القانونية

الوعد بالتعاقد وتطبيقاته في القانون المدني

الوعد بالتعاقد وتطبيقاته في القانون المدني

بقلم الحقوقية: رؤى أحمد جرادات.. #

يعتبر الوعد بالتعاقد أحد الصور الخاصة للتراضي[1]، الذي يكون بمثابة الاتفاق الابتدائي لإنشاء الالتزامات المتبادلة في مرحلة سابقة للعقد بصورته النهائية.  هناك الكثير من المعاملات المالية تقوم على الوعد كما في المرابحة والايجار والوعد بالبيع، وتعتبر الوعود مسألة هامة ولكن في ذات الوقت عليها اختلاف فقهي كبير حول مدى الزاميتها[2]، وسيهدف البحث الى عرض مفهوم الوعد بالتعاقد إضافة الى مدى فعالية النصوص القانونية في معالجة حكمه القانوني.

أولاً – ماهية الوعد بالتعاقد:

يتمتع الوعد بالتعاقد بخصوصية تختلف عن باقي الوعود والاتفاقيات، كونه يخضع للأحكام العامة المتعلقة بالعقود من حيث اركان العقد وشروطه، ولكنه يختلف من ناحية اعتباره عقدا، فهو يتكون من تلاقي الايجاب والقبول بين كل من الواعد والموعود له[3].

ويعرّف الوعد بالتعاقد على أنه عبارة عن عقد يلتزم بمقتضاه أحد الأطراف بإنشاء عقد مستقبلي[4]، ويتم بتوافق ارادتين، وهما صدور الايجاب من الواعد، والقبول من الموعود له، فهو تمهيد لنشوء وابرام عقد في المستقبل، كما ويعتبر من العقود التي تكون ملزمة اما لجانب واحد او لجانبين[5]. أو هو ما يقوم الفرد بفرضه على نفسه من اجل غيره على سبيل الالتزام في المستقبل وليس الحال[6].

ثانياً – الفرق ما بين الوعد بالتعاقد والعقود:

تم الحديث عن مفهوم الوعد بالتعاقد، اما فيما يتعلق بالعقد فيقصد به: توافق ارادتين او أكثر على ترتيب أثر قانوني معين، او هو التزام المتعاقدين وارتباط الايجاب والقبول[7]، وذلك وفقا للمادة (103) من مجلة الاحكام العدلية العثمانية، وتتمثل الفروقات بينهما فيما يلي:

  • الوعد بالتعاقد ليس عقدا قائما بذاته انما هو وسيلة/طريقة لإنشاء هذا العقد.
  • العقد يعتبر عقد كامل ونهائي، أي مستوفي لكل اركان العقد المنصوص عليها قانونا، اما الوعد بالتعاقد فهو عقد تمهيدي ابتدائي لم يرتقِ الى العقد النهائي فهو مرحلة وسط ما بين الايجاب والتعاقد بالصورة النهائية.
  • العقد تظهر اثاره القانونية بشكل مباشر وفوري، اما الوعد بالتعاقد فتكون اثاره مستقبلية[8]، بمعنى لو كان الوعد بالتعاقد ملزما لجانب واحد فان أثره يظهر بصدور القبول من الطرف الاخر، اما لو كان ملزما لكلا الجانبين فانه يرتب اثرا بمجيء الميعاد القانوني المتفق عليه.
  • العقد يترتب عليه جميع الاثار القانونية وهي الحقوق والالتزامات المفروضة على الطرفين، اما الوعد بالتعاقد فلا تظهر حقوقه والتزاماته.
  • العقد يكون ملزم لطرفي العقد ولا يحق لأحدهما العدول عنه الا باللجوء الى القضاء او في الحالات المحددة قانونا، اما الوعد بالتعاقد فيمكن العدول عنه وذلك في حال رفض الموعود له لهذا الوعد.

ثالثاً – مجلة الأحكام العدلية في معالجة مسألة الوعد بالتعاقد:

لم تتحدث مجلة الاحكام العدلية العثمانية بالشكل الصريح عن الوعد بالتعاقد، ولكن جاءت المجلة في الحديث عن الوعد بصفة عامة، ف وفقا لما ورد في المادة (171) فان صيغة الاستقبال الدالة على الوعد المجرد لا ينعقد بها البيع، يفهم من المادة بان مسألة الوعود ليست ملزمة قانونا، وبشكل ضمني يمكن اعتبار الوعد بالتعاقد غير ملزم بالاستناد الى ما بينته المجلة، وهناك نص اخر في المادة (84)[9] والتي اعتبرت بان الوعد المعلق يكون لازما. ولكن لم يرد نص صريح حول الوعد بالتعاقد.

رابعاً – موقف القضاء الفلسطيني من مسألة الوعد بالتعاقد:

بحسب القضاء الفلسطيني لا يوجد ما يجبر الواعد على تنفيذ وعده، ولكن يوجد تعويض عن الضرر، بمعنى لو تلاقى الايجاب والقبول على وعد بالتعاقد، ومن ثم عدَل الواعد، لا يستطيع الموعود له اجباره بقوة القانون على التنفيذ، ولكن يحق له في حال لحقه ضرر نتيجة العدول عن هذا الوعد، ان يرفع دعوى بالتعويض عن الضرر الذي لحق به[10]، وذلك بالاستناد الى قواعد المسؤولية التقصيرية. فـ الوعد بالتعاقد في الواقع الفلسطيني مشروع ويعمل به ولكن غير ملزم بالوفاء قانونا، وهناك جانب آخر من القضاة يعتبر ان الوعد بالتعاقد الوارد على العقارات او المنقولات التي تأخذ حكم العقار فحتى يكون ملزما يتوجب ان يتم فيه الاجراء الشكلي وهو التسجيل[11].

ولكن بحسب وجهي نظري  أرى أن الوعد في التعاقد غير ملزم وأن قيام الواعد بتنفيذ وعده يعتبر تصرف انفرادي يتطلب قبول الطرف الآخر ألا وهو الموعود له ولا يعتبر عقداً نهائياً، وفيما يتعلق بالجانب القضائي الذي يعتبره ملزماً في حال تمام الشرط الشكلية فهو في هذه الحالة يصبح عقداً نهائياً بمجرد تسجيله وليس وعد بالتعاقد، فتسجيل الأرض في دائرة الطابو تنتقل بها الملكية مباشرة ويتم العقد، إضافة إلا أن قانون تسوية الأراضي لم يشترط تسجيل الوعد بالتعاقد وهذا يدلل على عدم الزاميته، لذا أرى إن هذا الجانب القضائي قد توسع في ذلك.

خامساً – النصوص القانونية في مسألة الوعد بالتعاقد:

يفتقر الواقع الفلسطيني الى وجود تشريعات تعالج كافة متطلبات القانون المدني ولكن يمكن اللجوء الى قانون المخالفات المدنية رقم (36) لسنة 1944م لإقامة دعوى ضرر نتيجة العدول عن الوعد بالتعاقد وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية، إضافة الى القانون المدني الفلسطيني رقم (4) لسنة 2012م ساري النفاذ في غزة وليس في الضفة الغربية، فقد تم النص في مادته (91) على الوعد بالتعاقد، وجاءت متشابهة لموقف المشرع الأردني بحيث اعتبرت الوعد بالتعاقد لازماً بتوافر الشروط اللازمة لانعقاده[12]، ولكن لا يمكن للقاضي الاعتماد عليها في الضفة الغربية.

سادساً – أحكام محاكم في مسألة الوعد بالتعاقد:

  • قضية رقم (705) لسنة 1997م، تاريخ الفصل14/9/1999: هذه قضية استئناف حول حكم محكمة بداية رام الله قضية 797/96، وقد بينت المحكمة بان القانون المدني المعمول به هو مجلة الاحكام العدلية وقد خلت من الإشارة لموضوع الوعد بالتعاقد، ولكن المحكمة استندت الى الفقه والقضاء الحديث والقانون المدني الأردني، واعتبر لازما اذا تم الاتفاق على الأمور الجوهرية وتحديد مدة متفق عليها، وتقوم المسؤولية العقدية في حال الاخلال به، كما وفي حال اشتراط شكل معين للتسجيل يفترض التسجيل بالشكل الرسمي لاعتباره لازما، كان يكون عقارا او منقول يأخذ حكم العقار(يلزم التسجيل)، وبينت المحكمة انه حتى ولو محكمة البداية اعتبرت الوعد بالبيع بيعا، لا يهم ما دام ان التسجيل الرسمي لم يحصل.
  • قضية رقم (1308) لسنة 2018م، تاريخ الفصل 30/1/2019: قضية استئناف للطعن في حكم محكمة بداية، وقد استندت المحكمة الى ان موضوع النزاع وارد على عقار، ومطالبة بالتعويض عن الضرر وليس مطالبة بتنفيذ الالتزام، والعقار يجب تسجيله لكي يتم اعتبار العقد او الوعد صحيح، ولكنه لم يكن مسجلا فاعتبر العقد أساسا باطل وبالتالي لم يترتب أي أثر (لا يحق له المطالبة بالتعويض)، ويفهم بان المحكمة لم تنظر في النزاع للإجبار على التنفيذ بل نظرت هل يحق له طلب تعويض ام لا.
  • قضية رقم (159) لسنة 2018م، تاريخ الفصل 17/3/2019: اعتبرت المحكمة ان الوعد بالتعاقد مشروع ولكنه غير لازم، كونه لا يشكل عقد نهائي، وبالتالي لا يوجد اجبار على التنفيذ، والعربون الذي اتفق عليه أطراف النزاع لا يشكل تعويض وانما جزء منفصل، كما واعتبرت المحكمة بان قانون تسوية الأراضي لم يشترط ان يكون الوعد بالتعاقد على غير المنقولات ان يكون مسجلا (لا حاجة لتسجيله)، ويحق طلب التعويض اذا رأى القاضي وجود ضرر فعلي.

 

يتبين مما سبق بأن الوعد بالتعاقد مشروع ويكثر استخدامه في المعاملات ولكن وفي ذات الوقت يظل غير لازم التنفيذ من الناحية القانونية، وإنما إذا تضرر أحد الأطراف نتيجة هذا الوعد يحق له المطالبة بالتعويض وفقاً لقواعد الفعل الضار، وان القضاء الفلسطيني قد عمل بهذا المبدأ، وكما تبين أيضا بأن المحاكم الفلسطينية كانت تحكم بالتعويض اذا رأى القاضي وجود الضرر، وبعض المحاكم فسرت على أن الوعد الذي يرد على غير المنقولات غير لازم، وبعضها فسرته أنه لازم فقط في حال تسجيله بشكل رسمي، ولكن الواقع الفلسطيني يفتقر حقيقة الى تشريعات واضحة وليست مبهمة لكي يسير على نهجها القضاء دون الحاجة الى الرجوع الى الفقه وقانون الدول الأخرى.

 

بقلم الحقوقية: رؤى أحمد جرادات.. #

 

# عن موسوعة ودق القانونية…

زر الذهاب إلى الأعلى