ريعية المصارف الأهلية في العراق :السلوك و الأداء
ريعية المصارف الأهلية في العراق: السلوك والأداء
ريعية المصارف الاهلية في العراق: السلوك والاداء!
د. مظهر محمد صالح
– 1 – مدخل
يمثل ظهور الصيرفة الاهلية منذ نشأتها الثانية في مطلع تسعينيات القرن الماضي في العراق (ابان الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية اثر غزو الكويت )وحتى الوقت الحاضر انقلابا في تكوين الرأسمالية العراقية التي تحولت تدريجياً من رأسمالية عقارية وصناعية وشبه زراعية منتجة الى رأسمالية تمويلية financial capitalism زبائنية مع مراكز القوة الاقتصادية في العالم .وهذا النمط الرأسمالي الجديد قد ارتبط بالغالب بالقطاع الحقيقي المنتج الخارجي او مخرجات الانتاج في العالم الخارجي وتتكامل معه من خلال عربة او Vehicle هي نشوء المصرف الاهلي نفسه( الممول للتجارة الاستهلاكية للقطاع الخاص والأنشطة قصيرة الاجل مضمونة الربح في السوق الوطني .اذ تفتقر تلك العربة المصرفية في الغالب الى أصول الصيرفة ومبادئها والتي اساسها سعة الائتمان المصرفي الداخلي (الا ان الائتمان هو النقطة الأضعف في سلوك الجهاز المصرفي للأسف) وان جل سعيها هو تحصيل ارباح من ريعية الاقتصاد تنتهي بتراكمات قصيرة الأجل تودع في معاقلها الخارجية و ليس لها رابط باي عمل تنموي داخلي .
– ٢آلية العمل المصرفي ومخاطره.
ان من اشد المخاطر التي يتعرض اليها الجهاز المصرفي الأهلي اليوم في العراق هي ركونه الى ريعية الاقتصاد الرسمي دون تحسب لمخاطر الاقتصاد الكلي ذي الطبيعة الاحادية نفسه .
فإصدار خطابات الضمان من جانب المصارف الاهلية و بإفراط لزبائن ملتصقين بالتجهيز او التنفيذ الحكومي في أوقات الوفرة المالية النفطية او حتى التعاطي مع النافذة الدولارية للبنك المركزي كمصدر إيراد قدري الربح او العائد windfall profits لتمويل التجارة الخارجية للقطاع الخاص( مع اهمال مخاطر سعر الصرف )قد جعلت من هذين النشاطين المهمين على الاقل ذو طبيعة وتكوين ريعيين حقًا وملتصقين بالدورة الاقتصادية النفطية في الاقتصاد الوطني .فقد التصقت الميزانيات العمومية للمصارف المذكورة بالغالب بتحركات الموازنة العامة للبلاد وبدرجة مساهمة عوائد النفط في تكوين الناتج المحلي الاجمالي وتأثير ذلك على مستوى النشاطات الاقتصادية الكلية بما في ذلك النشاط المصرفي الاهلي .
اذ أتت اغلب مصادر الربح في فترة ازدهار الايرادات المصرفية في السنوات السابقة من عمليات المصارف خارج ميزانياتها العمومية off balance sheet operations ولاسيما اصدار خطابات الضمان للمجهزين والمقاولين وعلى نحو واسع واحياناً دون حساب للمخاطر القانونية لتنفيذ مصالح ضامنة مع الدولة او القطاع العام .في وقت ظلت المصارف الاهلية تطالب بحصة من الاعتمادات المستندية لتنفيذ تمويل التجارة الحكومية بحثاً عن الايراد الريعي وبمعزل عن السوق! ،فضلا عن تحصيل الإيرادات الطارئة التي تسمى بالأرباح القدرية windfall profits والناجمة من الفوارق السعرية في تعاطي المصارف مع عمليات المرتبطة بنافذة البنك المركزي للعملة الاجنبية، ذلك دونما تحسب لمخاطر تقلب سعر الصرف .فتعرض أداتي خطابات الضمان والعملة الاجنبية الى انتكاسات شديدة ابان الاشهر الاربعة والعشرين الماضية قد كبدت المصارف اعباءً كبيرة تجسدت بصورة تكاليف إضافية امست واجبة الدفع لا محال .رافق ذلك فقدان مصادر إيراديه ريعية مهمة كالفرص الربحية الناجمة عن فوارق سعر الصرف . ولا يخفى ان تعثر العمليات المصرفية من داخل الميزانيات العمومية on balance sheet operations هي الاخرى قد أضحت طرفاً مهما في تعاظم التكاليف وتدني الايرادات وتآكل حساب الدخل للمصرف الواحد وتأثير ذلك على صافي مركز الثروة net worth.فارتفاع نسبة التعثر في تحصيل الديون الناجمة عن ضعف الاسترداد جراء منح الائتمان بمخاطر مرتفعة(مخاطر الائتمان )لقاء ضمانات غير كافية او ضعيفة التحصيل او حتى ضعف التسييل للضمانات نفسها عند تحصيلها ،قد شكلت هي الاخرى دور عمليات داخل الميزانية on balance sheet operations في اظهار مشكلات تقترب من العسرة المالية insolvency وعد تلك الائتمانات من الموجودات الرديئة التي تؤدي الى الاعسار المصرفي وتدني قيمة راس المال .مما اقتضى بمرور الوقت زيادة التحوط في مخصص راس المال نفسه .لقد انعكس تزايد المخاطر الثلاثة لعمليات خارج الموازنة(المخاطر القانونية ومخاطر سعر الصرف والمخاطر الائتمانية) جميعها في تدني الربح وتفاقم الخسارة ومن ثم اعطاء اشارة سالبة الى سوق الاوراق المالية عن حالة المصارف ومراكزها المالية او تدني مركز صافي الثروة فيها ،ما جعل الفرق spread بين الفائدة الدائنة والمدينة في مستويات عالية لا تقل عن ٨٪ كفرق بين معدلات الفائدتين (وهو ما يسمى بمخاطر سعر الفائدة لعمليات داخل الموازنة) .
-٣ الاستنتاجات
يلحظ ان ثمة درجة عالية من المرونة high elasticity بين حساب قيمة الارباح والخسائر في الدفاتر المصرفية من جهة والقيمة السوقية لاسهم المصارف نفسها من جهة أخرى .فباستثناء بضعة مصارف مدرجة اسهمها في سوق العراق للأوراق المالية (ولا تتجاوز الثلاثة) فان بقية المصارف المدرجة في السوق مازالت تقل القيمة السوقية لأسهمها عن القيمة الاسمية وبشكل كبير ،(وبفجوة قيمة )مقلقة جداً .في وقت ظلت فيه اسهم المصارف الاهلية تهيمن على نسبة تزيد على ٤٨٪من قيمة الأسهم المدرجة في سوق العراق للأوراق المالية. فتركيب السوق المالية العراقية بشكلها الراهن المنخفض القيمة والمتمثل بثقل مساهمة القطاع المصرفي الأهلي في مكوناتها الرأسمالية، تؤشر لا محال على دور المصارف في تفاقم الركود الاقتصادي الكلي وانخفاض أهميتها في نمو الناتج المحلي الإجمالي . ختاماً، يمكن الاستنتاج بان ثمة تأثير متبادل بين النشاط المصرفي الأهلي من جهة وبين الدور الاقتصادي الكلي الريعي من جهة اخرى يعني في الأحوال كافة ان هناك سببية متبادلة التأثير feedback causality تكون النتائج فيها هي الأسباب وان الأسباب تصبح هي النتائج من حيث العلة والمعلول.