الفكر السياسي

تصورات حول تطورات الوضع السياسي

تصورات حول تطورات الوضع السياسي

تصورات حول تطورات الوضع السياسي

كاوه محمود

2011 / 3 / 15

يشهد الإقليم تطورات سياسية نوعية يتطلب دراسة عميقة للتناقضات المركبة والمعقدة السائدة في الإقليم انطلاقا من أخذ خصوصياته بنظر الاعتبار، إضافة إلى دراسة ما يجري في العراق وفي المنطقة بشكل عام من تغييرات نوعية وتأثيراتها المتبادلة، بما يتطلب الوصول إلى استنتاجات جديدة وفي مجالات مختلفة تشمل بالأساس دراسة مجتمعاتنا بشكل عميق وتحديد وفرز القوى المجتمعية الجديدة المؤثرة في الساحة السياسية وعملية التغيير الاجتماعي، ودراسة مدى فاعلية الأطر التقليدية والأساليب المتبعة سابقا في مجال العمل الجماهيري ألمطلبي، وأشكال التنظيم الجديدة ومدى تأثير التطور العلمي التكنولوجي في مجال الاتصالات وشبكات التواصل الاجتماعي، وحجم انعكاس هذه الظواهر بشكل نسبي على مجمل أوضاع المنطقة.
إن مجمل هذه التطورات تتطلب دراسات معمقة ومتخصصة وفي مجالات عديدة، وبشكل جماعي، عبر تحديد منهجية واضحة مبنية على أساس تحديد واضح للتناقضات الداخلية والخصوصيات المجتمعية بعيداً عن نظرية المؤامرة أو التركيز على البعد الواحد، أو استنساخ التجارب، آخذين بنظر الاعتبار الملفات السياسية الأساسية في الساحة الكوردستانية وخلفية الصراعات السياسية، وتأثير سياسات الدول الإقليمية، ومدى تأثير وانعكاس الصراعات السابقة والتعامل مع تصفية آثارها.
وبعيداً عن أطروحات آنية سريعة أو استنتاجات نهائية، لابد أن نطرح جملة من النقاط الأساسية التي يمكن التعامل معها كمدخل أولي فيما يخص التعامل مع التطورات العامة في المنطقة، إضافة إلى الاستحقاقات الضرورية الناجمة عن الاحتقان الداخلي في بعض مناطق كوردستان وكيفية التعامل معها وسبل تجاوزها بما يخدم حماية مكتسبات التجربة ومعالجة ثغراتها بعيدا عن افتعال الأزمات والتركيز على مصالح حزبية ضيقة والسعي لتصفية ملفات تتعلق بآثار الاقتتال الداخلي.
1ـ إن مجمل التطورات التي جرت في السودان وتونس ومصر وليبيا، إضافة إلى التحركات الجارية في اليمن والجزائر تعبر عن حالة وحاجة موضوعية للتغيير في مجالين أساسين: المجال الأول يتعلق بإشكالية بنية الدولة القومية في المنطقة العربية وإشكاليات تأسيسها في بدايات القرن الماضي. والمجال الثاني يتعلق بطبيعة الأنظمة السياسة الحاكمة، أنظمة الحزب الواحد والقائد الذي يحصل في كل عملية انتخابية على أكثر من 90% من أصوات الناخبين، الأنظمة التي غيبت الديمقراطية وإرادة الناس، وفشلت في تحقيق التنمية. وبالتالي نجمت عن التحركات الجماهيرية، تغيرا في بنية الدولة كما حدث في السودان، وتغيرا في بنية النظام السياسي وحل الدستور والمجالس الصورية الحاكمة كما جرى في مصر وتونس.
2ـ كانت القوى السياسية المحركة للتغيير وكذلك طبيعة التغيير في السودان مختلفة عن القوى السياسية الجديدة التي عبرت عن حضور فعلي للطبقة الوسطى والتيار الليبرالي الذي نظم نفسه في نموذج مصر بشكل أفقي متجاوزا الأشكال الهرمية.
3ـ يتسم الوضع في العراق بشكل عام بسمات تختلف عن أوضاع كل من مصر وتونس وليبيا واليمن. فقد جرى تغيير في طبيعة الدولة العراقية منذ عام 2003 نتيجة العامل الخارجي، ولا تزال العملية السياسية في العراق غير مستكملة. وقد أفرزت التغييرات في العراق قوى مجتمعية جديدة بعد عام 2003 مصنفة على أساس الولاءات الطائفية والمذهبية والقومية، في ظل ضعف واضح لقوى ولدور الطبقة الوسطى والتيار الديمقراطي الليبرالي بشكل عام. ولا تزال الحاجة لبلورة قوى مجتمعية جديدة بعملية تراكمية لا تنجز أو تستكمل بشكل أرادوي مبني على الرغبات، دون أن نعني بهذا التوجه عدم تفعيل العامل الذاتي من أجل تنظيم الجماهير وتعبئته وضرورة التحلي بالنفس الطويل، لأن الأمر لا يتحقق من خلال القفز على عامل الزمن الضروري لعملية التراكم المطلوب.
4ـ واستكمالا للصورة أعلاه فيما يخص الوضع في العراق يستشري مظاهر الفساد وسوء استخدام السلطة وإهدار الثروة الوطنية، مما يهيئ الأرضية المناسبة لإيجاد تململ شعبي ورفض لتلك المظاهر. غير أن فقدان القوى الاجتماعية المؤثرة والطلائع السياسية المنبثقة عنها لتوجيه الاحتقانات باتجاه مصالح الجماهير والرغبة في إصلاح الأمور ومواجهة الفساد، جعلت من هذه الإشكاليات والاحتقانات مجالاً لتصفية الصراعات السياسية بين القوى السياسية المتنفذة في العملية السياسية وفي حدود مجالس المحافظات ، واستغل بقايا النظام البائد تلك الإشكاليات من أجل مخططاتها ضد العملية السياسية، مما يتطلب من قوى التيار الديمقراطي دراسة وضع كل محافظة على حدة وتشخيص طبيعة الصراعات ومسعى القوى المتنفذة سياسيا في توجيه سخط الفئات المعدومة لتصفية الحسابات الحزبية حتى في إطار الأحزاب ذات الطابع الطائفي الواحد. وهذا الأمر من شأنه زيادة تعقيد مهمة قوى التيار الديمقراطي وتوجيه سياساته وتحركاته من أجل أخذ تلك التعقيدات بنظر الاعتبار عند خوضه النضال ألمطلبي، وتحشيد الشارع، وتحديد الأهداف الآنية بما يساعد على ديمومة التحرك الجماهيري من جهة، وعدم استغلاله كورقة من قبل جهات معينة لتصفية حسابات مبنية على مصالح طائفية أو فئوية أو حزبية ضيقة.
5ـ يتسم الوضع في كوردستان بخصوصيات تميزها عن الوضع في العراق وعموم المنطقة عبر المظاهر التالية:
ـ طبيعة المرحلة الانتقالية وتحقيق مكتسبات ملموسة بالتزامن مع وجود ثغرات جدية ومظاهر للفساد وسوء استخدام السلطة، وعدم استكمال توحيد الإدارتين والتدخل الحزبي المفرط في شؤون إدارة الدولة والعمل الحكومي مما يوفر الأرضية لطرح مطالب عادلة عبر أساليب النضال الديمقراطي المدني السلمي، تلك الأساليب التي طالما أكد حزبنا على مشروعيتها في إطار احترام القانون والسلم الأهلي والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، وما تحقق من مكتسبات بفضل نضال الشعب الكوردستاني، والأخذ بالقضية الوطنية الكوردستانية بنظر الاعتبار.
ـ ضرورة التمييز بين هذه المطالب المشروعة للجماهير وبين سياسات حركة التغيير والتيارات الإسلامية (الاتحاد الإسلامي، الجماعة الإسلامية) التي تخوض صراعا سياسيا ضمن مسعى التيارات الإسلامية لطرح البديل الإسلامي سواء من خلال اسلمة المجتمع أو اسلمة النظام السياسي، إضافة إلى صراع حركة التغيير مع الديمقراطي الكوردستاني أساسا ومع الاتحاد الوطني بسبب اتفاقه الاستراتيجي مع البارتي. وقد مارس الحزبان الإسلاميان وكذلك حركة التغيير سياسة افتعال الأزمات المستمرة عبر تشويه قانون تنظيم التظاهر وطرح بدائل غير واقعية. وتوجت تلك الحركة سياستها في توجيه حركة المطالب الشعبية بالضد من جهة محددة من السلطة عبر تخطيط الهجوم على مقرات الأحزاب السياسية. وركزت حركة التغيير جهودها من أجل تهيئة الظروف اللازمة لإفشال التحالف الاستراتيجي بين البارتي والاتحاد الوطني.
ـ تعامل الجانب الآخر بردود فعل انفعالية فبمقابل الهجوم على مقرات الديمقراطي في السليمانية، هاجم البارتي عبر مناصريه مقرات حركة التغيير في اربيل ومناطق أخرى، وتعامل بعقلية تحشيد قواه الحزبية عبر مظاهرات التأييد. وبدا موقف قادة الاتحاد الوطني بعيدا عن مناصرة حليفه الاستراتيجي، بغية إضعافه بسبب استمرار تنافسهما غير المشروع في إدارة السلطة رغم تحالفهما الاستراتيجي. يبدو أن كل الإطراف التي تسمي نفسها بالمعارضة وتلك التي تسمى نفسها بالسلطة تدير صراعاتها بعقلية ومنهجية سنوات الاقتتال الداخلي، وتستخدم القوى البشرية وتستغل حاجات الجماهير والولاءات الحزبية التقليدية بدلا من القوى المسلحة التقليدية(البيشمركة) كما جرى أبان الاقتتال الداخلي، إضافة إلى توظيف الدين والفتاوى في الصراع من قبل الأطراف المتنازعة. حيث أشار رجال دين محسوبون على الاتحاد الإسلامي إلى إعلان الجهاد ضد الحكومة في السليمانية في حين قام رجال دين محسوبون على البارتي في اربيل بحث الناس على عدم التظاهر.
ـ تدور هذه الصراعات الداخلية في ظل تدخل وتأثير عوامل محلية وإقليمية. فقد جرت اتصالات بين حركة التغيير وإيران. ويتسم الوضع في المناطق المستقطعة من كوردستان والمشمولة بالمادة 140 باحتقانات جدية ومسعى واضح من قبل القوى الشوفينية العربية وبقايا البعث المقبور لتصفية الوجود الكوردي في تلك المناطق.
ـ إن المخاطر الحالية التي تواجه كوردستان لا تنتقص من حقيقة المطالب الشعبية وضرورة وجود مشروع سياسي للتغيير الاجتماعي مبني على أساس الحفاظ على المكتسبات وتعميقها ومواجهة الفساد وضرورة الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي في إطار الشرعية وصناديق الاقتراع وتعميق الديمقراطية، بعيدا عن عقلية الانقلابات والاقتتال الداخلي.
ـ غير أن هذا التوجه لا يعفينا من مسؤولية الإشارة إلى المخاطر الجديدة التي قد تنسف التجربة من الداخل، وبالأخص هناك قوى إقليمية وداخلية عراقية وقوى دولية تسعى لصياغة النظام السياسي في العراق على أساس فدرالية المحافظات.
ـ أن عملية الإصلاح بكافة محاورها تتطلب الإرادة السياسية وتهيئة مستلزماتها ومنها الأمن والاستقرار والبرنامج السياسي الواضح البعيد عن تصفية الحسابات. أما الاحتقان الحالي والتعامل مع الإحداث بعقلية سنوات الاقتتال الداخلي المقيت، فمن شانه إلحاق أفدح الإضرار بعملية التغيير الاجتماعي والإصلاح الشامل.
ـ وتظهر في مثل هذه الحالات المخاوف من احتمال تقسم جديد شبيه بالتقسيم الذي جرى أبان الاقتتال الداخلي. غير أن التقسيم الجديد سيكون مبنيا على أساس تعميق الهويات والثقافات المحلية وإضفاء الطابع المحلي على الصراع، مما يشكل خطرا على وحدة أراضي الإقليم.
ـ إن من مهماتنا الأساسية تحليل الوضع على أساس خطاب عقلاني واقعي بعيدا عن الخطابات الحالية التي تساهم في تأجيج المشاعر وإثارة النزعات المحلية وطرح برنامجنا السياسي للإصلاح والمبادرة للقاء مع القوى السياسية للترويج لمشروعنا المبني على المصلحة الكوردستانية الحقة وتعميق الديمقراطية وتحقيق السلم الأهلي والتقدم الاجتماعي والتمدن.
ـ وينبغي بهذا الصدد أن نؤكد على توجهات أساسية آنية منها:
1ـ التأكيد على حق التظاهر المدني السلمي في إطار احترام القانون.
2ـ تخطئة واستنكار كافة مظاهر التجاوز على الحريات ومظاهر الهجوم على المقرات الحزبية،أو مقرات الصحافة، والاعتداء على الصحفيين، وكذلك إطلاق النار على المتظاهرين أو إطلاق النار على رجال الشرطة.
3ـ التحرك الملموس من أجل تطبيق برنامج للإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي يأخذ بنظر الاعتبار مستلزمات التنمية ومصالح الكادحين وفتح حوار وطني بشأنه وبكيفية تطبيقه ومساهمة القوى المختلفة فيه.
*كتبت هذه المادة في أواخر شهر شباط 2011. *

*  عن الحوار المتمدن..

‫55 تعليقات

  1. You actually make it appear really easy together with your presentation but
    I in finding this matter to be really something which I think I might by no means
    understand. It sort of feels too complicated and extremely extensive for me.
    I’m looking forward for your next put up, I will try
    to get the grasp of it!

  2. The very next time I read a blog, Hopefully it won’t fail me as much as this one. After all, Yes, it was my choice to read through, but I genuinely believed you’d have something helpful to say. All I hear is a bunch of crying about something you could fix if you weren’t too busy searching for attention.

  3. Hi, I think your blog might be having web browser compatibility problems. Whenever I look at your blog in Safari, it looks fine however, if opening in I.E., it’s got some overlapping issues. I merely wanted to provide you with a quick heads up! Other than that, wonderful site.

  4. Can I simply just say what a relief to uncover an individual who truly understands what they are discussing on the net. You definitely know how to bring an issue to light and make it important. More and more people should read this and understand this side of the story. I can’t believe you aren’t more popular since you surely have the gift.

  5. I’m impressed, I have to admit. Seldom do I come across a blog that’s both equally educative and engaging, and let me tell you, you’ve hit the nail on the head. The issue is an issue that too few men and women are speaking intelligently about. I’m very happy I came across this during my search for something concerning this.

  6. After I originally commented I appear to have clicked on the -Notify me when new comments are added- checkbox and from now on every time a comment is added I recieve 4 emails with the same comment. Perhaps there is an easy method you are able to remove me from that service? Kudos.

  7. Hi, I do believe this is an excellent website. I stumbledupon it 😉 I’m going to revisit once again since I bookmarked it. Money and freedom is the greatest way to change, may you be rich and continue to help other people.

  8. An outstanding share! I’ve just forwarded this onto a friend who was conducting a little research on this. And he actually ordered me breakfast because I stumbled upon it for him… lol. So let me reword this…. Thanks for the meal!! But yeah, thanks for spending some time to talk about this subject here on your blog.

  9. I would like to thank you for the efforts you have put in penning this site. I really hope to see the same high-grade blog posts by you later on as well. In fact, your creative writing abilities has encouraged me to get my own site now 😉

  10. Next time I read a blog, I hope that it won’t disappoint me just as much as this one. After all, Yes, it was my choice to read, but I actually thought you would have something useful to say. All I hear is a bunch of moaning about something that you could possibly fix if you were not too busy looking for attention.

  11. I must thank you for the efforts you’ve put in writing this site. I am hoping to view the same high-grade content from you in the future as well. In truth, your creative writing abilities has motivated me to get my own, personal site now 😉

  12. The very next time I read a blog, I hope that it does not fail me just as much as this particular one. I mean, I know it was my choice to read through, but I really believed you’d have something interesting to say. All I hear is a bunch of whining about something that you can fix if you weren’t too busy seeking attention.

  13. I absolutely love your website.. Great colors & theme. Did you build this website yourself? Please reply back as I’m wanting to create my own site and would love to know where you got this from or exactly what the theme is called. Thanks.

  14. You’re so cool! I don’t think I have read something like that before. So good to discover somebody with some unique thoughts on this issue. Seriously.. many thanks for starting this up. This web site is something that is required on the internet, someone with a bit of originality.

  15. I’m amazed, I must say. Rarely do I come across a blog that’s both educative and interesting, and let me tell you, you’ve hit the nail on the head. The problem is something too few people are speaking intelligently about. Now i’m very happy I stumbled across this during my hunt for something concerning this.

  16. I’d like to thank you for the efforts you have put in penning this blog. I really hope to view the same high-grade content from you in the future as well. In fact, your creative writing abilities has encouraged me to get my own, personal site now 😉

  17. After exploring a handful of the articles on your web site, I seriously appreciate your way of blogging. I saved it to my bookmark site list and will be checking back soon. Please visit my web site as well and let me know how you feel.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى