساحلية الشرقية التي تتجمع فيها اهم المنشآت الصناعية , والاقاليم الداخلية الغربية والجنوبية التي تفتقر الى الصناعة باستثناء الصناعات الاستراتيجية والمنجمية . كما شهدت الصناعة التقليدية في تونس تطورا جديدا بفضل نمو السياحة وتوجد في عدة مدن وقرى. وتقوم الصناعات التقليدية بدور اقتصادي واجتماعي متميز اذ يعمل فيها نحو 150,000 عامل اي 7% من القوة العاملة وتساهم بـ 2% من الناتج الوطني الاجمالي , وتساهم بـ 100 مليون دينار في الصادرات اي اكثر من زيت الزيتون .
- قطاع المعادن والصناعة :
- تنتج تونس كميات قليلة من النفط . ويوجد اكبر حقل في اقصى الجنوب وهو حقل ( البرمة ) الذي دخل طور الانتاج عام 1966 . كما تمتلك البلاد حقولا في عرض البحر وفي اليابسة ولكنها محدودة الانتاج . ويشهد الانتاج تراجعا مستمرا لضعف المدخرات ولا يزال التنقيب عن النفط متواصلا في تونس .كما يستخرج الغاز الطبيعي من بعض الحقول اهمها البرمة وعشترت وعليسة .. وغيرها. وقد دفع الضعف في الانتاج الحكومة التونسية الى استيراد ما مجموعه 87% من حاجيات الطاقة للبلد . اما بالنسبة لإنتاج الكهرباء الحرارية والمائية فتتولى الشركة التونسية للكهرباء والغاز الانتاج الذي يصل الى 2,7 مليون كيلو واط / ساعة .
- تمتلك تونس مخزونا كبيرا من الفوسفات الذي اصبح منذ السبعينات يؤدي دورا اقتصاديا مهما تمثل بتحويل الفوسفات الى عدة مواد نصف جاهزة تستعمل في الصناعة الكيميائية في المجمع الصناعي الكيميائي في قابس . وتوجد اهم المناجم الفوسفاتية بحوض قفصة في الجنوب الغربي وبالقلعة الخصبة في التل العالي , واكتشفت حقولا اخرى بصحراء ورتان ومكناسي وتحتوي على احتياطات معتبرة . كما تنتج تونس بعض المعادن الاخرى كالحديد والزنك والرصاص , ويستخرج الملح البحري من ملاحات مقرين والساحلين وصفاقس وتصدر نسبة كبيرة من الانتاج .
- قطاع السياحة :
- تتوفر في تونس مقومات الجذب السياحي حيث الشواطئ التي يبلغ طولها نحو 1200 كم على مياه البحر المتوسط والمجهزة بالمرافق والخدمات السياحية المتطورة , اضافة الى كنوز التراث والآثار والمتاحف التي تعكس تاريخ تونس منذ فجر التاريخ , الى جانب توفر الوعي السياحي العالي على المستويين الرسمي والشعبي . كما تتمتع تونس ببنية خدمات متطورة في مجال المواصلات والنقل الجوي والبري والبحري , اضافة الى خدمات الاتصالات الحديثة التي تستوعب كل ما تنتجه تكنولوجيا الاتصال الحديثة حيث وفر ذلك لتونس ان تكون سوقا مالية هامة ساعدت على انتشار المصارف والمؤسسات المالية العالمية الكبرى . ويقدر عدد السياح بثمانية ملايين سائح سنويا , وفي عام 2018 قفز عدد السياح الوافدين الى تونس الى 8,3 مليون سائح نظرا لعودة الاستقرار وتطور الاستثمارات في مجالي النقل والبنية التحتية , اضافة الى تنوع المنتوج السياحي . كما تشكل الصحراء التونسية اكثر من 59% من مساحة تونس البالغة ( 169,610 كم2) حيث تبلغ مساحة الصحراء التونسية اكثر من 90,000 كم2 تنتشر فيها الكثير من النباتات الصحراوية والتنوع البيئي والحياة البرية والكثبان الرملية , حيث تشكل الصحراء التونسية احدى عوامل الجذب السياحي اذ تعد السياحة الصحراوية بديلا آخر لسياحة الشواطئ والمنتجعات شتاء فهي تمثل احدى اوجه المغامرة وركوب الجمال وسط رمال الصحراء بدلا من ركوبها على الشواطئ فقط . ومن اشهر الأماكن السياحية في تونس هي ( المدينة العتيقة ) والمسجلة من قبل اليونسكو ضمن التراث العالمي ويقع فيها احد اشهر المساجد في العالم الاسلامي وهو جامع الزيتونة والذي يعتبر ثاني اقدم مسجد في تونس بعد جامع عقبة بن نافع , كما يوجد في المدينة العتيقة العديد من الأسواق العتيقة مثل سوق الشواشين والعطارين وسوق الذهب ( البركة ) . كذلك يعتبر متحف ( باردو ) من الأماكن السياحية الاخرى والذي يعتبر ثاني اكبر متحف في العالم بالنسبة الى فن الفسيفساء الرومانية الى جانب ضاحية ( سيدي بوسعيد ) الواقعة على بعد 20 كم في شمال شرق تونس العاصمة.
لقد شهدت تونس في الآونة الأخيرة تأزما للأوضاع الاقتصادية وانحدارا واضحا في كل المؤشرات التنموية رافقه تصاعد التوترات بين الفاعلين السياسيين في المجلس التشريعي من جهة ورئيس الجمهورية والحكومة . ومع مرور 10 سنوات على احداث يناير 2011 فقد ارتفعت حدة الاحتجاجات الشعبية ولأيام متتالية حيث خرج المتظاهرون الى الشوارع في عدد من المدن مطالبين بالتشغيل وتوفير فرص العمل ونادوا بشعارات الحرية والكرامة واسقاط النظام والنهوض بالأوضاع الاجتماعية . اما اقتصاديا فالوضع في تونس اليوم سيء للغاية وكل المؤشرات المتعلقة بنسق النمو وعجز ميزانية الدولة والميزان التجاري كارثية حسب تقديرات الخبراء الاقتصاديين . وقد عمقت جائحة كورونا من تأثيراتها على الاقتصاد التونسي وتراجعه . وسوف لن يهدأ الغضب الشعبي في تونس بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وسيتواصل الحراك الشعبي العفوي ما لم يتم معالجة الأوضاع الاقتصادية والصحية .