عامة

بعض المثقفين ولغة – نحباني للّو – !

بعض المثقفين ولغة – نحباني للّو – !

يوسف ابو الفوز

2010 / 3 / 23

دردشة

في السابع من آذار 2010 توجه ملايين العراقيين ، إلى صناديق الاقتراع في عرس جماهيري ، في تظاهرة ديمقراطية ، توجهت اليها كل انظار العالم ، وذلك لاختيار ممثلي الشعب العراقي في مجلس النواب الجديد ، ومع بدء الحملات الانتخابية ، وأندلاع نيران الصراع بين ممثلي القوائم الانتخابية ، وتلك الحرب الضروس التي راحت تدور على شاشات الفضائيات ، التي شبهها صديق سينمائي بأنها “صراع ديكة ” ، اذ استخدمت فيها ـ عزيزي القاريء ـ مختلف الاسلحة ـ المشروعة وغير المشروعة ـ والتي انفقت فيها مبالغ خيالية على حملات المرشحين ، كنت اتمعن في مساهمة المثقفين العراقيين في ما سميّ “لعبة الديمقراطية” ، وكان لي الشرف أيامها أن اكون من ضمن الموقعين على البيان الذي صدر في بغداد عن كوكبة من المثقفين العراقيين , ودعا بلغة صريحة وواثقة ، وانطلاقا من المسؤولية الملقاة على عاتق المثقفين للعب دور مهم في توعية الناس و”تحفيزهم على المشاركة الفعالة في الانتخابات ” ، وفي هذا البيان توجه الموقعون ، وبشجاعة لدعوة الناس الى الاشتراك في الانتخابات بوعي ومسؤولية ، حيث دعى البيان المواطنين الى ” الاحتكام لخياراتهم الخاصة في اختيار نوابهم بصورة حرة واعية ” ، وقد فصّل البيان في تقديم وجهات نظر واقتراحات تخص مجلس النواب القادم ، ورؤيته وموقفه من الثقافة ومؤسساتها الشرعية ، ولعمري ان المجموعة التي صاغت البيان بذلت جهدا في ذلك ليأتي بصيغة واضحة وبدون لبس او دوران ، وهذا الذي جعله يحضى بقبول اوساط واسعة ، وعكس ذلك الاعداد المتزايدة من الموقعين عليه من المثقفين العراقيين . خلال فترة اعداد البيان وجمع التواقيع ، وقبيل اصداره كانت تدور الاحاديث في اللقاءات التي تتم ، سواء على الفضائيات او في الجلسات الادبية عن دور المثقف الحيوي في الممارسة الديمقراطية ، وبحكم كون العملية الديمقراطية فيها رابح وخاسر ، فأنها وإذ تتطلب روح رياضية عالية للقبول بالخسارة ، وكنت ـ ولا أزال ـ اتمنى ان لا يكون ثمن خسارة طرف سياسي ما هموما اضافية للمواطن العراقي اضافة لكل ما عاناه وسيعانيه ، واقصد هنا تداعيات ما في الجوانب الامنية ، فقد كنت اتمنى للمثقف العراقي ان يكون له دور اساس ومباشر في هذه العملية بالذات ،اعني نشر روح المسؤولية والتكاتف وقبول نتائج الانتخابات والاذعان الى قرار الناخب عبر صناديق الاقتراع ، طبعا اقول هذا وفي ذهني انتخابات ديمقراطية نزيهة شفافة . عن هذا الامر تحدثت مع اصدقاء مثقفين حضروا معي اللقاء الذي اقامه “ملتقى الخميس ” في مقر اتحاد الادباء والكتاب في بغداد، واستضاف به الفنان الدكتور حمودي الحارثي ، وكانت الحملات الانتخابية والصراعات في أوجها ، وفي هذا اللقاء الشيق ، وخلال احاديث الفنان الضيف ، والاخرين ، كان ” عبوسي” بشقاوته وتلقائيته حاضرا معنا ، ومع انتهاء اللقاء رحنا نواصل استذكار اشياءا طريفة ترتبط بشخصية “عبوسي” ومقالبه مع حجي راضي ـ الفنان سليم البصري ـ ، واستذكرنا تلك الحلقة بالذات، يوم التحق حجي راضي ومعه شخصيات مسلسل ” تحت موسى الحلاق ” بمدارس محو الامية، وتورط في قراءة رسالة لامرأة ابنها يدرس في الهند ، وراح يقرأ لها “تحياتي للوالدة ” بأنها “نحباني للّو ” وعبارة “اني مشتاق كثيرا ” صارت عنده ” مشناف كنبرا” ، فحجي راضي المسكين لا يساعده بصره على رؤية الحروف بشكل جيد والتمييز بي نقطة او نقطتين، ومستوى تعليمه لم يساعده على قراءة الكلمات كاملة فكان يجزأها ، فجاءت قراءته للرسالة ـ كما تعرف عزيزي القاريء ـ رطانة غير مفهومة ، استغلها عبوسي المعروف بشقاوته ليقول لحجي راضي بأنها باللغة الهندية ، وراح يقرأها له بشكلها الصحيح معتبرا نفسه مترجما .
اقول كل هذا ـ عزيزي القاريء ـ وانا استذكر اداء “البعض” ـ واضع ” البعض ” بين قويسات ـ من المثقفين العراقيين خلال الحملات للانتخابات البرلمانية ، اذ كان حديث هذا “البعض ” اشبه بقراءة الحاج راضي للرسالة !! فبربك ـ عزيزي القاريء ـ كيف يستقيم الدعوة لدولة مدنية مع الاشتراك في قوائم مبنية اساسا على اساس طائفي أو الدعوة لها ؟ وكيف يستقيم الدعوة للعمل ضد الفساد ، مع تلقي الهبات والمكرمات من هذا السياسي او ذاك ؟ وكيف تستقيم الاستقلالية بالسير في ذيل موكب باذخ لسياسي ما ، بل والظهور بدور حاجب الحاجب ؟؟ وكيف …. ؟! ان للمثقفين دورا خطيرا بالقياس الى غيرهم من شرائح المجتمع ، ارتباطا بقدرة المثقف على استشراف المستقبل، والتعامل بمسؤولية مضاعفة مع الواقع السياسي والاجتماعي للبلاد ، ولا يمكن للمثقف ان يحتل الموقع المناسب ان لم يكن بمستوى التحديات واستثمار التحولات في البلاد من اجل المساهمة في البناء الديمقراطي للانسان العراقي ، والمطلوب ادراكا مسؤولا لحجم هذه المسؤولية ليتمتع المثقف بشخصيته المستقلة وليتحدث بلغته المفهومة والابتعاد عن الانضواء تحت خيمة السياسي ، خصوصا من لديه فهم مشوه للديمقراطية ، فهذا يجعل مثقفنا بالنتيجة يتحدث بلغة نحباني للّو !
وسنلتقي !!….. #

# عن الحوار المتمدن….

زر الذهاب إلى الأعلى