سد النهضة واحتمالات الحرب على المياه
سد النهضة واحتمالات الحرب على المياه
تقرير : الميدان
قد يؤدي سد النهضة الذي يجري بناؤه حالياً في اثيوبيا إلى اندلاع حرب على المياه، ما لم تتوصل اثيوبيا لاتفاق بشأنه مع مصر والسودان. كثيرا ما يقال أن الحرب العالمية القادمة ستكون على المياه، وهناك مناطق قليلة في العالم تشهد توتراً بنفس الدرجة التي تشهدها منطقة حوض النيل.
الخلاف بين مصر واثيوبيا كبير وعميق حول سد النهضة، والسودان يقف في منتصف الطريق رغم ميله للجانب الاثيوبي ويجري حالياً تنفيذ تحول جيو سياسي كبير بمحاذاة أطول نهر في العالم.
لقد كان هناك حديث حول بناء سد على النيل الأزرق منذ سنوات عديدة، لكن حينما بدأت أثيوبيا بناء السد كانت “ثورات الريبع العربي” قد انطلقت وكانت النظام المصري في وقته منشغلا بأموره الداخلية.
وتصر الحكومة الأثيوبية أن السد لا يهدف للتحكم في تدفق مياه النيل الأزرق، لكنه يقدم فرصاً ليطور البلاد من خلال تطوير الطاقة. أنه يتضمن الكثير من الفوائد لدولة المصب، هكذا عبر السيد بيكلي وزير المياه والكهرباء الاثيوبي.
والمعروف أنه عبر آلاف السنين وفي العصر الحديث وبدعم من الاحتلال البريطاني مارست مصر نفوذ سياسياً على نهر النيل، لكن طموح اثيوبيا غير كل ذلك.
وتدريجياً تتحول المخاوف إلى احتمالات صراع مكشوف يهدف إلى السيطرة على النيل، وعلى الرغم من التحديات السياسية التي تتزايد والتي تواجهها والمستوى المحدود من الحريات واستمرار الاعتقالات في أثيوبيا. إلا النظام بدأ في بناء مناطق صناعية، ويسعى للانتقال إلى مصاف الدول متوسطة الدخل. ومن ثم فهو بحاجة إلى الطاقة الكهربائية.
وستتمكن أكبر محطة لتوليد الكهرباء في أفريقيا وواحد من أكبر السدود في العالم من تحقيق ذلك ولكن لأن 85% من مياه النيل تأتي من أثيوبيا. فإن مصر تخشى من أن تتحكم أثيوبيا في تدفق مياه النيل الأزرق.
ويؤكد وزير الكهرباء الأثيوبي أنه واحد من أهم المشروعات الرئيسية بالنسبة لبلاده وأنه لا يهدف للتحكم في تدفق مياه النيل بقدر ما يقدم فرصة لتطوير أثيوبيا من خلال الطاقة، وهناك ترحيب خجول من قبل السلطات السودانية وبعض المختصين في هذا المجال وقد عبر رجل الأعمال أسامة داؤود بترحيبه ببناء السد واعتبر المشروع يعود بفوائد كثيرة للسودان وبشكل خاص في مجالي الطاقة والزراعة.
ومخاوف مصر تزداد خاصة وأن هناك تقريرا للأمم المتحدة يتوقع أن تعاني مصر نقصاً في المياه بحلول عام 2025م.
ورفعت الحكومة المصرية شعار “أي تهديد لمياه مصر يعتبر تهديداً لسيادتنا” وتقول راوية توفيق وهي اكاديمية مصرية تعمل في ألمانيا “يجري حالياً تغيير قواعد اللعبة تماماً، هناك نظام جديد يبدأ ارساؤه في المنطقة برمتها”.
الفدان الواحد في مصر تقتات منه أسرة واحدة على الأقل، ومتوسط حجم الأسرة هو خمسة أفراد، لذلك فالسد سيؤدي إلى فقدان نحو مليون شخص لوظائفهم وبالتالي هي مسألة “أمن قومي”.
وتضيف العالمة المصرية “أثيوبيا لأول مرة تجمع بين القوة المادية باعتبارها دولة منبع يمكنها بطريقة أو أخرى التحكم في تدفق المياه. وكذلك القوة الاقتصادية بكوكنها قادرة على بناء السد اعتماداً على مواردها المحلية”.
لكن الوزير المصري للموارد المائية يقول” نحن مسؤولون عن بلد يبلغ سكانه 100 مليون شخص، إذا نقصت المياه التي تصل مصر بنسبة 2% فإننا سنفقد 200 ألف فدان من الأرض الزراعية”.
والمعروف أن محطات توليد الكهرباء لا تستهلك الكثير من المياه، لكن السرعة التي ستملأ بها اثيوبيا خزانات السد ستؤثر على تدفقات المياه نحو المصب”.
والحكومة الأثيوبية ترغب في توليد الطاقة بأسرع وقت ممكن لكن الأمر سيستغرق وقتاً لملء خزانات السد الذي ستصبح مساحته أكبر من مدينة لندن.
وإذا تم ملء السد على مدار ثلاث سنوات فإن مستوى المياه سيتأثر لكن إذا تم ذلك على مدار 6 أو 7 سنوات. فلن يتأثر مستوى المياه بدرجة مهمة.
والمعروف أن المفاوضات بين مصر واثيوبيا لا تجري على ما يرام، ولم تصل بعد إلى مرحلة تقييم آثار السد، بل إنها متوقفة عند مرحلة الاتفاق على كيفية تقييم تلك الآثار.
وتقف مصر والسودان على طرفي نقيض إزاء كمية المياه التي يستخدمها السودان وحول معدل زيادة تلك الكمية عند اكتمال السد.
ومن المفارقة أن مصر فعلت في عهد عبدالناصر في القرن الماضي ما تفعله أثيوبيا الآن تماماً، حينما بنت السد العالي في أسوان، وباعتبار نظام عبدالناصر كان يعد “ثورياً” وضد النفوذ والسيطرة الأجنبية، كانت ولا زالت مصر تفخر بذلك الانجاز الوطني لكن أثيوبيا ترى سد النهضة بنفس الطريقة.
وترغب أثيوبيا في أن تتكفل ببناء السد من مواردها المحلية دون مساعدات من الخارج ويدفع كل موظف في الحكومة راتب شهري سنويا للمشروع، وهناك طموح لطرح سندات من أجل تمويل السد.
وقد أكتمل بناء نحو ثلثي السد في الخمس سنوات الماضية، ولا تملك مصر فعل أي شيء تجاه السد ووقف بناءه عدا اتخاذ اجراء عسكري، الأمر الذي سيكون خطيراً على منطقة القرن الأفريقي وربما مجمل القارة.
وهذا هو السبب الذي يجعل من الدبلوماسية والحوار والتعاون السبل الوحيدة الكفيلة بحل هذا الإشكال المعقد.
لكن حينما يتعلق الأمر بقضايا القومية والأمن القومي والقوة النسبية وأهمية الدول فإن ذلك قد يعكر صفو “المياه” والعلاقات.
في النهاية فإنه يمكن تجنب حدوث أول حرب في العالم على المياه في حوض نهر النيل ، إذا ضغطت شعوب البلدان الثلاثة على حكوماتها لحل المشاكل العالقة بالطرق السلمية وطالبت بالمزيد من الجهدمن اجل التوصل لاتفاق الحكوامت الثلاث بما يراعي مصالح الشعوب ويضمن تقدمها ورفاهيتها.*
* عن جريدة الميدان السودانية