المهرجان الثقافي السابع لنادي الرافدين في برلين (2)
المهرجان الثقافي السابع لنادي الرافدين في برلين (2)
داود امين
2011 / 9 / 14
الادب والفن
غنى المضمون يلتحم برغبة جادة في وحدة ثقافية وديمقراطية
الحلقة الثانية
اليوم الثاني من المهرجان
بعد الفطور الذي كان في مقر النادي في شارع ( كارل ماركس ) بدأت فعاليات اليوم الثاني من المهرجان في نفس المكان، بندوة عنوانها ( المرأة العراقية اليوم، ودورها في المجتمع ) شاركت فيها السيدة أزهار الحكيم القادمة من الوطن، والكاتبة دلال محمود، وقد أدارتها الشاعرة وفاء الربيعي، وفي مداخلتها أشارت السيدة أزهار لواقع المرأة العراقية الأن، والضغوط الهائلة التي تتعرض لها، ومعاناتها في ظل مجتمع ذكوري، والنسبة الهائلة من الأرامل والأيتام، كما تحدثت عن عمل منظمات المجتمع المدني، وسط شريحة النساء والصعوبات والمعوقات الكثيرة في هذا المجال. كما قرأت الكاتبة دلال محمود مادة تطالب فيها المرأة العراقية أن تكون أكثر قوة وصلابة، وأن تنتزع حقوقها بالمثابرة والكفاح. وقد ناقش الجمهور السيدتين، وإستفسر البعض أكثر عن واقع المرأة داخل الوطن.
بعد الندوة تم إفتتاح المعرض التشكيلي، الذي ساهم فيه عدد واسع من التشكيليين بينهم منصور البكري،أحمد أمير، محمد علي شاكر، خليل الزهاوي، منير العبيدي، فهمي بالاي، حسام البصام، حيدر محسن، ناصر الموزاني، حسين الشنون، قاسم البطاط، وجعفر طاعون، وقد قدم للمعرض الفنان منصور البكري مُعرِفاً بالمشاركين ومتحدثاً عن أعمال بعضهم، ثم أعقبه الشاعر محمد الجاسم، الذي تحدث عن أعمال أخيه الفنان الفقيد أحمد أمير، وعن أعمال أصدقائه الفنانين التشكيليين الذين أرسلوا له لوحاتهم، كما تحدث الفنان جعفر طاعون عن لوحاته واللون الجديد الذي يشتغل عليه. وكانت لوحات المعرض مزيجاً متنوعاً لمدارس وتجارب تشكيلية مختلفة، عكست ثراء الفن التشكيلي العراقي وريادته.
بعد الغداء غادر معظم المشاركين في المهرجان نحو وسط برلين، للمشاركة في التظاهرة الإحتجاجية، التي نظمها الديمقراطيون العراقيون في برلين، تضامناً مع المتظاهرين في الوطن، وفي الساحة المكتظة بمختلف الأجناس والنشاطات رفع المتظاهرون لافتات الإحتجاج باللغتين العربية والألمانية، ضد المحاصصة وسوء الخدمات وإنفلات الأمن، وطالبوا بكشف قتلة الصحفي والناشط الشبابي هادي المهدي، كما رددوا هتافات منددة بالفساد ونهب المال العام، وبعد إنتهاء التظاهرة عاد المشاركون لمقر النادي ليلتقوا بالكاتب المسرحي ماجد الخطيب، الذي تحدث عن آخر أعماله المسرحية المسماة ( حفرة السيد ) مشيراً لظروف كتابتها والمصادر التي إعتمدها ووظفها لخدمة نصه، كما قرأ مقاطع من بعض فصولها وحلل بعض رموز شخصياتها، وكان للجمهور مداخلاته وإستفساراته، التي أغنت الحوار وأثرته .
بعد إستراحة قصيرة بدأت ندوة هامة حول إشكاليات التسيير الثقافي في المرحلة الراهنة، عنوانها ( العمل الإبداعي من الإنتاج إلى التلقي ) ساهم فيها الدكتور حسين الأنصاري عن المسرح ومنصور البكري عن الفنون التشكيلية، وفرات حسين قدوري عن الموسيقى، وقد ركز المساهمون في الندوة على ضرورة توزيع العمل وحسب الإختصاص، فالنشاط الإبداعي يتطلب الكثير من الجهود ، وتنظيم مهرجان ثقافي وحضور مشاركين من أماكن مختلفة، يحتاج لميزانيات ولتفرغ، ويحتاج لفصل بين الإداري وبين المبدع، وأكد المساهمون على إننا ما زلنا نمارس نشاطاتنا بالرغبة فقط، دون حساب كبير للتنظيم، ودون توفير بيئة ترحب بالإبداع، كما أكدوا على أهمية الإدارة المكشوفة، والإفادة من التجارب السابقة للآخرين.، وقد حضيت الندوة وموضوعها بالكثير من النقاش والتفصيل .
بعدها جاء دور الفنان التشكيلي منير العبيدي ليقدم محاضرة قيمة عن الفن التشكيلي في العراق في عقدي الثمانينات والتسعينات، وإعتمد المحاضر في حديثه على عرض سلايدات على شاشة كبيرة، أشارت بوضوح، لإحتواء العاصمة بغداد، في الفترة موضوع البحث، على عدد كبير من قاعات العرض العامة والخاصة، والتي كانت ميداناً للعديد من المعارض التشكيلية، كما عرض الفنان العديد من الصور للوحات الكثير من الفنانين العراقيين كخالد الجادر وفائق حسن وإبراهيم العبدلي وسيروان بارام وحسن شنين وخالد القصاب ونوري مصطفى بهجت وليلى العطار وبتول الفكيكي وجميل حمودي وحسن عبد علوان ورافع الناصري والكثير غيرهم، مشيراً إلى خصائص وميزات إبداع كل منهم، وإختلافه وتشابهه مع غيره من الفنانين، وقد قسم المحاضر مادته لثمانية عناوين بينها الحروفيات والتراث وتجارب وطرق تعبير تشكيلية والرسم بالألوان المائية وغيرها، وكانت مادته شيقة وجديدة وممتعة .
وكانت آخر فعاليات هذا اليوم محاضرة قيمة عنوانها ( اللعبة الميتاسردية في الرواية العراقية ) لرئيس إتحاد أدباء العراق، الناقد العراقي المعروف الأستاذ فاضل ثامر، وحديثاً للشاعر منعم الفقير، عن علاقة الدولة والحكومة بالثقافة، وقد قدم الشاعر والصحفي حميد الخاقاني ضيفي المهرجان تقديماً يليق بقامتيهما. في محاضرته إستعرض الأستاذ فاضل ثامر الكثير من النماذج الروائية العراقية التي مارست لعبة الكتابة بالطريقة الميتاسردية، التي فسرها بأنها لعبة خداع للقاريء، كأن تبدأ الرواية بالقول أن الكاتب وجد مخطوطة تضم نصاً تقتضي الأمانة أن يطلع القاريء عليه! ثم يسرد روايته ! وقد يستعاد التأريخ بحوار مع الحاضر، أو يعمد الروائي لإسقاط ماهو معاصر على ما هو تأريخي، وفي هذا النوع من الكتابة تتخذ البنية الروائية الكثير من ألوان السرد، ومن بين الكتاب العراقيين الذين مارسوا هذه اللعبة غائب طعمة فرمان وفاضل العزاوي وعبد الخالق الركابي واحمد خلف وعبد الستار ناصر ولطفية الدليمي وغيرهم. أما الشاعر منعم الفقير الذي يعمل حالياً مستشاراً في وزارة الثقافة العراقية، بالإضافة لرئاسته لتجمع السنونو الثقافي في الدانمارك، فأكد على ضرورة تنشيط الجانب المطلبي للمثقفين، وأن ينتهي عصر المنّة والهبة، وأن تشرع قوانين لصالح المبدع، تضمن له حياة كريمة، وأن يتم تأسيس صندوق للتنمية الثقافية، وقد أثارت المادتان الكثير من التساؤلات والإستفسارات .
على هامش اليوم الثاني للمهرجان: بعد يوم طويل من النشاطات الثقافية المتنوعة، وكانت الساعة قد جاوزت العاشرة مساءاً، همس أحدهم في آذاننا أن هناك مقهى عراقي يقع بالقرب من شقتنا، وإن شلة عراقية أصيلة تعودت أن تحيي في المقهى ليلة عراقية لا تفوّت! وإن بإمكاننا أن نلتحق بهم، ولما كنا ( صديقي طالب وأنا ) من الباحثين عن مثل طقس كهذا، فقد قادتنا أقدامنا بيسر وسهولة نحو المكان، الذي إستقبلنا رواده بحفاوة العراقيين المعهودة، إذ كانت الوجوه طافحة بالطيبة والإبتسام، وكانت أوتار العود ترسل نغماتها بأصابع قد تكون غير محترفة تماماً، ولكنها تؤدي مهمتها بإنسجام مع زنجاري وخشبة، وصوت يتناوب على أدائه عدد من الحاضرين، فعلى طريقة ( يعبر على الطيب ونيني ) كانت الأغاني العراقية والعربية والأشعار تتردد على ألسنة الجميع، وبينهم الطبيب الإختصاصي وصاحب الشهادة العليا والعامل البسيط! همست في إذن صديقي طالب غالي ( هل تستطيع أن تخبرني من هو السني ومن هو الشيعي ومن هو المسلم ومن هو المسيحي بين هؤلاء!؟ بل من هو البغدادي ومن هو البصراوي ومن هو الحلاوي ؟ ) ضحك طالب وقال ( صدك والله مستحيل، كلهم عراقيين وبس ! ) فالعراق، والحنين للعراق، وحب العراق، وتراثه وذكرياته وناسه، هو من يجمع هؤلاء العراقيين، الذين يكسرون غربتهم بهذه اللقاءات الحميمة الدافئة، فتحية للمقهى ولصاحبه ولرواده، ولتلك الليلة العراقية الزاهية .
اليوم الثالث للمهرجان
صباح هذا اليوم، كانت أول النشاطات الثقافية، ممثلة في محاضرة عن اليسار والسلطة، للدكتور عبد الباري الشيخ علي، وقد قرأها الدكتور صادق البلادي نيابة عنه، وفيها تطرق المحاضر لمشاركة اليسار العراقي في العملية السياسية الجارية في العراق، منذ الإحتلال وسقوط النظام، والنتائج التي حصل عليها في الإنتخابات، وتحالفات اليسار وخطابه السياسي وتطوره عن السابق، وكان الدكتور صادق إطيمش الذي قدم زميله البلادي قد أشار لصعوبة مناقشة أفكار محاضرة لم يحضر صاحبها، ومع ذلك فقد ناقش عدد من الحاضرين الأفكار الرئيسية للمحاضرة، وأكد بعضهم على تطور الخطاب السياسي لليسار العراقي في الأشهر الأخيرة، وتعمق الصلة أكثر بالجماهير، وبشباب الإحتجاجات ومطالب الناس، وهو ما يساعد في تغيير مواقع اليسار العراقي في الخارطة السياسية في المستقبل القريب .
بعد الغداء كان موعد الجمهور مع محاضرة البروفسور طارق حسون فريد، عن الموسيقى العراقية وتأريخها، وكانت ، كما وصفها الفنان طالب غالي بحق ( تاج المحاضرات ) فقد إستعرض المحاضر تأريخ الموسيقى العراقية منذ أقدم العصور حتى الأن، وقد رافقه في محاضرته الفنانان محمد كمر وفرات حسين قدوري بالعزف على آلتي الجوزة والقانون، وفي الغناء أيضاً، والذي شارك فيه الجمهور، الذي كان يتنقل من المقامات للبستات لأغاني الجالغي البغدادي للأغنية السبعينية.
وكانت آخر النشاطات الثقافية في مقر النادي، قبل الإنتقال للمسرح، قراءات شعرية ساهم فيها الشعراء منعم الفقير ودلال محمود ووفاء الربيعي وحميد الخاقاني، وقام بتقديمهم كاتب السطور، وفي هذه القراءات تنوعت الأساليب والمدارس والموضوعات، ففي الوقت الذي زاوجت فيه الشاعرتان دلال ووفاء بين المحكي والفصيح، إعتمدت قصائد منعم على اللقطة الدالة، والقصيدة القصيرة جداً، أما الشاعر الخاقاني، فقدم قصيدة طويلة، مدهشة في الشكل والمضمون.
الجمهور أنتقل لقاعة أخرى لا تبعد كثيراً عن مقر النادي، وكانت الستارة مسدلة، أمام الكراسي التي بدأت تزدحم بالجالسين، إذ يبدو أن التحشيد للمسرحية والحفل الذي سيليها كان أكبر بكثير من الفعاليات الثقافية السابقة! الضوء الذي غاب عن القاعة، أعلن مع الموسيقى، عن بدء العرض المسرحي لمسرحية { أنظروا } وهي من تأليف وإخراج الدكتور حسين الأنصاري، وتمثيل إيفان صباح، وديكور جعفر طاعون وموسيقى مصطفى العلالي، وإنتاج الجمعية الثقافية العراقية وجمعية المرأة العراقية في مدينة مالمو السويدية، وقد توفر العرض على عدد من الشخصيات، داخل الشخصية الرئيسية( سلوى ) التي جسدتها الفنانة ( إيفان صباح ) بإتقان مدهش يشي بميلاد ممثلة عراقية موهوبة ومبدعة، سلوى تروي تأريخها وتعرض جانباً من المشاكل التي تعاني منها، عبر ربط الماضي بالحاضر، وفق أسلوب واقعي تعبيري، يمزج بين فن الروي والتجسيد، والمسرح داخل المسرح، لكشف حالات إنسانية، ومحاولة إشراك الجمهور في سيرورة الحدث، وكانت العناصر المكملة للتمثيل المُبهر للفنانة إيفان، من ديكور وموسيقى وخطة إخراجية محكمة، قد جعلت العمل المسرحي يتكامل شاداً الجمهور لدقائقه وتفاصيله، مانحاً المتعة والفائدة والتشويق .
بعد العرض المسرحي، كانت خاتمة المهرجان في حفل موسيقي وغنائي، شارك فيه الفنانون محمد كمر وفرات حسين قدوري وطالب غالي وجاسم مراد، وخلال فقرات الحفل الغنائي، دعا الفنان منصور البكري، بإسم الهيئة الإدارية للنادي، بعض ضيوف المهرجان لحديث قصير عن إنطباعاتهم وملاحظاتهم، فشارك كل من الأستاذ فاضل ثامر وداود أمين ومنعم الفقير وحمزة علي في تسجيل تقييم إيجابي لشكل ومضمون المهرجان، ولفعالياته المتنوعة، وللجهد الفدائي لحفنة أفراد وقفوا بنكران ذات خلف إقامته ونجاحه .
هامش ضروري
ربما لاحظ الذين يتابعون كتاباتي عن فعاليات مماثلة لهذا المهرجان، إنني أميل عادة لتسجيل لقطات خفيفة وقفشات أقوم برصدها أثناء الفعالية، لكنني هذه المرة كنت أكثر جدية وصرامة بسبب إني وجدت إسمي مكتوباً في البرنامج، كمسؤول عن التغطية الإعلامية للمهرجان، وهو تكليف رسمي منضبط لا فكاك منه، رغم إن أحداً لم يستشرني بذلك! المهم في هذا المهرجان في رأيي، عدا فعالياته الغنية والمتميزة، هو حضور ثلاث شخصيات هامة من الوطن، الأول هو الناقد فاضل ثامر، الذي كان عدا محاضرته الهامة وموضوعها الجديد، فقد كان مساهماً ومداخلاً ومحاوراً، في جميع النشاطات والفعاليات الثقافية التي قدمت طوال أيام المهرجان، كما عكس رؤية إيجابية يفتقر لها الكثير منا، لمستقبل العملية السياسية والحراك الدائر في الساحة العراقية. أما الشخصية الثانية فهو البرفسور طارق حسون فريد، فهذا الرجل السبعيني، الذي يملك قلب طفل، كان سعيداً ومبتسماً طوال أيام المهرجان، بل قبل وبعد بدء وإنتهاء أعماله، وكان يشيع الفرح والسعادة أينما يحل، كان أخاً وصديقاً وزميلاً لتلامذته، ولنا نحن الذين تعرفنا عليه في هذا المهرجان، أما الشخصية الثالثة فهي السيدة أزهار الحكيم، القادمة من عمق معاناة نساءنا العراقيات، والناشطة في أوساطهن، تحية خاصة للجنود المجهولين والمعروفين، ولن أسميهم، الذين هيئوا كاسات الشاي وترامز القهوة وصحون الأكل، وكل الفعاليات الصغيرة والكبيرة التي ساعدت في إشاعة المتعة والفائدة، وأضافت للثقافة الديمقراطية والتقدمية العراقية، لبنة جديدة في صرحها الشامخ*…. .
* عن الحوار المتمدن….