دولة القانون بين التجريد والفهم العلمي
دولة القانون بين التجريد والفهم العلمي
ابراهيم المشهداني
2011 / 5 / 18
مواضيع وابحاث سياسية
ينظر الى دولة القانون وفق فرضيتين الأولى تفهم على انهامفهوم وشعار سياسي يستخدم من قبل السلطة لإضفاء صفة الشرعية التي يمثلها في مواجهة الشعب المحكوم وإن بناءها ينحصر ضمن اهتمام وفلسفة الهيئات القيادية في الدولة بوصفها جزء لا يتجزء من ادواتها في ادارة الحكم لذلك فانها اي الهيئات القيادية الحاكمة ترى انها الاولى بتفسيرها وبالتالي استخدامها من قبلها وضمن دائرتها فقط دون اعتبار لما تفهمه وتفكر به الهيئات الاجتماعية التي تمثل القاعدة الاجتماعية العريضة ومن بينها التشكيلات السياسية كتل او احزاب او منظمات مجتمع مدني او المؤسسات الاكاديمية والعلمية سواء المرتبطة بمؤسسات الدولة او خارج نطاق منظومتها الادارية والفكرية ,وهذا الفهم الضيق والمحدود هو ما يقود إلى اتخاذ اجراءات متفردة في معالجة المشاكل التي تواجه الحكومات التي تعتمد هذه الفرضية , وسواء ادرك الحاكمون مخاطر هذه الفرضية او لم يدركوها فانها تقودهم الى اتخاذ قرارات متشددة وفوقية في هذه القضية اوتلك بل وتذهب بهم من حيث لا يشعرون الى مستنقع الديكتاتورية وليس بالضرورة ان يكون وراء هذا الفهم بالنسبة لبعض اصحاب القرار مصالح مادية بمعنى سرقة ثروة الشعب بمشاريع وهمية بحتة فالتجربة التاريخية تشير إلى إن بعض الديكتاتوريات العسكرية التي حكمت في التاريخ كانت تنظر إلى الوطنية بمفهومها العنصري وتعتقد أنها الأكثر وطنية منطلقة من مفهوم الدولة القومية بدلالة الحروب التي شنتها ضد جيرانها والبلدان الاخرى ولكنها لم تتهم بالسرقة والفساد, ابتداء من نابليون مرورا ببسمارك وهتلر في المانيا بخلاف كثير من الديكتاوريات في العالم امثال سوهارتو اندنوسيا وبينوشيت في شيلي وفرانكو اسبانيا وغيرهم كثروالديكتاتوريات العربية في التاريخ القريب المشبعة بالفساد ومن بينهم صدام حسين الذي كان يخدع الناس بخدمة العراق والامة العربية من خلال اقامة دولة عربية واحدة من المحيط الى الخليج وكان ينظر الى القانون بانها بضع عبارات يضعها الحاكم جالسا او واقفا وحتى لو تم سن القانون في لحظة الصدفة وكلنا يتذكر هذه الحادثة عندما كان يزور المناطق الغربية في البلاد تحضيرا للحرب ضد ايران واشتكى اليه بعض الفلاحين بعض ما يواجهون من مشاكل تعيق الانتاج الزراعي في مناطقهم فكان منه ان استل بعجالة قلمه ليتخذ قرارا وهو واقف دون استشارة وزير الزراعة او مستشاريه في الدائرة الاقتصادية او غيرهم وكانه العارف بكل شيء ولم يدرك وقتها انه قد اخل بقانون الاصلاح الزراعي الذي صدر في عهد البعث هذا فضلا عما فعله بشعبه من قتل وتشريد الى ابعد المنافي وهكذا يسقط الحاكمون العاملون وفق هذه الفرضية التجريدية بسبب نرجسيتهم في مستنققع التفرد في اتخاذ القرارات حتى لو قاد بلاده الى الخراب واوصل نفسه الى حبل المشنقة وكما فعل صدام فعل العديد من القادة العرب وامثالهم اليوم معمر القذافي الذي يعتمد الجن بحسب الروايات الاعلامية في ادارة بلاده ويقمع شعبه الثائر بكل ما يملك من الاسلحة الفتاكة وكذلك بشار الاسد الذي يوجه نار جيشه ضد شعبه وليس ضد من اغتصب ارضه وعلي عبدالله صالح الذي اشترط على شعبه , الذي يقتل العشرات منهم في كل يوم , ما يتخيله المجانين فقط ,في صفقة خليجية اريد بها انقاذ رقبته من حبل المشنقة نظيرتنحيه عن السلطة او يستمر في معاملة شعبه الذي ينخر به الفقر والمرض والجوع ,بالحديد والنار . فدولة القانون عند هؤلاء وغيرهم في كافة البلدان العربية وبلدان العالم المتخلف , هي حق من حقوق النخبة الحاكمة ولا يحق لعامة الناس الاعتراض على اخطائهم بسبب جهلهم بحقائق الاشياء وخاصة ادارة الحكم متناسين كما يتصور الحاكمون ان هؤلاء الناس هم من اوصلوهم الى مركز القرار لا حبا بهم وانما املا في تحقيق مطالبهم في الحرية ورغيد العيش فحب الحاكمين واحترامهم لا يتبلور الا عبر الانجازات الاقتصادية والاجتماعية الملموسة .
اما الفرضية الثانية فهي التي تقوم على أساس تطور مفهوم دولة القانون الذي تطورتاريخيامنذ اواخر القرون الوسطى من ذلك مثلا إن بريطانيا عرفت في عام 1215 مجموعة من القوانين والقواعد لحماية حقوق الإنسان من التعسف وكذلك نص إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية الصادر عام 1776بكون الحرية حق لجميع الناس كما إن الثورة الفرنسية هي أكثر ما جسدت فكرة دولة القانون استلهاما بأفكار جان جاك روسو ومونتسكيو التي تقول إن لا توجد في فرنسا حكومة فوق القانون وان شخوص الحكام ليسو إلا مجرد عمال لصاحب السيادة (الشعب )وفي ألمانيا يرى(ترونة)انه اذاكانت كل دولة قانون ليست بالضرورة ديمقراطية فان كل ديمقراطية يجب إن تكون دولة قانون وهكذا فان تعبير دولة القانون هو مصطلح سياسي وقانوني في إن . وهكذا تقودنا هذه الأفكار مجتمعة إلى إن القوانين تسن من القاعدة الشعبية العريضة لمعالجة مشاكلها الاساسية والتحديات التي تواجهاوهي الاعرف بها من الحاكمين القابعين في ابراجهم العاجية وهذه الفرضية تفترض ان هناك نظاما ديمقراطيا تحكمه مؤسسات ديمقراطية منتخبة من الشعب وفق قوانين دستورية محمية من الاختراق وبعيدة عن قواعد المحاصصة الطائفية والقومية والجهوية التي تبرز في بلادنا كظاهرة مقيتة . ومثل هذه القوانين فضلا عن انها ستكون عادلة في توزيع الثروة فانه ستتيح للجماهير حرية التعبير والتظاهر بكل حرية وبمختلف الإشكال وهذه الجماهير هي التي ستتولى عبر مؤسساتها الديمقراطية حماية هذه القوانين من التلاعب والانحراف وهي التي ستقوم بمراقبة التنفيذ وفي هذه الحال سوف تشن بنفسها الحرب على الفساد والفاسدين وتهز عروشهم الهشة المبنية من سرقة قوت الشعب وعند ذاك سيعم الامن والسلام في ربوع الوطن وستذهب الى مزبلة التا ريخ كافة المافيات التي صنعتها المحاصصة الطائفية والمنظومات الميليشاوية التي ظهرت في غياب الديمقراطية ودولة القانون والصراع للاستحواذ على ثروات البلد , وستنتهي التدخلات الاجنبية ليس فقط بقوة النظام وإنما أيضا بيقظة الشعب ورقابته الشعبية على كل الاتفاقيات والمعاهدات التي تبرمها الحكومة مع الدول الاخرى .فاي الفرضيتين افضل اذن ؟ الخيار في النهاية سيكون للناس ولدولة القانون الحقيقية بدون شك وهذا هو منطق التاريخ…… #
#. عن الحوار المتمدن…..