الفكر السياسي

تأملات / كم يتشدقون باسمك .. أيتها الحرية !

تأملات / كم يتشدقون باسمك .. أيتها الحرية !

تأملات / كم يتشدقون باسمك .. أيتها الحرية !

رضا الظاهر

2011 / 7 / 18


لا يصعب على المرء، وسط ثقافة تخلف وعواقب استبداد مديد، وتفاقم لأزمة سياسية وتعاظم لمعاناة ملايين واشتداد لصراع متنفذين على امتيازات السلطة والمال والنفوذ، أن يستوعب المواقف المتناقضة والتسلكات المزدوجة للحكام في مختلف القضايا. ولعل هذه الازدواجية تتجلى، على نحو أسطع، في الموقف من حرية التعبير.
فقد قالت منظمة هيومان رايتش ووتش، الأربعاء الماضي، إن “مشروع قانون حرية التعبير وحرية التجمع يسمح للسلطات العراقية بالتضييق على الحقوق المحمية بدعوى المصلحة العامة والنظام العام أو الآداب العامة دون وضع حدود أو تعريفات لهذه المصطلحات”.
فبموجب مواد المشروع يتعين على منظمي المظاهرات الحصول على تصريح باقامة المظاهرة قبل خمسة أيام من موعدها في الأقل، على أن يشمل الطلب توضيح موضوع وغرض التظاهرة وأسماء المشاركين في لجنتها التنظيمية. غير أن القانون لم يذكر المعايير التي تطبقها السلطات أثناء عملية الموافقة على الطلبات أو رفضها، مما يمنح الحكومة، من الناحية العملية، سلطة مطلقة في تحديد من يحق له إقامة المظاهرات.
واذا كانت المادة 12 تسمح للسلطات بتقييد حرية التعبير والتجمع بما يسمى المصلحة العامة، فان مشروع القانون لا يقدم أية أدلة واضحة حول كيفية تفسير حدود هذه المصلحة العامة. كما أن القانون لا يشير الى العقوبات التي تطال منظمي المظاهرات أو المتظاهرين اذا ما تجمعوا دون موافقة حكومية.
ومن المعلوم أن منظمي التظاهرات في بلادنا ينشطون في بيئة غير آمنة على الاطلاق. وقد تعرض كثير منهم، خلال الفترة الأخيرة خصوصاً، الى الاعتقال والتعذيب والخطف والتهديد لهم ولعوائلهم. وهو ما يجعل تقديم أسمائهم في طلبات الموافقة على التظاهر تهديداً لأمنهم وحياتهم الشخصية.
ولا يعرف المرء كيف يتعين على منظمي التظاهرات تقديم طلباتهم بينما قوات القمع الحكومية لا تتخلى عن واجبها في توفير الحماية للمظاهرات حسب، وانما تمارس العنف والعسف ضد المتظاهرين بمختلف الأساليب والأشكال.
ومن الجلي أن حكومة “الشراكة الوطنية” تدفع بهذا التشريع في فترة تشهد تصعيداً في قمع المتظاهرين السلميين وكذلك الصحفيين والاعلاميين الساعين الى تغطية الفعاليات الاحتجاجية. وهو تشريع بات من الواضح أنه يقوض، في صيغته الحالية، حق المواطنين في التظاهر والتعبير عن آرائهم.
وبالتالي فان من واجب البرلمان عدم الموافقة على القانون دون إبعاد الأحكام المقيدة لحقوق المواطنين التي تتعارض مع الدستور العراقي والمواثيق الدولية.
ومن ناحية أخرى فان الحكومة تسعى الى توسيع انتهاكاتها فتسلب الصحفيين والاعلاميين حقوقهم التي كفلها الدستور. ومما يثير القلق ظهور بوادر على سعي الحكومة الى الحد من التدفق الحر للمعلومات على الضد مما نص عليه الدستور.
وكان مدافعون عن حرية الصحافة قد دعوا، مؤخراً، الى قبول الدعوى المقدمة الى المحكمة الاتحادية العليا بخصوص إلغاء المواد المتعلقة بما يسمى جرائم النشر، وهي المواد 81 الى 84 من قانون العقوبات العراقي المعدل رقم 111 لسنة 1969، وإلزام البرلمان العراقي باتخاذ ما ينبغي لالغاء المواد المذكورة فوراً لما تمثله من خرق صريح لمواد الدستور العراقي والتزامات العراق الدولية، وعلى وجه التحديد المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمعنية بحرية التعبير، ولما تسببه هذه المواد من عواقب وخيمة على حرية التعبير.
ومن المؤكد أن إصرار الحكام المتنفذين على استغلال مواد التشهير الموروثة من عهد الدكتاتورية الفاشية في رفع دعاوى مجحفة ضد الصحفيين ووسائل الاعلام لا يهدد حرية الصحافة المكتسبة بعد سقوط النظام الدكتاتوري بل يلغي هذه الحرية، ذلك أن هذه المواد تمنع، من بين أمور أخرى، انتقاد موظفي الدولة.
ومعلوم أن الفقرة الثانية من المادة 13 من الدستور نصت صراحة على أنه لا يجوز العمل بأي نص يتعارض وأحكام الدستور. وبالتالي فان استمرار العمل بمواد “التشهير الجنائي” يعد مخالفة صريحة للدستور الذي كفل في المادة 48 منه حرية الصحافة والاعلام.
ولا ريب أن من بين التجاوزات الفاضحة استمرار السلطات الحكومية بالمطالبة بتعويضات مالية غير منطقية لتقييد حرية الصحافة وتكميم أفواه الاعلاميين ومنعهم من نشر مقالات انتقادية تكشف، مثلاً، عن تعامل السلطات الوحشي مع المتظاهرين السلميين، وتفضح عواقب نهج المحاصصات ولهاث سياسيين ونواب وراء الامتيازات …
* * *
أسباب ممارسة الحكام قمع المتظاهرين السلميين معروفة، وهي، بايجاز، خشيتهم من الاحتجاج والرأي المختلف والسعي الى الحرية.
فهؤلاء الحكام يتشدقون بالحرية بينما يكبلون الناس بأغلال العبودية سعياً لضمان امتيازات السلطة. هل تتذكرون قول مدام رولان: أيتها الحرية كم من الجرائم ترتكب باسمك !
اسم هذه الحرية التي تشتعل بأناشيدها ساحات البلاد هو الذي مجدّه الشاعر الفرنسي العظيم بول إيلوار:

على دفاتري المدرسية
على منضدتي وعلى الأشجار
على الثلج كما على الرمل
أكتب اسمك ..

على كل الصفحات المقروءة
على كل الصفحات البيضاء
على الحجر، الدم، الورق، أو الرماد
أكتب اسمك ..

وبقوة كلمة
أبدأ حياتي من جديد
لقد ولِدتُ لأعرفك ..
وأسميك .. *

* عن الحوار المتمدن..

زر الذهاب إلى الأعلى