تأملات / … وإلى أي المآسي ننتهي !؟
رضا الظاهر
2011 / 10
تأملات
… وإلى أي المآسي ننتهي !؟
متسارعة تأتي أنباء الفساد من كل حدب وصوب، حتى أن المرء لا يجد متسعاً من الوقت لالتقاط أنفاسه. ومثل نار في هشيم تسري حرائق الفساد فتحاصر الآمال وسط سعير معاناة الملايين من نساء ورجال البلاد التي تنوء تحت ثقل نوائب قل نظيرها.
فبينما يتفاقم الفساد متجسداً في مظاهر مقيتة مخزية اشتهرت من بينها، مؤخراً، فضيحة عقود الكهرباء الوهمية، تستمر الأزمة العميقة في استعصائها. وتمثلت آخر تجليات هذه الأزمة، وجوهرها صراع الامتيازات بين المتنفذين، في تدهور العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان، والخلاف حول الجهة التي ترتبط بها هيئة النزاهة. وفي إطار نزعة “التسييس” السائدة اتخذ إجراء ضد النائب صباح الساعدي، متوافق مع اغتيال الفنان هادي المهدي، ليوجه رسالة لترهيب “الآخرين”، ألقى اختطاف الناشطة الجريئة آية اللامي، الأسبوع الماضي، وتعذيبها بوحشية تذكّر بوحشية الدكتاتورية الفاشية، أضواء جديدة على رسالة العسف تلك، ليصبح كل هذا كشفاً لسلوك الاستبداد والخشية من حرية التعبير والصوت المختلف من ناحية، وعقل الاستحواذ والتوجه الى الحكم الفردي من ناحية ثانية. هذا ناهيكم عن تواصل عواقب الأزمة الأخرى الوخيمة على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية وسواها.
وفي غضون ذلك تتسع مستوطنات الفساد وتسقط أوراق توت أخرى “تستر” فاسدين ومفسدين، بينها ورقة جامعة البكر التي جرت استعادتها من حسين الشامي، مستشار رئيس الوزراء، الذي كان قد اشتراها مقابل ثمن بخس !
فبأي الفضائح نبدأ !؟ والى أي المآسي ننتهي !؟
كان رئيس هيئة النزاهة قد قدم استقالته يوم الثامن من الشهر الماضي نتيجة ضغوط من قوى سياسية اتهمها بالتستر على اختلاس المال. ومما جاء في رسالة الاستقالة “إن التكالب على نهب أموال الدولة وعقاراتها هو الجزء غير المعلن من الصراع على السلطة في عراق اليوم. لذا فان ملف الفساد فيه سائر الى المزيد من الالتباس والتعقيد والتسييس وخلط الأوراق في ظل إرادة سياسية تدعي الوعي بحجم الفساد المستشري، ولكنها أضحت في الفترة الأخيرة متذمرة بقوة من الرقابة ومن القواعد والقيود القانونية، وتسعى جاهدة لمقاومة أدوات وآليات المساءلة والشفافية، فكأنها مشغولة بمحاربة الرقابيين أكثر من انشغالها بمكافحة الفاسدين …”.
أما رئيس لجنة النزاهة البرلمانية فقد قال الأربعاء الماضي “لدينا معلومات فساد تتعلق بكل من وزارتي الدفاع والداخلية وشركة أف. أم. أس الأميركية”، وهي منظومة تعنى بمتابعة وإبرام عقود التجهيزات العسكرية، وقد استحدثت عالمياً للحد من الفساد في إبرام العقود. ولكنها تحولت الى جهة تمارس الفساد، وبدلاً من أن تلتزم بنسبة استقطاعها من العقود وهي 2 في المائة صارت تستقطع 50 في المائة. وكانت قد زودت العراق بأسلحة وآليات قديمة قيمتها حوالي ملياري دولار، وبعضها استعمل اثناء الحرب العالمية الثانية وأعيد تصنيعه من جديد.
وكان برلمانيون قد أكدوا، الأسبوع الماضي، ما ورد في تقرير المنظمة الدولية للأزمات من اتساع ظاهرة الفساد المالي والاداري في البلد الذي يعد رابع أكثر الدول فساداً في العالم. وعزا بعضهم استفحال هذا السرطان الى ارتباط الهيئات الرقابية بالجهات التنفيذية وتعرضها الى ضغوط سياسية.
أما المرجعية الدينية فقد قالت على لسان ممثلها في كربلاء الجمعة الماضية إن “استشراء الفساد من أبرز الأسباب التي تجعل القوانين شبه معطلة، وتلك القوانين تسن لتطبق على الفقراء فقط ممن لا سند لهم، بينما المتنفذون لا يلتزمون بها ولا أحد يجرؤ على محاسبتهم”.
* * *
أيبني نهابون عراقاً مخرباً ؟ أيُخرج لصوص بلاداً من أزمة عميقة ونفق مظلم ؟
واهم من يتصور أنه يمكن حل معضلة الفساد “المؤسساتي” على يد حكومة محاصصات، وعبر إجراءات ترقيعية، في ظل صراع الامتيازات وطمس الحقائق وغياب المساءلة وازدواجية السلوك وشراء السكوت المتبادل ..
ومن أصول الفساد أن يخلق كبار المفسدين، “محررين” أو متنفذين، مريدين لهم يشترونهم بالمال فيتصاغرون، ويلوون أعناق الحقائق من بين شر ما يعملون ..
عن (شرح نهج البلاغة لابن أبي حديد) أنه “كان في البصرة صديق لأبي سفيان بن حرب اسمه أبو العريان وهو أعمى. وكانت البصرة تحت ولاية زياد بن أبيه بعد أن استلحقه معاوية بنسبه. حدث مرة أن كان أبو العريان جالساً في بعض الطريق فسمع جلبة وضجيجاً، فسأل: ما هذا ؟
قيل: موكب الأمير زياد بن أبي سفيان.
فقال منكراً: ما أعرف لأخي أبي سفيان ولداً بهذا الاسم !
فلما بلغ ذلك زياداً تكدر وكتب الى معاوية يخبره بما قال صديق والده. وهنا بعث معاوية الى أبي العريان ألف دينار ومعها خطاب يقول: هذه من ابن أخيك زياد بن أبي سفيان. قبضها أبو العريان.
ومر وقت .. كان أبو العريان جالساً في مكانه فسمع ضجيجاً، وسأل فقيل إنه موكب الأمير .. فبكى .. فقيل له: ما يبكيك يا أبا العريان ؟
قال: شممت رائحة أخي أبي سفيان في الموكب …” !! #
# عن الحوار المتمدن…