الفكر السياسي

بعد الانتخابات الرئاسية الايرانية 2021.. هل يحصل تغيير في سياستها الاقليمية؟

بعد الانتخابات الرئاسية الايرانية 2021.. هل يحصل تغيير في سياستها الاقليمية؟

بعد الانتخابات الرئاسية الايرانية 2021.. هل يحصل تغيير في سياستها الاقليمية؟

    

أ.م.د. حمد جاسم محمد

قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء

يتسم النظام السياسي الإيراني بنظام حكم فريد من نوعه يجمع بين الحكم الديني الاسلامي وبين مبادئ الحكم الديمقراطية عبر مجموعة من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، والتي تعمل بالتعاون والتشابك مع بعضها البعض، مع وجود هيمنة لمؤسسة المرشد الاعلى التي تشرف على حسن سير السياسة العامة وتنفيذها.

وقد جرت يوم الجمعة 18 حزيران 2021، الانتخابات الرئاسية الإيرانية في دورتها الثالثة عشرة وتنافس فيها سبعة من المرشحين  تمت الموافقة على قبول ترشيحهم من قبل مجلس صيانة الدستور وهم كلا من (رئيس السلطة القضائية  إبراهيم رئيسي، ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق للحرس الثوري، ( محسن رضائي، ومحسن عليزاده، وسعيد جليلي، وعليرضا زاكاني، وعبد الناصر حماتي، وأمير حسين غازيزاده هاشمي)، وفق شروط نصت عليها المادة 115 من الدستور، انسحب ثلاث منهم قبل بدء الانتخابات وهم كلا من (سعيد جليلي، علي رضا زاكاني، محسن مهر علي زاده)، واعلنت وزارة الداخلية الايرانية النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية الايرانية، والتي شارك فيها (28,93,004) مليون ناخب من اصل ( 59,310,307) مليون ناخب يحق لهم التصويت، بفوز المرشح (ابراهيم رئيسي) رئيسا للبلاد لدوره امدها اربع سنوات بحصوله على بنسبة  62% من إجمالي الأصوات، بعدد (17,929,345) مليون صوتا، واما المرشح (حسن رضائي) فقد حصل على (3,412,712) مليون صوتا، والمرشح (عبدالناصر همتي) على (2,427,201) مليون صوتا،  وحصل المرشح (امير حسين قاضي زادة هاشمي) على (999,718) الف صوتا، بينما بلغت الاصوات الباطلة (3،726,870) مليون صوتا، اما نسبة المشاركة العامة في الانتخابات فقد كانت (48,8%).

تأتي اهمية الانتخابات الايرانية الحالية 2021، وانتخاب المرشح (ابراهيم رئيسي) رئيسا لإيران لأربع سنوات قادمة من عدة اعتبارات منها:

  • ضمان بديل آمن لمرحلة ما بعد المرشد الاعلى (اية الله علي الخامنئي) اذ يعد من مؤيدي خط المرشد الاعلى ويحظى بالقبول من قبل اغلب التيارات الايرانية (المحافظة والاصلاحية)، وان تنتقل ولاية الفقيه بشكل سلمي وسريع ليد شخص اخر مثلما حصل في احتيار المرشد الاعلى الحالي بعد وفاة المرشد الاعلى (اية الله الخميني) عام 1989، وقد اقر كل المرشحين بفوزه وتقديم التهاني له،
  • ان انتخاب (ابراهيم رئيسي) المحافظ المعتدل لرئاسة ايران تأكيد على استمرار تدخل ايران وحضورها في الشأن الاقليمي ومنع اي تراجع فيه مستقبلا حتى تضمن ايران الاعتراف بدورها في المنطقة، خاصة بعد حصول متغيرات في المنطقة وانكفاء دول اقليمية مهمة على اوضاعها الداخلية مما ساعد ايران التي تمتلك قوة عسكرية وبشرية وامكانيات اقتصادية وتكنلوجية في تسيد الموقف في المنطقة بدون منافس مؤثر.
  • ان فوز (ابراهيم رئيسي) في انتخابات الرئاسة الايرانية سوف يخلق وحدة الخطاب الايديولوجي للداخل والخارج والتقليل من حالة التمرد التي ظهرت في حقبة الرئيس السابق (حسن روحاني) وزير خارجيته، وتحقيق حالة الاستقرار السياسي وتكامل المؤسسات الثلاث في ايران التي اصبحت يهيمن عليها التيار المحافظ المعتدل والمدعوم من الحرس الثوري، كذلك ضمان استمرار خط ولاية الفقيه والاستمرار في البرنامج النووي دون تراجع وهو ما يطمح لها المرشد الاعلى.
  • ان اختيار شخصية من الجناح المحافظ المعتدل ستقود الى انبثاق قيادة سياسية جديدة سيكون لها دور في طريقة ادارة المفاوضات النووية مع دول 5+1، والموقف من الولايات المتحدة، والملفات الاقليمية، وتكون هذه الحكومة قوية ومنسجمة مع توجهات المرشد الاعلى داخليا وخارجيا، ومن وجهة نظر المحللين فان توجهات القيادة الايرانية القادمة ترغب في حكومة من التيار المحافظ المعتدل، والذي يجمع بين التشدد والبراغماتية في نفس الوقت واخذ مصالح البلد في نظر الاعتبار .

خلال حقبة ادارة الرئيس المنتخب (ابراهيم رئيسي) من المستبعد حدوث تغيير كبير في السياسية الايرانية تجاه المنطقة بشكل عام، لان علاقات ايران الخارجية الاقليمية والدولية فهي محكومة بعدة اعتبارات داخلية وخارجية، لا تتأثر بالأشخاص بقدر اخذها مصالح ايران ودورها ومقاومة السياسية الغربية ضدها في المنطقة، اذ ان تغيير خريطة التيارات والقوى السياسية في إيران لا تعني تحول في سياستها العليا بقدر ما هي تعني تحولا في الاستقطاب الموجود بين الإصلاحيين والمحافظين الذي سيطر على الحياة السياسية الإيرانية منذ الثورة الإسلامية, من خلال استقطاب جديد من داخل التيار المحافظ بين المحافظين الأصوليين والمحافظين المعتدلين, وبين الاصلاحيين الاصوليين والمعتدلين، فالحياة السياسية الإيرانية تميل تقليديا إلى فكرة الاستقطاب الثنائي بعيدا عن التعددية، ان ايران تنظر لدول الاقليم المجاور لها منطقة نفوذ لمصالحها وتقوية دورها العالمي واجبار الدول الكبرى على الاعتراف بهذا الدور، وخط دفاعي عن الداخل الايراني، ان تغيير الاشخاص في الرئاسة الايرانية وعدم تأثيره على سياستها الخارجية يأتي عدة اعتبارات منها:

  • دور المرشد الاعلى في ادارة البلاد ورسم السياسات العامة وحل الاختلافات وتنظيم العلاقة بين السلطات الثلاثة، وصلاحيات العزل التنصيب باعتباره اعلى سلطة رسمية في البلاد، هذا الدور الكبير للمرشد الاعلى ليس مطلقا ايضا، بل هناك تعاون وتشابك بين مؤسسة المرشد مع مجلس تشخيص النظام الذي يضم رؤساء السلطات الثلاث واعضاء اخرين، اضافة الى وجود المجلس الاعلى للأمن القومي الايراني ووزارة الخارجية وهو يعني اشتراك كل المؤسسات في صياغة القرار السياسي، فخلال المفاوضات النووية بين ايران ومجموعة 5+1 نرى ان من يراس الوفد الايراني هم شخصيات مهمة وذات اختصاص عالي في ادارة هذا الملف ولم يقتصر على شخص واحد، وهذا يعني براعة استخدام الشفافية والبراغماتية في الادارة والحكم.
  • ان الاسباب التي دعت ايران لاتخاذ سياسات متشددة تجاه بعض دول المنطقة، والتدخل في بعضها لا زالت موجودة، منها، المواجهة مع السياسة الامريكية في المنطقة التي جعلت من حماية مصالحها وامن اسرائيل في الدرجة الاولى، واتبعت سياسة التدخل في الشأن الداخلي لدول المنطقة لتفتيتها من خلال دعم الحراك الاجتماعي فيها، ودعم بعض دول المنطقة لمواجهة ايران ومنع اي تعاون معها من خلال افتعال الازمات والاتهامات ضدها، ثم اطلاق التهديدات المباشرة ضدها واستهداف مصالحها وقتل ومسؤوليها في داخل ايران وخارجه، هذه الاسباب جعلت ايران تنظر الى اغلب دول المنطقة بعين الشك والموالات للسياسة الامريكية التي ترى ان سياسة التدخل هي السياسة الناجحة لمواجهتها.
  • اخطاء الولايات المتحدة في المنطقة من احتلال العراق وافغانستان والانسحاب منها اخيرا، وحدوث فوضى في دول اقليمية اخرى وخروج اخرى من ساحة المواجهة الاقليمية، اذ اصبحت ايران بقوتها العسكرية ونفوذها الوحيدة بدون وجود قوة اقليمية مواجهة لها، حتى تركيا التي تعد قوة اقليمية كبيرة ايضا ليس بإمكانها مواجهة ايران لوحدها اذ وصلت ايران الى سوريا جنوب تركيا، اضافة الى وصول مصالح مشتركة بين الدولتين، كل ذلك جعل سياسة ايران الخارجية ثابتة لا تتغير بتغير الاشخاص بقدر تأثرها بالمصالح الايرانية ومواجهة المخاطر.
  • لا زالت ايران تعاني من العقوبات الاقتصادية الامريكية، وان اقتصادها معتمد بشكل اساس على دول المنطقة وخاصة جوارها الاقليمي في الشرق والغرب، لهذا نرى ان اغلب برامج المرشحين الانتخابية كانت موجه صوب الاقتصاد ووضع الخطط لتحسينه ورفع العقوبات الامريكية، فقد ركز المرشحين على دور ايران الاقتصادي في المنطقة وعدها منطقة سوق اقتصادية للمنتجات الايرانية، كما اكد المرشحين على مواجهة السياسة الامريكية في المنطقة وافشال العقوبات على ايران ، لهذا فان سياستها الخارجية التدخلية في المنطقة سوف تستمر لضمان تدفق منتجاتها الى اسواق دول الجوار لتحقيق النمو الاقتصادي اللازم.
  • ان اغلب الدول الاوربية كانت ولا زالت بعيدة عن معارضة دور ايران الاقليمي، بل وكانت من دعاة رفع العقوبات عنها وابرام الاتفاق النووي عام 2015، ثم معارضة انسحاب الولايات المتحدة من ذلك الاتفاق والضغط عليها لإعادة المفاوضات مع ايران حوله عام 2021، والمفاوضات في مراحلها الاخيرة، لهذا ترى ايران انها الاقدر على لعب دور اقليمي والمساهمة في حل نزاعات المنطقة، وانه ليس بقدور القوى الكبرى تجاهل دورها في المنطقة.
  • وجود دول كبرى مثل روسيا والصين داعمة لإيران اقليميا ودوليا، ووقفت ضد سياسات الولايات المتحدة ضدها، كما ان ايران من جانبها تراعي مصالح هذه الدول وتفتح تعاون معها في الجوانب الاقتصادية والعسكرية، فقد وقفت الى جانب روسيا في سوريا، وعقدت العديد من الاتفاقيات التجارية مع الصين، وهي ممول نفطي رئيس لها، اضافة الى مساهم اساس في طريق الحرير المستقبلي من الصين الى الشرق الاوسط واوروبا والتي تمر عبر ايران.
  • ان اغلب التحليلات كانت تراهن على ان انتخاب (ابراهيم رئيسي) رئيسا لإيران سوف يسبب ضررا للمفاوضات النووية لوجود تحفظات امريكية سابقة على ترشيح (رئيسي)، الا ان تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية (نيد برايس) والذي اكد فيها ان الادارة الامريكية الحالية مستمرة في المفاوضات وهناك تقدم في محادثات فيينا المتعلقة باستئناف الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران، وانه يمكن التوصل الى اتفاق نهائي قبل انتهاء مدة الرئيس الحالي (حسن روحاني)، وهو ما يرفع اي ضغوط على الرئيس الجديد او تغيير في سياسته الخارجية، لان عقد اي اتفاق نووي سيكون من خلال تنازلات متبادلة من الطرفين بعضها يخص دور ايران في المنطقة.
  • اضافة الى اعتماد ايران على القوة العسكرية واستثمار الفرص المتاحة والنفوذ الى الاسواق لتعزيز اقتصادها في تقوية دورها ونفوذها في المنطقة والوقوف في وجه العقوبات والتهديدات الامريكية الاسرائيلية، فهي تعتمد ايضا على مجموعة من الحلفاء الاقليميين الذين هم الذراع الايمن لها والحليف الموثوق في تحقيق اهدافها ومواجهة اي تهديدات امريكية عليها، لهذا فان في المرجلة الحالية وطالما بقيت هناك اسباب تدعوا الى دعم هؤلاء الحلفاء وتقويتهم فان سياسة ايران الخارجية الاقليمية سوف تستمر في تقوية ودعم حلفاءها وتعزيز دورهم في دولهم وعدم التراجع قبل ان تضمن اعتراف دولي لدورها الاقليمي ورفع العقوبات عنها وعدها قوة اقليمية لها راي في اي مفاوضات قادمة حول تسوية النزاعات والخلافات في المنطقة.

ان اي رئيس منتخب لإيران لابد ان يأخذ بنظر الاعتبار الاوضاع الداخلية والخارجية بنظر الاعتبار في تغيير في سياسته تجاه المنطقة، والتي تعد ذات اهتمام عالمي كبير لما تضمه اراضيها من موارد الطاقة (النفط والغاز) كذلك الموقع الاستراتيجي والسوق الاستهلاكية الكبيرة والبيئة الخصبة للاستثمار، كما ان السياسة الخارجية الايرانية هي نتاج تعاون عدة مؤسسات تشترك في صناعة القرار الخارجي تكون مؤسسة الرئاسة واحدة منها، فمؤسسة المرشد الاعلى والمؤسسات المرتبطة به، والسلطة التشريعية والحرس الثوري ومؤسسة الامن القومي لها دور مهم في صياغة القرار السياسي الخارجي، كما ان الرئيس المنتخب (ابراهيم رئيسي) هو من رجالات الثورة وقد تسلك عدة مناصب عليا فيها اخرها رئيس السلطة القضائية، ومن انصار ولاية الفقيه والاوفياء، ومرشح قوي لمنصب المرشد الاعلى لهذا فلا يمكن ان نرى تغييرا في سياسته الخارجية تجاه دول الاقليم، بل ستكون امتدادا للسياسات السابقة، التي تطمح الى اخذ ايران لمكانها في المنطقة وعدها قوة اقليمية وعدم تجاوزها عند مناقشة قضايا المنطقة، بل ان ايران تطمح لتكون لاعب دولي مستقبلا خاصة وان تواجدها العسكري والاقتصادي قد وصل الى قارة افريقيا والبحر المتوسط والمحيط الاطلسي وامريكا اللاتينية وان الظروف لا زالت متهيئة لها لتستمر في دورها ونفوذها. *

* عن مركز الدراسات الاستراتيجية..

زر الذهاب إلى الأعلى