الاقتصادية

تبييض الأموال في لبنان وأثاره الأقتصادية

تبييض الأموال في لبنان وأثاره الأقتصادية

تبييض الأموال في لبنان وآثاره الاقتصادية
• عادل عبد الزهرة شبيب
يمكن تعريف تبييض الأموال او غسيل الأموال بأنه عبارة عن مجموعة من الاجراءات المالية التي يقوم بها الأشخاص الحاصلين على مبالغ مالية بطرق غير شرعية وذلك بهدف اضفاء الطابع الشرعي والقانوني على هذه الأموال واخفاء مصدرها الأصلي غير القانوني , وان كل من يساعد في هذه العملية يعتبر مخلا بالقانون ويندرج فعله تحت ما يعرف بجريمة غسيل الأموال. وأكثر الأموال التي يقوم المجرمون بغسلها تلك التي يحصلون عليها نتيجة التجارة في المخدرات الى جانب مصادر اخرى.
مراحل غسل الأموال :
تمر عملية غسل الأموال بعدة مراحل تتمثل بـ :-
1) مرحلة الايداع في البنك او من خلال تحويلها الى عملة اجنبية , وتعتبر هذه المرحلة من اخطر المراحل على اصحابها لأنها لا تزال عرضة للاكتشاف بسبب كميات الأموال الكبيرة جدا التي تكون بحوزة الشخص .
2) مرحلة التمويه : حيث يقوم صاحب الأموال غير القانونية بالتمويه عن جريمته وذلك من خلال القيام بمجموعة من العمليات المصرفية الشرعية من اجل التصرف بها واخفاء جريمته . والهدف من هذه العملية اخفاء المصدر غير القانوني. ومن اشهر طرق التمويه تحويلها من بنك الى آخر او التحويل الالكتروني لها .
3) مرحلة الادماج : وهي آخر مرحلة في عملية غسل الأموال بحيث يتم اضفاء الطابع الشرعي والقانوني عليها ويتم في هذه المرحلة دمجها في العمليات الاقتصادية والمصرفية لكي تبدو بأنها ارباح من صفقات تجارية شرعية مثل تأسيس شركات وهمية او قروض غير حقيقية. وفي هذه المرحلة يصعب التمييز بين الأموال الشرعية وغير الشرعية .
مصادر الأموال غير الشرعية :
1. زراعة نباتات المخدرات وتصنيعها وبيعها .
2. تجارة الرقيق .
3. التهرب من دفع الضرائب .
4. تعاطي الرشاوي .
5. الاختلاس من البنوك او الشركات .
6. الغش في العمليات التجارية .
7. التجارة المحرمة .
8. تزوير النقود والمستندات .
9. لعب القمار .
اضافة الى خطف واحتجاز الأشخاص والمساومة على اطلاق سراحهم مقابل اموال كبيرة . وسرقة الجواهر والذهب وسرقة وسائل النقل , والارهاب والنصب والفجور والخيانة وغيرها من المصادر .
نشأة غسيل الأموال :
يعود ظهور مصطلح غسيل الأموال الى الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترات سابقة بعد ملاحظة هيئة مكافحة المخدرات ان تجار المخدرات يحصلون بعد ترويج بضاعتهم على نقود معدنية وورقية ضمن فئات صغيرة حيث يلجؤون الى المصارف القريبة منهم من اجل ايداع هذه النقود فيها. وحرصت المباحث الفيدرالية الأمريكية على متابعة عمليات الايداع بهدف السيطرة عليها قبل اختلاطها مع الأموال النظيفة في المصارف .
أصل التسمية ( غسيل الأموال ) :
ان شيوع المخدرات وانتشارها والتهافت على تناولها جعل منها سوقا رائجة تدر ارباحا خيالية , وهي وان كانت تعتمد على مغامرات تقوم بها مافيات متخصصة , الا انها اخيرا تستقر في أسواق معينة لتباع بالمفرد ليسهل تناولها يوميا من قبل المدمنين عليها . وعند بيعها يوميا كقطع متفرقة حيث يستلزم ان تتناولها الأيدي البائعة والمشترية قطعا صغيرة مستخرجة من اغلفتها مما يكون لها روائح معينة تلتصق بأيدي بائعيها كما تلتصق تلقائيا بالأموال المدفوعة ثمنا لها . وما ان يأتي آخر النهار الا وهناك كميات كبيرة من الورق النقدي وكلها روائح مخدرات , ولا يستطيع اصحابها ارسالها الى البنوك لإيداعها وهي بهذه الروائح حيث ستكتشف بسرعة لذلك يقومون بغسلها وتنظيفها من هذه الروائح حتى لا ينكشف سرها وتكون عملية الغسيل بوسائل معروفة لديهم لا تؤثر على الأوراق النقدية وتعرضها للتلف . ويكون الغسل بعملية تبخير او باستخدام بعض المواد المزيلة لروائحها ولا تؤثر عليها , عندئذ يدفعونها بعد غسلها الى حساباتهم في البنوك دون اية شبهة تطالهم. فهو في حقيقته غسيل بمعنى الكلمة ولكن بوسائل معينة مخصصة لهذا الغرض . ثم تطور غسيل الأموال ليصبح مدلوله يعني استعمال وسائل مالية وحيل خادعة لإضفاء الشرعية والقانونية على الأموال المكتسبة من مصادر غير مشروعة , وهكذا اصبح غسيل الأموال بمعنى تبييض الأموال وصار الاصطلاحان بمعنى واحد .
في لبنان هناك عمليات تجري لغسيل الأموال فقد كشف تقرير هيئة التحقيق الخاصة اللبنانية في تقريرها السنوي ان عدد حالات تبييض الأموال المشتبه بها في لبنان وصل الى ( 597 ) حالة خلال العام 2017 منها ( 80,23 %) صادرة من جهات محلية و ( 19,77 % ) من جهات اجنبية . واعلن مصرف لبنان في تقريره السنوي لعام 2018 الصادر عن هيئة التحقيق الخاصة ان حالات تبييض الأموال وتمويل الارهاب التي تعالجها الهيئة تزداد تعقيدا مما يستدعي تحليلا معنقا وتنسيقا محليا مع الأجهزة الوطنية المعنية وتعاونا دوليا . وقد بلغت حالات تبييض الأموال في لبنان في العام 2018 ( 489) حالة تبييض اموال. واعاد تقرير هيئة التحقيق الخاصة الى الأذهان الطرق التي يستخدمها مبيضو الأموال في لبنان للقيام بعمليات تبييض الأموال . وتفيد المصادر الى انه في السابق كان مبيضو الأموال يودعون الأموال النقدية في المصارف الا ان قرار مصرف لبنان اوقف قبول الودائع النقدية التي لا يمكن اثبات مصدرها وهي خطوة ايجابية . مما دفع مبيضو الأموال الى ابتكار طرقا اخرى من بينها استخدام السواق المالية , غير ان الهيئات الرقابية استدركت الوضع ووضعت تعاميم لمنع نوع العمليات المستخدمة في تبييض الأموال. كما اخذ مبيضو الأموال باستخدام اصحاب مهن حرة للقيام بعمليات تبييض الأموال مستفيدين من ضعف الوضع الاقتصادي وتقوم السلطات النقدية بتجميد جزئي لحسابات تبييض الأموال المصرفية بسبب شكوك كبيرة على حساباتهم .
آثار غسل الأموال على الاقتصاد اللبناني :
لعملية غسل الأموال آثار على جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على حد سواء ومن هذه الآثار :
1) استئصال جزء كبير من الدخل القومي مما يؤدي الى تدهور الاقتصاد الوطني لصالح الاقتصاد الأجنبي .
2) الارتفاع في معدل السيولة المحلية بشكل لا يتوافق ولا يتناسب مع كميات الانتاج لمختلف السلع والخدمات .
3) عدم دفع الضرائب والمستحقات المالية للدولة بشكل مباشر وبالتالي نقص كبير في الايرادات في الخزينة المالية .
4) تقديم الرشوة لإنجاز الأعمال المختلفة يسبب فسادا واعطاء المجال للمجرمين بالتوسع في البلد .
5) سوء سمعة الأسواق المالية .
6) تشويه العمليات التجارية مما يؤدي الى الوصول الى مناخ فاسد من الاستثمار , وان نجاح تسرب الأموال المغسولة الى الاقتصاد القومي يؤدي الى تشوه في نمط الانفاق والاستهلاك مما يؤدي الى نقص المدخرات اللازمة للاستثمار وبالتالي حرمان النشاطات الاقتصادية المهمة من الاستثمار النافع للمجتمع .
7) ان نجاح خروج الأموال المغسولة من الاقتصاد القومي للدول الاخرى يؤدي الى زيادة العجز في ميزان المدفوعات وحدوث ازمة سيولة في النقد الأجنبي مما يهدد احتياطيات الدولة لدى المصرف الرئيسي للدولة من العملات المدخرة .
8) يرتبط غسيل الأموال بزيادة الانفاق البذخي وغير الرشيد مما يؤدي الى ارتفاع السعار المحلية وحدوث ضغوط تضخمية في الاقتصاد القومي.
9) يؤدي غسيل الأموال الى حدوث خلل في توزيع الدخل القومي وزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء ( محدودي الدخل في المجتمع ) مما يؤدي الى عدم وجود استقرار اجتماعي مع امكانية حدوث صراع طبقي واعمال عنف .
10) يؤدي غسيل الأموال الى تعطيل تنفيذ السياسات المالية العامة عن طريق التهرب من دفع الضرائب مما ينعكس على ميزان المالية العامة وبالتالي على موارد الحكومة المتاحة لمقابلة التزاماتها وعلى ادائها الاقتصادي والاجتماعي.
11) تؤدي عملية غسل الأموال الى انهيار البورصات التي تستقبل الأموال الناتجة عن الجرائم الاقتصادية حيث يكون اللجوء الى شراء الأوراق المالية من البورصة ليس بهدف الاستثمار وانما من اجل اتمام مرحلة معينة من مراحل غسيل الأموال ثم يتم بيع الأوراق المالية بشكل مفاجئ مما يؤدي الى حدوث انخفاض حاد في اسعار الأوراق المالية بشكل عام في البورصة ومن ثم انهيارها بشكل مأساوي .
12) يمكن للمعاملات غير القانونية الناجمة عن غسيل الأموال ان تضر بالمعاملات القانونية عن طريق العدوى .
13) يؤدي تنامي هذا النوع من الجرائم الى زيادة نفقات الأمن والدفاع على حساب بقية القطاعات ولا سيما الاجتماعية منها .
14) تؤدي عملية غسيل الأموال الى تشويه المناخ الديمقراطي في المجتمع حيث يصعد اصحاب الدخول غير المشروعة الى البرلمان والمجالس الشعبية واتحادات التجارة والصناعة وبذلك فانهم يعمدون الى استثمار جميع ما سبق لدعم وجودهم في الاستمرار بعملية غسل الأموال وممارسة الأنشطة الاجرامية .
ان التطور الحاصل في القطاع المالي والمصرفي قد سرع من استخدام انظمة المدفوعات والتسوية الآلية لتحويل الأموال والذي يسهل اتمام عمليات مشبوهة لغسيل الأموال. كما ان استخدام شبكة الانترنت ادت هي الاخرى الى توسيع عمليات التحايل من خلال استخدامها من عصابات غسيل الأموال للاستفادة من السرعة الخاطفة للتحويلات النقدية عبر العالم .
يشار الى انه قد تم شطب لبنان من لائحة الدول غير المتعاونة في محاربة تبييض الأموال منذ العام 2002 وذلك بفضل الاجراءات المتخذة من قبل الحكومة ومصرف لبنان لمراقبة حركة الأموال الوافدة الى المصارف اللبنانية .
واليوم اصبحت هيئة التحقيق الخاصة في لبنان على علم بالأساليب الجديدة المستخدمة من قبل مبيضي الأموال وهي الآن في مرحلة الإمساك بمبيضي الأموال من اصحاب المهن الحرة خصوصا في بيروت وجبل لبنان. وتوقعت المصادر سقوط عدد من الرؤوس وقامت لبنان بتشريع قانون لمكافحة تبييض الأموال ومكافحة الجرائم الاقتصادية برقم ( 318/ 2001 )

زر الذهاب إلى الأعلى