الفكر السياسي

ثورات اليسار الالكتروني، تونس ومصر نموذجا

ثورات اليسار الالكتروني، تونس ومصر نموذجا.

رزكار عقراوي 

(Rezgar Akrawi)

2011 / 1 / 29

ملاحظات سريعة

شهد العالم العربي في الأسابيع الماضية حدثين مهمين جدا وهما ثورة الشعب التونسي وإسقاط دكتاتورية بن علي, والانتفاضة الجماهيرية في مصر المتواصلة منذ أيام, والتي أدت إلى هزات سياسية كبيرة جدا ستتواصل تأثيراتها على كل الأنظمة الدكتاتورية، وعلى تنشيط وتقوية الاحتجاجات والانتفاضات الجماهيرية في عموم المنطقة.

اعتقد أن قوى -اليسار الالكتروني!- الغير المنظم هي التي فجرت هذه الثورات وكانت المحركة الأساسية لها، وقد استفادت من التطور التكنولوجي والمعرفي وطورت إشكال واليات نضالها السياسي والتنظيمي والفكري والإعلامي بما يلائم الوضع الحالي والتغييرات الكبيرة التي حدثت في العالم، وتميزت عن الحركات الجماهيرية الأخرى ب:

1. الاعتماد الكبير على الانترنت و تقنية المعلومات وبشكل فاعل جدا، باستخدام المواقع الالكترونية و شبكات التواصل الاجتماعية ، وبشكل خاص الفيسبوك والتويتر واليوتيوب من خلال:

– فضح والتحريض ضد الأنظمة الدكتاتورية وفسادها وممارساتها القمعية، وكانت للوثائق التي نشرتها موقع – ويكيليكس – دور مهما في تعزيز ذلك.

– إشراك عدد كبير جدا في التعبير عن الذات والانتهاكات المختلفة التي يتعرضون إليها، والنقاش والجدل الجدي من خلال شبكات التواصل الاجتماعي و البلوكات والمواقع الأخرى، والتي ساهمت في تقريب وجهات النظر المختلفة وكذلك تحديد المطالب الجماهيرية.

– تنظيم وتنسيق عمل المظاهرات وشعاراتها بين المجموعات المختلفة على صعيد البلاد، وحشد اكبر عدد ممكن من الجماهير وخاصة مستخدمي الانترنت والشبكات الاجتماعية.

– كان لليوتيوب دور كبير في نشر أفلام المظاهرات، واستبداد وعنف الأجهزة القمعية وبالتالي إيصال الحقائق إلى الرأي العام.

– ساهمت الكثير من المواقع الالكترونية بشكل كبير و مؤثر في دعم تلك الانتفاضات الجماهيرية وفي مختلف المجالات.

2. الشباب بشكل عام يقود تلك الانتفاضات متجاوزين بذلك الأطر الحزبية والزعامات التقليدية للمعارضة.

3. تمتعها بنضج سياسي كبير و مسؤول من خلال التنسيق والعمل المشترك بين الاتجاهات السياسية المختلفة من اجل أهداف جماهيرية عامة، مستمدة بشكل عام من جوهر الأفكار اليسارية والتقدمية مثل إسقاط الدكتاتوريات والحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان, مناهضة الظلم والفساد، توفير فرص العمل وحد ادني مناسب للأجور….. الخ.

4. عابرة ومتجاوزة للأطر الحزبية و تنبذ التعصب التنظيمي وتعمل بشكل مشترك من اجل مصالح حركة اجتماعية جماهيرية واسعة تتبني مطالب الفئات الكادحة المتعطشة للتغير.

5. المشاركة الواضحة للنساء وخاصة في تونس.

6. تشكيل لجان-مجالس شعبية تتولى إدارة المحلات والمناطق وحمايتها عند غياب المؤقت لدور الدولة ومؤسساتها في فترة الانتفاضة والانفلات الأمني.

من خلال التجربتين اعتقد انه من الضروري جدا أن تدرس القوى اليسارية والتقدمية دور وأهمية الانترنت، واستخدامه بشكل فاعل والوصول من خلاله إلى عدد كبير جدا من الجهات التي نستهدفها وخاصة الشباب، وهذا يستلزم تغييرا كبيرا جدا في الخطاب السياسي و آليات الحشد والتنظيم والعمل الحزبي والجماهيري بشكل عام.

كما يستلزم على – اليسار الالكتروني – تطوير آليات عمله وخطابه السياسي، وتنظيم نشاطه سواء كان من خلال اطر انترنتية أو على الأرض، من اجل طرح مفهوم جديد وحديث لليسار، وتنظيم العدد الهائل من الجماهير المحتجة الذين يحملون أفكاره ولكنها غير منظمة، وليس لها رؤية واضحة مشتركة تجمعهم إلى ألان. إضافة إلى ضرورة التوجه نحو التطوير المستمر في استخدام الانترنت والاستفادة من نواقص التجربتين، وكذلك كيفية مواجهة الحالات المختلفة والتصرف معها، مثلا كيف نتصرف عندما تغلق كافة خدمات الانترنت و الاتصالات الهاتفية مثلما فعل النظام المصري في الأيام الخيرة، مع إن ذلك غير ممكن إلا لأيام محدودة جدا ,لأن الانترنت أصبح اليوم من أحد الأدوات الأساسية والمركزية لتسيير الإدارة الحكومية و معظم النشاطات الاقتصاد الرأسمالي، ومن هنا يبرز ضرورة و أهمية وجود فضائية يسارية-علمانية تغطي وتوجه النضالات الجماهيرية في العالم العربي.

اعتقد ان اليسار لابد إن يطرح سياسات وخطاب عقلاني واقعي ينطلق من موازيين القوى الطبقية، والأولويات والضرورات المرحلية، وقدرة الفئات التي يدافع عنها، وتجنب الخطابات الايدولوجية الحادة او الاقصائية، وتخوين أو نفي هذا الطرف اليساري أو ذاك بسبب الاختلاف في المواقف و وجهات النظر. ومن هذا المنطلق أرى من الضروري جدا أن تعمل قوى اليسار مع الاتجاهات السياسية والفكرية المختلفة الأخرى من اجل إسقاط الدكتاتوريات المستبدة في بلداننا وإرساء حكم ديمقراطي مدني مؤسساتي كبرنامج للحد الأدنى، ولكن في نفس الوقت لابد عليها أن تستمر وتعمل بشكل مشترك وتنسق عملها من اجل مواصلة النضال بأفق اشتراكي من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية و المساواة الكاملة.

********************
حول اليسار الالكتروني
لتوضيح مفهوم – اليسار الالكتروني- الحق بالموضوع جوابي على السؤال المتعلق بذلك في الحوار المفتوح الذي أجريته في نهاية شهر ديسمبر 2010
********************

من الممكن أن يفهم مصطلح اليسار الالكتروني (E-Left) في انه تحويل مؤسسات وأحزاب اليسار من شكلها التقليدي إلى استخدام تقنية المعلومات والانترنت فقط ! ، ولكن باعتقادي انه يتجاوز ذلك، حيث انه طرح علمي حديث لمفهوم اليسار واليات عمله لكي تتلاءم مع التطور التكنولوجي والمعرفي للإنسانية في المجالات المختلفة.  وقد يكون المفهوم بهذا المعنى لم يتبلور بعد بشكل واضح حيث أن ذلك بالتأكيد يحتاج الى وقت وجهود جماعية، وخاصة على الصعيدين السياسي والنظري وهو موضوع مطروح للنقاش والتطوير لكل من يهمه تحديث اليسار والأفق الاشتراكي، و يعمل من اجل خيار سياسي اقتصادي اجتماعي أفضل وممكن للإنسان.
وفقا لذلك اطرح نقاط عامة أرى أن اليسار الالكتروني من الممكن أن يستند إليها:

1. حديث و يستند إلى التطور المعرفي والعلمي العقلاني للفكر اليساري والإنساني، و قادر على الاستفادة و استخدام التطور التكنولوجي والعلمي في عمله السياسي والتنظيمي والإعلامي والثقافي من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية واكبر قدر ممكن من المساواة في ضوء موازين القوى الطبقية و السياسية و مستوى تطور المجتمعات التي يعمل فيها، وبناء مجتمع مدني حر وديمقراطي علماني يحترم حقوق الإنسان.

2. يطرح سياسات عقلانية واقعية وينطلق من قدراته و قدرات الفئات التي يدافع عنها ودرجة تطور المجتمعات في تحديد مهماته العملية والمرحلية بالاستناد إلى العلوم الحديثة، لكي لا يبتعد بأهدافه وأطروحاته ويهيم في الأوهام أو النصوص النظرية الجامدة التي تقادم الكثير منها في الوقت الحاضر، والبعض منها عفا عليها الزمن، والتي للأسف حولت من قبل الكثير من اليساريين إلى – نصوص مقدسة- وحقائق مطلقة معصومة من الخطأ و صالحة لكل الأزمان والأمكنة، حيث إنها لا بد أن تخضع إلى عملية نقد وتطوير وتجديد متواصل ومترابط بشكل وثيق مع التطور العلمي و السياسي و الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي للإنسانية.

3. يتوجه بشكل رئيسي نحو الطاقات الشابة المتعطشة للتحديث والتغيير والعدالة والمساواة، ويري من الضروري الوصول إليها وحشد طاقاتها باستخدام التقنيات الحديثة التي يستخدمونها الآن، ويركز أيضا على القيادة الشابة التي لديها طاقات اكبر وهي ألأكثر مرونة وقبولا للتغيير والتحديث على كافة الأصعدة، ويطرح – كوتا – شبابية في مؤسساته المختلفة وخاصة القيادية.

4. يؤكد أن الإنسان وحقوقه الكاملة هي الأساس، وبمفهوم عالمي بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس، ويبتعد في عمله وتحالفاته عن القوى الاستبدادية اليمينية و الدينية و القومية المتعصبة المناهضة لحقوق الإنسان الأساسية.

5. يؤمن بالمساواة الكاملة للمرأة و التميز الايجابي، بتكريس حصة (كوتا) تصاعدية في مؤسساته لحين تحقيق المساواة الفعلية والتامة، ويتوجه نحو تحقيق ذلك في كافة هيئاته القاعدية والقيادية ونشاطاته المختلفة.

6. يؤمن بتعدد المنابر والاجتهادات والكتل الفكرية والتنظيمية المختلفة داخل الحزب الواحد، ويرفض تقديس النصوص و عبادة وتأليه القادة بمن فيهم منظرو الماركسية واليسار وقادة الأحزاب، ولا يدعي احتكار الحقيقة. و يعمل على عقد مؤتمرات علنية مفتوحة بعد تحضير واسع يضمن مشاركة الجميع من الاتجاهات والكتل المختلفة داخل مؤسساته. ويلتزم بالجماعية في وضع وإقرار السياسات، واحترام الرأي والرأي الأخر ، يسار يرفض الشمولية ويؤمن بالعملية الديمقراطية والتداول الديمقراطي السلمي للسلطة. و يركز على التفاعل المتبادل مع الجماهير ودعوتهم للمشاركة في إقرار سياساته والحوار عليها و بشكل متواصل يطلب التغذية العكسية من فئات المجتمع المختلفة من اجل تقييم السياسات، و قياس مدى نجاحها.

7. للأسف ان الكثير من قادة اليسار في العالم العربي ينافسون حكام وملوك العالم العربي في البقاء في كرسي القيادة، بل أن البعض منهم حولها إلى – مملكات عائلية وراثية !- مما خلق حالة سلبية أضرت كثيرا باليسار وأدت إلى جمود نظري وعملي وتنظيمي وهو بعيد كل البعد عن التقاليد الديمقراطية اليسارية، لذلك يركز اليسار الالكتروني على تداولية القيادة ويعتبرها بند رئيسي في أنظمته الداخلية بحيث لا يحق تبوء المناصب القيادية لأكثر من دورتين انتخابيتين وحد أعلى 6- 8 سنوات. إن تجديد القيادات وعلى مختلف المستويات مهمة ضرورية باستمرار وليست رغبة عبثية و بدون فائدة كما تروج له بعض القيادات الحزبية التقليدية.

8. العالم بشكل عام يتجه نحو الشفافية، حيث التقنيات الحديثة أتاحت كسر حواجز الرقابة وحجب الحقائق عن الجماهير، لذلك يستند اليسار الالكتروني في عمله إلى الشفافية الكاملة في أنشطته الداخلية والخارجية ماعدا التي من الممكن أن تلحق ضررا امنيا به في الدول الاستبدادية. وتلتزم مؤسساته وقيادته و أعضائه بالشفافية المالية الكاملة على المستويين الحزبي و الشخصي.

9. يعمل في إطار حركة اجتماعية واسعة متجاوزة للأطر الحزبية ويرفض التعصب التنظيمي والمؤسساتي والنخبوي، ويعمل وينسق مع القوى اليسارية والعلمانية والديمقراطية الأخرى وفق نقاط الالتقاء المشتركة ويمارس الحوار الحضاري البناء حول الاختلافات. ويستخدم الإدارة الحديثة والبحث العلمي والتطور التقني والمعرفي في عصرنة آليات التنظيم الحزبي والنشاط السياسي والاتصال الداخلي والخارجي مع المجتمع ومكوناته.

10. ينمي قدرات أعضائه وقياداته في استيعاب التطور التكنولوجي والتقني، واستخدامها في المجالات المختلفة السياسية والإعلامية والتنظيمية، مما سيؤدي التي تطوير العمل كماً ونوعاً، وإلى تخفيض المصاريف في ظل الأزمة المالية المزمنة التي تعاني منها معظم فصائل اليسار. ويتوجه نحو اكتساب قدرات تقنية متقدمة وسريعة تتيح له الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجهة – أي المجموعات- التي يستهدفها وحشدها باستخدام التقنيات الحديثة، كما يستطيع مواجهة اختراقات الخصوم، وأحيانا الرد عندما يتطلب الأمر ذلك، إضافة إلى إمكانية اختراق شبكات الأنظمة الشمولية الحاكمة و خاصة الأمنية والسياسية عندما تقتضي الحاجة – تجربة ويكلكس مثلا-. ولا بد أن يكون في عملية تطوير مستمرة على الصعيدين التقني والمعلوماتي…. &

& عن الحوار المتمدن..

زر الذهاب إلى الأعلى