حقوق الإنسان واستجواب المتهم
القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
إن القوانين هي وليدة الحاجة وانها تسن وتشرع وتنفذ بغية الحفاظ على كرامة الانسان وحقوقه كافة حيث ان الانسان من اعظم مخلوقات الله سبحانه وتعالى على الارض كرمه الله بنعمة العقل وجعله مميزا لحقوقه وواجباته, وان غاية او هدف قوانين الاجراءات الجزائية هي تحقيق العدالة وذلك بحماية حقوق كافة اطراف الدعوى وفي كافة مراحلها ومن اهم مظاهر حماية حقوق اطراف الدعوى الجزائية هي المساواة بين الدفاع والاتهام.
ويتم تحقيق هذه المساواة بحماية الحرية والحقوق الشخصية لكل طرف من اطراف الدعوى أثناء مراحل الدعوى الجزائية لاسيما الحقوق الشخصية للمتهم كونه الحلقة المهمة وفي العادة يقاس مدى تطور المجتمعات من ناحية حفاظها على حقوق وحريات افرادها بمدى الضمانات التي تمنحها لمواطنيها في قوانين الاجراءات الجزائية. وتركز التشريعات على الضمانات في مرحلة التحقيق الابتدائي لكونها المرحلة التي يتم خلالها تدوين اقوال المتهم ولكونها المرحلة التي تتخذ خلالها اجراءات التوقيف والتفتيش والقبض وهي الاجراءات التي يرافقها اتخاذ اجراءات تشمل تقييد بعض الحقوق والحريات للمواطن لفترات زمنية متفاوتة، وان حماية حقوق الانسان في مرحلة التحقيق الابتدائي تنبع من كونها من الحقوق الاساسية لتعلقها بذات الانسان ولذا فان حماية حقوق المتهم وكافة اطراف الدعوى الجزائية وضماناتهم تحفظ لهم كرامتهم وادميتهم وهي من احدى المظاهر المهمة لأي مجتمع متطور فجوهر احترام حقوق الانسان يتمثل في حب العدل والانصاف وبغض الظلم فيجب احاطة المتهم بالتهمة المسندة اليه ومعاملته معاملة إنسانية وحصوله على الوقت الكافي لاعداد دفاعه وحضور محام للدفاع عنه فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته بمحاكمة عادلة وهذا ما نص عليه الدستور العراقي النافذ لعام 2005 وان استجواب المتهم يعد إحدى ضمانات المتهم التي يجب ان يتمتع بها فهو الذي يربط بين جميع وقائعها ويبحث مدى جديتها لتحقيق هدفها الاول في الوصول الى الحقيقة واهم ما يميزه هو ان الشخص يحضر فيه لأول مرة بصفته متهما امام المحقق.
وقد نظم المشرع العراقي إجراءات استجواب المتهم في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل وعلى قاضي التحقيق او المحقق ان يستجوب المتهم خلال اربع وعشرين ساعة من حضوره بعد التثبت من شخصيته واحاطته علما بالجريمة المنسوبة اليه ويدون اقواله بشأنها مع بيان ما لديه من أدلة لنفيها عنه، وله ان يعيد استجواب المتهم فيما يراه لازما لاستجلاء الحقيقة وكذلك الزم قاضي التحقيق بان يدون بنفسه افادة المتهم اذا كانت افادته تتضمن اقرارا بالجريمة وكذلك اعطى القانون الحق للمتهم تدوين اقواله بخطه اذا رغب ذلك على ان يتم ذلك بحضور قاضي التحقيق ثم يوقعها القاضي والمتهم بعد ان يثبت ذلك في المحضر وان ذلك يشكل جوا من الحرية للمتهم وبموجب المادة (37) من الدستور العراقي حرية الانسان وكرامته مصونة ولايجوز توقيف احد او التحقيق معه الا بموجب قرار قضائي ويحرم جميع انواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الانسانية ولاعبرة باي اعتراف انتزع بالإكراه او التهديد او التعذيب وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي اصابه وفقا للقانون ولكل فرد الحق في الحياة والامن والحرية ولايجوز الحرمان من هذه الحقوق وتقييدها الا وفقا للقانون وبناء على قرار من جهة قضائية مختصة وحق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة ولايحاكم المتهم عن التهمة ذاتها مرة اخرى بعد الافراج عنه الا اذا ظهرت ادلة جديدة.
وان الضمانات التي وردت في الدستور العراقي بشان حماية حقوق الانسان تدل على ان السياسة الجنائية في العراق تتجه الى حماية المجتمع وتوفير اكبر قدر من الضمانات في حماية حقوق الفرد سيما وان هذه الحقوق هي في ذاتها تمثل قيمة اجتماعية وان احترامها يعد ضمانة لتجاوب الفرد مع المجتمع والتأكيد على مبدأ الاصل براءة المتهم وان من حق المتهم الصمت حيث لا يجبر المتهم على الاجابة على الاسئلة التي توجه له كما لا يجوز اعتبار سكوته دليلا ضده طالما ان من حقه عدم الاجابة على الاسئلة حتى اذا كان قد اجاب على بعضها فاذا كان القانون قد منع اجبار المتهم على الكلام فانه اعطاه الحق في ان يبدي اقواله في أي وقت يراه مناسبا وله ان يناقش الشاهد بعد سماعه لأقواله وان من ضمانات استجواب المتهم عدم استخدام الوسائل غير المشروعة ومنع التعذيب ونصت المادة (127) من قانون اصول المحاكمات الجزائية على : (لا يجوز استعمال اية وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم للحصول على اقراره ويعتبر من الوسائل غير المشروعة اساءة المعاملة والتهديد بالإيذاء والاغراء والوعد والوعيد والتأثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات والعقاقير )ويتوجب تنظيم الاجراءات الجنائية بشكل يراعى فيها التنسيق بين مصالح المجتمع وصونه من الاجرام والحد من تفاقمه وبين حقوق وحريات الافراد