سلة الصفقات في السياسة البرلمانية
سلة الصفقات في السياسة البرلمانية
ابراهيم المشهداني
2012 / 9 / 27
مواضيع وابحاث سياسية
عودنا البرلمان العراقي منذ تأسيسه على إنتاج قوانين وقرارات لم تكن في صلب حاجات الناس ومصالحهم الأساسية ، فمصالح الناس في البرلمان تجد تعبيرها في سن القوانين والتشريعات التي توفر له قوت يومه وتحقيق أمنه ضد عمليات الإرهاب والقتل المنظم بكواتكم الصوت وبغيرها مما أنتجه الأشرار من أنواع الأسلحة الفتاكة وضمان الحريات العامة وتوفير السكن اللائق وخدمات الكهرباء والصحة والتعليم وغيرها ومراقبتها ضد عمليات السرقة المنظمة أو وضع المشاريع في الرفوف العالية. ولكن الغريب في هذا الشأن ويزرع الحيرة في النفوس انه حين يطرح القانون أي قانون للمناقشة الأولى والثانية ينبري برلمانيون كثر في توجيه الانتقادات إما لجوهر القانون أو للصيغة التي يطرح بها مقترحين إجراء التعديلات بما ينسجم مع الدستور ومبادئ الديمقراطية بما يوحى للمواطنين إن الدنيا بخير ما دام هناك من يمثلهم في هذه المؤسسة الديمقراطية!! ولكن ما إن يمضي يوم أو يومان أو أكثر حتى يفاجآ المواطنون الذين توجهوا أفواجا وزرافات إلى مراكز الانتخاب لعلهم يحظون بنائب مخلص يدافع عن مصالحهم ، إن أولئك النواب الذين كانوا يرفضون القانون جملة وتفصيلا قد صوتوا عليه دون رفض أو حتى امتناع عن التصويت ، وفيما يصاب الناس بدوار وخيبة أمل يصفق آخرون للقانون تغمرهم نشوة الانتصار فقد تحقق لهم مكسب جديد ما كانوا يحلمون به لولا الطريقة التي اتفق علها المتحاصصون.
قبل أيام كنت أتابع ندوة على فضائية الحرة عراق كان احد ضيوفها نائبا في البرلمان وهو عضو في اللجنة القانونية البرلمانية وكان موضوع الندوة مناقشة التعديل الذي شرعه البرلمان على القانون رقم 36 لسنة 2008 قانون انتخاب مجالس المحافظات فقد ابدي هذا البرلماني الشهم رأيا يتعارض مع ذلك التعديل الذي ابقي على التعديل الأول والذي يسرق أصوات المواطنين لصالح الفائز الأقوى وعندما سأله مدير الندوة عن دوره في مخاطر هذا القانون على الديمقراطية وهو عضو في اللجنة القانونية كشف بكل وضوح عن القاعدة التي يستند عليها البرلمان في تشريع القوانين ، إن هذه القاعدة قد رسمها رؤساء الكتل المهيمنة على البرلمان الذين يعقدون وراء الكواليس اجتماعات للاتفاق على صفقة تضمن مصالحهم الطبقية ولم يبق إمام البرلمانيين من إتباع هذه الكتل إلا التصويت برفع الأيدي صاغرين ،وهنا لا يبدو الأمر غريبا إذا ما عرفنا إن هؤلاء النواب لم يصلوا إلى كرسي البرلمان دون موافقة رؤساء الكتل ذاتهم والبركة بقانون انتخاب مجلس النواب المعدل بصفقة الكتل المهيمنة على البرلمان فهذا القانون والقرار الذي اتخذته مفوضية الانتخابات الذي خول رئيس الكتلة صلاحية اختيار النائب على أساس قوة ونوع العلاقة التي تربطه بذلك النائب حتى لو كان حاصلا على عشرة أصوات ،ولم لا وقد نال حصته من أصوات المساكين المسروقة حسب الشرعة الاستلابية التي وافقت عليها الكتل الكبرى بصفقة تاريخية في تجربة هي الاسوا بين معظم التجارب البرلمانية في العالم سوى البرلمان الألماني .
لقد تابع أبناء شعبنا خلال الفترة الماضية الخلاف والجدل المثير بين الكتل البرلمانية حول مسودتي قانوني العفو العام وقانون البنى التحتية فالأول قد استهان بضحايا الإرهاب وكواتم الصوت وأنقذهم كما أنقذ المزورين الذين حرروا زورا شهادات أهلتهم لسرقة مناصب وزارية ومقاعد برلمانية ووظائف تقع في الصف الثاني والثالث والرابع فمادون من جهاز الدولة واستيلائهم على رواتب عالية كانت في الحقيقة من حصة حملة الشهادات العلمية الحقيقية والكفاءات الهائمة على وجوهها في منافي الغربة والثاني فضلا عن غموضه فانه يضيف إلى ديون العراق دينا جديدا لا حاجة به في دولة بترولية تمتلك ثاني اكبر دولة في احتياطيها من البترول ولها ميزانية بمائة مليار دولار تعادل ميزانيات خمسة من دول الشرق الأوسط ولكنها واقعة تحت آفة من الفساد الإداري والمالي وضعها ضمن أربعة هي الأكثر فسادا في دول العالم إلا تكفي هذه الظواهر لكي يختلي السادة البرلمانيون بأنفسهم ولو لدقائق قليلة للتفكير بما اقسموا عليه قبل إن يصوتوا على قوانين ربما لم يقرؤوا سطرين منها وهكذا تم وضع القانونين في سلة واحدة وتم التصويت عليهما بالموافقة على قاعدة( هذا إلك وذاك إلي)ويا شعب إلك الله.
فيوما بعد أخر نكتشف إننا نواجه خطر ديكتاتورية الجماعة قد حل محل ديكتاتورية الفرد الذي كان يوجه ماكينته القمعية ضد كل صوت كان يرفع محتجا على قانون أو قرار آو إجراء تعسفي فليس من المستغرب إن تشرعن الكتل المتنفذة القوانين التي تصادر حقوق الشعب وحرياته قانون حماية حقوق الصحفيين مثالا وتوجه مكانتها القمعية ضد أية حركة احتجاجية وان كانت سلمية عندما تجدها موجهة ضد مصالحها ولنتذكر قول ماري أنطوانيت المأثور عندما استفسرت من حاشيتها عن أسباب غضب الجماهير أجابوها صاغرين عدم وجود الخبز، الملكة حلت المشكلة على الفور ،أعطوهم الك…. @
@ عن الحوار المتمدن..