دور المؤسسات الدينية والمثقفين في تعزيز السلم الاجتماعي
دور المؤسسات الدينية والمثقفين في تعزيز السلم الاجتماعي
دور المؤسسات الدينية والمثقفين في تعزيز السلم الاجتماعي
د. كاوه محمود
2011 / 3 / 14
تمتلك المؤسسات الثقافية في المجتمع الكوردستاني تاريخاً عريقاً وتشغل حيّزا كبيراً فيه، ولا يمكن النظر إلى هوية ومهام وتأثير هذه المؤسسات إلا من خلال التعامل معها على أساس اعتبارها في حالة تطور وتغيير دائمين.
ساهمت المؤسسات التقليدية في المجتمع سابقاً، ومنها المؤسسات الدينية كالمساجد والكنائس في تقديم جزء من المهام الثقافية، فإلى جانب المهام الدينية كانت المساجد مركزا للحفاظ على اللغة الكردية وتعلم اللغات العربية والفارسية والنتاج الشعري والحفاظ على التراث وتطويره، وكان للكنيسة دور مشهود في الحفاظ على اللغة السريانية وآدابها.
يمتلك المجتمع الكوردستاني اليوم أشكالاً عديدة وجديدة من المؤسسات الثقافية، وسينتج المجتمع في المستقبل أشكال وصيغ أكثر حداثة. وإذا ما تحدثنا عن تصنيف مفهوم المثقف على صعيد الفرد، ليس بالإمكان استثناء أفراد يعملون في مجال تقديم الخدمة الدينية ولهم في نفس الوقت نتاجات أدبية وثقافية، عن سائر المثقفين. ولكن إذا ما تحدثنا عن التخصص فإن مهمة تقديم الخدمات الدينية إلى الأفراد تختلف عن مهمة المؤسسات الثقافية حكومية كانت أم غير حكومية. ومن هذا المنطلق نتحدث عن مهام نوعين من المؤسسات يحتاجان وباستمرار في مجتمع فاعل إلى تجديد وتطوير مجالات عملهما وأساليب تنظيمهما، ليكونا مؤثرين وفاعلين لإقرار وترسيخ السلم الاجتماعي. كما يجب أن نؤكد على وضع الأمور في السياق الصحيح وعدم عرض الإشكالية من منظور الصراع بين رجل الدين والمثقف. فمن الخطأ عند اتخاذ الموقف من إشكالية محددة وضع جموع المثقفين في خندق ووضع جميع رجال الدين في خندق آخر، لأن رؤية الفرد ومنطلقاته الفكرية تحدد مواقفه من الإشكاليات والمسائل المثارة. لذا فإن موضوعنا الأساسي يتعلق بتنظيم مهام المؤسسات سواء كانت ثقافية أم دينية بعيدا عن الهوية للفكرية للشخص المعني بتقديم تلك الخدمات في تلك المؤسسات، والتركيز على كونه مكلف بتقديم خدمة تتسم بطابع الخدمة العامة.
وفي إطار الحاجة إلى قراءة جديدة وتنظيم حوار ديمقراطي من أجل تفعيل دور المؤسسات الدينية والمؤسسات الثقافية في إقرار السلم الأهلي والمشاركة الفاعلة في عملية التنمية المستدامة، نعرض عدة محاور للنقاش.
المحور الأول: حرية الإبداع
يخضع مفهوم حرية الإبداع للتطور والتقدم والتجدد المستمر، وعليه يجب أن نتعامل اليوم معه وفق معايير تأخذ مستلزمات الحداثة وتطورات القرن الحالي في المجالات المختلفة بنظر الاعتبار. وهنا نستعرض هذه الأسس:
1- الحفاظ على التنوع الثقافي وتنوع مصادر الثقافة والتعامل مع التراث وقراءته برؤى مختلفة ومنفتحة وبمنهج انتقادي، بعيدا عن احتكار هذه المهمة والرؤية لصالح توجه وفهم معيّن وتعميم ذلك وفرضه على المثقفين كونه يمثل الحقيقة الوحيدة التي لا يعتريها الشك. ويتطلب هذا التوجه التعامل وفق مفهوم أنسنة التاريخ في فهم العمل الإبداعي المنوّع والتعامل مع مجمل الفكر الإنساني والنظر إليه ضمن إطار تاريخ الإنسانية وتناقضات المجتمع والصراعات الدائرة فيه، وحاجاته الأساسية. وانطلاقا من هذا الفهم علينا أن نقر لكل فرد، وبالأخص للمبدعين في مجال الفكر والثقافة والأدب حق الاستفادة والتعامل واستخدام مجمل محاور ومفردات تاريخنا وتاريخ المنطقة والعالم ، بعيدا عن التفسير الأحادي للتاريخ وعرضه باعتباره حقيقةً مطلقة.
2- الأخذ بنظر الاعتبار بان منهجية الكتابة في مجال العمل الإبداعي الأدبي والفني من شعر ورواية وأعمال أدبية أخرى، تختلف عن منهجية البحث في الدراسات المتعلقة بعلم الاجتماع والتاريخ ومجال العلوم الاجتماعية بشكل عام. ومن هنا لا ينبغي تقييم عمل الشاعر والروائي والفنان بمنهجية تقييم عمل المؤرخ والفقيه والمتخصص في علم المنطق. ويكون خلاف ذلك بمثابة وضع الشاعر والأديب والروائي والفنان في زنزانة ليمنع عنه حرية التخيل والتفكير، وتشكل مثل هذه الحالة انتهاكا لحرية الإبداع.
3- ومن الضروري أن نشير الى أهمية الحوار حول المفاهيم التي أشرنا إليها واغنائها بشكل مستمر، واستمرار الحوار بشأنها كونها حاجة موضوعية، وذلك وفق مفردات الحجة والبرهان والاستدلال وقبول الآخر، بعيداً عن لغة التهديد والترهيب وتأليب العامة وتأجيج مشاعرها واستخدامها لفرض توجه ورأي معين وتسويقه وفرضه لإسكات الآخر على أساس اعتباره يمثل المقدس والحقيقة المطلقة.
وقد أشارت الآية الكريمة التالية إلى هذه المنهجية: {قل هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين}.
ان مستلزمات مثل هذا الحوار هي التعامل والمحاججة بالفكرة في مقابل الفكرة، وبالكلمة في مقابل الكلمة، وبالحجة في مقابل الحجة وبمراعاة التخصص وامتلاك الحد المطلوب من المعرفة.
4- لا يمكن فصل مفهوم حرية الإبداع عن عملية التنمية البشرية وبناء الديمقراطية والتمدن في المجتمع الكردستاني. لذا فإن جزءا من مهام السياسة الثقافية لحكومة إقليم كردستان يتمثل في تشجيع ودعم المؤسسات الثقافية والاهتمام بدورها في عملية السلم الداخلي من خلال عدم الخلط بين الأيديولوجية وبين المجال الثقافي الذي هو مجال إبداعي معرفي، وعدم التعامل مع العمل الإبداعي من منطلق المقدس السياسي، ويتطلب هذا الأمر حسم إشكالية الصراع بين المثقف والسلطة لصالح المثقف، وفي المحصلة النهائية تصب الثقافة والإبداع في صالح سلطة تنتهج الديمقراطية والتمدن.
كما إن استمرار عملية التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، تخلق الأرضية المناسبة للتجديد في فهم الفكر الديني والتعامل مع بعده الاجتماعي.وبخلاف ذلك فان المجتمعات المتخلفة تنتج فهما متخلفا وخاطئا للفكر الديني ولوظيفته الاجتماعية.
المحور الثاني: حماية حرية الإبداع وفقا للقانون
1- يمر إقليم كردستان كمجتمع وككيان سياسي بمرحلة انتقالية لبناء الديمقراطية والتأسيس لدولة القانون والمؤسسات، ومن أهم دعائم هذا التوجه في العملية السياسية الالتزام بالاتفاقيات الدولية ومراعاتها.
فإلى جانب الدستور العراقي الاتحادي ومسودة دستور إقليم كردستان، فإن المواد 18 و 19 و 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية تشير إلى حرية الفكر والتعبير وحمايتها والحق في حرية التفكير والضمير والدين بعيدا عن التدخل والمضايقة، وحق المشاركة الحرة في الحياة الثقافية والاجتماعية والتمتع بالفن والمشاركة في التقدم الاجتماعي والانتفاع بنتاجاته. فعلى أساس هذه الوثائق المحلية والدولية، تتحمل حكومة الإقليم مهمة عدم السماح بأي شكل من الأشكال بانتهاك حرية التعبير من قبل المؤسسات الرسمية ومن قبل المكونات والمؤسسات الاجتماعية غير الرسمية، بأي ذريعة كانت وتحت أي ستار كان.
2- استناداً على النقطة الأولى، لا تجوز محاكمة الأديب والشاعر والروائي والفنان بسبب استخدامه الفنتازيا والخيال أو استخدام رموز واردة في نتاجات الفكر الديني أو منعه من الحرية في توظيف أية دلالات أخرى بشكل حر في العمل الأدبي.
ففي الفترات التي شهدت الدولة العربية الإسلامية حالات النهوض والنمو والانفتاح الحضاري، شهد التاريخ الثقافي العربي الإسلامي ظهور العديد من الكتاب والشعراء المعروفين الذين كتبوا نتاجاتهم بحرية وانتقدوا القيم السائدة دون أن يتعرضوا إلى قمع أو تنكيل. وضمن إطار هذا التاريخ نجد مبدعين كتبوا وانتقدوا من أمثال (الجاحظ وأبا العلاء المعري وأبا بكر الرازي، وابن عربي) وآخرين كثيرين. أما الفترات التي تعرض فيها الكتاب إلى القمع والتنكيل فهي تلك الفترات التي شهدت تسلط حكام مستبدين تراجعت في ظلهم البلاد وتخلفت عن ركب الإبداع، وساءت أوضاع العباد.
كما نجد في هذا التراث روائع أدبية تطرقت بصراحة إلى المسائل التي باتت اليوم تصنف في خانة المحظورات، ومنها: (الكشكول، زهر الربيع، رجوع الشيخ إلى صباه) وقد ألف قسما منها من قبل علماء دين يتسمون بالورع والتقوى.كما نجد الهامش الكبير من الحرية والانفتاح في مؤلفات مشهورة ومنها (ألف ليلة وليلة) الذي يعتبر من الروائع العالمية .
وفي الأدب الكردي نجد شعر نالي وحاجي قادري كويي وأشعار الشيخ رضا الطالباني وهم رجال لا يقدح في التزامهم بالدين، دليل آخر على ما نقول، إضافة إلى رائعة العلامة علاء الدين سجادي (رشته ي مرواري / سلسلة اللآلئ) التي تعرضت إلى الحرق حيث قام أشخاص بعد انتفاضة 1991 بشراء نسخها وحرقها وفقا لمخطط معين.
إن من أخطر طرق حجب حرية الإبداع، هو اقتياد الشعراء والكتاب إلى المحاكم بسبب نتاجاتهم وبناءا على طلب أو شكوى المؤسسات الدينية وعلماء الدين في حين يجب أن تتركز مهمة هؤلاء على الجانب الروحي من خلال تقديم الخدمات النفسية والاجتماعية للفرد، وليس العمل كناقدين أدبيين وتقييم الأعمال الفنية والأدبية بهدف معاقبتها، ففي مثل هذه الحالة الأخيرة ننقل إلى المجتمع الكردستاني تجربة محاكم التفتيش وصراعات المؤسسة الدينية ووظيفة الحسبة في التجربة المصرية.
3- إن عملية تقييم العمل الإبداعي ليست مسألة قانونية ليجري البت فيها في محاضر الشرطة والمحاكم، ومع تقديرنا لقضاتنا، نجد أن بعض الإجراءات الأصولية التي تخص المحاكمات من قبيل إعلام ودعوة النقابة المعنية قد تم إغفالها في بعض تلك القضايا مع العلم قد صدر من المحاكم أحكاماً بشأنها. إن نقل هذه المسائل إلى المحاكم يعني تحويل ضباط الشرطة والقضاة إلى نقاد، بينما يعتبر تقييم هذه الأعمال مهمة المتخصصين في هذا المجال وأساتذة كليات الآداب والمبدعين أنفسهم، فعناصر الكتابة الأدبية ولغة الأدب ومنهجية العمل الإبداعي مختلفة عن اللغة العادية، ولا شك أننا في كل النقاط التي طرحناها نتحدث عن العمل الإبداعي وليس عن الشتائم والتشهير بقناعات الناس، لأن ذلك بعيد تماما عن الأدب الرصين والعمل الفني الأصيل، وتدخل هذه التجاوزات في المحصلة النهائية في إطار قانون العقوبات.
المحور الثالث: حقوق المرأة والسلم الاجتماعي
تعتبر مسألة حماية حقوق الإنسان بمعناها الواسع واحدة من الأسس الرئيسية لإقرار وتعزيز السلم الاجتماعي والاستمرار في عملية التنمية البشرية. تشغل حقوق المرأة اليوم فضاء شاسعا في مجال حقوق الإنسان باعتبارها جزءا أساسيا منها، وكانت مسألة تحرر المرأة واحدة من مهام حركة الإصلاح الديني في منطقة الشرق الأوسط والدول الإسلامية في بدايات القرن الماضي. كانت عملية مراجعة الخطاب الديني في مجال حرية وحقوق المرأة، والمعايير التي استخدمت في تلك الفترة و التي تتسم بحيويتها حتى الآن مازالت قابلة للنقاش والتطوير. لقد أشارت حركة الإصلاح الديني إلى معايير المساواة بين الأفراد ذكورا وإناثا في عنصر الخلق وفصل المسائل البيولوجية التي تدخل في إطار خلق الإنسان، عن المسائل التي تتسم بطابع اجتماعي ضمن المكونات الاجتماعية التي تخضع لسنة التطور والتغيير وفي ظلها وضمن القيم الاجتماعية السائدة يتم تحديد الدور الاجتماعي لكل فرد ضمن التركيبة الاجتماعية السائدة، ومن حق الإنسان نفسه أن يعيد باستمرار تنظيم هذا الجانب على أساس تحقيق المصالح وضمان المساواة والعدالة الاجتماعية، لذا فإن القرآن الكريم في خطاب موجه ليس إلى المسلمين وحدهم بل إلى كل البشر ميّز بين فكرتي (الخلق) و(الجعل) ليتم الإشارة إلى حالتين مختلفتين، حيث أن في استخدام كلمة الخلق إشارة إلى الصفات البيولوجية، وفي استخدام كلمة الجعل إشارة إلى التركيبة الاجتماعية:
{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا}.
وفي تاريخ كردستان المعاصر، كان لعلماء الدين دور مشهود في تشجيع المرأة على التعليم وبمجرد فتح المدارس العصرية بادر قسم من هؤلاء العلماء بإرسال بناتهم إلى المدارس. وكانت هذه المسألة في إطار ظروفها التاريخية خطوة هامة باتجاه تحقيق حقوق المرأة.
لقد كان أساس تلك التوجهات هو التعامل مع الدين الإسلامي الحنيف بصفته دين الوسطية والاعتدال. وللاستمرار على نفس المنهجية في التعامل مع حقوق المرأة نرى من المهم مراعاة النقاط الآتية:
1- فصل التدين عن التطرف الديني، فالحالة الأولى جزء من حاجة روحية فردية وتعبير عن الحث على الخير وحب الناس ومساعدتهم وقبول الآخر وتعميق قيم المساواة بين الأفراد في الحقوق واحترام وقبول حقوق المرأة. وأساس التدين هو القبول بقيم العقلانية والتسامح والاعتراف بحقوق الآخر والاستناد على لغة المنطق في التعامل مع المواضيع المختلف بشأنها والوصول إلى الحقيقة، بعيدا عن لغة تكفير الناس التي تندرج في خانة الإرهاب. أما لغة التهديد وإلغاء الآخر وإضفاء المشروعية على العنف فهي لغة احتكار الحقيقة والتحدث باسم الله لفرض نمط معين وأسلوب محدد من القيم والسلوك على حياة الناس وشرعنته باسم الرب.
2- من هذا المنطلق لا يمكن في هذا المضمار السماح باستخدام خطاب المؤسسات الدينية للتقليل من حقوق المرأة والاستخفاف بالمنظمات المدافعة عن تلك الحقوق والتشهير بالناشطين فيها.
ان المؤسسات الدينية تشكل جزءا من الحياة العامة للمجتمع، ولا يجوز استخدامها لأغراض أيديولوجية ولخدمة توجهات خاصة لأشخاص يعملون في هذا المجال. إن هؤلاء الأشخاص أحرار كأفراد، وليس بصفتهم الوظيفية في المؤسسة الدينية، في التعبير عن آرائهم، لكن لا يجوز استغلال المواقع الرسمية ومنابر المؤسسات الدينية لإطلاق الآراء الشخصية وتعميمها، وبخلاف ذلك تفقد تلك المؤسسات صفتها كمؤسسات عامة حيادية مكلفة بجمع شمل الناس ومنحهم الراحة النفسية والشعور بالأمان، وتخفيف ضغوط الحياة اليومية عليهم، لتتحول إلى أدوات لتشتيت الشمل وخوض الصراعات السياسية والاجتماعية، وخاصة فيما يخص المواضيع ذات العلاقة بحقوق المرأة، في وقت يجري الترويج والتمرير للعرف الاجتماعي المتخلف المتمثل في نظرة الاستخفاف إلى المرأة من خلال الاعتكاز وتوظيف القيم الدينية.
المحور الرابع: بغية استمرار الحوار بين المؤسسات الثقافية والمؤسسات الدينية من الضروري الأخذ بالنقاط الآتية:
1- عدا ما يتعلق بالمسائل الوطنية العامة، ستواجه مجتمعاتنا إشكاليات كبيرة في حالة توظيف الفكر الديني في الشعارات والخطابات السياسية لتحشيد الجماهير المتدينة لأغراض العمل الحزبي والدعاية لمشروع سياسي معين. إن جمهور المتدينين ينتظرون الحصول على الطمأنينة والأمان من خلال خطب صلاة الجمعة، ولذا لا يمكن أن تتحول المساجد إلى محل للنشاط السياسي ولتقديم المحاضرات السياسية وتقييم القانون الدولي والاتفاقيات والمعاهدات الدولية. وهذا لا يعني أنه لا يحق للعالم في مجال الدين والذي يؤدي الخدمة الدينية في تلك المؤسسات، الخبير في تلك المجالات من الحديث والتعبير عن آرائه الخاصة بتلك القضايا في الجامعات والندوات والاجتماعات خارج المساجد، لكن استغلال خطب الجمعة لهذا الغرض يدخل في إطار الدعاية السياسية لمنظومة فكرية سياسية تحتمل النقاش والرأي الآخر، في وقت يحضر تلك المراسيم وسط منوع ومن مستويات تعليمية متباينة، وفي وقت تتم أداء مراسيم الخطبة الدينية بطريقة أداء الخطيب وسكوت الجمهور والتلقي. وبخلاف هذا التوجه سيتم إفساح المجال لتحزيب الخطبة الدينية.
2- من الضروري أن لا تتحول الخطب الدينية إلى وسائل تهديد وإهانة للأديان أو المكونات الأخرى للمجتمع، أو انتقاص الحقوق والحريات المضمونة دستورا، وذلك عن طريق إثارة حرب نفسية على الكتاب والنساء والأفراد من ذوي الرؤى والأفكار المختلفة، لأن ذلك سيؤدي بالتالي إلى تأليب أوساط المتدينين ضد أناس قد يتبعون قناعاتهم وقد يكونوا متدينين يعبرون عن أيمانهم بأساليب مختلفة.
3- تحديد حدود الخطب الدينية في المؤسسات الدينية وخاصة المساجد بالوعظ والإرشاد، وليس الإفتاء الذي يجب أن ينظم بقانون وأن تراعى المعايير الشرعية في تحديد هذه الوظيفة، الأمر الذي يتطلب الوصول الى درجة الاجتهاد. وفي كل الأحول يجب أن يعتمد الخطاب الديني القرآن الكريم أساسا، والدعوة من خلال الحكمة والموعظة الحسنة والجدال، و لا يجوز أن تصبح المساجد وخطب الجمعة محلا لإطلاق الفتاوى.
{ أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.
4- عدم السماح باستخدام الخطب الدينية لترويج العنف ضد الأفراد وتحول الخطيب إلى مدع وقاض ومنفذ للأحكام، لأن هذه المهام من اختصاص و من مهام الدولة ويجب أن تجري بموجب القانون.
5- يعتبر عمل الخطيب الديني في الجوامع خدمة اجتماعية هامة وهي بمثابة العمل في الجيش، وعليه يجب أداء هذه المهمة بمنتهى الحياد السياسي والحزبي، فهذه الخدمة يجب أن توجه إلى الناس كافة بعيدا عن الطروحات السياسية وهذا ما يساهم في حفظ الاستقرار وترسيخ الأمن الاجتماعي.
• ألقيت في المؤتمر الخاص بالحوار بين رجال الدين والمثقفين والذي عقد في آربيل بتاريخ 12 شباط 2011. *
*. عن الحوار المتمدن..