الفكر السياسي

حصاد الانتخابات والتخويف الديني في العراق

حصاد الانتخابات والتخويف الديني في العراق

د. عودت ناجي الحمداني

2005 / 2 / 23

سجل العراقيون في أول انتخابات ديمقراطية منذ تأسيس الدولة العراقية انتصاراً تاريخياً كبيراً سواء بأندفاعهم الكثيف نحو صناديق الاقتراع أو بتحديهم لقوى التخلف والاجرام التي ارادت تعطيل العملية الانتخابية بتهديد الناخبين والمرشحين ِبالمتفجرات والعبوات الناسفة. فقد وضع العراقيون في الثلاثين من كانون الثاني عام 2005 بالفرح والزغاريد والدبكات الشعبية اللبنات الاولى لأنشاء نظام ديمقراطي تعددي فدرالي قوامه الديمقراطية السياسية, وبذلك شكلت العملية الانتخابية نقلة تاريخية نوعية في تاريخ العراق السياسي الحديث.
فتدفق العراقيين على صناديق الاقتراع نساءاً ورجالاً من مختلف مكونات المجتمع العراقي انما هو تعبير رائع له دلالاته السياسية والوطنية على اجماع العراقيين وتصميمهم على رفض ايديولوجية الارهاب والارهابيين واصرارهم على ممارسة حقهم الطبيعي في اختيار ممثليهم,كما عبر العراقيون بهذه المشاركة الواسعة المحفوفة بمخاطر الموت عن حبهم العميق لوطنهم وادراكهم لمصالح شعبهم الوطنية والقومية واثبتو انهم على درجة عالية من الحس الوطني ,ولم تنطلي عليهم دسائس المشعوذين من العصابات الاسلامية والصدامية مهما تسترو بواجهات الدين والشعارات الوطنية الخادعة التى ارادو منها التستر على اعمالهم الاجرامية بحق الشعب والوطن ومصادرة الارادة الحرة للعراقيين في انتخاب من يجدون فيه الكفائة والمبدئية في تبني مطالبهم واهدافهم في الجمعية الوطنية .
ان اتساع المشاركة في العملية الانتخابية والتحدي الذي أبداه العراقيون واصرارهم على انجاح التجربة الديمقراطية الفتية يثير الاعجاب بهم وبشجاعتهم ولكن من الوجه الآخر سجلت الممارسات الخاطئة التي ارتكبت بحق العملية الانتخابية انتكاسة في الاجواء الانتخابية واحباط لتطلعات شعبنا في ارساء تقاليد ديمقراطية تقوم على النزاهة والشفافية واثرت هذه الانتهاكات بصورة مباشرة وغير مباشرة على حرية الناخببين.
ان النزاهة في التصويت لهذة القائمة او تلك ترفض أي شكل من اشكال الارهاب الفكري والتخويف الديني الذي انتهجته بعض القوائم والقوى المقربة منها للتاثير على قناعات الناخبين في سبيل كسب اصوات ومصالح حزبية ومصلحية ضيقة,مستندةً في ذلك على الدعم والمباركة غير المحدودة من المرجعية الشيعية وبذلك وضفت العامل الديني في خدمة المصالح االسياسية واستغلتة استغلالا جشعاً في الدعاية والتحريض والضغط النفسي والاجتماعي في تخويف فئات واسعة من الناس البسطاء بدخولهم جهنم ان لم ينتخبو قائمة المرجعية.
وبذلك تعرضت جماهير واسعة من النساء والرجال لعملية تضليل واحتيال بأسم الدين والمرجعية.ومن المضحك حقاً ان يجري خداع الناخب واستدرار عواطفه باساليب اغرائية وضيعة )من يريد زواج المتعة فلينتخب الشمعة(ان ذلك يشير الى حجم الاستهجان والاستخفاف بعقلية الناخب العراقي والاسائة الى المباديء الديمقراطية والدينية .فمثل هذة الشعارات لا يمكن ان تكون بضاعة انتخابية تسوق لمجتمع ينشد التحضر والتمدن والاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعافي من مخلفات الدكتاتورية المستبدة ولا يمكن لاي انسان على درجة بسيطة من الوعي ان يتقبل هذه الثقافة لان مثل هذا التوجة الانتهازي يعني اغراء الناخب بأثارة دوافعه بدلاً من ارشائه بالمال.
ان الشعوب المتحضرة بقدر ما تقدس الديمقراطية وتحترم الحرية لانها المظلة لحقوق الانسان,فانها ترفض استخدام الدين ورموزه في الدعاية الانتخابية للتأثير على خيارات الناخب وتشويه رؤيته,وما حصل في الانتخابات العراقية يتناقض مع ما اعلنتة المفوضية العليا للانتخابات عن الفرص المتكافئة لجميع القوائم ومن انها توقف الخروقات والانتهاكات اياً كان مصدرها.
ان الهبة الجماهيرية النارية التي شهدتها الانتخابات العراقية انتصار كبير حققه شعبنا ,ومن المفترض ان يتكلل ذلك باحترام ارادة الناخبين وعدم التأثير على خياراتهم في اختيار ممثليهم,فالحوزة الدينية والنخوة المذهبية والقومية والعناصر الوصولية بالاضافة الى خطب المعممون والملالي تعاضدت لتشكل عاملاً فكرياً ونفسياًواجتماعياً شلت قدرة الناخب في التعبير عن نفسة وعن قناعاتة.هذا بالاضافة الى موقف المرجعية التي جعلت التصويت لقائمة الائتلاف العراقي بين الحلال والحرام,فمن المفترض ان تبقى المرجعية على موقف الحياد الذي اعلنتة ولكن بأنحيازها الى قائمة الائتلاف العراقي تجاوزت بعدها الديني الى البعد السياسي, ومن الأجدى ان تكون المرجعة ارفع واسمى من هذة المواقف في سبيل ان تصبح مرجعية العراقيين جميعاَ بدلاًمن ان تكون مرجعية شيعية بالمعنى الضيق.
ان مثل هذة الممارسات تجعلنا نتسائل عن مدى حقيقة الشعارات التي اطلقتها القوى الدينيةعن الديمقراطية والحرية والمساوات وفصل الدين عن الدولة وطلاق ولاية الفقية والتعددية السياسية وغير ذلك من التسويقات الطنانة وفيما اذا كانت هذة الشعارات نهجاً ستراتيجياً ام جسراًللعبور الى هرم السلطة؟ وعندها تبدأ ساعة الصفر للهجوم على الديمقراطية وذبح الديمقراطيين والعلمانيين واليساريين والتقدميين وفرض الشريعة على الاقليات الدينية ومهاجمة النوادي الثقافية ودور السينما ومقاهي الانترنيت والمسارح والبارات وسَوق الناس الىالمساجد وحرق محلات العطور والزينة لأنها رجس من عمل الشيطان,وبذلك تنشأ الارضية الخصبةلحكومة ولاية الفقية التي تذكرنا بالسلطة المطلقةالمقدسة لرجل واحد يتحكم بأمور الدين والدنيا, ويذكرنا كيف تصادر ولاية الفقية في ايران قرارات البرلمان المنتخب .ولهذا اخذت تتزايد مخاوف العراقيين وخاصة العراقيين من غير الشيعة و من غير المسلمين من وصول القوى الاسلامية الموالية لأيران الى الجمعية الوطنية.
ان الانجاز الكبير الذي حققة شعبنا في نجاح العملية الانتخابية يجب الحفاظ عليه وتحويل نتائجه الى فعل يومي في الممارسة الديمقراطية بأطلاق طاقات شعبنا المبدعة ونبذ التعصب الديني والقومي وتقبل ثقافة الاخر والتفاني في سبيل تعزيز الوحدة الوطنية شعباًوارضاً,ومن هنا تظهر اهمية الحوار الوطني مع القوى الخيرة التي تؤمن بالعملية السياسية وتدين الارهاب بكل اشكالةلتحقيق غايات سياسية, ومن الملاحظ في المشهد السياسي العراقي ان بعض القوى التي فقدت مواقعها في النظام البائد ما زالت تناور في الوقت الضائع بعبثية المقاومة التي تلحق افدح الاضرار بأرواح العراقيين و بالاقتصاد الوطني في محاولة يائسة لفرض اجندتها السياسية .
.وبالنظر الى الظروف الاستثنائية التي يعيشها العراق واشتداد حلقة التآمر علية لاجهاض مسيرتة الوطنية فأن الظروف الموضوعية تتطلب الحوار الوطني مع القوى السياسية والدينية التي تؤمن بالعملية السياسية. فالحوار المنشود ينبغي ان يستهدف عدداً من القضايا الملحة الاتية :
1-قيام حكومة ائتلاف وطني تمثل اوسع أطياف الشعب العراقي على اساس الوطنية والكفائة المهنية حتى تكون صدى للعملية الديمقراطية وقادرة على القيام بالمهام الوطنية الراهنة .وفي مقدمتها القضاء على الارهاب والبطالة والفساد المالي والاداري المستشري في اجهزة الدولة.
2-السير الحثيث في اعادة عملية البناء والاعمار على مختلف الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية وخصوصاً المياه والكهرباء والمشتقات البترولية التي باتت تشكل جزءاً من الامن اليومي للمواطن.
3-العمل على اشراك القوى الوطنية السياسية والدينية التي تؤمن بالعملية السياسية وتدين الارهاب والعنف في التشكيل الحكومي وبصياغة الدستور.
4-صياغة دستور وطني تقدمي يجسد وحدة الشعب العراقي بكافة مكوناته الدينية والقومية والعرقية .فالدستور هو قانون الدولة لذا ينبغي ان يكون الدستور العراقي دستوراً علمانياً يضمن الحقوق المتساوية للجميع على اساس العدالة والمساواة ويحرم التمييز الطائفي والقومي والديني ويضمن الحريات السياسية والديمقراطية والتعددية ويحترم حقوق المراة العراقية على قدم المساواة مع الرجل.
ومن المفترض ىان تتسع التشكيلة الحكوميةالى كافة الفئات من مختلف اطياف الشعب العراقي في سبيل رص صفوف الشعب في اوسع جبهة وطنية تقدمية تعبر عن تكاتف الشعب العراقي وعزمه على دحر الارهاب والسيرقدماً في مسيرة الاصلاح والتقدم الاقتصادي والاجتماعي
وعليه فقد كشفت تطورات العملية الانتخابية التي جرت تحت ضغط مجموعة من العوامل الداخليةوالخارجية الحقائق التالية:
1-فشل التيار الديمقراطي المتمثل بالحزب الشيوعي والقوى العلمانية واليسارية والمستقلين والديمقراطيين عن توحيد خطابه السياسي وتوحيد قواه البشرية في قائمة واحدة لخوض العملية الانتخابية.
2-كشفت الانتخابات عدم حيادية المرجعية الشيعية وولائها بالدعم والمباركة لقائمة الائتلاف العراقي,الامر الذي أثر على اقبال الناخبين على القوائم الاخرى..
3- عبرت الانتخابات عن رفض العراقيين لأيديولوجية الارهاب والارهابيين وعشقهم للحرية واقامة النظام الديمقراطي التعددي.
4-تعرض الناخبين لعملية تخويف ديني وتسويف فكري وللكثير من المؤثرات الاجتماعية المرتبطة بالتقليد القبلية والاقطاعية وغير ذلك من المؤثرات التي اخلت بالنزاهة والشفافية الانتخابية.
5- لم يصوت الناخبون في اغلب المناطق الانتخابية لبرامج القوائم وانما تمت عملية التصويت تحت تأثير العديد من العوامل التي ذكرناها آنفاً.
ولهذا جائت نتائج الانتخابات على عكس التوقعات واستطلاعات الرأي العام وظهرت على الشاشة السياسية قوى مغمورة لم تعرفها ساحات النضال السياسي واستاثرت قوى اخرى بنصيب الاسد في الأصوات وتراجعت قوى سياسية وتقدمية ذات وزن سياسي واجتماعي مؤثرة في تاريخ العراق السياسي.
.وعلية فالانتخابات بأبعادها السياسية والوطنية وجهت رسالة حازمةلاعداء شعبنا في ان العراق اقوى من اعدائة الصداميين والاسلاميين الدمويين ولايمكن للاستبداد ان يعود.. #

# عن الحوار المتمدن…

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى