تحت رحمة الخوف نداء إلى مجلس القضاء الأعلى وهيأة النزاهة الاتحادية
تحت رحمة الخوف
نداء إلى مجلس القضاء الأعلى وهيأة النزاهة الاتحادية
د. محمد صباح علي
لعل هذا الوصف اقرب إلى الحالة التي يمر بها الموظفين القانونيين ذكورا وإناث في الدوائر القانونية في الوزارات والشركات العامة ذات التمويل الذاتي والمركزي؛ نتيجة قيامهم بتنفيذ الأوامر الإدارية الصادرة عن مرؤوسيهم وترشيحهم في لجان دراسة وتحليل عطاءات الدولة أو اللجان الأخرى التي يكون فيها شبهة ضرر غير جازمة في المال العام ويقوم الموظف بتطبيق القانون استنادا لقناعة اللجنة والضوابط والتعليمات المعمول بها، وبعد أن يتم مراجعتها وتدقيقها من قبل الجهات المختصة وهي قسم الرقابة والتدقيق استنادا للقانون والتي تكون مهمته حفظ المال العام وتطبيق أسس ومعايير الصرف في المرحلة الأخيرة لتكون بمثابة رقابة أخيرة لها حق التقرير بالأجازة أو إلغاء الإجراء بشكل كلي، فيفاجئ الموظف وبعد ثلاث أو أربع سنين أن هناك استدعاء لتدوين أقواله من قبل هيأة النزاهة الموقرة أو حضوره أمام قاضي التحقيق، لوجود شبهة فساد في الموضوع بعد أن يتم التبليغ علية من قبل أحد المشتركين في المناقصة؛ نتيجة استبعاده منها لعدم انطباق الضوابط عليه أو لأسباب أخرى، وبالرغم من وجود أكثر من عضو في اللجنة إلا أنه يتم استدعاء العضو القانوني فقط وتكثيف التحقيق عليه، وكثرت هذه الحالات في الآونة الأخيرة وانتقلت إلى الموظفات، وحظرن أمام قضاة التحقيق في بغداد والمحافظات ولم يكن لهم أي تجاوز أو خرق لواجباتهم الوظيفية حسب الضوابط المعمول بها سواء في تعليمات تنفيذ العقود الحكومية أو قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام أو قانون التضمين بالرغم من التشديد والغلو في تطبيق نصوص هذا القانون الأخير التي تعتبر إجراءاته في اغلب الأحيان لا تنطبق ولا تستقيم على فعل الموظف المخالف لعدم أثبات نية القصد الجسيم أو الإهمال بأضرار المال العام، إلا أن أعضاء هذه اللجان أصبحوا يلجئون إلى تطبيق نصوصه دون مراعاة شروط الانطباق تفاديا من استقدام قضائي أو الإحالة على مادة الإهمال في تطبيق الواجبات بالرغم من أن الموظف من حيث الأصل وفي حالات تأدية واجبه لا محل لإحالته لهذه النصوص لكونه قد نفذ العمل الموكل إليه بدون إهمال ويصبح غير مسئول انضباطيا وجزائيا بعد وجود تواقيع المسئولين الأعلى منه درجة؛ لأنهم من يمتلك الصلاحيات لتنفيذ مضمون قرار اللجنة أو الصرف ومن دون تواقيعهم تبقى مجرد مسودة لا أثر لها من حيث الواقع، فليس من المنطق ولا القانون عدم تحرير استقدام بحق مدير الدائرة ومسئولها أو مدير القسم المعني بالتدقيق أو اللجنة الأعلى درجة التي تكون برئاسة المدير العام وتحريره بحق الموظفة والموظف؛ فهذا الإجراء تجاه الموظف يوصم الشكلية الإدارية في التسلسل الوظيفي، فعلى سبيل المثال يوجد في تعليمات تنفيذ العقود الحكومية ثلاث لجان هي فتح العطاءات ودراسة وتحليل العطاءات ولجنة المراجعة والمصادقة على الإحالة وجميع هذه اللجان يشترك فيها عضو قانوني وحسب أهمية هذه اللجان ومن حيث ترتيب المسؤولية تكون اللجنة الأخيرة المشكلة برئاسة مدير عام الشركة ومسئولي الأقسام القانونية والمالية وقسم الرقابة والتدقيق -مع اعتراضنا وتحفظنا على هذا الأجراء، إذ كيف تتحقق الرقابة ومديرها يكون عضو تابع لرئيسه المدير العام-! ففي حالة حصول خطأ يفترض عدم استدعاء الموظف في لجنة الدراسة والتحليل بل يتم استدعاء الأعضاء المذكورين برئاسة مدير التشكيل لأن كلا منهم وحسب الضوابط يكون مدير قسم أو مدير هيأة ويكون مسئولا أمام المدير العام وهذا ما جاء بالمادة (4) من واجبات الموظف في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام، لأن توقيعهم يجبُ أي توقيع سابق ويعتبرون هم المسئولين عن إدارة الشركة والحفاظ على أموالها كونهم أعضاء في مجلس إدارتها، فضلا عن اللجنتين الأولى والثانية التي لا سلطات لها من حيث الأصل سوى تثبيت البيانات واستكمالها ورفعها للجنة الأخيرة التي لها صلاحيات واسعة وكبيرة، وحيث أين تقع المسؤولية يقع الحساب، لا أن تقع على الموظفين العاديين الذين أصبحوا – أشبه بجنود لعبة الشطرنج- يقدمون قرابين أمام القضاة لتحمل المسؤولية بينما كبار الموظفين وأصحاب المسؤولية محميين بغطاء سياسي ونفوذ مغدق عليهم من كبار القوم يمنع الوصول إليهم. وتجدر الإشارة إلى أن التحقيق مع الموظفين ضمن القوانين الخاصة بالعقود مثل تعليمات تنفيذ العقود الحكومية تتطلب أن يكون هناك محقق يعلم بهذه الضوابط والتعليمات وأصولها ومتابع لكمية التعديلات التي تصدرها وزارة التخطيط لتعديل مضمونها لأنها قد تنطبق على نشاط دون أخر وتتطلب أيضا أن يكون هناك قاضٍ متعامل مع هذه الضوابط، لان نفس الوزارة الصادرة عنها تعتذر أحيانا عن معالجة بعض الإشكالات التي تحصل إثناء التنفيذ وعندما تعجز الوزارة عن معالجة موضوع معين، فمن غير الممكن أن يتحمل مسؤوليته موظف منفذ لتعليماتهم، وأيضا يتطلب من القاضي استدراك أعمال هذه اللجان ودراسة تفاصيلها وأن يتم إعادة التحقيق لمرة ومرتين للوصول إلى الحقيقية، فالموظف مكلف بالتنفيذ فأن أصاب فله أجران وأن أخطأ بغير قصد يفترض أيضا له الأجر لان هناك قسم معني بالرقابة على عمله يفترض عليه إيقاف المعاملة في حال شابها خطأ إلا أن هذه الأقسام أصبحت محصنة من العقاب وتتطلب شكلية معينة، ونحن نعلم جيدا أن السادة القضاة والمحققين لم يتعمقوا كثيرا بهذه الضوابط والتعليمات والقوانين الوظيفية لأنهم متخصصين في القوانين المدنية والجزائية وأيضا لم يتناولوها كمادة ضمن مواد المعهد القضائي ولا في مواد الدراسة الأولية والعليا بل مادة تطبيقيه عملية في دوائر الدولة وتحديدا قسم العقود، فتحتاج إلى مفاتحة الوزارة المختصة في حال حصول غموض أو تعارض في المعلومات قبل إصدار الاستقدام والتحقيق والإحالة، أو استدعاء المسئولين عن إدارة التشكيل وهم أعضاء لجنة المراجعة والمصادقة على الإحالة، لان الموظف الاعتيادي لا يملك أي إجراء أو صلاحية ونذكَر هنا بالمبدأ القانوني لمجلس الدولة بأن الموظف مسئول في حدود ما يملك من صلاحيات، إذ أن الاستمرار بهذا الاتجاه سيولد هجرة لجميع الموظفين القانونين وتصبح فجوة في الاختصاص وسيشوب الخطأ حتى الإجراءات القضائية اللاحقة وتنتقل هذه الأخطاء إلى قرار القاضي، ونود البيان في هذا الخصوص وأيضا يمكن أن يكون مقترح أمام الجهات القضائية مناقشته –بالرغم من عدم العمل به في العراق لأسباب مجهولة- بأن يتم التحقيق في مخالفات النزاهة الخاصة بالعقود الإدارية من قبل القضاء الإداري في مجلس الدولة لأنه وبحسب الأصل هو صاحب الاختصاص الأصيل في مخالفات العقود الإدارية في جميع دول القضاء المزدوج باعتباره المختص في ذلك ويراجع ويدقق مشاريع القوانين الإدارية والمتعلقة بالوظيفة العامة، وله قدرة تفسير معاني والنصوص وتعيين المراد منها في ميدان العقد الإداري والمال العام والمصلحة العامة ويعرف جيدا المسؤولية وحدودها وأين تكمن. ولموضوع ذي صلة في هذا السياق أن نناقش أعمام هيأة النزاهة الموقرة الذي ينص على تحديد مدة 30/يوم لانجاز التحقيق وتقديم التوصيات وبخلافه يتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق أعضاء اللجنة ومدير الدائرة، وفي الحقيقة أن ربط المدة الزمنية بنتائج التحقيق وانتقال المسؤولية إلى أعضاء اللجنة برأينا يفسد التحقيق ويجعل من إجراءاته العاجلة والسريعة لتقديمها بمثابة هدر للضمانات الدستورية والقانونية الوظيفية فيرجع ذلك بالضير على الموظف المطلوب للتحقيق وستكون اللجنة أمام خيارين الأول الإسراع في التحقيق وعدم اخذ الوقت الكافي لبيان إجراءات الموظف مما ستعدم الضمانة القانونية والنزاهة المتوخاة من التحقيق، أو أن تعمل اللجنة بعجالة وتغلق التحقيق وستكون آثارها على صعيد المصلحة العامة وخيم. ثم أن مدة الثلاثين يوما في ظروف استثنائية وجائحة قلصت أيام الدوام الرسمي إلى 50% يجعل من اللجنة أن تطلب الموظف للتحقيق في أيام تواجده في الدائرة، علاوة على عدم وجود سند قانوني يوجب معاقبة اللجنة ومدير الدائرة نتيجة عدم اقترافهم أي عمل وأيضا لا يوجد اختصاص بفرض عقوبة إدارية استنادا لمبدأ الفصل بين السلطات وعدم خضوعهم للسلطة القضائية، إما وأن يتم إحالتهم وفق مادة الإهمال في قانون العقوبات فهذه المادة وللأسف أصبحت شماعة وحملت أكثر مما تتحمل من المراد منها لأنها واضحة وصريحة ولا يمكن القياس عليها في غير الحالات المماثلة لها التي لا ينشئ أضرار للغير ويكون الامتناع عن قصد غير متوافر الأركان، والجدير بالذكر أن مواضيع التحقيق متنوعة ومختلفة والبعض منها يتطلب أشهر للوصول إلى الحقيقية لان اللجنة ومراعاةً للشكلية المنصوص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام عليها أن تسمع وتناقش وتدون إفادة الموظفين المعنيين بالإجراء وتتسع الدائرة أفقيا عندما يزيد الموظف الماثل أمام اللجنة من أسماء موظفين آخرين اشتركوا معه بالفعل، فيتطلب من اللجنة تبليغهم وطلب الأوليات التي تسند أقوالهم ثم التأكد من الجهات المعنية من صحة إجراءاتهم ومفاتحات طويلة ثم تخلي اللجنة لكتابة قرارها لان التحقيق أمانة وتتعلق به حقوق الموظف الإدارية والمالية أو ممكن أن يكون الخطأ جسيم وتلجأ إلى سحب يده، فتحديد المدة يكون معيار ترهيب للجنة ومربك للإجراءات ويوصم معايير الدولة القانونية التي يحكمها الدستور.
أخيرا نداءنا إلى مجلس القضاء الأعلى، صمام الأمان لجميع شرائح المجتمع، وهيأة النزاهة الموقرة لنقول (إن خير موارد العدل القياس على النفس)، فيجب على القاضي والمحقق النظر للموظف ولعائلته كأنه نفسه ثم النظر في إجرائه وعمله تمهيدا لإدانته أو رفع الحيف عنه فالجميع في المؤسسات القضائية والرقابية وأعضاء السلطة التنفيذية موظفين ويعملون لصالح البلد ولإشباع الحاجات العامة وتقديم الخدمات، فلا يمكن أن يكون جزاء الموظف هو العقاب لان ذلك سيخلق عواقب وخيمة وسيعمل الموظف بالضد من الدائرة ويفتح باب جديد من أبواب الفساد نحنُ بحاجة إلى غلقه، فنطلب تغليب مبدأ حسن النية في التحقيق مع الموظف وعدم افتراضه فاسدا أو متواطئا دون وجود الدليل بشكل جازم ويقين وصريح، لان العقوبة ظلما ستولد لنا إرهاب وظيفي سيقتل ويشل عمل المؤسسات وتفسد الإجراءات والمتضرر الأكبر هنا الدولة، كما نوجه في هذا النداء نقابة المحامين للتدخل السريع وعقد ندوة أو مؤتمر عاجل بين رؤساء التشكيلات الوظيفية من القانونين مع مجلس القضاء الأعلى وهيأة النزاهة ومنظمات المجتمع المدني لوضع إجراءات تضمن حماية الموظف القانوني وإجراءاته، فإذا عجز الموظف القانوني عن حماية نفسه فهذا مؤشر خطير على سيادة القانون والدستور وعندها لا حاجة لوجود نقابة تدافع عن القانون والعاملين به. وثقتنا بقضائنا أنه يقتل الخوف ويمنعه ويكرم العاملين في ميدانه ونحن على يقين وأمل بمؤسساتنا القضائية الرصينة وقضاتنا الأفاضل وهيأتنا الرقابية الحريصة على محاربة الفساد ومعالجة هذا الموضوع وإدانة المقصر والمسئول الحقيقي ونحنُ نشد على أيديهم في ذلك.
د. محمد صباح علي
رئيس مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية