بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في الثامن من آذار (( لا يقي عفة الفتاة حجاب ………. بل يقيها تثقيفها والعلوم ))
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في الثامن من آذار
(( لا يقي عفة الفتاة حجاب ………. بل يقيها تثقيفها والعلوم ))
• د. عادل عبد الزهرة شبيب
لازالت النساء يعانين من الحقوق المسلوبة منهن ومن اشكال العنف الواقع عليهن وتتجدد مطالبهن دوما في تحقيق المساواة بين الجنسين في كافة المجالات والمحاور وزيادة نسبة مشاركتهن خاصة في المجالات السياسية والاقتصادية .
ان العالم اليوم في امس الحاجة لتفعيل الدور الكامل للمرأة في كافة المجالات وتحقيق المساواة بين الجنسين في الحقوق والاجور في العمل وتخفيض الفجوة بين الجنسين التي تحول دون أي تقدم في كافة المجتمعات ووضع حد للممارسات السلبية التي تمارس ضدها وفي ثقافات عديدة . لقد عانت المرأة عبر التاريخ من الظلم والتهميش والتعسف وسلب الحقوق حيث استطاعت المرأة بنضالها استرجاع بعض حقوقها المسلوبة وهذا الأمر يختلف من دولة لأخرى .وفي العراق كانت المرأة العراقية اسيرة العادات والتقاليد البالية التي حرمتها من قيمتها البشرية حيث كان ينظر للمرأة باعتبارها اقل مستوى من الرجل ،كما كان ذكر المرأة في المجالس العامة يعد خروجا عن الأدب ،اضافة الى ان المرأة كانت مسلوبة الرأي حتى في اختيار زوجها اذ كان الزوج يفرض عليها وهو غالبا ما يكون ابن العم او احد الأقارب. وكانت المرأة محرومة من التعليم الذي كان حكرا على الرجل وكانت فرصها في التعليم ضئيلة وتخضع لتقاليد صارمة حيث يرى المجتمع وخاصة في العهد العثماني في التعليم مفسدة للنساء .
المرأة في القرن العشرين :
شهد القرن العشرين العديد من التطورات في تاريخ المرأة العراقية بظهور نماذج جديدة تطمح للحصول على ميزات اوفر في مجال التعليم والثقافة ونصيب اكبر في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للوقوف على قدم المساواة مع الرجل ،وعلى اكتاف هذا النموذج من النساء قامت الحركة النسوية المعاصرة في العراق وكان التعليم يمثل حجر الأساس في بناء النهضة اللافتة للنظر . وخلال هذه الفترة شهدت المنطقة خاصة في مصر وسوريا نهضة تعليمية وثقافية حديثة في اواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حيث قادت هذه النهضة الى نشوء فكرة تحرير المرأة العربية وبهذا الصدد فقد دافع الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي (1863 – 1936) عن المرأة في قصائده اذ قال في حق المرأة : ((لا يقي عفة الفتاة حجاب ……… بل يقيها تثقيفها والعلوم …))
كما كان للمرأة العراقية دورا بارزا في ثورة العشرين من خلال دعمها المعنوي وتأمين نقل المؤن والسلاح الى الثوار اضافة الى رفع معنويات الثوار بالأهازيج التي كانت تنظم ضد الاحتلال البريطاني. فها هي ام عراقية اصيلة وجدت ابنها ( جنيدي ) مضرجا بدمائه في ساحة المعركة وقد اطبق بيديه على خناق جندي بريطاني كان قتيلا الى جانبه فهزجت قائلة : (( حي ميت تكتل يجنيدي )) ،واخرى جيء بولدها الوحيد وقد اخترق صدره رصاص الأعداء فرفعت بندقيته قائلة : (( لميته وشال وصار آفه )). كما ساهمت المرأة العراقية في كل انتفاضات الشعب العراقي ضد الاحتلال البريطاني والحكم الملكي المتحالف معه. وايدت ثورة 14 تموز 1958 وساندتها وبعد الثورة تولت المرأة العراقية منصب وزيرة البلديات من قبل الدكتورة نزيهة الدليمي التي ساهمت فيما بعد من خلال ترؤسها لـ ( رابطة المرأة العراقية) في الحصول على مكاسب عديدة لصالح المرأة العراقية وخاصة تشريع قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 الذي كان بداية لمكاسب عديدة وحقيقية جعلت من المرأة قدوة في مختلف مجالات الحياة . وبعد 2003 دخلت المرأة العراقية موقع القرار حيث شاركت في مجلس النواب والسلطة التنفيذية والوظيفة العامة . غير ان القوى المتنفذة حاولت سلب المرأة حقوقها وسلب ما حققته من مكاسب من خلال قانون يعرف بـ (قانون الأحوال الشخصية الجعفري ).
دور المرأة في انتفاضة اكتوبر 2019:
لقد ساهمت المرأة العراقية بفاعلية في الانتفاضة ومواصلتها الا ان بعض القوى كانت تنظر للمرأة بأنها عورة وناقصة عقل واصدرت تصريحات تمنع الاختلاط بين الجنسين في التظاهرات حيث تم الاساءة كثيرا الى المرأة من قبل هذه القوى ،اضافة الى قتل المسعفات وضرب الطالبات واهانتهن في ظل غياب الدور الحكومي الفاعل. وفي ساحة التحرير وساحات الاعتصام الاخرى في مدن الوسط والجنوب قادت النساء انتفاضتهن جنبا الى جنب مع الرجل وتزايدت مشاركتهن في الانتفاضة الشعبية في ساحات الاحتجاج والمدارس والجامعات حيث وقفن في خطوط المواجهة ويقدمن المساعدات الطبية او الخدمية وتمكن من كسر حاجز الخوف. كما تسعى النساء الى الانتفاض على القيود القبلية التي تعيق حريتهن الى حد كبير في بلد لا تزال فيه القبيلة تلعب دورا كبيرا في المجتمع . وسبق للشاعر الزهاوي ان قال بشأن المرأة:
(( مزقي يا ابنة العراق الحجابا.. واسفري فالحياة تبغي انقلابا ..
مزقيه واحرقيه ….. بلا ريث فقد كان حارسا كذابا …))
وقد اثار الزهاوي واقع وصور واضطهاد الرجل للمرأة في المجتمع العراقي وسلوكية العنف والارهاب التي تمارس بحقها والاستهتار بإنسانيتها وتعامله غير اللائق مع العذوبة والرقة الانثوية : (( ما أتعس الحسناء يملك امرها الزوج العنيف ..))
وفي قصيدة اخرى يقارن الزهاوي وضع المرأة بين الشرق والغرب :
(( في الغرب حيث كلا الجنسين يشتغل ….. لا يفضل المرأة المقدامة الرجل
كلا القرينين معتز بصاحبه …… عليه ان نال منه العجز يتكل
وكل جنس له نقص بمفرده …… اما الحياة فبالجنسين تكتمل
اما العراق ففيه الأمر مختلف …… فقد ألم بنصف الأمة الشلل .
وقال : الشرق مازال يحبو وهو مغتمض …… والغرب يركض وثبا وهو يقظان …
ولم يفقد الزهاوي الأمل بنهضة العرب ان هم استيقظوا :
(( سترقى بلاد الشرق بعد انحطاطها ….. لو ان بنيها استيقظوا وتعلموا
يزول تماما ما بها من تأخر …… لو ان حكومات البلاد تنظم ..))
كما لعب الشاعر معروف الرصافي (1875 – 1945) بقصائده وافكاره دورا متميزا ومنفردا في دفاعه عن المرأة في مجتمع ذكوري وذهنية ذكورية حيث كان يـــنظر للمرأة بوصفها انسانا ناقصا : (( يقولون : ان النساء نواقص ,,,،ويدلون في ما هم يقولون بالسمع
فأنكرت ما قالوه والعقل شاهدي …… وما انا في انكار ذلك بالبدع
اذا النخلة العيطاء اصبح طلعها …. ضعيفا فليس اللوم في هذا على الطلع
ولكنما الجذع الذي هو ثابت ……… بمنبت سوء فالنقيصة بالجذع )).
مظاهرات عراقية :
فإلى من يدعو الى عدم الاختلاط في التظاهرات نشير الى ان المظاهرات العراقية قد خلت من ظاهرة التحرش او الانتقاص من دور المرأة وعدم احترامها فهي تقف الى جانب الرجل لإنجاح الحركة الاحتجاجية ونيل جميع المطالب ،ويعود ذلك الى الوعي الكبير للمجتمع العراقي . ووقفت المرأة العراقية مع الرجل في الانتفاضة لنيل المطالب المشروعة التي تجاهلتها السلطة ولجأت الى استخدام القوة المفرطة خلافا للدستور العراقي الذي اصبح حبرا على ورق. وبهذا الصدد فمن الضروري ايلاء قضية المرأة ومكانتها داخل العائلة وفي المجتمع اهتماما مميزا على الصعيدين الوطني والاجتماعي ووضع استراتيجية وطنية شاملة بجانب تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة لتمكين المرأة من ممارسة حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كافة وبما يضمن مشاركتها النشيطة في جميع المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية وفي منظمات المجتمع المدني وفي بناء دولة ديمقراطية عصرية ،وتأمين متطلبات ارتقاء المرأة الريفية اجتماعيا وثقافيا بما يؤهلها للمشاركة في الحياة العامة في محيطها وعلى صعيد المجتمع . اضافة الى معالجة آثار التخلف الاجتماعي المدمرة على المرأة والأسرة الناجمة عن سياسات النظام المباد وارهابه وحروبه العدوانية وجراء الاحتلال وآثاره، وتقديم الدعم لنضال المرأة ومنظماتها من اجل الغاء اية تشريعات تنتهك حقوقها وازالة اية قيود تحول دون اقامة منظماتها المستقلة وممارسة نشاطها الديمقراطي بحرية . ومع ضمان مساواة المرأة مع الرجل في الاجور قانونا وفعلا في جميع القطاعات الاقتصادية وضمان حق النساء العاملات في حماية الامومة والطفولة المنصوص عليها في القوانين الى جانب الحفاظ على قانون الاحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 المعدل والعمل على تطويره والغاء المادة 41 من الدستور العراقي التي تنص على : ((العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون )) ومن الضروري تفعيل القرار الدولي المرقم ( 1325) المصادق عليه من قبل الحكومة العراقية ،فقد تم اعتماد قرار مجلس الأمن الدولي 1325 حول المرأة والسلام والأمن في 31 تشرين الأول عام ، 2000 وحث هذا القرار كلا من مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة والدول الأعضاء وجميع الأطراف الأخرى لأخذ التدابير اللازمة في المسائل المتعلقة بمشاركة المرأة في عمليات صنع القرار والعمليات السلمية والأخذ بدمج النوع الاجتماعي في التدريب وحفظ السلم وحماية المرأة . ويعتبر تبني قرار مجلس الأمن رقم 1325 بمثابة حد وخط فاصل بالنسبة لتطور حقوق المرأة وقضايا الأمن والسلام كما يعتبر اول وثيقة رسمية وقانونية تصدر عن مجلس الأمن الدولي يطلب فيها من اطراف النزاع احترام حقوق المرأة ودعم مشاركتها في مفاوضات السلام وفي اعادة البناء والاعمار التي تلي مرحلة النزاع والصراع. فستبقى المرأة العراقية ثورة وليست عورة كما تريدها القوى المدعومة من ايران……