م.د.مروى عبدالجليل شنابة السويدي
كلية دجلة الجامعة –قسم القانون
Marwa.abd@duc.edu.iq
حيوية الجزاء الإجرائي في القضاء المدني
يعدُ الجزاء في إطار قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ رقم (83) لسنة 1969 المعدل ، أثراً إجرائياً يرتبه القانون على مخالفة قواعده في الميعاد أو الترتيب المناسب أو في الشكل المحدد للإجراء القضائي من قبل أشخاص الدعوى عند رفعها أو اثناء سيرها أو الفصل فيها بحكم أو بقرار قضائي، ويترتب على إقراره حسن سير العدالة ونزاهة القضاء.
وإن هذا الجزاء لا يكون على صورة واحدة، فلكل صورة من الجزاء الإجرائي فلسفة خاصة، واغراض متميزة يبتغيها المشرع من تنظيمه، إلا أن تلك الصور تشترك بوحدة الأساس الذي يبنى عليه التنظيم القانوني للجزاء الإجرائي.
حيث نرى أن العلة من تنظيم الجزاء الإجرائي ، تكمن في تحقيق فعالية أثر القواعد الإجرائية في قانون المرافعات ، فالإجراءات التي تتضمنها تلك القواعد تعدُ ضمانات قانونية ، تتكفل في حماية الحقوق والحريات، كعدم مفاجأة الخصم الآخر بمحاكمة قريبة أو بطلبات لايعلم عنها شيء أو ليتمكن خصمه من تهيئة دفاعه أو لعدم اشغاله أو اشغال القضاء بدعاوى لا غاية منها سوى الكيد بالخصم أو لضمان حياد القاضي والزامه والزام أعوانه بالإجراءات القضائية، وغير ذلك من الضمانات التي اقرتها معظم تشريعات العالم.
بمعنى ، أن الغرض من الجزاء الإجرائي، وأن تعددت صوره ، يتحدد بأن تكون الإجراءات القضائية وسيلة فعالة لتحقيق قصد المشرع بحسم الدعاوى بأقصر وقت وأقل عدد ممكن من الإجراءات لضمان حسن سير العدالة ، وسرعة أدائها ، للحفاظ على وقت القضاء والحد من ظاهرة البطيء في التقاضي ؛ فالمشرع في سبيل حسن سير القضاء يحدد إجراءات ومواعيد محددة يجب على أشخاص الدعوى ضرورة مراعاتها ، فينتظم دور القضاء في تحقيق العدالة من جانب ، ومن جانب آخر تدعيم سلطة الرقابة القضائية على الاخلال المؤدي إلى عرقلة تحقيق تلك الغايات، وما يؤدي إليه ذلك الإخلال من اختلال النظام القانوني برمته.
فيتحقق على قدر الإمكان بالتنظيم القانوني للجزاء الإجرائي في أطار قانون المرافعات ، الحد من تحكم القضاة في حقوق الأشخاص وحرياتهم من جانب وردع وتنظيم سلوك الخصوم واتجاهاتهم من جانب آخر، ومن ثم سيتم تنظيم سلطة القضاء وحق الأشخاص في المحاكمة العادلة بضمان الحصول على الحماية القضائية؛فوجود الجزاء الإجرائي لأي مخالفة لأحكام قانون المرافعات، سيضمن احترام القانون.
وعليه ، فإن للوجود القانوني للجزاء الإجرائي أو لتفعيل آثار وجوده انعكاساً ايجابياً في تنظيم المجال القضائي من خلال مراعاة واحترام قواعد التنظيم القضائي، كما أن له من الأهمية التي تتمحور في تأدية قانون المرافعات دوره بفعالية في تحقيق الحماية المرجوة منه بضمان احترام المصلحة الخاصة والمصلحة العامة، ومن ثم فأن تنظيم الجزاء في القواعد المقررة لبعض الضمانات الإجرائية من الأهمية ما يفوق دوره بوصفه صوره للشكلية اللازمة لقانون المرافعات المدنية.
إذ يتجلى العمل بإقامة قضاء عادل ناجز ، تحصين الضمانات الإجرائية لقيام القضاء بالدور المناط به ، ومن تلك الضمانات ما يتعلق باحترام مبدأ حسن النية، مبدأ المواجهة ، ومبدأ حياد القاضي ، ويكون للجزاء الإجرائي دوراً في كفالة الالتزام بتلك المبادئ من قبل أشخاص الدعوى ، ومن ثم يبقى حق لالتجاء إلى القضاء وسيلة فعالة لصيانة الحقوق من خلال الحد من استغلال البعض لما نص عليه القانون من ضمانات التقاضي في الدعوى المدنية ، فلا تعدُ وسيلة للأضرار بالخصم الآخر أو لخداع المحكمة أو لإهدار الوقت والنفقات أو لصدور أحكام متناقضة ،فيتلافى ما قد يترتب من سلبيات لا تعكس العدالة التي ينشدها تطور المجتمع .
لذا وبناءً على ما ينوط بالسلطة القضائية من حماية النظام القانوني من خلال التصدي لأي ظاهرة تعدُ خرقاً لقواعد القانون أو خروجاً عليها، وذلك من منطلق اقناع المخاطب بالقانون وأهمية قواعده لأمن المجتمع واستقراره، وقدرة القضاء على تحقيق العدل بفرض إرادة القانون، يمكن أن نعكس كل ما ذكرناه بصدد الجزاء الإجرائي فيما يتعلق بالحكم بمصاريف الدعوى.
حيث يعدُ الحكم بمصاريف الدعوى، جزاءً إجرائياً يوجب القانون أن تقضي فيه المحكمة من ذاتها بحكمها الحاسم في الدعوى لمصلحة الخصم الآخر؛ لضمان حصول الأخير على حقه كاملاً من دون نقصان بتحمله مصاريف الدعوى التي رفعها أو دافع عن حقه فيها، ومن ثم فأن الحكم بالمصاريف لا يدل على سوء نية الخصم ؛ فالمدعي يقيم دعواه من أجل الحصول على الحماية القضائية إلا أن ذلك لا يعني الحكم في الدعوى لمصلحته، فقد يحكم له أو عليه، ومن ثم لا يحتم معه قصد الاضرار بالغير.
إلا أن التعسف في الحقوق الإجرائية ظاهرة تتعدد كلما انحرف صاحب الحق الإجرائي باستعماله، أي تتعدد بتعدد الأشخاص الذين يستعملون ذلك الحق ، وللحد من آثار تلك الظاهرة نرى أهمية المدى الإيجابي للجزاء الإجرائي بتفعيل دوره الوقائي بالحد من التعسف الإجرائي في نطاق الحكم بمصاريف الدعوى ؛ إذ يعكس لنا التنظيم القانوني للحكم بمصاريف الدعوى ضعف الدور الوقائي للجزاء الإجرائي بالحد من التعسف الإجرائي في إطار الدعوى المدنية .
فالحكم بالمصاريف جزاء يجب على المحكمة أن تقضي فيه من ذاتها عند إصدار الحكم الذي ينهي الدعوى القائمة أمامها، ويتحمله في الأصل الطرف الذي خسر الدعوى وأن كان حسن النية ، وسواء كان هذا الخاسر من طرف الادعاء أو رد الادعاء ، وبهذا التنظيم تضعف فعالية الدور الوقائي للجزاء الإجرائي .
على الرغم من أن التعسف باستعمال الحق يعد مبدأً عاماً يسري على جميع الحقوق سواء أكانت حقوقاً موضوعية أم إجرائية أم ذهنية، ويمتد إلى جميع فروع القانون؛ لذا فأن تدخل المشرع في هذا الصدد سيكون من شأنه تفعيل الدور الوقائي للجزاء الإجرائي، فضلاً على تفعيل الدور الإيجابي للقاضي، الذي يعد خير أداة لتطبيق القانون على النحو الذي تقتضيه العدالة .
إذ يترتب على تفعيل الجزاء الإجرائي في نطاق الحكم بالمصاريف تقوية عمل القاضي من خلال ضرورة الجدية من قبل خصوم الدعوى ومن قبل التزام القاضي باتخاذ الإجراءات القضائية ضمن الحدود المرسومة قانوناً ، وإلا كان حكمه قابلاً للطعن أمام محاكم الطعن.
أي أن عمل القاضي بأداء وظيفته في تطبيق القانون على التنازع القائم أمامه، يقوى أكثر عندما يُمنح القاضي سلطة تقديرية في تقرير اقتران الحكم بالمصاريف بغرامة مالية ملائمة ، لصد الإخلال في مباشرة بعضاً من إجراءات التقاضي ؛ ذلك أن القاضي سيتمكن بحكم اتصاله المباشر من وقائع الدعوى القائمة أمامه وظروفها وبواسطة سلطته التقديرية بفرض الجزاء على وفق ما يراه عادلاً ، فتكون تلك السلطة خير أداةً لتطبيق حكم القانون ،ومن ثم إقامة قضاء يحابي العدالة القانونية.
أيضاً يترتب على هذا التقرير تهيئة رقابة فعالة من قبل محاكم الطعن على أعمال القضاة، إذ يضمن معها نزاهة القضاء وخلق الثقة لدى نفوس المتقاضين بعدالة ما يصدر منه من أحكام قضائية يؤمن معها استقرار الحقوق لدى أصحابها.
فيعمل الجزاء الإجرائي في إطار الحكم بالمصاريف على تكريس ما يهدف إليه المشرع الإجرائي من تنظيم الحقوق والواجبات الإجرائية في قانون المرافعات المدنية النافذ لضمان تحقيق حسن سير العدالة في القضاء المدني، ويتم ذلك بالتعديل التشريعي بمنح القاضي سلطة تقديرية بنص قانوني عام يُمكنه عند الحكم بالجزاء الإجرائي أياً كانت صورته ومنها الحكم بمصاريف الدعوى، أن يقضي بالجزاء المدني إلا وهو الحكم الغرامة إذا تبين له أن صاحب الحق الإجرائي قد إساءة استعماله.
فيترتب على ذلك ، تفعيل الوجود القانوني للجزاء الإجرائي المتمثل بالحكم بمصاريف الدعوى بوصفه ركناً للقاعدة القانونية ردع وتوجيه أشخاص الدعوى في سلوكهم باتخاذ الإجراءات القضائية على وفق تنظيمها القانوني، ومن ثم سيُساهم ذلك بدوره في تنظيم الحياة الاجتماعية في نطاق العمل القضائي.