الاقتصادية

سمات الاقتصاد العراقي الراهن

سمات الاقتصاد العراقي الراهن

عادل عبد الزهرة شبيب

2021 / 4 / 22

من سمات الاقتصاد العراقي لفترة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 والفترة اللاحقة . حيث تميزت هذه الفترة بكونها تعكس حجما كبيرا من اختلال في التوازن الاقتصادي الكلي انعكست في صورة اختلالات هيكلية واضحة وتراجع في الناتج المحلي الاجمالي بشكل عام والنفطي بشكل خاص , وارتفاع نسبة مساهمة الانتاج النفطي في الناتج المحلي الاجمالي وتراجع نسبة مساهمة القطاعات الاقتصادية الاخرى كانعكاس لأحادية الاقتصاد فضلا عن سمات عديدة اخرى , ومن هذه السمات :-
1. يتميز الاقتصاد العراقي بكونه اقتصادا ريعيا وحيد الجانب يعتمد كليا على العائدات المالية النفطية الناجمة عن بيع النفط الخام دون التفكير حتى بتصنيعه وتحويله الى منتجات نفطية والتي يكلف استيرادها مبالغ طائلة . علما ان الاقتصاد الريعي يعتبر سببا رئيسيا للتخلف الاقتصادي وللأزمات الاقتصادية التي تصيب الدولة لأنها تعتمد في دخلها الوطني على مصدر واحد واي خلل يصيب هذا المصدر فإنه يسبب ارباكا اقتصاديا وخسائر للدولة التي تعتمده , كما يجري الان بسبب تفشي فيروس كورونا وتأثيره في انخفاض اسعار النفط في الأسواق العالمية وتسببه بقلة العوائد المالية للعراق وبالتالي ارتفاع نسبة العجز المالي في الموازنة الاتحادية .وتأثير ذلك على الدولة وعلى المواطنين في المجتمع . ان الدولة الريعية ما هي الا دولة لتوزيع الريع وليست دولة منتجة. وفي الدولة الريعية والفئات التي تنشئها لخدمتها من موظفين وعسكريين , يستحيل تنازل الفئة الحاكمة عن سلطتها لأي فئة اخرى , وهذا ما نلاحظه اليوم من استخدام السلطة للقوة المفرطة في قتل المتظاهرين السلميين الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة والدستورية التي سلبتها السلطة حيث تشعر السلطة بأن مركزها مهدد من قبل المتظاهرين السلميين .
مؤشرات الدولة الريعية :
يلاحظ في العراق عدة مؤشرات للدولة الريعية :-
1. ارتفاع معدلات الانفاق الحكومي بدون الحاجة الى فرض الضرائب .
2. ضعف الهيكل الانتاجي المحلي حيث يكون الاعتماد على الاستيراد والخضوع لسياسة الاغراق السلعي .
3. ارتفاع الأهمية النسبية للصادرات الريعية كالنفط مثلا من اجمالي الصادرات تصل احيانا الى اكثر من 80% وفي العراق اكثر من 90% .
ان الاقتصاد الريعي هو الاقتصاد التداولي وليس الاقتصاد الانتاجي , ويتميز اقتصاد البلاد الذي يعتمد على تصدير النفط الخام بأنه اقتصادا رخوا لا يهتم بالصناعات التحويلية ولا بالزراعة , كما يكون له تأثير على بناء الديمقراطية في العراق , وبهذا الصدد يرى الاستاذ الدكتور صالح ياسر في كتابه ( الريوع النفطية وبناء الديمقراطية الثنائية المستحيلة في اقتصاد ريعي ) ان التناقضات بين الديمقراطية والاقتصاد الريعي هي تناقضات بنيوية وليست عابرة , وان الريعية النفطية في مثل هذه الدول هي الاقتصاد السياسي للاستبداد , واستنتج الدكتور صالح ان الدولة الريعية تمثل عاملا قويا في تثبيط التحرك نحو الديمقراطية في البلدان التي تحصل على ريع نفطي كبير , وان الدولة التي يأتيها ريع من الخارج تشهد صراعات على السلطة وانقسامات قوية , كما يحصل اليوم في العراق , وان تنويع الاقتصاد وايجاد مصادر بديلة لتمويل الميزانية العامة يظلان هدفا مركزيا كشرط للتنمية المستدامة .
ان الاقتصاد الريعي هو سبب رئيسي للتخلف وللأزمات الاقتصادية التي تصيب الدولة لأنها تعتمد في دخلها الوطني على مصدر واحد واي خلل يصيب هذا المصدر كما يجري الآن بسبب تفشي كورونا وانخفاض اسعار النفط في الأسواق العالمية وقد يستمر في الانخفاض في حالة عدم السيطرة على انتشار الفيروس الفتاك . مما سيؤثر على الدولة ونشاطها وعلى المواطنين في المجتمع .
ان الدولة الريعية ما هي الا لتوزيع الريع وليس دولة منتجة , وفي الدولة الريعية من المستحيل ان تتنازل الفئة الحاكمة عن سلطتها لأي فئة اخرى , وهذا ما نلاحظه اليوم في العراق من تشبث القوى المتنفذة بالسلطة وقيامها بقتل المتظاهرين السلميين لشعورها بتهديد مراكزهم في السلطة وامتيازاتهم
2. السمة الثانية للاقتصاد العراقي هي هيمنة القطاع العام على معظم النشاطات الاقتصادية ومساهمته بنسبة عالية في تحقيق الاستثمارات الجديدة في مختلف قطاعات الاقتصاد العراقي .
3. ان قيمة الانتاج من النفط الخام تشكل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي بجانب ضعف نسبة مساهمة الانتاج الزراعي والصناعي وبقية النشاطات.
4. ان الايرادات النفطية تشكل نسبة تفوق 90% من مجمل مصادر الميزانية العامة .
5. تخلف البنى التحتية في القطاع النفطي نتيجة لعدة عوامل مثل الحرب السابقة مع ايران 1980 -1988 والحصار المفروض على العراق للفترة من 1990 – 2003 , ثم الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وما تلا ذلك من عدم استقرار . وقد ادى ذلك التخلف الى : أ – تدني مستوى الانتاج من النفط الخام على الرغم من امتلاك العراق ثالث اكبر احتياطي من النفط الخام دوليا والذي يبلغ نحو ( 150 ) مليار برميل .
ب : تدني مستويات الانتاج المحلي من المنتجات النفطية واضطرار العراق الى استيرادها من دول اخرى وبمبالغ طائلة .
6 .اختلال التوازن الاقتصادي الكلي المتمثل بعجز العرض الكلي من السلع والخدمات المنتجة عن مواجهة الطلب الكلي وذلك بسبب عدم استغلال الموارد الاقتصادية بشكل امثل فيتم اللجوء الى الاستيرادات لسد الفجوة , ويمكن تحسس ذلك من حالة العجز في الميزان التجاري .
7. ارتفاع نسبة البطالة بشكل كبير كنتيجة لاختلال التوازن الاقتصادي الكلي .
8.استشراء ظاهرة الفساد المالي والاداري في المؤسسات الحكومية بشكل كبير يدعو الى الاسراع في معالجة هذه الظاهرة كأساس لعملية الاصلاح الاقتصادي , فقد جاء العراق كثالث اسوء حالة من الفساد المالي والاداري دوليا في عام 2008 بعد الصومال وميرامار وفقا للتقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية .
9.العجز المالي في الموازنة العامة حيث تفاقم هذا العجز بشكل كبير منذ منتصف عام 2014 بسبب الانخفاض الكبير في واردات النفط , الى جانب تنامي حجم الانفاق الحكومي الترفي وغير العقلاني وغير المبرر . فرواتب الرئاسات الثلاث والوزراء والدرجات الخاصة مبالغ بها كثيرا وهي تزيد اضعافا على رواتب نظرائهم في الدول المتقدمة والغنية الى جانب الأعداد الكبيرة من الحمايات التي ليس لها ضرورة , اذ ان رواتب ومنح ونثريات وسفرات الرئاسات الثلاث تستنفذ ربع الميزانية العراقية العامة مما يعني ان ساسة البلد الحاليين والسابقين والمتقاعدين منهم يستنزفون جزءا كبيرا من موازنة العراق فضلا عن عمليات هدر مالي كبير, حيث ان صرفيات الوقود والصيانة لعجلاتهم الحديثة ذات المواصفات الخاصة والتي لا تحتاج الى صيانة شهرية هي الاخرى تستهلك اموالا ضخمة مبالغ بها كثيرا , في الوقت الذي نجد فيه كثير من القادة السياسيين في اوربا يتوجهون الى مقار عملهم على الدراجات الهوائية او يستخدمون سياراتهم الخاصة او يستخدمون وسائل النقل العامة دون وجود أي حماية يرافقونهم ويمارسون حياتهم الطبيعة ويتسوقون مع عوائلهم دون حمايات ضخمة ترافقهم ودون ان يكلفوا الدولة أي مبالغ بعكس ما موجود لدينا حيث اننا نصنع الطغاة . وفي المقابل لن نر أي تشريعات تمس حياة الفقراء وتحد من معدلات الفقر والبطالة وتعالج مشاكل المواطنين وما اكثرها في ظل الفشل الحكومي وسوء الادارة.
المشاكل الاقتصادية التي يواجهها العراق :
من ابرز المشاكل الاقتصادية التي عجزت كل الحكومات المتعاقبة منذ 2003 والى اليوم من معالجتها وادت بالتالي الى استفحالها والى انتفاض الجماهير الشعبية في مدن الوسط والجنوب مطالبين بتغيير النظام السياسي ومحاسبة كبار الفاسدين وتوفير فرص العمل والخدمات وغيرها من المطالب المشروعة . الا ان السلطة واجهت مطالب الشعب باستخدام القوة المفرطة وقتل المتظاهرين واعتقالهم غير القانوني :
1) البطالة والتي استفحلت بشكل كبير جدا وبكافة اشكالها وشمولها لأصحاب الشهادات العليا وخريجي الكليات والمعاهد وغيرهم والتي تتراوح بين 30 – 40 %.
2) الفقر والفقر المدقع والذي ازداد حجمه في العراق لأكثر من 30% بسبب انخفاض اسعار النفط وقلة الموارد المالية للعراق وسوء الادارة والتخطيط الى جانب احتلال داعش الارهابي لثلث الأراضي العراقية والتي تم تحريرها ولكن لم تعالج اوضاعها واعادة المهجرين واعمار مناطقهم .
3) عجز الموازنة العامة والتي سجلت عجزا كبيرا طيلة السنوات السابقة والذي يتم تغطيته عن طريق الاقتراض الداخلي والخارجي .
4) الدين الخارجي : حيث ارتفعت ديون العراق الخارجية والتي تقدر بنحو 130 مليار دولار ومن صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين يحاولان فرض وصفتها الجاهزة التي تمس سيادة العراق ويجعله خاضعا لأجندات اجنبية .
5) انهيار البنى التحتية, حيث انخفضت نسبة تخصيصات النفقات الاستثمارية بالنسبة للنفقات الحكومية الإجمالية للعراق , مما اثر على اهتمام الدولة بهذا الجانب .
6) الفساد المالي والاداري : الذي يعيق عملية التنمية الاقتصادية – الاجتماعية وتؤدي الى نخر الاقتصاد من الداخل .
7) التضخم : أي انخفاض القوة الشرائية للنقود او زيادة اسعار السلع والخدمات .
8) الخصخصة : وعدم تأهيل شركات القطاع العام .حيث نجد انه بعد التغيير في 2003 وما رافقه من انهيار بنى الدولة المركزية ومؤسساته اطلقت سلطة الاحتلال تحويل بنية الاقتصاد العراقي الذي يمثل فيه قطاع الدولة وشركائه الحكومية والمختلطة دورا مهيمنا الى ( اقتصاد السوق ) وتم ازالة جميع القيود عن التجارة الخارجية وفتح الأسواق العراقية امام تدفق السلع الأجنبية دون عوائق وتلازمت هذه الوجهة مع توجه نحو تصفية الشركات العامة الصناعية عبر عدم تأهيلها وابقاءها معطلة تمهيدا لخصخصتها , الأمر الذي ادى الى الانحسار المتواصل للأنشطة الصناعية اضافة الى الزراعة والتي رفعت عنها الاجراءات الحمائية ما سمح للمنتجات المستوردة وخاصة من دول الجوار باكتساح السوق المحلية على حساب المنتجات العراقية وغزت ( ساخت ايران ) السوق العراقية .
وفيما يتعلق بموقف الحزب الشيوعي العراقي من الوضع الاقتصادي الراهن والحلول التي يراها مناسبة في هذه المرحلة الانتقالية التي يمر بها العراق :
اكد الحزب الشيوعي العراقي في برنامجه وضمن سياسته الاقتصادية – الاجتماعية على :
1) توفير شروط اعادة تدوير عجلة الاقتصاد وفي مقدمتها اعادة استتباب الأمن وتأمين حماية الأرواح والممتلكات وحسن سير القضاء .
2) تبني استراتيجية تنمية مستدامة تهدف الى توسيع وتنويع وتحديث قاعدة الاقتصاد.
3) وضع سياسة اقتصادية فعالة والقيام بالإصلاحات الضرورية وتطوير آليات وضع الموازنة العامة وتخطيط وتنفيذ البرامج الاستثمارية .
4) ان تجمع السياسة النقدية للبنك المركزي بين هدفي تحقيق الاستقرار في قيمة النقد ومكافحة التضخم من جهة اخرى وتحفيز النمو من جهة اخرى .
5) توظيف العوائد النفطية لأغراض الاستثمار والتنمية , بالدرجة الأساسية , وتأمين الرقابة والاشراف عليها من قبل المؤسسات التمثيلية للشعب .
6) مكافحة البطالة باعتبار ذلك من الأهداف الرئيسية للسياسة الاقتصادية واعطاء الأولوية الى البرامج الاستثمارية والى خلق الحوافز للمناطق والقطاعات التي عانت التمييز .
7) تنمية الموارد البشرية ورفع كفاءة العاملين عبر الارتقاء بالنظام التعليمي وبرامج التدريب المستمرة مع تشجيع البحث العلمي والابتكار وتخصيص الموارد المالية اللازمة لذلك .
8) تأكيد دور الطبقة العاملة وسائر الشغيلة ومنظماتهم النقابية في حياة المجتمع لينهضوا بدورهم في صياغة السياسات الاقتصادية – الاجتماعية وفي عملية اعادة البناء .
9) اعادة اعمار الريف وتطوير قواه المنتجة والنهوض بالقطاع الزراعي وزيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني وتحقيق الأمن الغذائي ,
10) الاهتمام بقطاع الدولة باعتباره قاعدة رئيسية للاقتصاد الوطني وعامل التوازن الاقتصادي والاجتماعي والعمل على تحديثه واصلاحه اقتصاديا واداريا بإرساء معايير الشفافية والكفاءة والمساءلة والمشاركة الديمقراطية .
11) الوقوف بوجه الدعوة الى اعتبار الخصخصة حسب وصفة المؤسسات المالية والنقدية الدولية الرأسمالية , قادرة على حل مشكلات الاقتصاد وتحقيق التنمية في مطلق الأحوال ولا سيما خصخصة مؤسسات الدولة ذات الجدوى الاقتصادية بدلا من اعادة تأهيلها واصلاح ادارتها .
12) تشجيع القطاع الخاص ومبادراته واعتماد سياسة مالية وضريبية تمييزية لصالح مشاريعه التي تساهم في تنمية قدرات البلاد الانتاجية والارتقاء بالمستوى التنافسي لمنتجاته وخلق فرص عمل جديدة .
13) محاربة الفساد الاداري والمالي والاقتصادي ودعم الهيئات الرقابية المتخصصة واستقلاليتها وتفعيل القوانين لحماية المال العام والعمل على استعادة الأموال المنهوبة .
14) توسيع وتحديث النظام المصرفي بشقيه الحكومي والخاص ليساهم بشكل فاعل في النهوض بالاقتصاد الوطني ويلعب دورا في تمويل النشاطات الاستثمارية الانتاجية ومراقبتها من قبل البنك المركزي .
15) مكافحة عمليات غسيل الأموال وانتقال الأموال غير المشروعة وتفعيل الاجراءات القانونية بحق المخالفين .
16) توفير ضمانات العيش الكريم للمواطنين وحمايتهم من الفقر والعوز بالاستخدام العادل لثروات البلاد وعوائد التنمية ومعالجة المشاكل التي تواجه المواطنين من ازمة سكن واصلاح النظام الضريبي العادل وتعديل الأجور واستكمال بناء نظام الضمان الاجتماعي الشامل والاهتمام بالصحة والتعليم المجاني.

 و لشاعرنا الكبير ( مظفر النواب ) قصيدة رائعة له من ( وتريات ليلية ):

(( يا غرباء الناس
بلادي كصناديق الشاي مهربة
ابكيك بلادي
ابكيك بحجر الغرباء
وكل الحزن لدى الغرباء , مذلة
الام ستبقى يا وطني ! ناقلة للنفط
مدهنة بسخام الأحزان
واعلام الدول الكبرى ….. ونموت مذلة ؟؟!!…. #

# عن الحوار المتمدن…

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى