ثورة العشرين في قصيدتين للجواهري
ثورة العشرين في قصيدتين للجواهري
تُرى أكان علي الشرقي مبالغًا حين اعتقد، وأرادنا أن نعتقد معه، أن الجواهري “رسالة قدسية يحملها طائر من طيور الأدب جاء ليغرّد على شجرة الحياة بنشيد الوطن والحرية والجمال” ؟
وهل يمكن أن نضيف ثيمة ثقافية لوصية الشرقي الجمالية ؟
أيمكن القول : إن ديوان الجواهري هو “سجلّ الدولة العراقية”؟ فعمر الجواهري – حين الثورة – يشبه مصطلحها إلى حدّ كبير “ثورة العشرين“.
ولكن عنواني القصيدتين الخالدتين بين دفّتي ديوان الجواهري ودفّتي قلب الأحرار: “ثورة العراق” و”الثورة العراقية” ، اللتين كتبتا كليهما في السنة 1921، يطرحان سؤالًا فكريًا عن النسق الوطني الممتليء بالوعي الثقافي المتجه نحو المدنية، رغم أن مرجعيات الثورة تتوزع ما بين الدينية والقبلية.
والمقاطع المستلة من القصيدتين امامكم..
“طريق الشعب”
****************
ثورة العراق
إن كان طال الأمدُ فبعد ذا اليومِ غدُ
ما آن أن تجلو القذى عنها العُيون الرَّمد
أسياُفُكم مرهفة وعزمٌكم متقد
هبوا كفتكم عبرة أخبار من قد رقدوا
هبوا فعن عرينه كيف ينام الأسد
* * *
وثورة بل جمرة ليعرب لا تخمد
أججها إباؤهم والحر لا يستعبد
لا تنثني عن بلد حتى يشب البلد
خفوا إلى الداعي وفي الحرب جبالاً ركدوا
واستبشروا بعزمهم فهلهلوا وغردوا
وأقسموا الى العدى أن لا يلين المقود
* * *
كم جلب الذل على المرء حسام مغمد
زيدوا لقاحاً حربكم لعل عزاً تلد
إياكم والذل إن جرحه لا يضمد
* * *
حتى إذا ما ويلسن ضاقت بها منه اليد(2)
ولم يجد ليناً بهم وهل يلين الجلمد
وما رأى ذنباً سوى أن حقوقا تنشد
وأنهم أولى بما قد زرعوا أن يحصدوا
سواعد مفتولة بعزمها تعتضد
وهمة شماء لا ينال منها الفرقد
مال إلى الحق ولم يكن لحق يرشد
وقال : هذا عاصف هب وبحر مزبد
* * *
يا ثورة العرب انهضي لا تخلقي ما جددوا
لا عاش شعب أهله لسانهم مقيد
سيان عندي مقول أو مرهف مجرد
أفدي رجالاً أخلصوا لشعبهم واجتهدوا
كم خطبة نفاثة فيها تحل العقد
ومقول قصر عن تأثيره المهند
هذا لساني شاهد عدل متى تستشهدوا
أن لا تزال أضلعي تطوى على ما تجد
عهداً أكيداً فثقوا أني على ما أعهد
“مقتطفات”
************
الثورة العراقية
لعل الذي ولى من الدهر راجع فلا عيش إن لم تبق إلا المطامع
غرور يمنينا الحياة : وصفوها سراب وجنات الأماني بلاقع
نسر بزهو من حياة كذوبة كما افتر عن ثغر المحب مخادع
هو الدهر قارعه يصاحبك صفوه فما صاحب الأيام إلا المقارع
* * *
إلى م التواني في الحياة وقد قضى على المتواني الموت هذا التنازع
ألم تر أن الدهر صنفان أهله أخو بطنه مما يعد وجائع
إذا أنت لم تأكل أكلت ، وذلة عليك بأن تنسى وغيرك شائع
تحدث أوضاع العراق بنهضة ترددها أسواقه والشوارع
وصرخة أغيار لإنهاض شعبهم وإنعاشه تستك منها المسامع
* * *
وقد خبروني أن في الشرق وحدة كنائسه تدعو فتبكي الجوامع
وقد خبروني أن للعرب نهضة بشائر قد لاحت لها وطلائع
وقد خبروني أن مصر بعزمها تناضل عن حق لها وتدافع
وقد خبروني أن في الهند جذوة تهاب إذا لم يمنع الشر مانع
هبوا أن هذا الشرق كان وديعة ” فلابد يوماً أن ترد الودائع “
* * *
ويوم نضت فيه الخمول غطارف يصان الحمى فيهم وتحمى المطالع
تشوقهم للعز نهضة ثائر حنين ظماء أسلمتها المشارع
هم افترشوا خد الذليل وأوطئت لأقدامهم تلك الخدود الضوارع
لقد عظموا قدرا وبطشا وإنما على قدر أهليها تكون الوقائع
وما ضرهم نبوا السيوف وعندهم عزائم من قبل السيوف قواطع
إذا استكرهوا طعم الممات فأبطأوا أتيح لهم ذكر الخلود فسارعوا
* * *
وفي الكوفة الحمراء جاشت مراجل من الموت لم تهدأ وهاجت زعازع
أديرت كؤوس من دماء بريئة عليها من الدمع المذال فواقع
هم أنكأوا قرحا فأعيت أساته وهم اوسعوا خرقا فأعوز راقع
بكل مشب للوغى يهتدى به كما لاح نجم في الدجنة ساطع
* * *
ومما دهاني والقلوب ذواهل هناك وطير الموت جاثٍ وواقع
وقد سدت الافق العجاجة والتقت جحافل يحدوها الردى وقطائع
وقد بُح صوت الحق فيها فلم يكن ليُسمع الا ما تقول المدافعُ
* * *
وما كان حب الثورة اقتاد جمعهم إلى الموت لولا أن تخيب الذرائع
هم استسلموا للموت ، والموت جارف وهم عرضوا للسيف ، والسيف قاطع
* * *
بباخرة فيها الحديد معاقل تقيها وأشباح المنايا مدارع
وإن أنس لا أنس ” الفرات ” وموقفا به مثلت ظلم النفوس الفظائع
غداة تجلى الموت في غير زية وليس كراء في التهيب سامع
تسير وألحاظ البروق شواخص إليها وأمواج البحار توابع
تراها بيوم السلم في الحسن جنة بها زخرفت للناظرين البدائع
على أنها والغدر ملء ضلوعها على النار منها قد طوين الأضالع
مدرعة الأطراف تحمي حصونها كمأة بطيات الحديد دوارع
* * *
ومحي لليل التم يحمي بطرفه ثغوراً أضاعتها العيون الهواجع
تكاد ، إذا ما طالع الشهب هيبة تخر لمرآه النجوم الطوالع
* * *
تثور به للموت أبية وتأبى سوى عاداتهن الطبائع
يطارحه وقع السيوف إذا مشى كما طارح المشتاق في الأيك ساجع
* * *
جرى ثائراً ماء الفرات فما ونى عن العزم يوماً موجه المتدافع
حرام عليكم ورده ما تزاحمت على سفحه تلك الوحوش الكوارع
هم وجدوا حول الفرات أمانياً لطافاً أضلتها نفوس نوازع
ولو قد أمدته السيوف بحدها لغص بموار من الدم كارع
* * *
وأحلامنا منها صحيح وكاذب وأيامنا منهن معط ومانع
كما فرق الشمل المجمع حادث فقد يجمع الشمل المفرق جامع
وما طال عصر الظلم إلا لحكمة تنبيء أن لابد تدنو المصارع
“مقتطفات“…. #
#. عن جريدة طريق الشعب…..