حكومة تصريف الاعمال تورط العراق بعقود سيئة امد كل منها اكثر من 25 عاما
حكومة تصريف الاعمال تورط العراق بعقود سيئة
امد كل منها اكثر من 25 عاما
بتحرك غريب مريب وغير دستوري خولت حكومة عادل عبد المهدي –حكومة تصريف الاعمال- بنهاية يوم الخميس الموافق 23 كانون ثاني 2020 وزارة النفط التوقيع على جميع عقود جولة التراخيص الخامسة. وقد تناولت بعض وسائل الاعلام العراقية والاجنبية هذا الخبر مشيرة الى اعلان صادر من المكتب الاعلامي لرئيس مجلس الوزراء المستقيل، رغم ان الموقع الالكتروني الخاص بقرارات مجلس الوزراء لم يتضمن، لغاية اعداد هذه المداخلة، اية اشارة الى هكذا قرار!!!
ان صح صدور هذا القرار فانه بالتأكيد يشكل ضربة قوية مؤلمة لمصالح العراق الاقتصادية حيث ان جولة التراخيص الخامسة وعقودها السيئة تمثل صفحة سوداء في تاريخ كل من ساهم في اعداد والترويج الى وتنفيذ تلك الجولة وكل من ساهم في صياغة واقرار وتوقيع العقود المتعلقة بها؛ ولن ترحم محكمة التاريخ كل من ساهم ويساهم في تبديد ثروات العراق النفطية من خلال هذه العقود الجائرة التي تخدم مصالح الشركات النفطية الاجنبية على حساب مصلحة الشعب العراقي بأجياله الحالية والمستقبلية.
اولا: سبق ان قامت مجموعة كبيرة تضم افضل خبراء النفط العراقيين المعروفين على المستويين الداخلي والدولي بتقييم عقود تلك الجولة بشكل مكثف وشامل وتوصلت الى نتائج تشير الى تعارض تلك العقود مع المصلحة الوطنية العراقية واوصت عدم اقراها او تنفيذها.
ثانيا: وبسبب التقييم اعلاه لم تقدم الحكومة في حينها، اي حكومة د. حيدر العبادي، على اقرار تلك العقود رغم السعي المحموم لوزير النفط جبار لعيبي الى اقرار تلك العقود والتوقيع عليها وذلك قبل الانتخابات الاخيرة. علما ان جبار لعيبي عمل جاهدا على عقد تلك الجولة وتبني عقود “المشاركة بالأرباح” التي تمثل، من الناحية الفعلية، الجانب النقدي لعقود “المشاركة في الانتاج”. فما الذي دفع حكومة تصريف الاعمال الحالية المستقيلة الى تمرير هذا الامر الخطير وبهذا الوقت الحرج والوضع السياسي المعقد؟ ألا يذكرنا هذا الامر بالتخبط و “لفلفة” القرارات البائسة التي اتخذها جبار لعيبي اواخر ايام حكومة العبادي بشأن مجلس ادارة شركة النفط الوطنية العراقية والشركات التابعة لها والتي تم الغائها جميعا من قبل الحكومة الجديدة؟ ألم يتعظوا، ألم يتعلموا، ام ان عقلية “اللصوصية المشرعنة- كلبتوكراسي” لا زالت هي هي رغم كل ما تعرض ويتعرض له الوطن من تهديدات وجودية؟!
ثالثا: ان التبريرات التي وردت في اعلان المكتب الاعلامي لرئيس مجلس الوزراء المستقيل لإقرار عقود جولة التراخيص الخامسة مضللة وغير صحيحة ولا تنم عن فهم دقيق لمضامين تلك العقود ولا واقع ومتطلبات قطاع الطاقة، سواء كان ذلك بقصد او بجهل.
فما تم التوقيع عليه في تلك الجولة هي رقع استكشافية وبعض الحقول النفطية وليست حقول الغاز الحر؛ فكيف يمكنها ان تنتج 750 مليون قدم مكعب قياسي يوميا (مقمق) من الغاز خلال 36 شهرا؟ يضاف الى ذلك ان العقود ذاتها تشير الى توقيت اعلان “اول انتاج تجاري” بعد اربع سنوات من توقيع العقد، وان لا يتحقق تزايد الانتاج، تعاقديا، الا بعد يبني خطط التطوير الاولية والنهائية. وهذا بالتأكيد يتجاوز وبكثير فترة 36 شهرا التي اشار وروج لها بيان المكتب الاعلامي وحتى مع افتراض ان معظم الاستكشاف التجاري كان غازا حرا!!
رابعا: حاول اعلان المكتب الخلط بين ودمج “حقول الغاز في محافظة ديالى” و”عقود جولة التراخيص الخامسة” وهذا تضليل واضح ومقصود. فعقد حقل غاز المنصورية يعود الى جولة التراخيص الثالثة حيث وقع العقد في عام 2011 وقد تعثر تطويره لأسباب امنية في تلك المحافظة وهي معروفة للجميع مما ادي الى انسحاب الشركات التي شكلت الاتلاف المتعاقد معها (وهي الشركة التركية والكويتية والكورية) وتولت وزارة النفط بواسطة شركة نفط الوسط شؤون هذا الحقل بهدف تحقيق انتاج 300 مقمق بالتعاون مع شريك اجنبي ان امكن؛ ولكن ولغاية تاريخه لم يتم تحقيق نتائج او اجراءات تنفيذية.
اما ما يتعلق بالرقعة الاستكشافية رقم 8 التي تقع في تلك المحافظة والتي احيلت بموجب جولة التراخيص الرابعة الى الشركة الباكستانية، فقد تعثر العمل بها ايضا ولأسباب بضمنها الامنية. ونتيجة لذلك تم البدء بحفر البئر الاستكشافي الاول في نيسان 2019 بينما وقع عقد تلك الرقعة في شهر تشرين ثاني 2012!
بالمقابل فان الحقول والرقع الاستكشافية الواقعة في محافظة ديالى والمشمولة بجولة التراخيص الخامسة صغيرة نسبيا (وهي كلابات-قمر و خشم الحمر-انجانه). وفي الحقيقة لا يوجد اي دليل مادي او معلومات رسمية تشير الى امكانية هذه الحقول الصغيرة الاربعة من انتاج 450 مقمق (وان حقل المنصورية سيطور لينتج 300 مقمق في نفس الفترة) خلال 36 شهرا!!!
فما هو سبب هذا الخلط المضلل وغير الصحيح مطلقا بين “حقول الغاز في محافظة ديالى” و”عقود جولة التراخيص الخامسة” التي تشمل حول ورقع استكشافية في محافظات اخرى في الوسط والجنوب؟
وللمعلومات فقط فقد تم اضافة الحقول المذكورة اعلاه (كلابات-قمر و خشم الحمر-انجانه) الى قائمة الحقول المشمولة بجولة التراخيص الخامسة قبل اسبوعين فقط من تاريخ عقد الجولة وقد فازت شركة الهلال (المسجلة في الامارات ) بكليهما؛ علما ان هذه الشركة هي المؤسس والممول الرئيسي لنشاطات معهد العراق للطاقة الذي ترأسه احد وزراء حكومة عادل عبد المهدي!!!!!!!! فهل تم زج وخلط الاوراق في هذا الوقت بالذات لتمرير تلك العقود؟؟!!
خامسا: كما برر المكتب الاعلامي هذا الاجراء على انه ضمن “اطار جهود الحكومة لتعزيز الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الغاز المستورد” وهذا ام غريب ومحير ويفتقر الى المنطق الاقتصادي والفهم المهني المتخصص؛ بعبارة اخرى ضحك على الذقونّ!!!
حسب الاحصائيات الرسمية لوزارة النفط فان حرق الغاز المصاحب في عام 2019 شكل 58.3% من اجمالي الغاز المصاحب المنتج في حقول نفط البصرة وميسان وذي قار؛ وان معدل ما يحرق من هذا الغاز يزيد على ضعف الكمية التي ذكرها المكتب الاعلامي كمبرر لإقرار توقيع عقود الجولة المذكورة. وهنا نتساءل، اليس من المجدي اقتصاديا والممكن فنيا والافضل بيئيا إستثمار الغاز المصاحب بدلا من الاستمرار في حرقه والدخول في عقود جديدة تضاعف من حجم المشكلة وتزيد من تعقيدها؟؟
أليس من الاجدى تفعيل وتنفيذ المواد التعاقدية التي تلزم الشركات المتعاقد معها بموجب جولة التراخيص الثانية على استثمار الغاز المصاحب؟؟
المنطق والمصلحة الوطنية والممارسة المهنية تحتم: لا يمكن تجاهل الفشل بتبني فشل اخر.
ومن ناحية الاطر الزمنية لتطوير الحقول فان تجربة العراق الفعلية تشير الى انه وبعد اكثر من عشر سنوات منذ توقيع عقد حقل الاحدب وعقود جولتي التراخيص الاولى الثانية لم يتم لحد الان الوصول الى انتاج الذروة –المعدل- المحدد تعاقديا رغم ان جميع الشركات النفطية الدولية المتعاقد معها تعتبر عملاقة ومعروفة، ونفس الامر ينطبق على الحقول المعنية.
بالمقابل فان شركات جولات التراخيص الخامسة اما غير معروفة او صغيرة الحجم ومحدودة الخبرة؛ فكيف يمكن لهذه الشركات تحقيق معدل انتاج 750 مقمق خلال 36 شهرا؟؟؟؟؟
سادسا: كما هو معروف فان الحكومة الحالية هي حكومة مستقيلة وانها مجرد حكومة تصريف الاعمال اليومية الضرورية والتي في غالبيتها تشغيلية خدمية.
بالمقابل فان توقيع ستة عقود قد يتجاوز مدى كل منها 25 عاما وتتعلق بجزء مهم من الاحتياطيات البترولية للعراق ويتطلب تنفيذها مليارات الدولارات في الكلف الرسمالية وان معظم الحقول المشمولة مشتركة مع دول الجوار- ايران والكويت (مما يضيف بعدا دوليا مؤثرا لا يمكن تجاوزه ولا يمكن تبريره بقانون الشركات العامة رقم 22 لعام 1997 وكذلك يتطلب الامر موافقة مجلس النواب ).
وهذا بالتأكيد يعني ان الحكومة الحالية لا تمتلك الصلاحية القانونية والدستورية لإقرار اي من عقود جولة التراخيص الخامسة ولا تمتلك الصلاحية القانونية والدستورية لتخويل وزارة النفط التوقيع على اي من تلك العقود.
في ضوء ما تقدم ارى ما يلي:
قيام الحكومة الحالية رسميا وعلنيا وبكل شفافية وخلال الاجتماع القادم لمجلس الوزراء بإلغاء ما ورد في اعلان المكتب الاعلامي لرئيس مجلس الوزراء المشار اليه اعلاه على قدر تعلق الامر بعقود جولة التراخيص الخامسة؛
في حالة عدم تحقق ما ذكر في الفقرة (1) اعلاه فعلى وزير النفط، حفاظا على سمعته ووطنيته ومهنيته، الامتناع عن او تخويل اي شخص في الوزارة او الشركات التابعة للوزارة التوقيع على اي من عقود جولة التراخيص الخامسة؛
في حالة عدم تحقق ما ذكر في الفقرتين (1 و2) اعلاه فعلى الحكومة الجديدة والتي ستخلف حكومة تسيير الاعمال الحالية الغاء قرار توقيع اي من عقود جولة التراخيص الخامسة لعدم دستورية حكومة تسير الاعمال توقيع مثل تلك العقود؛
قيام مجلس النواب وبشكل عاجل وفوري باتخاذ قرار ملزم لحكومة تسير الاعمال يمنعها من توقيع مثل تلك العقود لافتقادها الشرعية الدستورية والقانونية ولتجاوزها على صلاحيات مجلس النواب؛
ضرورة التحرك المهني والوطني والقانوني والتخصصي ضد قرار حكومة تسيير الاعمال هذا والتهيئة لرفع دعوى قضائية امام المحكمة الاتحادية العليا على اساس عدم دستورية قرار حكومة تسيير الاعمال وعلى اساس ان تلك العقود تلحق اضرارا بالمصلحة العليا للشعب العراقي التي أكد عليها الدستور.
واخيرا، انه من المحزن والمؤلم والمخيف والمرعب ان حكومة عادل عبد المهدي قد هدرت- بوقت قياسي- دماء عراقية زكية- بين مئات الشهداء والاف الجرحى – منذ بداية انتفاضة تشرين 2019 لم تعمل على حماية تلك الارواح، وانها تهدر الان- بإصرار وبوقت قياسي جدا- ثروات العراق النفطية، فهل من خلاص بعد كل هذا الانحطاط والتدهور!!!؟؟؟