حق تقرير المصير الاطار السياسي و النظري والقانون الدولي
حق تقرير المصير الاطار السياسي و النظري والقانون الدولي
د. كاوه محمود
2017 / 9 / 18
ليس المقصود من هذا العنوان الاشارة الى الاطار السياسي و النظري حول حق تقرير المصير بشكل عام بل الحديث عن هذا الاطار وخيار الدولة الوطنية الكوردستانية في كوردستان العراق بشكل ملموس ضمن الظروف الحالية بعيدا عن الاستنساخ والمماثلة مع تجارب أخرى، علما ان المشترك ضن اطار الحلول الديمقراطية العادلة من الناحية النظرية، هو ضمان حق الشعب المعني في تقرير مصيره، وتمكينه من ممارسته.
ولكي نحدد منهجية واضحة في هذا المضمار لا بد من التأكيد بأن المسألة القومية والمطالب القومية ظاهرة تاريخية تمتلك سيرورتها، وبالتالي لها بداياتها ومساراتها المتعرجة التي تحدد بشكل أو آخر آفاقها ومديات تطورها.
وتؤثر الخلفيات التاريخية للمسألة وتطوراتها بشكل أو آخر على تحديد معالم الحلول المطروحة، التي تسجم مع التطور الحاصل فيها.
والمسألة القومية كظاهرة تاريخية في بلد متعدد القوميات ، مرتبطة بالواقع بكل تناقضاته وصراعاته. وبالتالي فإن النضال من أجل رفع الغبن القومي ومن أجل التحرر الوطني والمساواة في الحقوق ، يواجه مقاومة ورءها ترسانة من القوانين والأعراف والأفكار، التي تعبر عن مصالح الفئات والطبقات الإجتماعية السائدة. وقد لا يكتفي أصحاب هذه المصالح بالإنطلاق من أفكار شوفينية، أو قومية ضيقة، يسهل تفنيدها، بل قد يلجأون الى معطيات ليبرالية تبدو في ظاهرها منسجمة مع الديمقراطية، ولكنها من حيث الجوهر تحمي ماهو قائم وتضفي الشرعية عليه.
ان الحل الملوس للمسألة القومية يتأثر بمفردات الحياة اليومية للافراد، و بالأوضاع الإقتصادية والإجتماعية السائدة إضافة الى المصالح التي تخلق أحيانا حالة من الانسجام بين ثقافة الامة السائدة ومفهومها لقدسية الدولة مع موقف القلقين داخل الامة المظلومة في اختيارهم للاستقلال السياسي لترويج خيار البقاء وعدم الاستقلال بحجة عدم واقعية المبدأ ، وعدم امكانية الشعب الذي يريد هذا الخيار على ادارة دولته الجديدة، أو عدم صلاحية الوضع الدولي.
وضمن حديثنا عن الملموس نقول بان الإمتداد التاريخي للقضية الكوردستانية والتطورات الراهنة ومواقف السلطة المركزية كل ذلك أدى الى طرح شعار الدولة الوطنية الكوردستانية المستقلة عبر الاستفتاء للحفاظ على المكتسبات القائمة وعدم تقويض ما جرى تحقيقه بنضال شعبنا ولدرء مخاطر حرب قومية أو طائفية. فالخيار المطروح خيار عقلاني يراعي فن الممكن وتوازن القوى، و تتخذ الخطوات لعدم إثارة حفيظة الآخرين. ويبقى ان نشير بان العقلانية وفهم التوازنات، لا يعنيان تحميل الشعب الكوردستاني، وزر تداعيات الوضع الذي آل إليه البلد بسبب السياسات الشوفينية للأنظمة المتعاقبة في الحكم، وبسبب الاشكالية التاريخية لبنية الدولة العراقية وطبيعتها، وبسبب استمرار النهج الحالي للسلطة المركزية. وعليه فاننا لا نحلل التوازنات الاقليمية والدولية، وكأن حق تقرير المصير وتشكيل الدولة الوطنية يتم من خلال تقديم هذا المشروع على طبق من ذهب من قبل المجتمع الدولي أو القوى المهيمنة على الصعيد الدولي, ولَم تشكل مواقف الدول الإقليمية تجاه الاستفتاء مفاجأة لشعبنا فهذه المهمة مهمة نضالية مناطة بقرار سياسي للشعب الكوردستاني مدعوما بتضحياته السابقة ومرتكزا على الاستعداد في العطاء من أجل تحقيق هذا المشروع الوطني ومن هذا المنطلق لا نعتيره مغامرة ثورية.
ضمن هذا التوجه لا بد أن نشير بأن فهمنا للعلاقة بين حق تقرير المصير ومسألة تحقيق الديمقراطية لعموم العراق تعتمد على ادراكنا لاهمية تحقيق الديمقراطية في العراق كعامل مهم في ايجاد آلية لاعتراف الآخر بحق المقابل في ممارسة حق تقرير المصير ضمن الخيارات الديمقراطية المدنية السلمية، غير ان عدم القبول لا يعني الاذعان او التخلي عن ممارسة هذا الحق. كما لا يعني ذلك بأن يكون تحقيق حق تقرير المصير لشعب كوردستان مرتبط بتحقيق الديمقراطية للعراق بشكل ميكانيكي أي ان لا يمارس الشعب الكوردستاني هذا الحق وينتظر او يتعامل مع تحقيق الديمقراطية للعراق أو في المنطقة كاحد مستلزمات حق تقرير المصير.
لقد استوعبت الحركة التحررية لشعبنا الظروف والمراحل التاريخية وصاغت شعاراتها بدءا من الحقوق الثقافية والادارية ومرورا بالحكم الذاتي والفدرالية وفق الظروف والتطورات الحاصلة، واذ نتحدث اليوم عن شعار حق تقرير المصير وتجسيدها العملي الملموس في الوقت الحاضر باقامة الدولة الوطنية الكوردستانية، فان الامر ينسجم مع المرحلة الحالية لتطور القضية. وهنا يتم الحديث عن دولة وطنية مبنية على مبدأ المواطنة الكوردستانية ضمن الحدود التاريخية لاقليم كوردستان ـ العراق. وهي دولة ستكون للكوردستانيين بغض النظر عن انتمائاتهم القومية والدينية.
ضمن هذا الفهم الواقعي تتجنب الحركة الوطنية التحررية الكوردستانية فكرة تشكيل دولة الأمة باجزاء كوردستان الاربعة، وهي فكرة ـ لا نتحدث عن مشروعيتها بل عن عدم واقعيتها ضمن الظرف الملموس ـ وكذلك فكرة دولة المكونات التي يروج لها البعض لحل اشكالية الدولة في العراق..
تأتي الهوية الثقافية ضمن معطيات الاطار النظري لخيار الدولة الوطنية. لقد جرت الاشارة في بدايات تشكيل الدولة القومية الى اللغة باعتبارها “من أكثر وسائل اتصال الناس بعضهم ببعض أهمية، كما أن وحدة اللغة وحرية تطورها كانتا من أهم الشروط لقيام مبادلات تجارية حرة شاملة تتوافق والرأسمالية الناشئة، ولتكتل الناس تكتلا حرا واسعا داخل طبقاتها المتعددة، فالسعي إلى إقامة دول قومية استجابت على الوجه الأكمل لمتطلبات الرأسمالية.
واذا كان هذا التصور حول دور اللغة تاريخيا صحيحا في بدايات تشكيل الدولة القومية، فان الهوية الثقافية في الوقت الحاضر تلعب مثل هذا الدور، من خلال مفهوم التحيز الثقافي (Cultural bias) الذي يشير الى القيم والمعتقدات المشتركة والعلاقات الاجتماعية كأنماط للعلاقات الشخصية بين الافراد. والدمج بين المفهومين الذي ينتج نمط الحياة. واعتقد بان الفهم الموضوعي لفكرة التحيز الثقافي يساعدنا على فهم الهوية الثقافية للآخر. فالتحيز الثقافي يجعل من البعض يشعرون بعقلية امتلاك الدولة وكونهم أصحابها. وتخلق عقلية الامتلاك مفهوم قدسية الدولة وعدم استحالة المساس بالحدود الحالية حتى وان لم تتوفر ارادة الجانب المقابل في البقاء ضمن هذه التشكيلة الدولتية.
ان لخيار تشكيل الدولة الوطنية الكوردستانية مقومات تتمثل في الاستقلال العملي لاقليم كوردستان منذ انتفاضة آذار عام 1991 ولحد الان ، ووضع الأسس العامة للاستقلال الاقتصادي رغم عدم تكامله، واعتماد الاقليم على نفسه خلال الفترة من اسقاط النظام ولغاية 2003 ، ومن 2014 لحد الان. اضافة الى تبلور الهوية الكوردستانية الى هوية ثقافية وطنية خاصة ومتميزة عن الهويات الاخرى سواء في العراق أو في المنطقة، تزامنا مع وجود حالة من التعايش المشترك بين المكونات القومية والدينية الكوردستانية، وضمان حقوق تلك المكونات قانونيا في اقليم كوردستان. وسياسة الانفتاح والنجاحات التي تحققت في علاقة اقليم كوردستان الخارجية بالوسط الاقليمي والدولي.
كما ينبغي الاشارة الى القدرة الدفاعية الكامنة للقوى البشرية في كوردستان وبالاخص تلك القوى الفاعلة في أواسط الشباب، ودخول النساء بشكل فعال في مجال الادارات ورسم السياسات وفي المجال العسكري، واستعداد الجماهير للدفاع عن كوردستان جنبا الى جنب قوات البيشمركة التي اصبحت القوة البرية الاساسية في التحالف الدولي لمكافحة الارهاب، مما يشكل القوة الفاعلة في الدفاع عن حق تقرير المصير بعد اجراء الاستفتاء.
اضافة الى التحولات والتغييرات الجارية في المنطقة التي تشهد اشكاليات تاريخية مزمنة حول بنية الدولة فيها، زالصراعات الجارية فيها والتي تأخذ أبعادا طائفية وقومية، مما يدفع الى بلورة المشاريع حول اعادة رسم المنطقة التي شهدت آخر تقسيم لها بعد الحرب العالمية الأولى وضمن اتفاقية سايكس بيكو.
وتأتي كل هذه المقومات مقرونة بالتاريخ النضالي للحركة التحررية الكوردستانية والخبر والتضحيات النضالية للشعب الكوردستاني من أجل نيل حقوقه والمحافظة عليها، اساسا لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية والمعوقات أمام خيار الدولة الوطنية ومن خلال النضال لتحقيقه.
أما الجانب الآخر من الاطار السياسي الملموس فيتعلق بالدولة العراقية التي تشهد و منذ بداية تأسيسها أزمة بنيوية هيكلية شاملة تتجسد في اشكالية الدولة التي تفاقمت بتعاقب الانظمة السياسية الحاكمة، التي لم تنجح لحد الان في وضع سياسات داخلية تضمن السلم الاجتماعي والعيش المشترك بين مكونات الشعوب العراقية، وأخرى خارجية مبنية على اساس التكافؤ والتوازن واحترام السيادة الداخلية للعراق وسيادة دول الجوار. ونجمت عن استمرار اشكالية الدولة في العراق وسياسات الانظمة الحاكمة ولحد الآن زيادة في التشظي بين هويات المكونات العراقية واستمرار نهج التهميش والغاء الاخر وتفاقم الطائفية، ونشوب حروب داخلية وخارجية أدت الى هدر الطاقات البشرية والثروات الاقتصادية وفقدان الامن والعيش المشترك في البلد.
وعلى الرغم من طرح المشاريع المختلفة ابان المنعطفات والتغييرات السياسية المقترنة باستخدام القوة والعنف على الصعيد الداخلي سواء في الاستمرارية في السلطة أو التغيير نتيجة الانقلابات العسكرية أو نتيجة التدخلات الخارجية لبناء الدولة أو اعادة بناءها فان المشترك في ما يتعلق بازمة الدولة يكمن في ان الدولة العراقية ودساتيرها بدءا من القانون الاساسي عام 1925 ودستور عام 2005 جرى صياغتها نتيجة تأثير العامل الخارجي وضعف دور العراقيين وارادتهم في رسمها. واذا نظرنا الى الحلول المطروحة المتعلقة ببناء الدولة نجد انها تمحورت حول قضايا اللامركزية والحكم الذاتي وقضية الفدرالية، دون ان يدخل في صلب المشكلة الاساسية التي تتجسد في اشكالية العراق وبنيته وامكانية استمراره كدولة.
ان استمرار اشكالية الدولة العراقية وانعكاساتها الخطيرة على وضع العراقيين وخاصة فيما يتعلق بالامن والتعايش المشترك وتفاقم الطائفية التي تعتبر حاضنة لاستمرار الارهاب، والعلاقات المتوترة سواء بين اقليم كوردستان والحكومة المركزية أو بين مختلف المكونات العراقية دعت القوى الكوردستانية الى تبني خيار الاستفتاء من أجل حق تقرير المصير للشعب الكوردستاني وهو خيار يساهم في المطاف الاخير في اعادة بناء الدولة العراقية على اسس جديدة مبنية على الارادة الحرة للشعوب وحقها في تقرير مصيرها.
أن الاسباب الموجبة لخيار الاستفتاء من أجل حق تقرير المصير تكمن في عوامل عديدة منها زيادة الافتراق بين الشعوب والمكونات العراقية وتحول الهويات الطائفية والمحلية الى هويات اساسية وانعكاس ذلك في قيام نظام المحاصصة في ادارة الدولة، اضافة الى عدم امكانية تطبيق البنود والمواد الاساسية الواردة في الدستور العراقي المقر عام 2005 والتي تتعلق ببنية الدولة وادارتها. وتتجسد هذه المواد في ان الدستور اشار الى ضمان كامل للحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين، والايزديين، والصابئة المندائيين. وفي الناحية العملية كانت الحصيلة هجرة المسيحيين من جنوب ووسط العراق وترك الصابئة المندائيين لمناطقهم التاريخية وحملة الجينوسايد ضد المسيحيين والايزيديين في شنكال ودشت نينوى، علما ان المحصلة النهائية لتجربة السنوات التي اعقبت اقرار الدستور العراقي تشير الى عدم تطبيق 55 مادة من الدستور منها ما يتعلق بمجلس الاتحاد وحظر تكوين ميلشيات عسكرية، وقانون النفط والغاز والمادة 140 من الدستور المتعلقة بالمناطق المتنازعة عليها، والمادة 106 المتعلقة بتوزيع الواردات الاتحادية.
ان مجمل المواد الدستورية المشارة اليها اضافة الى المادة الثانية حول مرجعية الدستور والتي أفضت عمليا الى تكوين دولة دينية تعتمد على الفتوى ، وكذلك ما يتعلق بتنظيم العلاقات الخارجية وغيرها تشير الى حقيقة مفادها استحالة تطبيق هذه المواد الدستورية، مما يؤكد بان الحلول المطروحة في هذه المواد والتي تأتي في اطار اختيار الفدرالية لمعالجة اشكالية الدولة في العراق تعتبر حلول غير عملية وغير قابلة للتنفيذ اضافة الى فقدان الارادة السياسية لتنفيذها.
لقد بينت الحصيلة العملية لحصاد السنوات الماضية استحالة بناء دولة القانون والشراكة السياسية ومناهضة الطائفية والعنصرية ومحاربة التمييز والاقصاء ضمن العملية السياسية الحالية.
وبالاستناد الى نص الدستور العراقي الذي يؤكد بـ (إنَّ الالتزامَ بهذا الدُسْتورِ يَحفَظُ للعراقِ اتحادَهُ الحُرَ شَعْبَاً وأرْضَاً وسَيادةً)، والمادة الاولى من الدستور العراقي التي تشير بان تطبيق الدستور ضامن لوحدة العراق. فان القوى الكوردستانية اذ شخصت حالة عدم الالتزام بالدستور من قبل مراكز القوى في الحكومة المركزية، دعت الى الاستفتاء وتبني حق تقرير المصير للشعب الكوردستاني والعودة الى الارادة الحرة للمكونات كتطبيق عملي لحق تقرير المصير و كحل لمعالجة أزمة الدولة العراقية ويتطلب هذا الامر من القوى السياسية العراقية والقوى المجتمعية الفاعلة والقوى الممثلة لجميع مكونات الشعوب العراقية الى مراجعة انتقادية جدية للعملية السياسية والتفكير الجدي والحوار البناء بين جميع الاطراف، كطريق لحل اشكالية الدولة في العراق ولضمان التعايش المشترك.
ومن أجل استكمال هذه الوجهة لا بد من التخلي عن سياسة المحاصصة الطائفية والتوجه الجاد لمحاربة الارهاب والتطرف بمختلف مسمياته، والتعاون من الناحية الامنية والعسكرية والسياسية لاداء تلك المهمة، واقامة علاقات سياسية سليمة مع دول الجوار ومع المجتمع الدولي بشكل عام بما يضمن عدم تدخلهم في الشؤون الداخلية. وحل اشكالية الدولة في العراق على اساس ضمان ممارسة حق تقرير المصير للشعب الكوردستاني في اقليم كوردستان واعطاء الحق لجميع المكونات الاساسية في العراق في التعببير عن ارادتها الحرة، والتوجه الى الحوار بين جميع الاطراف والمكونات بعد انجاز حق تقرير المصير لاعادة تنظيم العلاقات بين الاطر الجديدة التي قد تنبثق بعد الاستفتاء و نتيجة للحوار وفق الارادة الحرة لتلك الاطراف.
ويتطلب هذا الحوار:
1ـ التاكيد على نبذ العنف والسلاح لحسم الخلافات، وعدم اللجوء الى مسوغات دينية وقومية متطرفة لاثارة الجماهير عند تداول القضايا الماسة بالخلافات السياسية بين أطراف الحوار.
2ـ الانطلاق من أهمية حماية العراقيين بمختلف قومياتهم ومكوناتهم وبما يضمن مبادئ التعايش المشترك والسلم الاجتماعي المستدام.
3 الاستناد على مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها وفق ميثاق الامم المتحدة والتأكيد على المواثيق الدولية في ادارة الحوارات بين الاطراف السياسية.
4ـ التاكيد على حماية الحريات العامة واعطاء دور اساسي للمجتمع المدني كعامل في انجاح الحوارات.
ان هذا الطريق يفضي الى إشاعة المساواة السياسية التامة بين الشعوب ككيانات سياسية، وتطوير علاقات التعاون والصداقة بين الشعوب، وضمان مستويات متكافئة في التطور الإقتصادي والثقافي لكافة القوميات، والتوصل للمساواة الفعلية بينها، بالأعمال لا بالكلمات. ان خيار تعايش شعوب المنطقة في أطر دولتية متنوعة والتكافؤ بينهم هو البديل عن سياسة الاحتراب والتناحر بذريعة الحفاظ على الكيان الموجود وقدسية الدولة الحالية.
ولكي نستكمل ما يتعلق بمشروعية شعبنا الكوردستاني في ممارسة حقه في تقرير المصير وفق القانون الدولي أشير الى نص الفقرة الثانية من المادة الاولى من ميثاق الامم المتحدة الذي يجسد احدى اهم مقاصد الامم المتحدة الرامي الى ” انماء العلاقات الودية بين الامم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيرها”، والمادة 55 من الميثاق التي أكدت على ” تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة ودية بين الامم مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيرها”، وما أقرته المنظمة الاممية في العديد من قرارات الجمعية العامة ومنها قرارها المرقم 1514 في كانون الأول 1960 المتضمن اعلان منح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة، والذي يؤكد على انه ” لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها ولها بمقتضى هذا الحق ان تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية الى تحقيق انمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”، واقرارا من المجتمع الدولي على ضرورة هذا المبدأ لكي يصبح اساساً للعلاقة بين الشعوب وحفظ السلم والامن الدوليين ضمنته العديد من الاتفاقيات الشارعة بنصوص قانونية ملزمة ومنها نص المادة الاولى من العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادرين عام 1966 الذي منح الحق لكل الشعوب في تقرير مصيرها ولها بمقتضى هذا الحق ان تقرر وضعها السياسي وتتابع بحرية انمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، واستنادا الى اعلان مبادئ القانون الدولي ذات الصة بالعلاقات الودية والتعاون وفقا لميثاق الامم المتحدة الصادر بقرار الجمعية العامة 2615 لعام 1970 الذي أكد بدوره على انه ” لجميع الشعوب بمقتضى مبدأ تساوي الشعوب في حقوقها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها المكرس في ميثاق الامم المتحدة، الحق في أن تحدد بحرية دون تدخل خارجي مركزها السياسي وفي أن تسعى بحرية الى تحقيق انمتئها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وعلى كل دولة واجب احترام هذا الحق وفقا لاحكام هذا الميثاق”. وكذلك البند الثامن من بنود اتفاقية هلسنكي المنبثق عن مؤتمر الامن والتعاون الاوروبي في ا آب 1975. وكذلك الاعلان الصادر عن مؤتمر فينا لحقوق الانسان عام 1993 الذي عقد باشراف الامم التحدة والذي اكد على ان ” لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، وتحديد مركزها السياسي بحرية. واضافة الى اراء محكمة العدل الدولية حول الزام حق تقرير المصير في معرض قراراتها المتعددة والسوابق العملية في مجال القانون الدولي.
ان تعقيد الازمة المتعلقة بهيكلية الدولة العراقية وعدم امكانية تطبيق الفدرالية التي تعني الاتحاد الاختياري من الناحية العملية، ولعدم امكانية بناء الدولة العراقية بشكل قسري، ونظرا للمخاطر المحدقة جراء هذا الوضع في كوردستان، ومن أجل السعي لتلافي اية اصطدامات مبينة على اساس قومي أو عرقي اوطائفي بين كوردستان وبين العراق، فان قرار التوجه الى اجراء استفتاء لتحديد علاقته بالعراق على اساس حق تقرير المصير وعبر العودة الى ارادة الشعب الكوردستاني وقراره حول هذه المسألة، هو القرار الصائب وسيكون نتيجة الاستفتاء اساسا لحل الاشكاليات والخلافات بين كوردستان والعراق على اساس ديمقراطي سلمي ويؤسس مستقبلا لعلاقات سليمة مبنية على الجيرة والتعاون والعمل المشترك لما يخدم مصلحة الشعبين العراقي والكوردستاني.
ان خيارنا الاساسي في كوردستان تشكيل دولة مدنية ديمقراطية تقوم على المواطنة وسيادة القانون، دولة وطنية لجميع المواطنيين من كورد وعرب وتركمان وعرب واشوريين كلدان سريان وارمن. دولة تضمن حقوق جميع المواطنين والقوميات والمكونات على اساس المساواة بين الافراد والمكونات ومراعات الخصوصيات وفق اليات مبنية على الديمقراطية وتوسيع اللامركزية والحكم الذاتي والادارات الذاتية ومن خلال أطر متنوعة تأخذ بنظر الاعتبار ارادة المكونات وتطلعاتهم، وصولا الى الفدرالية في التنظيم الاداري وبما يضمن الوحدة السياسية والسيادية للدولة الوطنية الكوردستانية الوليدة…. $
$. عن الحوار المتمدن….