المواطنة البيئية ودورها في دعم عملية التنمية المستدامة
المواطنة البيئية ودورها في دعم عملية التنمية المستدامة
المواطنة البيئية ودورها في دعم عملية التنمية المستدامة
م.د محمد صباح علي
ر. مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية
مقدمة :
تعد المواطنة من المفاهيم السياسية الاساسية والمهمة ،التي تعكس جانب حيوي من جوانب الدولة كونها تقوم على اساس العلاقة ما بين الفرد والدولة وانعكاساتها الكبيرة ، في ظل مصطلح الدولة الحديثة وطبيعة العلاقة بينها وبين مواطنيها .
والمواطنه هي ليست مجرد صفة تطلق على شخص تربطه انتماء جغرافي لبقعة او مكان ما ، فهي اليوم تعكس في جانب مهم منها مجموعة من الحقوق والواجبات بين الدولة والمواطن سياسية ، اقتصادية واجتماعية يجب على الطرفين الايفاء بها . فهي تعني مجموعة من الحقوق والالترامات تظهر في جانبين، الاول التلقى ، والتي تتحول لاحقاً الى مجموعة من الحقوق التي يجب الوفاءبها . والجانب الثاني هو جانب العطاء من المواطن ذات الابعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يجب عليه الالتزام بها كونه شخص يحمل هذه الصفة . وقد تعارضت اراء الباحثين حول مفهوم المواطنة .[1] حيث يرجع هذا المفهوم الى الغرب ، فارتبط بالفكر اليوناني القديم الذي كان اول من تكلم عن مفهوم المواطنة وتطوره وصولاً الى ظهوره بصورة صريحة مع بروز الدولة القومية كانموذج شائع للنظام السياسي .
وقد عرفت الموسوعة الامريكية المواطنة على انها ” علاقة بين فرد ودولة تتضمن العضوية السياسية الكاملة للفرد والولاء التام لها ” . وعُرفت أيضاً على انها ” احدى السمات التعريفية للمجتمع ، وهي طريقة للتعبير على المسؤوليات والامتيازات من قبل الذين ينتمون الى جماعة قومية معينة . [2]
هي ايضاً ذلك الفرد الذي يعيش في وطن ، له من الحقوق وعليه من الواجبات . والمواطن الصالح الذي يلبي نداء الوطن ويدافع عنه ، هو ذلك العامل والفلاح والمعلم والطيب والعالم الذي يشارك بفاعلية في جميع الانشطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .[3]
فهي في مجملها تعكس علاقة قانونية بين فرد ودولة تترتب عليها جملة من الالتزامات. وسياسياً عُرفت المواطنة على أنها ” حالة من المساواة المدنية ، ويشمل الأنتماء إلى مجتمع سياسي يستطيع فيه كافة المواطنين تحديد احكام التعاون المجتمعي على أساس متساوي . وهذه الحالة لاتؤدي فقط إلى تأمين حقوق متساوية تمكن المواطن من الاستمتاع بمنافع مشتركة التي توفرها الشراكة السياسية فحسب ، بل تتعدها لتشمل التساوي في الواجبات ، لتعزيز هذه المنافع والحفاظ عليها ، بما في ذلك المنفعة من المواطنة الديمقراطية بحد ذاتها ” .[4]
وقد ارتبطت المواطنة بمفاهيم عديدة مقاربة لها ، ومنها الوطنية والتي تتداخل مع المواطنة في كونهما اساساً مشتركاً يهدف إلى سمو المجتمع وتقدمه وقوته ، فالوطنية تمثل النظرية العامة للمواطنة وفيها معاني الأنتماء الوطني والتعامل الاجتماعي الأيجابي وعطاء المنتمي واحترامه للنظام والقانون واحترامه لحريات الاخرين ونصرة ابناء وطنه والدفاع عن الوطن . فهي تدُل على أنها أنتماء وجداني لمكان الوطن الذي يعيش فيه الانسان أو ولد فيه أو أنتمى اليه بالجنسية . فهي النظرية أو الفكر العام للمفهوم العام للمواطنة التي يجب أن يتحلى بها المواطن ، وهي مجموعة افعاله وتعامله مع المجتمع إظهاراً لخدمته وولائه له والمحافظة عليه وعلى تقدمه وهي ترجمة فعلية للعاطفة التي يكنه الانسان لإرضه ، وهي الحالة المادية التي يؤديها الانسان تطبيقا لنظرية الوطنية .[5]
وقد أرتبطت المواطنة بالجنسية باعتبارها التاطير القانوني للمواطنة في الدول، والتي يمكن ان تُكتسب باحدى الطريقتين :[6]
1- عن طريق التولد والذي يكون عن طريقين : أما الدم والذي يمنح حق المواطنة للشخص الذي يولد من اب يعد مواطنا في نظر الدولة التي ينتسب اليها . أو عن طريق الاقليم الذي بموجبه تمنح المواطنة للشخص الذي يولد على إرض الاقليم بغض النظر عن جنسية والديه ، باستثناء اطفال الدبلوماسين الاجانب .
2 – عن طريق التجنس : وتختلف الدول في إجراءات وشروط منح الجنسية للأفراد ، فاما أن تكون بصورة جماعية عن طريق ضم او شراء اقليم ما ، فتمنح الجنسية لسكان تلك المنطقة دون شروط ويكون منحها هنا بهذه الطريقة جماعياً ، أو بصورة فردية فتمنح الدولة حق أمتلاك الجنسية للافراد من خلال تطبيق جملة من الشروط .
ويمكننا تحديد ثلاث مكونات مراتبطة واساسية تميز المواطنة المعاصرة وهي :[7]
1 – العضوية في مجتمع سياسي، فهو يهتم بتعريف المواطن ، ففي الماضي كان يتم اقصاء العديد من السكان من المجتمع نتيجة عوامل داخلية وخارجية . ويتضمن الاستبعاد الداخلية لهؤلاء المصنفين اقل شأنا ، نتيجة لعوامل تتعلق بالعرق أو الجنس أو غيرها ، أو انهم غير مؤهلين نتيجة افتقارهم للملكية أو التعليم ، أو اقتصار المواطنة على الرجال دون النساء أو الشيوح كما كانت في اليونان أو على من يعتنقون دين معين كما في الدول الاوربية في القرون الوسطى .
2 – الحقوق والمنافع المرتبطة بالعضوية ، فالحقوق عادة ماينظر اليها على أنها الفيصل الأساس التي تحدد من خلالها تتمتع الافراد بمزايا سياسية واجتماعية وسياسية تندرج تحت اطار اعتبار كل واحد منهم مواطناً في هذا المجتمع .
3 – المشاركة في التفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع ، يشير تعتبيرنا عن المواطنة إلى الحق في المشاركة . والحق في أمتلاك حقوق يعود إلى مدى استناد الحصول على مختلف تلك الحقوق إلى الانتماء لمجتمع سياسي ما . غير أن العديد من النشاط انتقدوا هذا الطابع الخاص بالمواطنة ، مؤكدين وجوب توفر هذا الحقوق للجميع على اساس متساوية ، بصرف النظر عن مكان الولادة والاقامة ، فكان اعتراض هؤلاء النشطاء احياناً على تقييد امكانية التمتع بالمواطنة ، فالحقوق يجب ان تتجاوز حدود اي مجتمع سياسي دون الاعتماد على الانتماء او المشاركة ، وهي وجهة نظر تحتمل الكثير من العدالة في مضمونها ، الا انها ضعيفة الاسس وصعبة التطبيق .
وفيما يخص تفعيل دور المواطن ، لابد من التاكيد على أن أسس التغيير الجذري الجوهري البناء في دعم وأسناد هيكل أي مجتمع و دولة ينبع من شي أساسي ربما كان غائبا عن كثير من الدول التي تصبو نحو مثل هكذا تغيير ، والذي يكمن في تفعيل وتعزيز وترسيخ مفهوم المواطنة ، الذي يدفع الافراد إلى السعي الدائم والانتاج والتطوير ، فالولاء والانتماء هما نتاج المواطنة ، والتغيير الذي تبحث عنه الشعوب هو ذلك التغيير المرتبط بممارسة الافراد لمواطنتهم التي تدفعهم الى التغيير البناء ، إلى العمل لرفع المستوى الاقتصادي والتعليمي وإلى الممارسة السياسية الصحيحة وإلى الحفاظ على البيئة ، حيث يرجع السبب وراء تراجع الكثير من الدول من ناحية الاداء أو اندافعها وراء تحقيق مصالح الافراد الشخصية إلى غياب أو عدم تفعيل عنصر المواطنة . وهنا كانت الثورات على مدار السنين في اتساعها وعمقها هي انعكاس لتأثير مفهوم المواطنة فهي تعكس تعبير الافراد بولائهم وانتمائهم لذلك الاقليم ، [8] فسلوك المواطن في مجتمعه ، كالحالة مع قيام الفرد ببعض الاعمال الخيرية ، سواء كانت موجهة نحو افراد معينين أم نحو مجتمع ككل ، ينبع بدافع شخصي من الفرد ودون أن يكون مفروضاً بواسطة قوانين الثواب والعقاب ، بل بهدف تحقيق الصالح العام ، فما يميز المواطن في وطنه هو تقديمه اعمال طوعية ليست مطلوبه منه ولكنها تساعد على رفاهية المجتمع وتماسك وحدته الوطنية و تحسين اداء منظامتهم دون توقع اي حوافز مقابل ذلك .[9]
ويمكننا هنا ربط تفعيل مفهوم المواطنة بالحفاظ على البيئة وحمايتها ، وقد عرفت البيئة في معجم اللغات الحية على انها ” مجموعة الظروف والمؤثرات الخارجية التي لها تأثير على حياة الكائنات بما فيها الانسان ” وعرفت ايضاً من قبل اليونسكو 1968 ” بانها كل ماهو خارج عن ذات الانسان ويحيط به بشكل مباشر او غير مباشر وجميع النشاطات والمؤثرات التي تطبعه وتستجيب لها والتي يدركها من خلال وسائل الاتصال المختلفه لديه ” .[10] فالحفاظ على البيئة لا يتم الا بشكل جماعي ، وتلك الجهود الجمعية هي التي تساهم في وضع حل لمشكلاتها ، فوجود الانسان في بيئة نظيفة والحفاظ عليها من اضرار التلوث هو مطلب يسعى كل فرد إلى تحقيقه ، الا أنه من ناحية التطبيق ، يستلزم مشاركة الافراد وجهودهم الذاتية في تحقيق تلك الاهداف ، فالاستراتيجيات والسياسات والتخطيط المتكامل لاستغلال البيئة ، والاهتمام بها من قبل الدولة لما لها من فلسفة خاصة وأهداف محددة ، تحدد المشكلات البيئية وطرق حلها وتفعيلها والبدائل والخطط الزمنية ، يجب ان تكون مدعومة بادراك تام من قبل المواطن بضرورة المحافظة على تلك البيئة والمساهمة في الحد من تفاقم مشكلاتها ، ومثل تلك المبادرات تنبع من روح الالتزام والولاء للارض التي ينتمي لها ذلك المواطن وادراكه بانها شي اساسي ومهم يتواجد عليه هو وابناءه وان الحفاظ عليه هي جزء من مسؤؤليته وواجب من واجبته يجب عليه الايفاء به تجاه الوطن.[11]
فمهام الدولة في الرصد البيئي ومن ماء وهواء وتربة والوزارة والاجهزة المتخصصة بذلك والكوادر المتخصصة في المجالات الخاصة بالبيئة تكمل مهامها هذه بالتعاون مع المواطن ، الذي يبتدء عمله من الالتزام بالارشادات والتوجيهات التي تقدمها الحكومة وصولاً الى اخذ زمام المبادرة في الحفاظ على البيئة –البيئة المحيط به _ كالمحافظ على البيئة المحيط بمنزله ، مكان عمله ، الاماكن العام التي يرتادها والشارع وصولاً الى ثقافة المحافظة على البيئة التي نتواجد بها ، وكذلك التوعية التي يجب على الدولة القيامها بها ، لغرض توعية الافراد في كيفية التعامل مع البيئة ، وطرق الاستفاد منها دون تخريبها او الاضرار بها ، وكيفية المحافظة عليها.
فالتريبة البيئة التي اصبح منهجاً اساسياً في كثير من الدول التي تسعى للمحافظها على البيئة وتعي اهمية وتاثير المواطن في حماية تلك البيئة ، والمتمثلة في مجموعة الاجراءات التي تلجأ اليها الجهات المعنية لتعريف المواطن بمفهوم البيئة وابعادها والعوامل المؤثرة فيها ، فهي ترمي بشكل أساسي إلى تعريف الأفراد والجماعات بطبيعة البيئة بشقيها الطبيعي والمشيد ، وكذلك أكتساب المعارف والقيم والاتجاهات والمهارات التي تساعدهم في المساهمة المسؤولة والفاعلة ، فهي تمثل عملية تكوين المهارات والاتجاهات والميول والقيم اللازمة لفهم وتقدير العلاقة التي تربط الانسان وحضارته بمحيطه الحيوي الطبيعي وتوضح حتمية المحافظة على مصادر البيئة وضرورة حسن استغلالها لصالح الانسان وحفاظا على حياته الكريمة ورفع مستوى معيشته .[12]
الخاتمة :
المواطنة هو ذلك الشعور بالانتماء والولاء لدولة معينة أو اقليم معين ، ينتج عنه رغب المواطن في الذوذ عن هذا الوطن والدافع عنه وحمايته من أي خطر أو عدوان ، والحالة نفسها تنطبق عن رغبة هذا المواطن في الحفاظ على هذه الدولة التي يتنمي عليها ، والتي هي في احدى صورها تتمثل في دوره في الحفاظ على البيئة التي يمتلكها ، وعدم الاضرار بها ، وأدراك مدى أهمية دوره في المحافظة على البيئة ودعم جهود الحكومة واستراتيجتها في المحافظة على البيئة ، وهذا لا يتم الا من خلال شعور الفرد بانتمائه لذلك الاقليم وشعوره بان عليه جمله من الواجبات التي يجب أن يؤديها من تلقاء نفسه لذلك الوطن الذي ينتمي اليه ، وربما هذا هو الذي يميز صفة المواطن عن غيره من الافراد المتواجدين في ذلك الاقليم ، فشعوره بالانتماء والولاء الدائم لهذه الارض أو الدولة التي تعطيه من الحقوق ما يميزه عن غيره ، هو الذي يخلق فيه شعور الوفاء لتلك الارض ، مدركاً لدوره واهميته في المحافظة على البيئة التي هي مكان تواجده وعيشه وان هي تقع ضمن مسؤولياته كمواطن وليس مسؤولية الدولة فقط .
قائمة المصادر :
[1] -علي خليفة الكواري ، مفهوم المواطنة في الدولة الديمقراطية ، في كتاب المواطنة والديمقراطية في البلدان العربية ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 2001، ص24 .
[2] -Murray Clark Havens , (( Citizenship )) ,In The Encyclopedia Americana , Lavinia P. Dudley , Vol. VI , USA , 1980 , P.742 .
[3] -سيد محمود عمر يوسف ، المواطنة من منظور اسلامي ، دار المعارف ، سلسلة أقرا ، العدد 729 ، الامارات العربية المتحدة ، ص39 .
[4] – ريتشاد بيلامي ، المواطنة ، ترجمة رماح ناجي ، منشورات المركز الثقافي العربي ، المملكة الاردنية الهاشمية ، 2015، ص31 .
[5] – راشد احمد بن شبيب ، الوطنية والمواطنة بين النظرية والتطبيق ، مجلة البيان الالكترونية ، العدد الصادر في 20 ابريل 2017 ، على الشبكة الدولية الانترنيت https://www.albayan.ae/opinions/2007-04-20-1.164970
[6] -اوستن رني ، سياسية الحكم ، ترجمة حسن علي الذنون،ج1 ، المكتبة الأهلية، بغداد ،1964، ص222-ص226 .
[7] – ريتشاد بيلامي ، مصدر سبق ذكره ، ص26 وما بعدها .
[8] – سمير مرقس ، المواطنة والتغيير دراسة اولية حول تاصيل المفهوم وتفعيل الممارسة ، مكتبة الشروق الدولية ، القاهرة ، 2016 ،ص12،ص63 .
[9] – عبد السلام شايع القحطاني ،سلوك المواطنة التنظيمية وعلاقته بالابداع الاداري ، دار الكتاب الجامعي للنشر والتوزيع ، ط 1 ، الرياض ، 2016 ، ص16 .
[10] – محمود سرحان ، دور الشباب في المحافظة على البيئة ، شركة دار البيروني للنشر والتوزيع ، ط1، الاردن ، 2013، ص14 .
[11] -محمد محمود الوربي محمد ، الضبط الاداري ودوره في حماية البيئة ، مكتبة القانون والاقتصاد ، ط1، الرياض ، 2014 ، ص389، ص 385 .
[12] – محمود سرحان ، مصدر سبق ذكره ، ص 20-21 .