اللجان

حول الأداء الإعلامي للفضائيات العراقية

حول الأداء الإعلامي للفضائيات العراقية

يوسف ابو الفوز

2006 / 2 / 24
الصحافة والاعلام

الحديث عن الفضائيات العراقية التي تجاوز عددها اكثر من عشرين قناة فضائية ، حديث ذو شجون ، ويحتاج الى ندوات ومؤتمرات ، وبالتأكيد لا يمكن لمقال صحفي ان يلم بكل ما يخص واقعها وخطابها الاعلامي والمنشود منها . ولابد في البداية ان نشير الى الدور الخطير ، سلبا وايجابا ، الذي يمكن ان تلعبه الفضائيات العراقية في تطور المسيرة السياسية العراقية لبناء العراق الجديد والمنشود ، العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد ، خصوصا مع انتشار الستالايت بعد سقوط النظام الديكتاتوري المقبور ، ودخول الفضائيات غالبية البيوت العراقية .
الفضائيات العراقية كوسائل اعلامية ، وناهيك عن الرسالة التي يمكن ان تقوم بايصالها الى العالم العربي والجاليات العراقية والعربية حيث يمكن لها ان تصل لاوسع قطاع من المشاهدين في البلاد العربية والعالم ، فأن بامكانها ان تكون جسورا حية بين المواطن العراقي ووطنه وقضية شعبه العادلة في اية بقعة كانت من هذا العالم الشاسع ، والذي بفضل ثورة الاتصالات صار مثل زقاق في حارة. الى جانب كل ذلك ، والاهم هنا ، هو ان الفضائيات العراقية يمكن ان تلعب دورا خطيرا في المساهمة في تحديد وتشكيل الوعي الجمعي لابناء الشعب العراقي ، خصوصا امام الارتفاع الخطير في نسبة الامية بين العراقيين ، والحرمان الطويل لابناء الشعب العراقي من مصادر الثقافة والمعرفة مما ادى الى تسطيح خطير في وعي شريحة واسعة من ابناء شعبنا ، فصارت الفضائيات محط اهتمامهم ومتابعتهم . المطلوب هنا الاخذ بايدي هؤلاء الناس الى ساحات الثقافة والمعرفة والوعي . ليس سرا في ان غالبية الفضائيات العراقية مرتبطة بسياسة مموليها الاساسيين ، وهم هنا احزاب سياسية دينية او قومية اثنية ، وبالتالي فالخطاب الاعلامي لهذه الفضائيات ونوعيته وشكله تابع بالضرورة الى سياسة وافكار الممول . وضمن الواقع السياسي العراقي المضطرب ، فمفهوم جدا لنا هذا الارتباك الواضح في الاداء الاعلامي للفضائيات العراقية ، حيث يمكن رصد العديد من الظواهر السلبية ، ابرزها كون خطاب غالبية هذه الفضائيات صار يكرس خطابا طائفيا واثنيا ، وفي حال استمراره هكذا سيلعب دورا سلبيا خطيرا في تطور المجتمع العراقي واعاقة تطور العملية السياسية وتطورالمجتمع العراقي لبناء دولة المجتمع المدني . لا يختلف اثنان في كون العراق الحالي ، يعتبر مادة دسمة يومية لكل وكالات الانباء وتلفزيونات العالم ، لانه بلد احداث كثيرة ، وهناك متغيرات يومية ، ان لم تكن في الساعة الواحدة . وارتباطا بهذا الكم من الاحداث والمتغيرات ، كنا نفترض ان نلاحظ ونلمس تطوراً نوعياً في برامج الفضائيات العراقية ، وبالتالي نلمس تطوراً في الخطاب الاعلامي وبالدرجة الاساسية في نوعية المفاهيم والمفردات الاعلامية . للاسف الشديد ما نلمسه هو ان بعض الفضائيات العراقية ، تقلد وبسذاجة وسائل الاعلام العربية ، ولا تكتفي باقتباس الخطاب الاعلامي لبعض من الفضائيات العربية ، بما في ذلك تلك الفضائيات المناوئة ، علنا او ضمنا ، لتطور العملية السياسية في العراق الجديد فتلجأ وباساليب خبيثة الى دعم كل ما يعيق المسيرة السياسية ، بل ونجد الفضائيات العراقية تنسخ المفردات والمفاهيم ، فتعبير ” المجرم صدام حسين ” وتعبير ” الديكتاتور صدام ” يتحول الى ” الرئيس العراقي السابق ” وهذه جريمة واستهانة بحق الشعب العراقي وكل تضحياته ، لانه ببساطة اعتراف ضمني بشرعية النظام المقبور وقيادته. ولا تكتفي بعض الفضائيات العراقية عند هذا الامر، بل تعمد الى اعادة انتاج اساليب اعلامية من مؤسسات النظام الديكتاتوري المقبور، كانت من صلب ممارسات البعث وممارسات منظماته الاعلامية ومؤسساته الثقافية. فبعض الفضائيات العراقية صارت وسيلة لتزييف بعض الحقائق وتمييع الوقائع، واخرى لتلميع وتحسين صورة هذا الزعيم السياسي او ذاك،على طريقة ” السيد القائد فارس الامة “! . فبماذا يذكرنا تمجيد السياسي الفلاني وتلميع صورته وتقديمه كقائد اوحد؟ وبماذا يذكرنا الخطاب الاعلامي ذو اللون الواحد ؟ تحت حجة حرية التعبير صرنا نسمع في بعض الفضائيات العراقية خطاب بلون واحد ، وهذا بالتأكيد لا يساهم في نمو روح المواطنة العراقية بل يعزز النعرات الطائفية والاثنية التي تعيق المسيرة السياسية المنشودة .
ولو اردنا الحديث بامثلة ملموسة بدلا من لغة الاطلاق والتعميم ، فلنتحدث عن” الفضائية العراقية “، الفضائية الرسمية للدولة العراقية. هذه الفضائية وكما يفترض انها ملك لكل مواطن عراقي، ويجب ان تعبر عن امانيه وهمومه وتقترب من مفردات حياته وتسلط الضوء على معاناته وتطلعاته. والمفترض ان يكون خطابها وطنياً عراقياً، ولكن المحصلة ان مجمل عمل القناة الفضائية الرسمية للدولة العراقية ، يدفع البعض الى القول ان خطاب القناة الرسمية العراقية يعتمد على الهوية السياسية لرئيس الوزراء ، فأذا كان علمانيا ، صار خطاب الفضائية العراقية خطابا علمانيا ، واذا كان دينيا صارت الفضائية في خطابها دينية، وهكذا !
هناك مصيبة اخرى ، تتعلق ببث بعض الفضائيات العراقية لبرامج ومسلسلات انتجت في زمن الطاغية صدام حسين ، ووضعت بعض الفضائيات العراقية يدها عليها بطريقة ما خلال الفترة الاولى لغياب اجهزة الدولة وسيادة الفوضى. هذه البرامج ” البعثية “، التي تشكل فضلات من فترة العهد المقبور، ساهمت ولمدة طويلة في تغييب وعي الناس وتسطيح افكارهم والاستهانة بوعي شعبنا وتأريخه ، فالى ماذا تهدف اعادة بثها الان ؟ الا يشكل ذلك استهانة بالمواطن العراقي الذي عانى ما عاناه من سياسات النظام المقبور وبرامجه الاعلامية والثقافية التي سلبته روحه وقدرته على التفكيروالعطاء ؟
واقع الفضائيات العراقية ، واداؤها الاعلامي بحاجة الى وقفة جادة، وتوحيد جهود جميع الاطراف المعنية ، سواء أكانت الموسسات الرسمية ، من مختلف الوزارات المعنية ، أم المؤسسات الاعلامية المستقلة ، والاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، اضافة الى الاعلاميين العراقيين. للتوقف عند الايجابيات وتطويرها وتعميمها ، والتوقف عند النواقص والسلبيات ومحاولة رسم خطط لتجاوزها . وفي مقدمة ذلك يتطلب رسم برامج اعلامية، يكون هدفها الاساس التوجه الى المواطن العراقي ، لاخراجه من تاثير العهد المظلم للنظام الديكتاتوري المقبور ، وتخليصه من تفاصيل ما خلفه في حياة مجتمعنا من مفاهيم واساليب. ومن اجل الارتقاء بادوات عمل الفضائيات العراقية ، وفق خطاب اعلامي موحد مبني على اساس روح المواطنة والارتباط بهذا الوطن ، ويضمن احتراما لحقوق الانسان وحريته في التعبير عن رأيه ليساهم في بناء عراق جديد ، مستقل ، ديمقراطي فيدرالي موحد .
ان مهمة تحقيق خطاب اعلامي موحد لا يتم انجازها برغبة شخصية لهذا الطرف او تلك المؤسسة ، انها مهمة متشابكة ، تحتاج الى قوانين تسنها الجهات التشريعية في الدولة ، ويتم على اساسها محاسبة كل من يسعى لاستغلال حرية التعبير ويبث روح التفرقة بين ابناء الشعب العراقي . وعلى اساس هذه القوانين يتم العمل ، فالفضائيات العراقية مثلا لا يكون بامكانها ان تفتح خطوط الهاتف الى من هب ودب لينشر سمومه وشتائمه يسارا ويمينا. ان تحقيق خطاب اعلامي موحد ، يعتمد المعايير الوطنية ، يتطلب وقفة شجاعة من قبل الاعلاميين العراقيين ، وتسمية الاشياء باسمائها. مثلا يتطلب من الاعلامين وجميع المعنيين بالشأن الثقافي والاعلامي ، الوقوف بحزم امام التفسير الخاطئ لما يسميه السياسيون بـ “الاستحاق الانتخابي “، حيث يترجمه البعض الى حق مصادرة وزارات باكملها، وايضا مؤسسات اعلامية ، لتكون حكرا على هذه الجهة السياسية او تلك، وتكون مقفلة للعمل فقط لاعضاء هذا الحزب وانصاره والانتهازيين والوصوليين، وبالتالي تكون مسخرة بالكامل للخطاب السياسي لتلك الجهة السياسية.
ان بناء عراق جديد ، والاخلاص للمُُثل التي ناضل من اجلها ابناء شعبنا العراقي ، من مختلف التيارات الفكرية ، وقدم قوافل الشهداء ، يتطلب سعيا مشتركا ، وسعة افق ومسؤولية عالية ، واملنا ان القلق والحرص على مستقبل الاجيال القادمة يدفع الكثيرين للبحث عن نقاط توافق مشتركة للعمل….. &

&. عن الحوار المتمدن…

زر الذهاب إلى الأعلى