الاقتصادية

انكار الديون الخارجية للعراق حق مشروع للشعب العراقي

انكار الديون الخارجية للعراق حق مشروع للشعب العراقي

انكار الديون الخارجية للعراق حق مشروع للشعب العراقي

عودت ناجي الحمداني

2008 / 6 / 1

 

تبرز مشكلة الدين الخارجي كأحد المشاكل العقدية التي تعرقل نمو الاقتصاد العراقي و تطوره المستقبلي. فالديون الخارجية التي تراكمت على النظام البائد بلغت 450 مليار دولار , منها 320 مليار دولار تعويضات حرب للدول المتضررة من الحرب الصدامية, و 130 مليار دولار حجم الدين الخارجي, بضمنها 65 مليار دولار للدول الخليجية التي قدمتها كمنح ومساعدات مالية لدعم النظام الصدامي في حربه مع ايران, منها 25 مليار دولار للسعودية و12,5 ملياردولار للكويت و17,5 مليار دولار لبقية الدول الخليجية .(1)
لقد تطور حجم الدين الخارجي على النظام الصدامي بسبب حروبه على ايران والكويت , ونتيجة لذلك استهلكت الحرب ارصدة العراق المقدرة بين 34 و37 مليار دولار من الذهب والعملات الدولية , ولجوء الحكم الصدامي الى الأستدانة الخارجية بشروط صعبة لتغذية نيران الحرب الطاحنة بين العراق وايران .

وبالرغم من بعض المواقف الايجابية التي اتخذتها المنظمات المالية الدولية والدول الاوربية الدائنة بأسقاط 80/ من المديونية الخارجية المترتبة على النظام السابق لدعم التوجه الديمقراطي في العراق و تعزيز قدراته الاقتصادية للسير في طريق البناء والاعمار واستئناف مسيرته التنموية . فأن البلدان الخليجية التي كانت الحليف الستراتيجي للنظام الصدامي اثارت مشكلة المديونية وتدعي ان المنح المالية التي قدمتها للنظام البائد كمنح هي ديون على العراق وليست منح ومساعدات للنظام الصدامي مقابل حمايتها من ابتلاع الغول الايراني الجامح الى التوسع وضم الاراضي وتهديد الاستقرار والامن في دول الخليج . وتدل الحقائق والوقائع ان الاموال التي قدمتها الدول الخليجية الى النظام الصدامي لم تتم بموجب شروط القروض الدولية وانما جرى تحويلها كمنح ومساعدات في اطار التضامن العربي وليست كديون محملة بمزايا الاقراض.

لقد تضخم حجم المديونية الخارجية للعراق بصورة متسارعة بسبب عجز النظام المباد على الوفاء بالتزاماته تجاه دائنيه الدوليين, وتشكل المديونية الخارجية عبئا ثقيلا على كاهل الاقتصاد العراقي الذي يعاني من امراض وازمات مستفحلة بسبب قصور السيايات الاقتصادية الكلية وقصور الرؤية المستقبلية للسياسة الاقتصادية والمالية للحكومة الحالية. وقد ادى قرار لجنة التعويضات الدولية بتحريض الولايات المتحدة الامريكية قبل سقوط النظام الى فرض عقوبات بغيضة على الشعب العراقي بلغت 320 مليار دولار تحت طائلة تعويضات الحرب للدول المتضررة.

ان النظام الصدامي استخدم القروض التي استدانها بأسم العراق و بشروط صعبة من المصارف التجارية الدولية والمنظمات المالية الغربية لبناء ترسانة ضخمة من الاسلحة بما فيها الاسلحة المحرمة دوليا كالاسلحة الكيمياوية لحماية نظامه القمعي , فقد انفق اكثر من 94 مليار دولار على حربه مع ايران وخسائر في عائدات النفط بمقدار 55,5 مليار دولار وخسارة في الناتج المحلي الاجمالي بنحو 26,2 مليار دولار.(2)
ومع الاستمرار في الحرب المشتعلة تكبد العراق خسائر مادية وبشرية جسيمه, فقد تحطمت قطاعات الاقتصاد العراقي بما فيها قطاع النفط, ونتج عن ذلك تراجع الانتاج النفطي من 3,200 مليون برميل يوميا الى 140 ألف برميل في اليوم الواحد في العام 1980 , و ازدياد نسبة الانفاق العسكري الى عائدات النفط بنحو 146,6/ في عام 1983 .
واجبرت الحرب الطغمة الدكتاتورية على تجميد الخطط التنموية واللجوء الى اجراءات تقشفية صارمة على فئات الشعب الفقيرة واصبح العراق بلدا مثقلا بديون ضخمة الى العالم الخارجي .
فقد اعتمد النظام على الاستدانه الخارجية في تعزيز اجهزته البوليسية وقمع الشعب و ضرب حركتة الوطنية و التخطيط لحروب مستقبلية على بلدان المنطقة ,وبذلك فالديون البغيضة التي يدفع الشعب دمه لسدادها
لم ينتفع منها اطلاقا وانما تحمل تبعاتها الكارثية على شكل جوع وفقر وبطالة وارتفاع اسعار وازمات نقل وكهرباء وسكن وغير ذلك من المتاعب اليومية .
ومما لا شك فيه ان البلدان الخليجية التي قدمت الاموال للنظام البائد في الحرب العراقية الايرانية والمقدرة بنحو 65 مليار دولار تدرك جيدا انها قدمت الاموال كمنح غير قابلة للسداد لانها
ثمنا لمكافاة حليفها الدكتاتور صدام حسين الذي يقاتل بالنيابة عنها لدرء الخطر الايراني .
ولهذا يتوجب عليها اعلان شطب هذه الاموال دون قيد او شرط والتخلي عن المطالبه بسدادها , ويجب ان تعرف هذه البلدان قبل غيرها ممن وقعت في خداع الطاغية وحيله , انها قدمت الدعم لانقاذ النظام ولم تقدمه لمساعدة الشعب العراقي , و يجب ان تعرف ان من الافضل لها ان تكسب ود العراقيين بدلا من ان تغضبهم . اذ من المتوقع سيكون العراق بعد حقبة من السنين سلة غذاء المنطقة و يابان العرب التكنولوجي والعلمي وسوف يكون عراق الديمقراطية والحرية وليس عراق الطائفية والاحتلال, كما هو اليوم . ولهذا فعلى دول الخليج التي تتربص بالمياه العكرة ان تعيد حساباتها السياسية وتسقط مراهناتها الخائبة .

فالحروب التي خاضها الدكتاتور وصورها على انها حرب وطنية فهي بالواقع حروب هزائم وحروب كارثية على العراق من اجل اشباع شهيتة وتعطشه للجاه والعظمه وحب الظهور بالقائد الضرورة.
فالبلدان الخليجية والبلدان الامبريالية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية هي التي دفعت الطاغية لشن حربه المجنونه وامداده بالمال والسلاح لتوريط النظامين الصدامي ونظام الملالي في ايران في حرب غير عادلة من طرف الدولتين المتحاربتين لخدمة المصالح الا ستعمارية وتحويل البلدين المتحاربين الى اسواق مستهلكة للاسلحة والبضائع الغربية . وقد ادى توجه النظامين المتخلفين في العراق وايران الى طلب المزيد من الاسلحة اوالمعدات العسكرية و المنتجات الاشتهلاكية الاخرى الى امتصاص ماحققه البلدان من فوائض بترولية لعشرات العقود الزمنية.
فقد بلغت تكلفة الحرب على الدولتين المتحاربتين اكثر من 416 مليار دولار واضطر العراق لتغطية النفقات العسكرية بالقروض الخارجية. وهو احد اهداف البلدان الغربية لتوريط النظام بديون بغيضة كي تحقق عشرات الالوف من مليارات الدولارات من الفؤائد والاقساط التي تجنيها سنويا و تعمل على ارتهان الثروة البترولية والاقتصاد العراقي لمشيئة الراسمال الطفيلي الغربي .

ويتضح من ذلك ان القروض الغربية والخليجية لم تقدم لخدمة المصالح الوطنية للعراق وانما لتحقيق اهداف سياسية واقتصادية للدول الغربية , اذ ان هذه القروض لم لم تنفق على تطوير مشاريع التنمية الاقتصادية والبشرية وانما قدمت للنظام الصدامي لتحقيق اهداف لا انسانية و غير مشروعة من الناحية القانونية والاخلاقية والانسانية.
ولهذا ينبغي اعتبار كافة الديون الخارجية المترتبه على النظام السابق ديون كريهه (odious debt)
ويصبح من حق الحكومة العراقية التنكر لتلك الديون ورفض سدادها لانها ديون قذرة قدمتها الدول الامبريالية و الخليجية السائرة في فلكها لدعم نظام استبدادي غير شرعي وغير منتخب من الشعب.

ووفقا لمباديء الامم المتحدة فان الدين الكريه لا يتطلب الألغاء او اعفاء البلد المدين لانه دين باطل و يعتبر دينا في ذمة النظام السابق , وبذلك لا يمكن ان تكون للديون الكريهة استحقاقا طالما تقوم على اهداف لا انسانية و على اهداف غير مشروعة . (3)
فالدين الكريه في القانون الدولي يعني (اذا عمدت سلطة مستبدة الى الاستدانه لا وفقا لحاجات الدولة ومصالحها بل لتقوية نظامها الاستبدادي,وقمع السكان اللذين يقاتلونها يكون الدين كريها بالنسبة الى سكان الدولة باسرها, فهو دين شخصي للسلطة المستدينة لذا يسقط مع سقوط تلك السلطة). (4)
وهذا ما ينطبق تماما على حالة العراق , فالنظام الصدامي نظاما لم ينتخبه الشعب وهو نظاما استبداديا وقمعيا من الطراز الفاشي وانطلاقا من هذا التوصيف الذي ينسجم مع التوصيف الدولي فان المديونية الخارجية للعراق تعتبر مديونية ملغاة ويجب على الدول الدائنة اسقاط ديونها المترتبة على العراق بسقوط النظام الصدامي الذي يمثل السلطة المستبدة .
ونعتقد ان الحكومة العراقية تمتلك كافة المبررات القانونية والاخلاقية التي تبرر اعلان رفضها سداد مديونية النظام البائد , وتطالب بتعويضات مالية من الدول التي مولت بالقروض النظام الصدامي , فالدول الدائنة تتحمل مسؤولية قانونية واخلاقية لانها السبب المباشر في تمويل النظام القمعي و هي سبب الكوارث التي اصابت العراق وادت الى تخلفة العلمي والتكنولوجي والاجتماعي لعشرات العقود من الزمن.
وانطلاقا من هذه الرؤية نرى ان الدفاع عن المصالح الوطنية والاستقلال واستئناف مسيرة التنمية واعادة البناء والاعمار تتطلب من الحكومة العراقية والبرلمان العراقي اعلان رفض سداد الديون المترتبة على النظام البائد واعتبارها ديون كريهه و معونة مالية مقدمه من الدائنين الدوليين الى حليفهم النظام الصدامي الذي قدم خدمات جليلة لمصالحهم الاقليمية.
و سوف يلقى هذا الموقف الوطني دعم واسناد الشعب العراقي وكافة الانظمة الوطنية والقوى التقدمية في العالم وان مايبرر ذلك هو:
1- ان النظام البائد في الموقف الدولي هو نظاما همجيا واستبداديا من طراز الفاشية وقد اغرق العراق بمديونية ضخمة لتحقيق اهدافه الخاصة التي تتعارض مع مصالح الشعب.
2- ان النظام البائد يمثل نظاما دكتاتوريا قمعيا لم ينتخبه الشعب وبالتالي فأن كل ما يترتب عليه من التزامات فان الشعب العراقي غير معني بها .
3- انفق النظام السابق القروض والمعونات الدولية لتمويل عدوانه الخارجي وقمع الشعب العراقي وفي تعزيز دكتاتوريته الدموية.
4- لم يستفد المواطن العراقي من القروض التي استدانها النظام وانما تحمل تبعاتها الكارثية بدفع الضرائب وارتفاع الاسعار والبطالة وفي تدهور احواله المعيشية.
5- لم ينفق النظام البائد القروض على مشروعات ستراتيجية تحقق الامن الغذائي و الاستقرار الاقتصادي للبلد او المساهمة في تخفيف معاناة الناس من الازمات الاقتصادية والخدمية.
6- اسهمت القروض الخارجية في تشجيع النظام الدموي وتماديه على مواصلة حروبه على البلدان المجاورة و تحديه للقرارات الدولية.
7- الدول الدائنة ورطت النظام البائد بمديونية بغيضة دون أي اعتبارلقدرة النظام على السداد ودون اية اعتبارات لاهداف النظام الحقيقية المتوخاة من القروض الخارجية.

وبذلك استخدمت الدول الدائنة المديونية الخارجية فخا للتدخل في شؤون العراق الداخلية ومصادرة قراره الوطني من خلال اجبار النظام على تطبيق وصفة صندق النقد الدولي المسمومة لتحقيق مصالح الراسمالية الدولية الطفيلية.

آليات اطفاء المديونية الخارجية

ان تنكر العراق لديونه الخارجية حق مشروع تكفله الأمم المتحدة والقانون الدولي. فالديون الكريهه تتعارض تعارضا فضا مع شروط التعاقد الدولي. وقد رفضت روسيا في عام 1917 وكذلك الولايات المتحدة الامريكية بعد الحرب الاهلية الديون المترتبة عليهما باعتبارها ديون كريهه اضرت بمصالح شعوبهما ويمكن ان يكون ذلك مثالا مشجعا للحكومة العراقية في اعلانها رفض سداد المديونية الخارجية , فالديون التي تراكمت على النظام الدكتاتوري هي ديون كريهة بكل المقاسات الاقتصادية والسياسية .
وقد استخدمها الطرف المدين وهو النظام الصدامي لاغراض لاانسانية بالضد من ارادة الشعب الذي رفض سياسات النظام وحروبه التي انتهت بتدمير العراق واحتلاله .لذا نرى بامكان الحكومة العراقية ان تتنكر لمديونيتها الخارجية وتعتبرها ديون ملغاة ومنتهية بانتهاء النظام البائد. وان الشعب العراقي هو الضحية الاولى لسياسات النظام القمعي وحروبه وبالتالي فهو غير مطالب بتحمل تبعات النظام الذ كان عدوا له و حليفا ستراتيجيا للدول الغربية والخليجية المموله له .

ونعتقد ان الآليات الممكنه لأطفاء بؤرة الديون الخارجية التركة الثقيلة للنظام القمعي البائد كثيرة ومنها:
1- تشكيل هيئة لأدارة الدين الخارجي من خبراء وزارت الاقتصاد والمالية والخارجية والمصرف المركزي بأسم ادارة الدين الخارجي.
2- تقوم الهيئة بدراسة ملفاة الديون الخارجية والمنح والمساعدات الدولية المقدمة للنظام البائد لتشخيص ما هو دين وماهو منح و مساعدات.
3-تقدم الهيئة دراسة وافية عن الاثار السلبية الناجمة عن الديون الخارجية ومخلفاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
4-ان تقدم الهيئة الحقائق المقنعة في ان القروض التي استدانها النظام البائد جرى انفاقها على العمل العسكري وادامة الحرب.
5- تقدم الهيئة الاحصاءات البيانية عن النفقات العسكرية التي تمت تغطيتها بالقروض الخارجية.
6- تقوم الهيئة باعداد دراسة عن الدمار الاقتصادي والاجتماعي والحضاري والنفسي الذي اصاب العراق من جراء حروب النظام البائد.

وبذلك تستطيع الحكومة التوجه الى الامم المتحدة لتوضيح موقفها باعلانها رفض سداد المديونية الخارجية التي استدانها النظام البائد ورفض تعويضات الحرب المترتبة على النظام من جراء حروبه التي شنها على شعبه وعلى البلدان المجاوره , ومطالبة الدول المموله للنظام البائد بدفع تعويضات عن الخسائر التي لحقت بالشعب العراقي جراء دعمها للنظام القمعي الذي اوقع العراق بكارثة لا مثيل لها في العصر الحديث… *

*. عن الحوار المتمدن..

زر الذهاب إلى الأعلى